الإكراه كعيب للإرادة

الإكراه

187 – الرهبة هي التي تفسد الرضاء : الإكراه ضغط تتأثر به إرادة الشخص فيندفع إلى التعاقد . والذي يفسد الرضاء ليست هي الوسائل المادية التي تستعمل في الإكراه ، بل هي الرهبة التي تقع في نفس المتعاقد . كما أن الذي يفسد الرضاء في التدليس ليست هي الطرق الإحتيالية ، بل ما تحدثه هذه الطرق في نفس المتعاقد من التضليل والوهم .

188 – الإكراه الذي يفسد الرضاء والإكراه الذي يعدمه : والإكراه وأن كان يفسد الرضاء على النحو المتقدم ، إلا أنه لا يعدمه . فالمكره إرادته موجودة ، ولو انتزعت منه هذه الإرادة رهبة ، لأنه خير بين أن يريد أو أن يقع به المكروه الذي هدد به ، فاختار اهون الضررين وأراد ، إلا أن الإرادة التي صدرت منه هي إرادة فاسدة ، لأنها لم تكن حرة مختارة .

وإنما يعدم الإكراه الرضاء إذا انتزع الرضاء عنوة لا رهبة ، كما إذا امسك المكره بيد المكره وأجرى القلم في يده بالتوقيع على التزام . ففي هذه الحالة يكون العقد باطلا لانعدام الرضاء .

189 – الإكراه هو أيضاً عمل غير مشروع : وينبغي أن تنظر إلى الإكراه – كما نظرنا إلى التدليس – من ناحيتين : الناحية التي يكون الإكراه فيها عيباً من عيوب الإرادة فيبطل العقد ، والناحية التي يكون الإكراه فيها عملا غير مشروع فتترتب عليه المسئولية عن التعويض . وسنرى فيما يلي هاتين الناحيتين في الإكراه .

190 – النصوص القانونية : وكان القانون القديم يشتمل على نص واحد في الإكراه هو نص المادتين 135 / 195 ، وهو يقضى بأنه ” لا يكون الإكراه موجباً لبطلان المشارطة إلا إذا كان شديداً ، بحيث يحصل منه تأثير لذوى التمييز مع مراعاة سن العاقد وحالته والذكورة والأنوثة ” . وهذا النص يفضل نصوص القانون الفرنسي التي نقل عنها ، إذا تجنب الخوض في كثير من التفصيلات التي عرضت لها هذه النصوص ( [1] ) ، واقتصر على وضع معيار مرن . إلا أنه خلط ما بين معيار موضوعي هو معيار ذي التمييز ( personne raisonnable ) ومعيار ذاتي هو معيار العاقد بالذات . وقد نقل هذا الخلط عن القانون الفرنسي ( [2] ) .

أما القانون الجديد فقد تجنبت نصوصه هذا الخلط ، فاقتصرت على المعيار الذاتي وهو المعيار الصحيح ، وعرضت لعناصر الإكراه في نصين ، هما لمادتان 127 و 128 .

وتنص المادة 127 على ما يأتي :

 ” 1 – يجوز إبطال العقد للإكراه إذا تعاقد شخص تحت سلطان رهبة بعثها المتعاقد الآخر في نفسه دون حق وكانت قائمة على أساس .

 2 – وتكون الرهبة قائمة على أساس إذا كانت ظروف الحال تصور للطرف الذي يدعها أن خطرا جسيما محدقا يهدده هو أو غيره في النفس أو الجسم أو الشرف أو المال .

 3 – ويراعي في تقدير الإكراه جنس من وقع عليه الإكراه وسنه وحالته الاجتماعية والصحية وكل ظرف أخر من شأنه أن يؤثر في جسامة الإكراه ( [3] ) ” .

وتنص المادة 128 على ما يأتي :

 ” إذا صدر الإكراه من غير المتعاقدين ، فليس للمتعاقد المكره أن يطلب إبطال العقد ، ما لم يثبت أن المتعاقد الآخر كان يعلم أو كان من المفروض حتما أن يعلم بهذا الإكراه ( [4] ) ” .

191 – عنصران للإكراه : ويستخلص من هذه النصوص أن عناصر الإكراه ، كعناصر التدليس ، اثنان : 1 – استعمال وسائل للإكراه تهدد بخطر جسيم محدق ، وهذا هو العنصر الموضوعي . 2 – رهبة في النفس يبعثها الإكراه فتحمل على التعاقد ، وهذا هو العنصر النفسي .

وهذان العنصران كافيان ، ولا يهم بعد ذلك ما إذا كان الإكراه صادراً من أحد المتعاقدين ، أو من الغير ، أو من ظروف خارجية تهيأت مصادفة .

ونتناول بالبيان كلا من العنصري الموضوعي والنفسي ، وننتقل بعد ذلك إلى الجهة التي صدر منها الإكراه هل هي أحد المتعاقدين . أو الغير أو مجرد المصادفة ( [5] ) .

1 – استعمال وسائل للإكراه تهدد بخطر جسيم محدق

192 – تحليل هذا العنصر : لا بد من استعمال وسائل للإكراه تقع على الحس أو على النفس . فتهدد المتعاقد المكره ، أو شخصاً عزيزاً عنده ، بخطر جسيم محدق بالنفس أو بالمال . ووسائل الإكراه تكون في العادة غير مشروعة يقصد بها الوصول إلى غرض غير مشروع . وقد تستعمل وسائل مشروعة للوصول إلى غرض غير مشروع فيتحقق الإكراه : من ذلك أن يستغل صاحب الحق المطالبة بحقه لابتزاز فائدة غير مشروعة من المدين ، ومن ذلك أيضاً أن يستغل صاحب الشوكة والنفوذ الأدبي شوكته ونفوذه ليحقق غرضاً غير مشروع .

فنتكلم إذن فيما يأتي : ( 1 ) الإكراه الحسي والإكراه النفسي ( 2 ) الخطر الجسيم المحدق بالنفس أو بالمال إذا هدد المتعاقد نفسه ( 3 ) هذا لخطر إذا هدد غير المتعاقد ( 4 ) المطالبة بحق كوسيلة للإكراه ( 5 ) الشوكة والنفوذ الأدبي .

193 – الإكراه الحسي والإكراه النفسي : وسائل الإكراه أما أن تقع على الجسم ، كالضرب المبرح والإيذاء بأنواعه المختلفة ، وهذا ما يسمى بالإكراه الحسي ( violence physique ) لنه يقع على الحس ، وهو نادر لاسيما في الأوساط المتحضرة . وإما أن تكون الوسيلة تهديداً بإلحاق الأذى دون إيقاعه بالفعل أو إحداثاً لألم نفسي ، وهذا ما يسمى الإكراه النفسي ( violence morale ) لأنه يوقع في النفس رهبة أو ألماً ، وهذا هو الإكراه الأكثر وقوعاً في الحياة العملية . وليس هناك فرق بين الإكراه الحسي والإكراه النفسي ، فكل وسيلة من وسائل الإكراه ، سواء وقعت على الجسم أو على النفس ، تفسد الرضاء وتجعل العقد قابلا للإبطال .

