عقد المقاولة من الباطن

عقد المقاولة من الباطن

يُعد عقد المقاولة من العقود التي تحتل أهمية كبرى في الوقت المعاصر نظراً للحاجة المستمرة وعلى وجه الخصوص في إنشاء أو تجديد الأبنية العقارية، وهو – عادة – عقد من العقود القائمة على الاعتبار الشخصي حيث إن رب العمل عادة ما يبحث عن مقاول يكون له من الإمكانيات والتقنيات ما تمكنه من إتمام عمله بجودة فائقة، إلا أن المقاول عادة ما يكون في حاجة إلى الاستعانة بمقاولين آخرين لمساعدته في إنجاز أعماله وهو ما يتم عن طريق عقد المقاولة من الباطن.

ويترتب على هذا العقد أننا نكون بصدد علاقات ثلاثية مُتشابكة بين رب العمل والمقاول الأصلي والمقاول من الباطن، وتكون لكل علاقة قواعدها الخاصة التي تحكمها وتنطبق عليها وهو ما سيكون موضوع حديثنا في مقالنا الحالي.

جدول المحتويات 

ماهية المقاولة من الباطن:

شروط عقد المقاولة من الباطن:

 خصائص عامة لعقد المقاولة من الباطن.

العلاقات الناشئة عن عقد المقاولة من الباطن:

انقضاء عقد المقاولة من الباطن .

أولاً ماهية المقاولة من الباطن:

1- تعريف المقاولة من الباطن:

يمكن تعريف المقاولة من الباطن بأنها عقد يعهد بمقتضاه شخص يسمى المقاول الأصلي إلى آخر يسمى المقاول من الباطن بكل أو بجزء من محل عقد المقاولة الذي أبرمه المقاول الأصلي مع رب العمل ما لم يمنع من ذلك[1].

ويعرف المشرع الفرنسي المقاولة من الباطن بأنها :”العملية التي بموجبها يعهد المقاول وتحت مسئوليته إلى شخص آخر يُدعى المقاول من الباطن بتنفيذ كل أو جزء من عقد المقاولة الأصلي أو أي صفقة أبرمت مع رب العمل”.

وقد أورد المشرع الأردني إشارة إلى فكرة المقاولة من الباطن بنصه في المادة (798) على أن: (يجوز للمقاول أن يكل تنفيذ العمل كله أو بعضه إلى مقاول آخر إذا لم يمنعه شرط في العقد أو لم تكن طبيعة العمل تقتضي أن يقوم به بنفسه، وتبقى مسئولية المقاول الأول قائمة قبل صاحب العمل).

أما عن المشرع المصري فقد خص المقاولة من الباطن بالذكر بموجب نص المادة (661) من القانون المدني والتي نصت على أن: (يجوز للمقاول أن يوكل تنفيذ العمل في جملته أو في جزء منه إلى مقاول من الباطن إذا لم يمنعه من ذلك شرط في العقد أو لم تكن طبيعة العمل تفترض الاعتماد على كفايته الشخصية، ولكنه يبقى في هذه الحالة مسئولاً عن المقاول من الباطن قبل رب العمل).

2- مدى جواز إبرام عقد مقاولة من الباطن:

يتضح من مطالعة نص كل من المشرع الأردني ونظيره المصري أن للمقاول الأصلي الحق في إبرام عقد مقاولة من الباطن يكون بمقتضاه أن يعهد إلى المقاول الثاني بجزء أو كل العمل الموكل إليه مالم يوجد ما يمنع ذلك.

ويتضح من النص أن المانع من إبرام عقد المقاولة من الباطن لا يُشترط أن يكون مُتمثلاً في نص صريح وإنما قد يكون مانع ضمني، وذلك كما لو كانت طبيعة العمل تفترض الاعتماد على كفاءة المقاول الشخصية كما يقول النص كأن كان العمل محل المقاول عملاً فنياً لجأ فيه رب العمل إلى مقاول بالذات نظراً لكفاءته الفنية[2].

ويحدث ذلك في حالة ما إذا كان العمل محل عقد المقاولة متمثل في عمل إنشائي ذات صفات معينة وتطلب إنجازه بتفاصيل دقيقة، أو أنه لوحة فنية وكان اللجوء إلى رسام بعينه ليتولى إتمامها، ففي مثل هذه الحالات فإن رب العمل يكون قد اعتمد على مقاول بعينه لكفاءته الشخصية.