194 – خطر جسيم محدق بالنفس أو بالمال يهدد المتعاقد نفسه : ولكن لما كان الإكراه النفسي هو الأكثر وقوعاً كما قدمنا ، فإن كلامنا ينصرف في الغالب إليه . وهو الذي يوقع في نفس المتعاقد المكره أن خطراً جسيما محدقاً يهدده هو أو غيره في النفس أو الجسم أو الشرف أو المال ( [6] ) ” .

فالخطر يجب أن يكون جسيما ، والعبرة في جسامة الخطر بحالة المكره النفسية . فلو كانت وسائل الإكراه التي استعملت غير جدية ، ولكنها مع ذلك أوقعت الرهبة في نفس المكره وصورت له أن خطراً جسيماً يهدده ، فإن هذا يكفي لإفساد الرضاء . وذلك كما إذا هدد شخص آخر بعمل من أعمال الشعوذة ، كأن يلحق الأذى بمواشيه من طريق السحر ” والتعزيم ” ، أو هدده بأن له قدرة على ” الربط والحل ” ، أو نحو ذلك مما يقع كثيراً في الأوساط القروية الساذجة .

والخطر يجب أن يكون محدقاً ( imminent ) أي وشيك الوقوع . فلو كان التهديد بخطر يتراخى وقوعه إلى أجل يتمكن معه المتعاقد من اتخاذ الحيطة لنفسه ، فإن هذا التهديد لبس من شأنه عادة أن يوقع في النفس الرهبة التي تفسد الرضاء . على أن الأمر منوط بحالة المتعاقد النفسية ، فقد ننبعث في نفسه رهبة من التهديد بخطر بعيد الأجل ، فيكفي هذا لإفساد الرضاء . فالعبرة إذن بوقوع الرهبة حالا في نفس المتعاقد ، لا بأن الخطر حال أو محدق ( [7] ) .

والخطر إما أن يصيب المتعاقد في جسمه أو نفسه ، كخطر يقع على حياته أو على سلامة أعضائه أو الم نفسي ينزل به . وإما أن يقع على شرفه واعتباره بين الناس أو على الثقة فيه لا سيما إذا كانت مهنته تقتضي التوفر على هذه الثقة كما في التجارة . وإما أن يقع على ماله ، كما إذا هدد في مزروعاته بالإتلاف أو في داره بالحريق . فالخطر الذي يقع على أي شيء يحرص المتعاقد على سلامته يكفي لتحقق الإكراه .

195 – الخطر يهدد الغير : وليس من الضروري أن يهدد الخطر المتعاقد المكره نفسه ، فقد يهدد شخصاً غيره عزيزاً عليه فيعتبر الإكراه متحققاً بذلك . وهذا ما تنص عليه صراحة الفقرة الثانية من المادة 127 التي تقدم ذكرها ، فهي تجيز أن يهدد الخطر الجسيم المحدق المتعاقد المكره نفسه ” أو غيره ” . وقد كان المشروع التمهيدي للقانون الجديد يشترط أن يكون الغير هو أحد أقارب المتعاقد ( [8] ) ، ولكن رؤى بحق في المشروع النهائي العدول عن هذا الشرط . فليس صحيحاً أن الأقارب هم كل الناس الذين ينزلهم الشخص منزلة نفسه ، فهناك الزوج والزوجة ، والخطيب والخطيبة ، بل والأصدقاء ، قد يكون فيهم من يعزهم الشخص إعزازاً يجعله يتأثر مما يتعرضون له من الخطر إلى حد أن تفسد إرادته تحت تأثير الخوف الذي يقع في نفسه من جراء ذلك . وليس صحيحاً كذلك أن كل الأقارب ينزلهم الشخص منزلة نفسه ، ويتأثر من الخطر الذي يهددهم تأثراً يفسد رضاه . والأولى أن يترك تقدير ذلك للظروف ، فلا يذكر فريق معين من الناس على زعم إنهم هم الاعزاء دون غيرهم . وإنما ينظر القاضي في كل حالة إلى ظروفها الخاصة ، ويقدر علاقة المتعاقد بمن يهدده الخطر ، هل هي علاقة وصلت إلى الحد الذي يجعل المتعاقد يتأثر من هذا الخطر بحيث تفسد إرادته فيبطل العقد ، لا فرق في ذلك بين قريب وزوج وخطيب وصديق ( [9] ) .

196 – المطالبة بحق كوسيلة للإكراه : والإكراه يتحقق عادة باستعمال وسائل غير مشروعة للوصول إلى غرض غير مشروع . فتهدد شخص بقتله أو بإحراق منزله إذا لم يمض التزاماً ، أو بقتل ولد له اختطفه المكره إذا لم يمض تعهداً بدفع الفدية ، أو بالتشهير به إذا لم يتعهد بدفع قدر من المال ، كل هذه الوسائل غير مشروعة للوصول إلى غرض غير مشروع .

أما إذا كانت الوسائل مشروعة في ذاتها ويراد بها الوصول إلى غرض مشروع ، بأن يضغط شخص على إرادة شخص آخر من طريق المطالبة يحق له عليه ، ولا يقصد بهذا الضغط إلا الوصول إلى حقه ، فلا يبطل العقد للإكراه ، كالدائن يهدد المدين بالتنفيذ على ما له إذا لم يعطه تأميناً على عين بالذات ، فيعطيه المدين رهناً ، فلا يبطل عقد الرهن في هذه الحالة ، لأن الوسائل التي استعملت للضغط على إرادة المدين وسائل مشروعة ولا يقصد بها الدائن إلا الوصول إلى حقه وهو غرض مشروع . وكذلك إذا هدد شخص آخر بتقديمه بلاغاً إلى النيابة العامة يتهمه فيه بالتبديد إذا لم يكتب له سنداً بما أودعه عنده من مال ، فهذا الإقرار الصادر منه لا يبطل للإكراه ، لأن الوسائل التي استعملت مشروعة ويراد بها الوصول إلى غرض مشروع هو إثبات حق موجود . وكذلك إذا هددت الزوجة زوجها بأن تحبسه في نفقتها أن لم يستند ويعطها ما تنفقه ، فلا يبطل عقد القرض للإكراه . هذا ونص القانون الجديد صريح في أن الإكراه لا يتحقق إلا إذا كانت الرهبة قد بعثت ” دون حق ” في نفس المتعاقد المكره ( [10] ) .

على أنه إذا استعملت الوسائل المشروعة للوصول إلى غرض غير مشروع ، واستغل الدائن قيام حقه في المطالبة فضغط على إرادة مدينه ، لا للوصول إلى حقه فحسب ، بل ليبتز من المدين ما يزيد على حقه ، فإن الإكراه يتحقق ويبطل العقد . فمن فاجأ شخصاً متلبساً بجريمة ، فاستغل هذا الظرف واضطر إلى كتابة سند بمبلغ كبير من المال لاحق له فيه ، جاز إبطال العقد للإكراه . أما إذا استكتبه سنداً بمبلغ هو مقدار ما أصابه من الضرر بسبب ارتكاب الجريمة ، فإن الغرض هنا مشروع والعقد صحيح . وإذا هدد دائن مدينه بأن يعلن إفلاسه وابتغى من وراء ذلك الحصول على مال أكثر من حقه ، كان هذا إكراهاً ، أما إذا حصل على حقه فإن الغرض يكون مشروعاً ولا يكون هناك إكراه ( [11] ) .

197 – الشوكة والنفوذ الأدبي : ومجرد الشوكة والنفوذ الأدبي الذي قد يكون لشخص على آخر ، سواء ارتبطا بصلة النسب كما بين الأب وولده ، أو اتصلا برابطة الزوجية أو المصاهرة ، أو لم يتصلا بشيء من ذلك كما بين الوصي والقاصر إذا لم يكونا من ذوي القربى وبين الأستاذ والطالب وبين ذى النفوذ الديني والمتدين وبين الريس والمرؤوس ، لا يكفي عادة ليكون وسيلة للإكراه ، ذلك أن استعمال النفوذ الأدبي والشوكة أمر مشروع ما دام القصد من ذلك الوصول إلى غرض مشروع ( [12] ) .

أما إذا قصد الوصول إلى غرض غير مشروع ، فلا يوجد في هذه الحالة ما يمنع من الطعن في العقد بالإكراه ( [13] ) . ولا شك في أن موقف الزوجة من زوجها والزوج ذو شوكة على زوجته ، وموقف الولد من أبيه وهو يخفض له جناح الذل من الرحمة ، وموقف المتدين من رئيس ديني والدين ذو اثر عميق في النفس ، وموقف المرؤوس من رئيسه وفي يد هذا إبقاؤه في العمل أو فصله ، كل هذه مواقف قد تتأثر فيها إرادة الشخص إلى حد كبير ، وليس من الصواب أن يقال إن الشخص يتعاقد مختاراً فيها . فإذا أريد بالعقد وصول إلى غرض غير مشروع ، كعقد التزام باهظ يثقل كاهل الملتزم . أو ما كان يرضاه لولا موقفه ممن يتعاقد معه ، فإن العقد يجوز إبطاله للإكراه ( [14] ) .

ب – رهبة تحمل على التعاقد

198 – وجوب الأخذ بالمعيار الذاتي : قدمنا أن المادة 127 من القانون الجديد تقضي بأنه يجوز إبطال العقد للإكراه إذا تعاقد شخص تحت سلطان رهبة بعثها المتعاقد الآخر في نفسه دون حق ز . . ويراعى في تقدير الإكراه جنس من وقع عليه هذا الإكراه وسنه وحالته الاجتماعية والصحية وكل ظرف آخر من شأنها أن يؤثر في جسامة الإكراه . وهذا النص قاطع في أن القانون الجديد يأخذ في الإكراه بمعيار ذاتي محض . وقد كان القانون القديم ( م 135 / 195 ) يخلط بين المعيار الذاتي والمعيار الموضوعي مقلداً في ذلك القانون الفرنسي كما سبق القول ( [15] ) .

ولا شك في أن القانون الجديد أحسن صنعاً بالاقتصار على المعيار الذاتي وعدم الخلط بينه وبين المعيار الموضوعي ، فإن الإكراه ، كالغلط وكسائر عيوب الرضاء ، ظاهرة من الظواهر النفسية لا يجوز الأخذ فيها بغير المعيار الذاتي ( [16] ) . وهذا ما جرى عليه القضاء والفقه في مصر حتى في ظل القانون القديم ( [17] ) . وهذا هو أيضاً ما أخذت به الشريعة الإسلامية ( [18] ) والقوانين الأجنبية الحديثة ( [19] ) .

فيجب إذن أن تكون الرهبة التي بعثها إلى نفس المتعاقد المكره التهديد بخطر جسيم محدق في النفس أو الجسم أو الشرف أو المال رهبة قد ضغطت على إرادته بحيث أصبح مسلوب الحرية لا اختيار له فيما أراد ، وأن هذه الرهبة هي التي حملته على التعاقد ودفعته إليه دفعاً . فالرهبة إذن تكون قد افسدت إرادته ، وهذه هي المسألة الجوهرية التي يجب الوقوف عندها ، واليها ترد سائر المسائل في الإكراه . وما تقدم ذكره من وجوب التهديد بخطر في النفس أو الجسم الو الشرف أو المال ، ومن أن الخطر يجب أن يكون جسيماً محدقاً ، إنما هو المظهر المادي للرهبة التي انبعثت في نفس المتعاقد المكره فحملته على التعاقد . وليس الخطر الجسيم المحدق مقصوداً لذاته ، بل للنتيجة التي يؤدي إليها من وقوع الرهبة في النفس ، وأن تكون هذه الرهبة هي التي دفعت إلى التعاقد ، مراعى في ذلك الحالة الشخصية للمتعاقد المكره . وهذا هو المعنى المقصود من الأخذ بالمعيار الذاتي ( [20] ) .

199 – تطبيق المعيار الذاتي : فالواجب إذن النظر إلى حالة المتعاقد الشخصية ، فنتعرف إلى أي حد هو يتأثر بالرهبة والخوف ، وندخل في اعتبارنا كل العوامل التي يكون من شأنها تكييف نفسيته ، من جنس وسن وحالة اجتماعية وحالة صحية وكل ظرف آخر من شأنه أن يؤثر في جسامة الإكراه كما تقول الفقرة الثالثة من المادة 127 .

فالأنثى غير الذكر . والصبي الصغير غير الشاب القوي ، وهذا غير الهرم البالي . والقروى الساذج غير المدني المتحضر . والعصبي غير الهادئ المزاج . والضعيف غير القوى . والمريض غير المعافي . والجاهل غير المتعلم . والغبي غير الذكي . وهكذا . ويجب الاضداد أيضاً إلى جانب الحالة الشخصية بالظروف والملابسات ، فالخطر قد يحدث رهبة في نفس المتعاقد وهو في جهة قاصية بعيدة عن الناس ولا يحدثه وهو في مدينة آهلة بالسكان وعلى مقربة من رجال الأمن . وقد يخشى منفرداً ما لا يخشاه وهو في جماعة من الناس . وقد يكون الخوف اشد وقعاً في نفسه ليلا منه نهاراً . فالمكان والزمان وغيرهما من الظروف والملابسات تؤثر في تكييف جسامة الخطر في نفس المتعاقد ( [21] ) .

ومعرفة ما إذا كانت الرهبة هي التي دفعت فعلا إلى التعاقد مسألة واقع لا رقابة لمحكمة النقض عليها ( [22] ) . وينظر في تقديرها إلى العوامل التي سبق بيانها . ووجوب الاعتداد بهذه العوامل من مسائل القانون التي تعقب عليها محكمة النقض ( [23] ) .

ج – الجهة التي صدر منها الإكراه

200 – الإكراه الصادر من المتعاقد الآخر والإكراه الصادر من الغير : كان القانون القديم يميز بين الإكراه والتدليس إذا صدرا من الغير . فالإكراه الصادر ، الغير يؤثر في صحة العقد ، أما التدليس الصادر من الغير فلا اثر له في ذلك . وكان هذا موضعاً للنقد سبقت الإشارة إليه . أما القانون الجديد فقد نبذ هذا التمييز ، وجعل الحكم سواء في الحالتين . فعالج بذلك عيباً ظاهرة من عيوب القانون القديم .