وجديراً بالذكر أنه إذا ثار شك حول مدى وجود مانع ضمني لإبرام عقد مقاولة فإن هذا الشك يفسر في اتجاه المنع، فلا يحق في هذه الحالة للمقاول الأصلي أن يبرم عقد مقاولة من الباطن إلا بعد إذن من رب العمل.

ونشير إلى أن وجود شرط مانع من إبرام عقد مقاولة من الباطن – سواء كان صريحاً أو ضمنياً – لا يحول دو إمكانية أن يستعين المقاول بأشخاص آخرين فنيين أو غير فنيين لمساعدته في إتمام ما كُلف به من عمل طالما كانوا خاضعين لرقابته وتوجيهه وإشرافه، حيث نكون في هذه الحالة بصدد عقد عمل بين المقاول وهؤلاء الفنيين وليس عقد مقاولة.

وشرط المنع من إبرام المقاولة من الباطن صريحاً كان أو ضميناً يكون جائزاً دوماً أن يتم التنازل عنه سواء تم هذا التنازل بصورة صريحة أو ضمنية، حيث يكون التنازل ضمني عندما يتعامل رب العمل مع المقاول من الباطن – على الرغم من وجود الشرط المانع – ويعطيه أجره بمقدار ما يكون مدين به للمقاول الأصلي.

إلا أنه طالما وجد الشرط المانع فلا يحق للمقاول الأصلي أن يتعاقد مع مقاول آخر من الباطن وإلا أثيرت مسئوليته وفقاً للقواعد العامة، وفي هذه الحالة يكون لرب العمل أن يجبر المقاول من الباطن على أن ينفذ العمل بنفسه فإذا لم يقم بذلك يكون لرب العمل الحق في المطالبة بفسخ العقد استنادا إلى أن المقاول الأصلي قد أخل بأحد البنود التعاقدية، ويحق له طلب التعويض لجبر ما لحق به من ضرر جراء الإخلال بتنفيذ الالتزامات الواردة في عقد المقاولة الأصلي.

ثانيًا: شروط عقد المقاولة من الباطن:

1- تبعية عقد المقاولة من الباطن لعقد المقاولة الأصلي:

فوفقاً لهذ الشرط يتعين أولاً أن يوجد عقد مقاولة أصلي ويكون مستوفياً لكافة أركانه وشروط صحته، حيث أن بطلان عقد المقاولة الأصلي يستتبع بطلان عقد المقاولة من الباطن، وذلك لأن العقد الأخير هو عقد تابع للعقد الأصلي ومتفرع عنه وهذا ما يكون تطبيقاً لقاعدة “إذا سقط الأصل سقط الفرع“، وهو ما طبقته محكمة التمييز الأردنية بخصوص عقد إيجار أبرم من الباطن وذلك في حكمها رقم 1631 لسنة 2015 – محكمة التمييز بصفتها الحقوقية الصادر بتاريخ 2015-10-18 والتي قضت فيه بأن :(وحيث إن المميز وعندما أبرم عقد الإيجار مع المميز ضده فإن العلاقة العقدية تعتبر رابطة قانونية بين المتعاقدين أبرمت على أساس عقد الإيجار الأصلي وتم التعاقد حسبما جاء بمضمون هذا العقد ونتج عن هذا العقد عقد إيجار فرعي ووفقاً للقواعد العامة إذا سقط الأصل سقط الفرع وبالتالي فإن انتهاء عقد الإيجار الأصلي الذي بني عليه عقد الإيجار موضوع الدعوى ينقضي بانقضاء الأصل ما لم يتفق على خلاف ذلك).

وهذا الحكم ذاته هو ما ينطبق على عقد المقاولة من الباطن الذي ينقضي بانقضاء عقد المقاولة الأصلي ما لم يتم الاتفاق على غير ذلك.

2- قبول رب العمل بعقد المقاولة من الباطن:

أ- القبول في العقود القائمة على الاعتبار الشخصي:

عقد الاعتبار الشخصي يعني أن تكون شخصية المُتعاقدين أو أحدهما محل اعتبار في العقد، حيث إن العقد لم يكن ليبرم لولا وجود المتعاقد ذات الاعتبار الشخصي، وذلك كما في عقد العلاج مثلاً فإن المريض لا يرتضي إلا بطيب معين، أو عقد الدفاع عن متهم فإن الأخير لا يرتضي إلا بمحام بعينه، كذلك الحال في بعض عقود المقاولة التي لا يرتضي فيها رب العمل إلا بمقاول بعينه وهو من تم التعاقد معه والذي يكون ملتزماً بإنجاز العمل الذي كُلف به بنفسه.