والأصل أن الإكراه يفسد الإرادة كما قدمنا . وسواء صدر الإكراه من أحد المتعاقدين أو صدر من الغير فإن اثر الإكراه من حيث هو عيب في الرضاء لا يختلف ، والإرادة تكون فاسدة في الحالتين . أما من حيث أن الإكراه عمل غير مشروع ، فإن المسئول عن هذا العلم هو المكره ، وهو في إحدى الحالتين غير في الحالة الأخرى .

والذي يعنينا هنا هو الإكراه بوصفه عيباً في الرضاء . وفلا فرق إذن بين إكراه يصدر من أحد المتعاقدين وإكراه يصدر من الغير : كلاهما يفسد الإرادة ويجعل العقد قابلا للإبطال ( [24] ) .

إلا أن هذا الحكم منوط بتوافر شرط هو ذات الشرط الذي أوردناه في التدليس . فالإكراه الصادر من الغير لا يجعل العقد قابلا للإبطال إلا إذا اثبت المتعاقد المكره أن المتعاقد الآخر كان يعلم ، أو كان من المفروض حتما أن يعلم ، بهذا الإكراه . ذلك أن الإكراه إذا صدر من الغير ، ولم يكن المتعاقد الآخر يعلم به أو يفرض حتما أنه يعلم به ، واختار المتعاقد المكره إبطال العقد ، فإنه يصح للمتعاقد حسن النية أن يطالبه بالتعويض ، وخير تعويض هنا هو استبقاء العقد صحيحاً ، فيقوم في هذه الصورة أيضاً لا أساس من الإرادة الحقيقية ، بل على أساس من التعويض . وهذا هو عين ما قررناه في التدليس ( [25] ) .

ويلاحظ أن الإكراه في هذه الصورة الأخيرة ، حيث يبقى العقد صحيحاً لحسن نية المتعاقد الآخر ، إذا لم ينتج أثره كعيب من عيوب الرضاء ، فإنه ينتج أثره كعمل غير مشروع ، ويكون للمكره أن يطالب الغير الذي صدر منه الإكراه بتعويض ما أصابه من الضرر ( [26] ) .

201 – الإكراه الصادر عن ظروف تهيأت مصادفة ( حالة الضرورة ) : وقد يصدر الإكراه لا من أحد المتعاقدين ولا من الغير ، ولكن من ظروف تهيأت مصادفة لا يد لأحد فيها ، واقتصر المتعاقد على الإفادة منها واستغلالها لحمل من وقع تحت تأثير هذه الظروف على التعاقد ، كما إذا تقدم شخص لإنقاذ آخر من خطر الغرق أو الحريق أو القتل أو نحو ذلك وحصل منه قبل إنقاذه على تعهد بإعطائه مقداراً جسيما من المال ثمناً لهذا الإنقاذ ، وكما لو اتفق جراح مع مريض على إجراء عملية في نظير أجر باهظ مبالغ فيه .

وقد ذهبت النظرية التقليدية في الإكراه إلى التمييز ما بين هذا الفرض والفرض الذي يصدر فيه الإكراه من الغير . فإن الإكراه الصادر من الغير يقصد به الضغط على المتعاقد حتى ينتزع منه الرضاء ، ومن ثم يؤثر في صحة العقد . أما الفرض الذي نحن بصدده فالظروف الضاغطة على الإرادة قد تهيأت مصادفة ، ولم يكن الغرض منها الضغط على إرادة المتعاقد ، ولم يفعل المتعاقد الآخر إلا أنه استغلها عند تعاقده . ولما كانت النظرية التقليدية تشترط في الإكراه أن ينتزع الرضاء ، وقد ورد فعلا لفظ ” الانتزاع ” ( extorque ) في المادة 1109 من القانون المدني الفرنسي ، فإنها لا تجعل الإكراه الذي تهيأت ظروفه مباشرة ذا اثر في صحة العقد ( [27] ) .

ولكن هذا التمييز الذي تأخذ به النظرية التقليدية لا مبرر له ، وهو اثر من آثار القانون الروماني بقى في القانون الفرنسي بعد أن زالت مقتضياته ( [28] ) . والصحيح أن الإكراه متحقق في كلا الفرضين . وما دامت إرادة المتعاقد لم تكن حرة ، بل صدرت تحت تأثير الضغط ، فالإرادة فاسدة ، سواء في ذلك أن يكون مصدر الضغط هو المتعاقد الآخر أو أجنبي أو ظروف خارجية لا يد لا حد فيها ، فاثر الضغط في إرادة المتعاقد واحد في كل هذه الأحوال . فإذا تعرض شخص لخطر الموت ، وتقدم لإنقاذه شخص اشترط أن يأخذ مبلغاً جسيماً من أجل ذلك ، فلا فرق ، من حيث حرية إرادة المدين ، إذا كان مصدر الخطر الذي يتهدده هو من فعل الدائن أو من عمل الغير أو نتيجة الصدفة ، وما دام الدائن قد علم بالظروف الخارجية واستغله فالعقد قابل للإبطال . كذلك الطبيب الذي يستغل خطورة المرض ، فيضطر المريض إلى الالتزام بمبلغ جسيم اجرا للعلاج لا يتناسب البتة مع الأجر الذي يؤخذ عادة ، إنما يتعاقد مع شخص قد فقد حرية الإرادة ، ويجب أن يبطل العقد في هذه الحالة ، ومن ينقذ سفينة على وشك الغرق تلقاء تعهد باهظ من ربان السفينة ليس له أن يتمسك بهذا التعهد لأن الإرادة قد أفسدها الإكراه .

وقد أشتمل المشروع التمهيدي للقانون الجديد على نص صريح في هذا الموضوع يميز بين ما إذا كان المتعاقد الآخر حسن النية ولم يقصد أن يستغل المتعاقد المهدد بخطر تهيأت ظروفه مصادفة ، أو كان سيء النية وأراد استغلال هذه الظروف . ففي الحالة الأولى وحدها لا يكون للمتعاقد المكره حق إبطال العقد ( [29] ) ، ويستخلص من مفهوم المخالفة أن الإكراه يكون سبباً لإبطال العقد في الحالة الثانية . وهذا التمييز معقول ويجب الأخذ به في ظل القانون الجديد . وإذا كان المشروع النهائي قد اغفل هذا النص فلم يكن ذلك لأنه أراد مخالفة حكمه ، بل هو قد اعتمد على القواعد العامة في تقرير هذا الحكم ( [30] ) ، وبخاصة على قواعد الاستغلال . وسنرى ذلك فيما يلي .


 ( [1] ) نظرية العقد للمؤلف ص 437 – ص 444 .

 ( [2] ) خلط القانون المدني الفرنسي في المادة 1112 بين المعيار الموضوعي والمعيار الذاتي . وسبب ذلك أن بوتييه عند بحثه في الإكراه ذكر أن القانون الروماني كان يتخذ لجسامة الإكراه معيار ” الرجل الشجاع ” ، وعقب على ذلك بأن قواعد الإكراه في القانون الروماني عادلة وهي تتفق مع القانون الطبيعي إلا هذا المعيار الشديد ، فإنه معيار جامد قاس ولا يصح اتباعه ، ولكن يجب النظر في هذه المسألة إلى سن الشخص وجنسه وحالته . فأخذ واضعو القانون المدني الفرنسي معيار القانوني الروماني الموضوعي بعد أن عدلوه ، فذكروا ” الرجل المعتاد ” بدلا من ” الرجل الشجاع ” ، ثم أضافوا إلى هذا المعيار الموضوعي معيار بوتييه الذاتي ، وفاتهم أن المعيبارين متعارضان ، وأن بوتييه إنما أراد إبدال معيار القانون الروماني الموضوعي بمعياره الذاتي ، أو هم توهموا أن نقد بوتييه لمعيار ” الرجل الشجاع ” من شأنها أن ينزل المعيار إلى ” الرجل المعتاد ” ، ولم ينتبهوا إلى أن بوتييه لم ير إبدال معيار موضوعي معيار موضوعي آخر ، بل قصد وضع معيار ذاتي محض ( نظرية العقد للمؤلف ص 434 حاشية رقم 3 ) .

 ( [3] ) تاريخ النص : ورد هذا النص في المادة 176 من المشروع التمهيدي على الوجه الآتي : ” 1 – يكون العقد قابلا للبطلان إذا تعاقد شخص تحت سلطان رهبة بعثها المتعاقد الآخر في نفسه دون حق ، على أن تكون الرهبة قائمة على أساس . 2 – وتعتبر الرهبة قائمة على أساس إذا كان للطرف الذي يعديها أن يعتقد ، تبعاً للظروف ، أن خطراً جسيماً حالا يهدده هو أو أحد أقاربه في النفس أو الجسم أو الشرف أو المال . 3 – وينظر في تقدير الإكراه إلى جنس من وقع عليه هذا الإكراه وسنه وحالته الاجتماعية والصحية ومزاجه وكل ظرف آخر من شأنه أن يؤثر في جسامة الإكراه . وفي لجنة المراجعة أبدلت عبارة ” أحد اقاربه ” بكلمة ” أو غيره ” ، ولوحظ في ذلك أن عبارة ” أحد أقاربه ” أوسع مما ينبغي في بعض الأحوال واضيق مما ينبغي في الحالات الأخرى . وقد يكون للشخص صديق اعز عليه من اقاربه ، وروعى أن الخطر الجسيم الذي يحدق بالغير فيبعث الرهبة في النفس إلى حد التعاقد فيه تحديد كاف للغير الذي يعتبر الخطر المحدق به اكراها . وأبدلت كلمة ” حالا ” التي تصف الخطر الجسيم في الفقرة الثانية بكلمة ” محدقا ” . واعيدت صياغة المادة بما جعلها تطابق نص القانون الجديد مع استبقاء كلمة ” ومزاجه ” فيما يراعى في تقدير الإكراه . وأصبح رقم المادة 131 في المشروع النهائي . وفي مجلس النواب حذفت كلمة ” النفس ” اكتفاء بكلمة ” الجسم ” لأن الخطر الذي يهدد النفس يعتبر أنه يهدد الجسم أيضاً . وفي لجنة القانون المدني لمجلس الشيوخ حذفت كلمة ” ومزاجه ” الواردة في الفقرة الثالثة لأن إيراد هذه الكلمة يفتح الباب لاشكالات كثيرة بسبب كثرة اختلاف الأمزجة ، وأعيدت كلمة ” النفس ” التي كان مجلس النواب قد حذفها لأن الآلام النفسية قد يصل تأثيرها على الشخص مبلغ الآلام الجسمانية كمن يخطف عزيز لديه فيقع تحت تأثير هذا الخطف . وأصبح رقم المادة 127 . وواق مجلس الشيوخ على المادة كما أقرتها لجنته ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 178 – ص 184 ) . أنظر المادتين 29 و 30 من قانون الالتزامات السويسري .

 ( [4] ) تاريخ النص : ورد هذا النص في المادة 177 من المشروع التمهيدي على الوجه الآتي : ” 1 – إذا صدر الإكراه من غير المتعاقدين ، فليس للمكره أن يطلب إبطال العقد إلا إذا اكن الطرف الآخر يعلم بوقوع الإكراه ، أو كان في استطاعته أن يعلم ذلك . 2 – فإذا كان الطرف الآخر لا يعلم بوقوع الإكراه ، ولم يكن في استطاعته أن يعلم به ، فليس للمكره إلا أن يطالب المكره بالتعويض ” . وفي لجنة المراجعة تقرر حذف الفقرة الثانية لأنها تقرر حكماً تكفي فيه قواعد المسئولية ، وأدخلت تعديلات لفظية على الصياغة بما جعل المادة تطابق تقريباً نص القانون الجديد ، وأصبح رقمها 132 في المشروع النهائي . ووافق مجلس النواب عليها . وفي لجنة القانون المدني لمجلس الشيوخ تقرر بعد مناقشة طويلة استبقاء المادة كما هي – لأن الإكراه الصادر من الغير كالتدليس الصادر من الغير يجب أن يتصل به المتعاقد الآخر وتجب التسوية بين الإكراه والتدليس في هذه المسألة – مع استبدال عبارة ” أو كان من المفروض حتما أن يعلم ” بعبارة ” أو كان في استطاعته أن يعلم ” . وأصبح رقم المادة 128 . ووافق مجلس الشيوخ على المادة كما أقرتها لجنته ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 185 – ص 188 ) . أنظر المادة 29 من قانون الالتزامات السويسري .

 ( [5] ) والذي يطلب من المتعاقدين إبطال العقد للإكراه هو الذي يحمل عبء إثبات هذا الإكراه بعنصريه ( محكمة الاستئناف المختلطة في 25 مارس سنة 1920 م 32 ص 237 – وفي 23 مارس سنة 1926 م 38 ص 302 ) . ويثبت ذلك بجميع طرق الإثبات بما فيها البنية والقرائن لأنه يثبت واقعة مادية .

ووقوع الإكراه مسألة واقعية لقاضي الموضوع فيها الرأي النهائي . ولكن الوصف القانوني لوقائع الإكراه مسألة قانون تخضع لرقابة محكمة النقض ، كالبت فيما إذا كان يكفي أن يصدر الإكراه من الغير ، وفيما إذا كان مجرد استعمال النفوذ الأدبي بعد إكراه ، وفيما إذا كانت الوسائل المشروعة تعد اكراها في بعض الظروف ( نظرية العقد للمؤلف ص 420 حاشية رقم 2 ) . وانظر محكمة النقض ( الدائرة المدنية ) في 2 يونيه سنة 1932 المحاماة 13 رقم 62 ص 157 ومجموعة عمر 1 رقم 55 ص 120 ، وقد جاء في أسباب هذا الحكم ما يأتي : ” وبما أن تقدير درجة الإكراه وهل هو شديد ومؤثر أو غير مؤثر على الشخص الواقع عليه متروك لقاضي الموضوع بلا سلطان عليه من محكمة النقض ، أما كون الأعمال التي وقع بها الإكراه مشروعة أو غير مشروعة متى تعينت في الحكم فمما يدخل تحت رقابة محكمة النقض لأنه وصف قانوني لواقعة معينة يترتب على الخطأ فيها الخطأ في تطبيق القانون ” . وانظر أيضاً محكمة النقض ( الدائرة المدنية ) في 7 نوفمبر سنة 1935 مجموعة عمر 1 رقم 297 ص 923 .