ولكن على الرغم من ذلك يجوز أن يصرح رب العمل بموافقته على قيام المقاول الأصلي بالاستعانة بمقاول آخر لإنجاز العمل محل العقد الأصلي، إلا أنه بدون الحصول على هذا الإذن فإن عقد المقاولة من الباطن يصبح بالطلاً مالم يجزه رب العمل بعد ذلك، وهذا تطبيقاً لقاعدة “الإجازة اللاحقة كالوكالة السابقة”، أما بدون تلك الإجازة يكون العقد الثاني بالطلاً ويحق لرب العمل الرجوع على المقاول الأصلي وفقاً للقواعد العامة كما سبق بيانه لاحقاً.

وعادة ما يتم إدراج بند في عقود المقاولة القائمة على الاعتبار الشخصي يكون مؤداه أن “لا يحق للطرف الثاني التنازل عن هذا العقد للغير كلياً أو جزئياً كون سيرته المهنية والتجارية والقانونية أخذتا بعين الاعتبار عند التعاقد، وبكل الأحوال يبقى الطرف الثاني مسئولاً شخصياً تجاه الطرف الأول الذي يحتفظ بحقه بإعلان فسخ الالتزام أو إجراء تعاقد جديد على مسئولية الطرف الثاني”[3]

ب- القبول في العقود التي لا تقوم على الاعتبار الشخصي:

في هذه العقود لا تكون شخصية المُتعاقد محل اعتبار في العقد ومن ثم يضحى الأصل العام هو أن المقاول الأصلي يستطيع أن يبرم عقد مقاولة من الباطن طالما أنتفى وجود الشرط المانع في عقد المقاولة الأصلي، إذ يعد انتفاء الشرط المانع في هذه الحالة بمثابة موافقة ضمنية من رب العمل على جواز إبرام عقد مقاولة من الباطن.

ثالثا: خصائص عامة لعقد المقاولة من الباطن.

هناك مجموعة من الأحكام يجب الالتزام بها عند القيام بعقد المقاولة من الباطن ومن أهم هذه الأحكام ما يلي:

1- العلاقة بين كل من المستفيد والمقاول الأصلي تسير هذه العلاقة بناء على نصوص العقد الذي تم إبرامه بين كل من المستفيد والمقاول الأصلي.

2- العلاقة بين المقاول الأصلي والمقاول الثاني علاقة تحكمها بنود عقد المقاولة من الباطن والذي يتم عقده بين كل من المقاول الأصلي والمقاول الثاني، وينبغي على المقاول الثاني إنجاز جميع الأعمال التي تم إسنادها له خلال مدة الاتفاق عليها حسب بنود العقد نفسه وبكل الشروط الموقعة به، كما يجب عليه أيضًا تسليم العمل محل العقد، ويلتزم بالأجر المتفق عليه مع المقاول الثاني، ويجوز للمقاول من الباطن أن يحبس المعقود حتى يقوم بسداد أجره.

3- من الواضح عدم وجود علاقة واضحة بين المقاول من الباطن وبين المستفيد، وبالتالي فليس هناك حق للمستفيد  في أن يطلب المقاول من الباطن بتنفيذ جميع ما تم الاتفاق عليه معه، بالإضافة لأنه لا يجوز للمقاول من الباطن أن يطالب الشخص المستفيد بالأجر الذي قد تم الاتفاق عليه مع المقاول الأصلي، ولكن في الوقت ذاته نلاحظ أنه يجوز للمقاول من الباطن في حالة عدم حصوله على الأجر المنصوص عليه  في عقد المقاولة من الباطن أن يعود للمستفيد الذي لا توجد علاقة واضحة بينه [4]، وذلك وفق قاعدة ” أن من تصرف في ملك غيره بما يعود بالنفع على هذا الغير، فإن ما فعله يعتبر ملزمًا للمستفيد، دون حاجة إلى إذن سابق أو إجازة لاحق”.

رابعا: العلاقات الناشئة عن عقد المقاولة من الباطن:

1- علاقة رب العمل بالمقاول الأصلي:

تحكم هذه العلاقة عقد المقاولة الأصلي وهو الذي يبين كافة الالتزامات التي تثقل كاهل كل من طرفي العلاقة التعاقدية، ولا يكون لرب العمل شأن بالمقاول من الباطن حيث إن عقد المقاولة من الباطن لا يُكسِب رب العمل حقاً ولا يثقله بالتزامات حيث يُعد رب العمل من الغير بالنسبة للعقد المبرم بين المقاول الأصلي والمقاول من الباطن.

وبالتالي يكون رب العمل مُلزم تجاه المقاول الأصلي بمقتضى العقد المبرم بينهم بحيث يتعين عليه أن يمكنه من إنجاز العمل المُكلف به ويلتزم فضلاً عن ذلك بالأجر المُتفق عليه حيث يتعين عليه أن يؤديه إلى المقاول الأصلي وليس إلى المقاول من الباطن.

ويكون المقاول الأصلي ملتزم قبل رب العمل بإتمام العمل المُتفق عليه، وجديراً بالذكر أن التزام المقاول الأصلي في هذه الحالة لا يخضع فقط للقواعد العامة، بل أن هناك عدة التزامات أخرى قد قررها المشرع في هذا الصدد نذكر منها:

  • نص المشرع الأردني في المادة (786) من القانون المدني على أن: (يضمن المقاول ما تولد عن فعله وصنعه من ضرر أو خسارة سواء أكان بتعديه أو تقصيره أم لا وينتفي الضمان إذا نجم ذلك عن حادث لا يمكن التحرز منه).
  • فضلاً عن المشرع الأردني قد ألزم المقاول بضمان التهدم خلال عشر سنوات من تاريخ تسليم العمل وهو ما يتضح من نص المادة (788) من القانون المدني الأردني والتي نصت على أن (إذا كان عقد المقاولة قائما على تقبل بناء يضع المهندس تصميمه على أن ينفذه المقاول تحت إشرافه كانا متضامنين في التعويض لصاحب العمل عما يحدث في خلال عشر سنوات من تهدم كلي أو جزئي فيما شيداه من مبان أو أقاماه من منشآت، وعن كل عيب يهدد متانة البناء وسلامته إذا لم يتضمن العقد مدة أطول).وهذا النص يقابله نص المادة (651) من التشريع المدني المصري والتي نصت على أن (يضمن المهندس المعماري والمقاول متضامنين ما يحدث خلال عشر سنوات من تهدّم كلي أو جزئي فيما شيّدوه من مبان أو أقاموه من منشآت ثابتة أخرى وذلك ولو كان التهدّم ناشئاً عن عيب في الأرض ذاتها، أو كان رب العمل قد أجاز إقامة المنشآت المعيبة، ما لم يكن المتعاقدان في هذه الحالة قد أرادا أن تبقى هذه المنشآت مدة أقل من عشر سنوات).
    وقد قرر المشرع المصري أن الضمان الوارد في المادة السابقة مُتعلق بالنظام العام ومن ثم فلا يجوز الاتفاق على ما يخالفه وهو ما يتضح من نص المادة (653) والتي قضت بأن (يكون باطلاً كل شرط يقصد به إعفاء المهندس المعماري والمقاول من الضمان أو الحدّ منه)، وذات الحكم الذي قرره المشرع الأردني بنصه في المادة (790) على أن (يقع باطلا كل شرط يقصد به إعفاء المقاول أو المهندس من الضمان أو الحد منه).

2- علاقة المقاول الأصلي بالمقاول من الباطن:

يحكم هذه العلاقة عقد المقاولة من الباطن، وجديراً بالذكر أن عقدي المقاولة الأصلي والمقاولة من الباطن لا يُشترط أن يكونا متطابقين حيث إنه في الغالب أن يوجد العديد من الاختلافات بينهم ويتجلى ذلك في أن الأجرة المُتفق عليها بين المقاول الأصلي والمقاول من الباطن ستكون أقل من تلك المُتفق عليها بين رب العمل والمقاول الأصلي، فضلاً عن العمل الذي سينفذه المقاول من الباطن لا يشترط أن يكون متطابق مع عمل المقاول الأصلي حيث إن المقاول من الباطن قد يكون مُكلف فقط بجزء من عمل المقاول الأصلي.

ويكون المقاول الأصلي ملتزم في مواجهة المقاول من الباطن بأن يمكنه من إنجاز العمل الموكل إليه، وأن يقوم بتنسيق الأعمال معه، ومن ثم فإذا أخل المقاول الأصلي بأحد هذه الالتزامات جاز للمقاول من الباطن أن يطالبه بالتنفيذ العيني أو أن يطالب بفسخ عقد المقاولة من الباطن مع التعويض أن كان له مُقتضى.