 ( [6] ) وكان هذا هو القانون القديم : استئناف مختلط في 27 مايو سنة 1943 م 55 ص 167 .

 ( [7] ) وكانت النظرية التقليدية للإكراه تشترط أن يكون الخطر حالا ، وهذا ما نصت عليه صراحة المادة 1112 من القانون المدني الفرنسي ، فهي تذكر ” الخوف من تعريض النفس أو المال لخطر جسيم حال ( present ) ” . وقد جاء في بوتييه : ” يجب أن يكون هذا الخطر حالا ، أي أن يكون الشخص مهدداً بالوقوف فيه في الحال إذا لم يفعل ما طلب منه ” ( التزامات فقرة 25 ) . على أن النظرية التقليدية قد عدلت من موقفها في هذا الشأن وتحور النص ، فأصبح الحال ليس هو الخطر ذاته ، بل الخوف من الخطر ( نظرية العقد للمؤلف ص 430 ) .

وقد كان المشروع التمهيدي للقانون الجديد يشترط هو أيضاً أن يكون الخطر حالا ، فكانت الفقرة الثانية من المادة 176 من هذا المشروع تنص ، كما رأينا ، على ما يأتي : ” وتعتبر الرهبة قائمة على أساس إذا كان الطرف الذي يعديها يعتقد ، تبعاً للظروف ، أن خطراً جسيماً حالا يهدده هو أو أحد أقاربه في النفس أو الجسم أو الشرف أو المال ” . ولكن جاء المذكرة الإيضاحية المشروع ما يأتي : ” وتعتبر الرهبة قائمة على أساس إذا اعتقد من وقع تحت سلطانها أن خطراً جسيماً أصبح وشيك الحلول ” . وقد عدل في المشروع النهائي عن شرط حلول الخطر ، واستبدل به شرط أن يكون الخطر محدقاً ، وهذا أصح وأكثر تمشياً مع المذكرة الإيضاحية ، وقد سبقت الإشارة إلى ذلك ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 179 – ص 182 ) .

هذا وقد تجنبت القوانين الحديثة أن تصف الخطر بكونه ” حالا ” ، فلا تجد هذا الوصف في القانون الألماني ولا في القانون السويسري ولا في القانون البولوني .

 ( [8] ) أنظر الفقرة الثانية من المادة 176 من المشروع التمهيدي ، وقد أوردناها في الحاشية السابقة . ويعتبر المشروع التمهيدي على ما فيه من عيب في تحديد طائفة الأقارب ، أكثر مرونة من القانون المدني الفرنسي ، فإن هذا القانون في المادة 1113 حدد فريقاً معينا من الأقارب هم الأصول والفروع وأضاف الزوج والزوجة . وقد انقسمت الفقهاء في تفسير المادة 1113 إلى فريقين : فريق يرى أن الأشخاص المذكورين في النص وردوا على سبيل الحصر ، فإذا هدد الخطر واحداً منهم كانت هناك قرينة قانونية على أن الخطر قد اثر في نفس المتعاقد ، وإذا هدد أحداً غيرهم لم تقم هذه القرينة القانونية ولكن للمتعاقد أن يثبت أن الخطر الذي هدد الغير قد أثر في نفسه إلى حد الإكراه . وينكر الفريق الآخر أن الخطر الذي يهدد أحداً من غير المذكورين في المادة 1113 من شأنها أن يؤثر في نفس المتعاقد إلى حد إفساد رضائه ( نظرية العقد للمؤلف ص 431 – ص 432 ) .

أما ما ورد في المشروع التمهيدي فهو لا يحدد صنفاً معيناً من الأقارب كما قدمنا ، بل ينتظمهم جميعاً . وقد ورد في المذكرة الإيضاحية في هذا الصدد ما يأتي : ” ولا يشترط أن يتهدد الخطر لمتعاقد ذاته ، بل يجوز أن يتهدد أحد اقاربه . وقد ترك للقاضي أمر تقدير درجات القرابة أو الصلة في كل حالة بخصوصها ، لأن بيان هذه الدرجات في النصوص على سبيل الحصر على نحو ما هو متبع في التقنين الفرنسي ( م 1113 ) وسائر التقنينات اللاتينية ( أنظر كذلك المادة 19 من المشروع الفرنسي الإيطالي ) قد يكون احياناً ضيق الحدود لا يتسع لصور جديرة بالرعاية ، وقد يكون احياناً من السعة بحيث يجاوز الغرض المقصود ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 180 ) .

أما القانون الجديد فقد جاء أكثر إطلاقاً من المشروع التمهيدي ولم يقيد الغير حتى بأن يكون قريباً .

 ( [9] ) وقد هجرت القوانين الحديثة هذا المذهب العتيق في تعداد طائفة معينة من الأشخاص ، فلم يذكر القانون الألماني شيئاً من ذلك ، وذكر قانون الالتزامات السويسري ” الخطر الجسيم الداهم الذي يهدد الشخص نفسه أو أحداً من ذويه ” ( م 30 ) .

هذا ويقع على المتعاقد العبء في إثبات أن الخطر الذي تهدد الغير قد اثر في نفسه إلى حد إفساد رضائه . وقد يكون الغير الذي وقع عليه الإكراه هو نفس الشخص الذي صدر منه الإكراه ، كأن يهد شخص آخر بأن ينتحر إذا لم يمض هذا الأخير عقداً ، ويكون المهدد بالانتحار عزيزاً عند المهدد ( نظرية العقد للمؤلف ص 426 حاشية رقم 5 ) .