ويلتزم المقاول الأصلي بتسلم العمل من المقاول من الباطن بعد إنجازه[5]، فإذا امتنع المقاول الأصلي عن تسلم العمل بعد إعذاره اعتبر أنه قد تسلمه، ولكن يحق للمقاول الأصلي أن يمتنع عن تسلم العمل في حالة تعيب العمل الذي قام به المقاول من الباطن أو أنه يخالف الشروط التي اتفقا عليها وقت إبرام عقد المقاولة من الباطن.

أما المقاول من الباطن فيلتزم بتسليم العمل المتفق عليه في الزمان المحدد بمقتضى عقد المقاولة من الباطن، فإذا لم يكن هناك ميعاد محدد وجب عليه تسليم العمل في الميعاد المعقول وفقاً لطبيعة وعرف الحرفة، فإذا أخل بتنفيذ ما عليه من التزامات فإن المقاول الأصلي له أن يطلب التنفيذ العيني أو أن يطالب بفسخ العقد والتعويض أن كان له مقتضى وفقاً لما يحدده قاضي الموضوع.

وفي هذا تقضي محكمة النقض المصرية في حكمها رقم ١٤٠٢٤ لسنة ٨٢ قضائية الصادر بجلسة ٢٠١٤/٠٣/١٧ والتي قضت فيه بأن (إذ كان النص في الفقرة الأولى من المادة ٦٥٨ والمادة ٦٦١ من القانون المدني مفادهما ، أن للمقاول أن يقاول من الباطن في كل العمل أو جزء منه ، مالم يوجد شرط في العقد يمنعه من ذلك ، وأن العلاقة ما بين المقاول الأصلي والمقاول من الباطن ، هي علاقة رب عمل بمقاول ، ينظمها عقد المقاولة من الباطن فيكون المقاول الأصلي بالنسبة إلى المقاول من الباطن رب عمل ، عليه جميع التزامات رب العمل ، ويكون المقاول من الباطن بالنسبة للمقاول الأصلي مقاولاً ، عليه جميع التزامات المقاول ، وأن المقاول الأصلي يلتزم بدفع الأجر إلى المقاول من الباطن ، وفقاً للاتفاق فيما بينهما ، فإن لم يكن هناك اتفاق على مقدار الأجر ، وجب الرجوع في تحديد هذا المقدار إلى قيمة العمل ، الذى قام به المقاول من الباطن والنفقات التي صرفها ، في إنجازه وفقاً للمادة ٦٥٩ من القانون المدني).

مدى مسئولية المقاول من الباطن تجاه المقاول الأصلي:

ويكون المقاول من الباطن مسئولاً تجاه المقاول الأصلي عن العيوب التي تعتري العمل الذي قام بتسليمه إلا إذا تسلم المقاول الأصلي هذا العمل وقبل به، ويجب أن ننوه في هذا المقام إلى أن المقاول من الباطن لا يكون مسئولاً عن تلك العيوب لمدة العشر سنوات التي يلتزم بها المقاول الأصلي تجاه رب العمل، ذلك أن المقاول الأصلي يفترض فيه أنه من أهل الخبرة ومن ثم فلا يوجد مقتضى لإضفاء تلك الحماية عليه، إذن فإن رجوع المقاول الأصلي على المقاول من الباطن فيما يتعلق بالعيوب التي تعتري العمل يكون بمقتضى القواعد العامة.

وهذا ما تؤكده محكمة النقض المصرية في حكمها رقم ٣٧٢٧ لسنة ٧٦ قضائية الصادر بجلسة ٢٠١٧/٠١/٢٦ والتي قضت فيه بأن (المقرر – في قضاء محكمة النقض – أنه ولئن كانت المادة ٦٥١ من القانون المدني – التي تجعل المقاول ضامناً لما يحدث خلال عشر سنوات من تهدم في المبنى أو المنشآت الثابتة الأخرى ولجميع ما يوجد فيها من عيوب يترتب عليها تهديد متانة البناء وسلامته – لا تسرى على العلاقة بين المقاول الأصلي والمقاول من الباطن ، إلا أن الأخير يكون ضامناً لعيوب البناء في حدود القواعد العامة ، وفى المدة المتفق عليها مع المقاول الأصلي).

3- علاقة رب العمل بالمقاول من الباطن:

لما كان رب العمل والمقاول من الباطن لا تربطهما علاقة عقدية فيترتب على ذلك انتفاء وجود علاقة مباشرة بينهم، إلا أن ذلك لا ينفي وجود علاقة غير مباشرة تربط رب العمل بالمقاول من الباطن.

حيث إن رب العمل ليس له أن يطالب المقاول من الباطن بتنفيذ ما عليه من التزامات لأن هذا الحق مخول فقط للمقاول الأصلي استنادا للعلاقة التعاقدية التي تربطه بالمقاول من الباطن، وكذلك – وفي الناحية العكسية – لا يحق للمقاول من الباطن أن يطالب رب العمل بتمكينه من تنفيذ التزاماته، فضلاً عن أنه لا يحق له أن يطالب رب العمل بالأجرة المُتفق عليها.

ولكن تجدر الإشارة في هذا المقام إلى نص المادة (662) من القانون المدني المصري التي نصت على أن (يكون للمقاولين من الباطن وللعمال الذين يشتغلون لحساب المقاول في تنفيذ العمل، حق مطالبة رب العمل مباشرةً بما لا يجاوز القدر الذي يكون مديناً به للمقاول الأصلي من وقت رفع الدعوى. ويكون لعمال المقاولين من الباطن مثل هذا الحق قبل كل من المقاول الأصلي ورب العمل).

ومن ثم يبين المشرع المصري إمكانية وجود علاقة مباشرة بين رب العمل والمقاول من الباطن تمكن الأخير من أن يطالب رب العمل بأجر لا يجاوز المتفق عليه بين رب العمل والمقاول الأصلي.

إلا أن المشرع الأردني قد أورد عكس النص السابق ويتضح ذلك من خلال نص المادة (799) من التقنين المدني والتي نصت على أن: (لا يجوز للمقاول الثاني أن يطالب صاحب العمل بشيء مما يستحقه المقاول الأول الا إذا أحاله على رب العمل).

إذن فالمشرع الأردني لم يمنح المقاول من الباطن دعوى مباشرة تجاه رب العمل كما فعل نظيره المصري، وأقتصر على أن العلاقة بين رب العمل والمقاول من الباطن لا تنشئ إلا إذا أحال المقاول الأصلي حقه إلى المقاول من الباطن بمقتضى حوالة الحق المقررة بموجب نص المادة (1002) والتي نصت على أن (يثبت للمحال له حق مطالبة المحال عليه ويبرأ المحيل من الدين ومن المطالبة معاً إذا انعقدت الحوالة صحيحة).

وفي هذا الصدد تقضي محكمة التمييز الأردنية في حكمها رقم 5285 لسنة 2020 – محكمة التمييز بصفتها الحقوقية الصادر بتاريخ 2020-12-31 والتي قضت فيه بأن (لما كانت المادة (798/1) من القانون المدني، تجيز للمقاول أن يحيل تنفيذ العمل كله أو بعضه إلى مقاول آخر إذا لم يمنعه شرط في العقد أو لم تكن طبيعة العمل تقتضي أن يقوم به بنفسه، وبحسب المادة (799) من القانون ذاته فإنه لا يجوز للمقاول الثاني أن يطالب صاحب العمل بشيء مما يستحقه المقاول الأول إلا إذا أحاله على رب العمل، وأن ما يحكم علاقة المقاول من الباطن بصاحب العمل المادتين (798 و799) من القانون المدني، حيث يستفاد من المادة (799) من القانون المدني أنه يجوز للمقاول الأصلي أن يحيل المقاول الفرعي على صاحب العمل باستحقاقاته كلها أو بعضها حوالة دين تبرأ فيه ذمة المحيل من دين المقاول الفرعي عملاً بأحكام المادة (1002) مدني، وإذا تمت حوالة الحق بين المحيل والمحال عليه والمحال له، فقد انعقدت الحوالة صحيحة وهي ملزمة لأطرافها ولا يحق للمحيل إذا أحال دين المحال له على المحال عليه الرجوع عن عقد الحوالة عملاً بأحكام المواد (993 و994 و996/1 و1102) من القانون المدني، ولا يجوز للمحال عليه أن يمتنع عن وفاء الدين للمحال له وفقاً لأحكام المادة (1008) من القانون المدني).