 ( [10] ) وقد قضت محكمة الاستئناف المختلطة بأنه إذا اضطر الأب إلى ضمان دين على ابنه خوفاً من المقاضاة فلا يبطل هذا الضمان للإكراه ( 3 يونيه سنة 1911 م 23 ص 351 ) . وقضت كذلك بان إجبار الدائنين لشركة على أن تعطيهم ضماناً لديونهم في نظير أن يؤجلوا هذه الديون لا يكون إكراهاً ما دام الدائنون لم يسيئوا استعمال حقهم ( 24 يونيه سنة 1914 م 26 ص 479 ) . وقضت أيضاً بان التهديد بالالتجاء إلى طرق مشروعة كمباشرة الإجراءات الجنائية لا يعد إكراهاً ما دام هذا التهديد لم يتحول إلى استغلال غير مشروع ( 29 يناير سنة 1914 جازيت 4 رقم 223 ص 88 ) ، وبأن تهديد الوارث بالطعن في وصية حتى يحصل بذلك على التنازل له عن جزء من الميراث لا يكون إكراهاً ما دام الوارث ليس بسيء النية ( 26 ديسمبر سنة 1929 جايزت 20 رقم 64 ص 60 ) ، وبأن تهديد الدائن بأن يعلن إفلاس مدينه إذا لم يقر المدين بما عليه من الدين لا يكون اكراهاً ( 16 ديسمبر سنة 1896 م ) ص 58 ) ، وبأن تهديد شخص لآخر رسا عليه المزاد بأن يزيد عليه العشر حتى يجبره بذلك على أن يبيع له شيئاً معيناً مما رسا فيه المزاد لا يعد اكراهاً لا سيما إذا كان الثمن الذي دفع في هذا الشيء اكبر من الثمن الذي رسا به المزاد ( 7 فبراير سنة 1928 م 40 ص 186 ) ، وبأن المجني عليه في جريمة تبديد إذا استعمل حقه ضد المبدد للحصول على ماله دون زيادة لا يعتبر هذا منه إكراهاً ( 25 مارس سنة 1947 م 59 ص 154 ) – وقد قضت محكمة النقض ( الدائرة المدنية : وقد سبقت الإشارة إلى هذا الحكم ) بان المادة 135 مدني ( قديم وتقابل م 127 جديد ) وإن لم تنص على اشتراط عدم مشروعية العمل الذي يقع به الإكراه المبطل للمشارطات إلا أن ذلك مفهوم بداهة ، إذ الأعمال المشروعة قانوناً لا يمكن أن يرتب عليها الشارع بطلان ما ينتج عنها . وكون الأعمال التي وقع بها الإكراه مشروعة أو غير مشروعة متى تعينت في الحكم يدخل تحت رقابة محكمة النقض لأنه وصف قانوني لواقعة معينة يترتب على الخطأ فيها الخطأ في تطبيق القانون . فإذا صدر حكم على مستأجر بإخلاص العين المستأجرة ، وترتب على الشروع في تنفيذ هذا الحكم أن استأجر المستأجر تلك العين ، فلا يصح القول بان عقد الإجارة قد شابه من تنفيذ الحكم إكراه مبطل له بل يكون هذا العقد صحيحا منتجا لكل آثاره ( 2 يونيه سنة 1932 المحاماة 13 رقم 62 ص 157 – مجموعة عمر 1 رقم 55 ص 120 ) .

هذا وقد يبقى الغرض مشروعا ولكن تستعمل للوصول إليه وسائل إكراه غير مشروعة ، كما إذا هددت امرأة عاشرت رجلا مدة من الزمن بالتشهير به عند خطيبة له إذا لم يمض التزاما يعوضها ما يصيبها من الضرر بسبب تركه إياها . في مثل هذا الفرض يمكن القول بأنه رغما من عدم مشروعية الوسائل التي التجأت إليها المرأة ، إلا أن الغرض الذي أرادت الوصول إليه هو غرض مشروع ، فالعقد لا يبطل في هذه الحالة للإكراه . وقد قضت محكمة النقض الفرنسية بأنه يجوز استعمال الإكراه للوصول إلى حق أو لتأدية واجب أو للحصول على مصلحة مشروعة ( 17 نوفمبر سنة 1925 سيريه 1926 – 1 – 121 ) . كذلك يجوز أن يحصل شخص بطريق التهديد على سند لحق له أو على ضمان لهذا الحق أو على الإقرار بالتزام طبيعي وتحويله إلى التزام مدني ، ما دام الغرض الذي يراد الوصول إليه مشروعاً ( ديموج 1 فقرة 317 ) ، وما دام أن الشخص الذي استعمل التهديد لا يحصل على أكثر من حقه ( ديموج 1 فقرة 298 ) . وقاعدة كهذه ليست في الواقع إلا تطبيقاً للمبدأ الذي يقضي بأن الغاية تبرر الواسطة ، وهي تبيح في الوقت ذاته للشخص أن يستقضي حقه بنفسه مادام لا يتعسف في ذلك وما دام لا يرتكب عملا إجرامياً يعاقب عليه القانون الجنائي ( بلانيول وريبير وإسمان 1 فقرة 196 ص 263 – ديموج 1 فقرة 318 ) . ومن هنا نرى وجوب الاحتياط في استعمال هذا الحق ، فإن القصد والاعتدال فيه صعب بقدر ما هو واجب ( نظرية العقد للمؤلف ص 429 ) .

وبعد فنحن إذا نظرنا إلى الإكراه باعتباره عيباً من عيوب الرضاء رأينا أنه يفسد الإرادة ، سواء كانت وسائله مشروعة أو غير مشروعة ، وسواء كان الغرض الذي يراد الوصول إليه مشروعا أو غير مشروع . فالإكراه في جميع هذه الحالات يضغط على الإرادة ويفسدها لذلك يكون من الحق أن نقول إن العقد في الصورتين اللتين نحن بصددهما – الصورة التي تكون فيها وسائل الإكراه مشروعة للوصول إلى غرض مشروع والصورة التي تكون فيها وسائل الإكراه غير مشروعة للوصول إلى غرض مشروع – يجوز ، من ناحية منطق الإرادة ، إبطاله للإكراه . إلا أنه لما كان الغرض مشروعا في كل من الصورتين ، فإن المتعاقد المكره إذا استعمل حقه في إبطال العقد يكون قد نقض الغرض المشروع الذي أريد من العقد تحقيقه ، ويعتبر هذا منه تعسفا في استعمال حق الإبطال . والتعسف في استعمال الحق يستوجب التعويض ، وخير تعويض ما كان عينيا ، فيمنع المتعاقد المكره من طلب إبطال العقد . ويتبين من هذا التحليل أن العقد يبقى في الصورتين المشار إليهما لا على أساس من الإرادة الحقيقية بل على أساس من التعويض أو من الإرادة الظاهرة . وقد سبقت الإشارة إلى حالات أخرى مماثلة . أما إذا كان الغرض غير مشروع ، سواء كانت وسائل الإكراه مشروعة أو غير مشروعة ، فالإكراه متحقق ، والعقد يجوز إبطاله لعيب في الإرادة ، وإذا استعمل المتعاقد المكره حقه في إبطال العقد ، فلا يصح القول هنا – والغرض الذي يقصد تحقيقه من العقد غير مشروع – أنه متعسف في استعمال هذا الحق .

 ( [11] ) أنظر محكمة الاستئناف المختلطة في 16 ديسمبر سنة 1896 م ) ص 58 – وفي 28 ديسمبر سنة 1933 م 46 ص 106 – وقارن محكمة الاستئناف المختلطة في 14 مارس سنة 1917 م 29 ص 288 . كذلك إذا هدد رب العمل مستخدمه أن يبلغ عنه لاختلاسات ارتكبها أو يمضي له تعهداً بألا يعمل في متجر مماثل لمدة معينة كان هذا التعهد باطلا للإكراه ، لأنه لا علاقة بين ما ارتكبه المستخدم من الاختلاسات وما تعهد به لرب العمل ( محكمة باريس الاستئنافية في 31 يناير سنة 1896 جازيت دي باليه 96 – 1 – 398 ) . وبعد إكراهاً كذلك تهديد الزوج زوجته برفع دعوى الزنا عليها إذا لم تنزل له عن مال لها عنده ( محكمة النقض الفرنسية في 6 فبراير سنة 1903 جايزت دي باليه 1903 – 1 – 728 ) . وقد قررت محكمة النقض الفرنسية في قضية أخرى هذا المبدأ على الوجه الآتي : ” إذا استعمل أحد الطرفين وسائل قانونية ضد الآخر ، فلا يعد هذا في ذاته إكراهاً بالمعنى الذي يقصده القانون ، ولا يمكن أن يكون سبباً في إبطال العقد الذي ينجم عن ذلك . ولكن هذه القاعدة ليست مطلقة إذ يجب البحث فيما إذا كان الدائن لم يفعل في الواقع إلا أنه استعمل حقه كما ينبغي أو أنه اساء استعمال هذا الحق . وللقاضي حسب الأحوال أن يرى في الوسائل التي استعملت لانتزاع التزامات باهظة من المدين إكراهاً غير مشروع من شأنه أن يفسد الرضا ” ( 10 نوفمبر سنة 1908 سيريه 1909 – 1 – 76 ) .