4- انتفاء مسئولية المقول من الباطن تجاه رب العمل:

وفقاً لما قرره المشرع الأردني من انتفاء وجود ثمة علاقة بين المقاول من الباطن ورب العمل فإنه يترتب على ذلك أن المقاول الأصلي يظل مسئولاً مسئولية كاملة أمام رب العمل عن أي عمل يقوم به المقاول من الباطن.

 وهذا ما تؤكد عليه محكمة صلح حقوق عمان في حكمها رقم 12891 لسنة 2016 – صلح حقوق عمان الصادر بتاريخ 2018-10-24 والتي قضت فيه بأن (ويبقى المقاول الأصلي ملتزماً نحو رب العمل، والتزاماته تنشأ عن عقد المقاولة الأصلي، لا عن عقد المقاولة من الباطن، فيلتزم نحو رب العمل بإنجاز العمل محل عقد المقاولة الأصلي وتسليم المحل بعد إنجازه لرب العمل، ويدخل في ذلك العمل الذي انجزه المقاول من الباطن، ويلتزم بضمان العمل. ولا يكون المقاول من الباطن مسؤولاً نحو رب العمل، بل نحو المقاول الأصلي، حيث لا تقوم علاقة مباشرة بين رب العمل والمقاول من الباطن وهكذا تكون العلاقة بين رب العمل والمقاول من الباطن علاقة غير مباشرة حيث لا يطالب رب العمل المقاول من الباطن مباشرة، بل يطالب بها المقاول الأصلي).

خامسا :انقضاء عقد المقاولة من الباطن .

نص القانون المدني الأردني خصوصا وأغلب القوانين المدنية المقارنة على حالات انتهاء أو انقضاء المقاولة وهي تقريبا نفس الحالات الخاصة بانتهاء عقد مقاولة وهي نفس حالات انقضاء عقد المقاولة من الباطن وهي كالآتي:

  • إنجاز العمل المتفق عليه: إذا أنجز المقاول الفرعي العمل المطلوب منه، لم يبق مسوغ لبقاء عقد المقاولة من الباطن.
  • فسخ عقد المقاولة من الباطن بالتراضي أو بالقضاء: ينتهي العقد باتفاق الطرفين على إنهائه أو فسخه، فإن لم يتفقا على ذلك، جاز فسخه قضاءً بطلب أحد الطرفين.[6]
  • فسخ العقد لعذر: إذا حدث عذر يحول دون تنفيذ العقد، أو إتمام تنفيذه، جاز لأحد عاقديه أن يطلب فسخه أو إنهاءه حسب الأحوال، كما تفسخ الإجارة في مذهب الحنفية بالأعذار الطارئة، فإذا تضرر أحد العاقدين بالفسخ، جاز له مطالبة الطرف الآخر بالتعويض المتعارف عليه.
  • عجز المقاول الفرعي عن إتمام العمل: إذا أصبح المقاول الفرعي عاجزاً عجزاً كلياً عن إتمام العمل لسبب لا يد له فيه من مرض أو حادث جسيم، فإن عقد المقاولة من الباطن تنتهي، ويستحق المقاول من الباطن قيمة ما أتم من الأعمال وما أنفق في سبيل التنفيذ.
  • موت المقاول: ينتهي عقد المقاولة بموت المقاول إذا كان متفقاً مع صاحب العمل على أن يعمل بنفسه أو اعتباراً بمؤهلاته الشخصية.

————-

[1] عقد المقاولة من الباطن – حشاش حليمة، والعوادي حنان – مذكرة تخرج لنيل شهادة الماستر – 2016 – ص8.

[2] الأستاذ الدكتور عبد الرزاق أحمد السنهوري – الوسيط في شرح القانون المدني الجديد العقود الواردة على العمل (الجزء السابع – المجلد الأول) – ص 209.

[3] المقاولة من الباطن – لارا مارون ونا – رسالة أعدت لنيل شهادة الماستر – 2019 – ص46.

[4] أعلام الموقعين 3/400 تحقيق الشيخ محيي الدين عبد الحميد.

[5] الأستاذ الدكتور عبد الرزاق أحمد السنهوري – الوسيط في شرح القانون المدني الجديد العقود الواردة على العمل (الجزء السابع – المجلد الأول) – ص 214.

[6] المادة 1017 من القانون المدني رقم (43) لعام 1976.

إعداد/ أحمد منصور.

Photo by Anamul Rezwan on Pexels.com

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s