وقد اشتملت بعض الوقانين الحديثة على نصوص تقرر هذا المبدأ كقانون الالتزامات السويسري ( م 27 فقرة 2 ) والقانونين التونسي والمراكشي ( م 52 / 48 ) والقانون اللبناني ( م 212 ) والقانون البرازيلي ( م 100 ) . واشتمل المشروع التمهيدي للقانون الجديد على نص في هذا المعنى ، فقضت الفقرة الأولى من المادة 178 بأنه ” لا يعتبر إكراهاً الخوف من المطالبة بحق ما لم يستغل الضيق الذي وقع فيه الطرف المهدد فيبتز منه ما يزيد كثيراً على ما في ذمته من حق ” . وجاء في المذكرة الإيضاحية في هذا الصدد ما يأتي : ” وما دام الغرض مشروعاً فلا يعتبر الإكراه قد وقع بغير حق . أما إذا كان الغرض من الإكراه غير مشروع ، كما إذا استغل المكره ضيق المكره ليبتز منه ما يزيد كثيراً على ما في ذمته من حق ، فيكون الإكراه على نقيض ما تقدم واقعاً بغير حق . ولو أن حق الدائن في هذا الفرض قد اتخذ وسيلة لبلوغ الغرض المقصود ” . وقد حذفت لجنة المراجعة هذا النص في المشروع النهائي اكتفاء بتطبيق القواعد العامة ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 185 – ص 186 في الهامش ) .

 ( [12] ) وكما أن النفوذ الأدبي إذا قصد به الوصول إلى غرض مشروع لا يعد اكراهاً ، كذلك العطف والحنو لا يعتبر وسيلة من وسائل الإكراه . والنفوذ الأدبي سلطة للأب على ولده ، أما العطف والحنو فعاطفة من الأب نحو ولده ، فإذا وجد الولد نفسه مضطراً بحكم النفوذ الأدبي ، أو وجد الأب نفسه مدفوعاً بحكم العطف الأبوي ، إلى إمضاء عقد لا يبهظ الملتزم ، فإن هذا العقد لا يكون مشوباً بعيب الإكراه . وقد قضت محكمة الاستئناف الوطنية بأن كون أحد الأبناء اثر في والده المقيم معه ليتصرف له تصرفاً في منفعته بشيء من ماله لا يعد في حد ذاته سبباً لا بطال العقد ( 21 مارس سنة 1905 الاستقلال 4 ص 310 – أنظر أيضاً محكمة الاستئناف المختلطة في 23 مارس 1926 م 38 ص 320 ) . وتقضي المحاكم الوطنية في كثي رمن القضايا بصحة العقود التي تصدر من الآباء لأولادهم يميزونهم بها عن بقية الورثة بدافع من العطف والحنو .

هذا وسنرى أن بعض هذه العقود قد تقوم على استغلال هوى جامح تثيره زوجة جديدة في نفس زوجها فيؤثرها هي وأولادها على زوجته الأولى وأولاده منها ، وفي هذه الحالة تطبق قواعد الاستغلال وقواعد الاستهواء والتسلط على الإرادة التي سيأتي بيانها . والفرق بين الشوكة والنفوذ الأدبي من جهة والاستهواء والتسلط على الإرادة من جهة أخرى أن الأولى يفرض فيها أن شخصاً مقامه كبير في عين المتصرف ، كأب أو رئيس أو معلم ، استعمل نفوذه الأدبي . والثانية لا يشترط فيها أن الشخص المتسلط على الإرادة له مقام كبير ، فقد يكون زوجة أو أولاداً للمتصرف .

 ( [13] ) ولكن يشترط أن يكون النفوذ الأدبي كافياً للتأثير في إرادة المتعاقد ، فإذا لم يستعمل الأخ أية وسيلة من وسائل الضغط على أختيه المتزوجتين والمستقلتين عنه – وبخاصة إذا كان هناك خلاف بين الأخ وأختيه – وقد ابرم العقد المطعون فيه بالإكراه على يد لجنة من العمد والمشايخ ، فلا يمكن أن يقال إن وسائل ضغط قد حصلت من الأخ على أختيه أحدثت عندهما خوفاً شديداً حملهما على قبول ما لم تكونا تقبلانه اختياراً ( محكمة استئناف أسيوط في 12 فبراير سنة 1942 المحاماة 22 رقم 244 ص 698 ) .

وقضت محكمة النقض ( الدائرة المدنية ) بان مجرد النفوذ الأدبي أو هيبة الأقارب لا يكفي لبطلان العقد ، بل يجب أن يقترن ذلك بوسائل إكراه غير مشروعة ( 25 فبراير سنة 1943 مجموعة عمر 4 رقم 29 ص 59 ) . وقضت أيضاً بأنه إذا كانت المحكمة قد أثبتت بأدلة مقبولة أن حصول المشترى على عقد البيع من البائعة لم يكن بطريق الإكراه بل بطريق الاقناع والتأثير البرئ ، وأن وقائع الإكراه التي ادعتها – بفرض صحتها – لم تكن لتؤثر في نفسها تأثيراً يحملها على توقيع العقد لأخيها بغير رضاء وتسليم ، فلا يكون ثمة محل لمجادلتها في ذلك ( 12 ابريل سنة 1945 مجموعة عمر 4 رقم 237 ص 628 ) .

 ( [14] ) وقد قضت محكمة استئناف أسيوط بأن المورثة التي تنقض ما أبرمته من تصرفات سابقة بالبيع والوصية ، وتتجرد تجرداً يكاد يكون تاماً من غير مقابل لفائدة رئيس ديني استعمل نفوذه لابعادها عن أقاربها ابعادا تاماً ، وأحاطها بخصومها الألداء ، وجعلها تنزل عن دعوى حساب بمبالغ جسيمة كانت قد رفعتها عليهم ، وتعطي لاحدهم توكيلا عنها ، تدل بهذه التصرفات والإجراءات المتناقضة على إنها كانت ضعيفة الإرادة مسلوبة الرضاء واقعة تحت تأثير الرئيس الديني الذي تسلط عليها تسلطاً جعلها تنقاد لارادته وتتصرف وفقاً لما يمليه عليها وتسير في الطريق التي رسمها ، فالوقفية التي تصدرها في هذه الظروف عن أطيان سبق لها الايصاء بها لبعض أقاربها ، والتي تقيم فهيا ذلك الرئيس الديني ( المطران ) ناظراً وتفوض له التصرف في الريع على الفقراء وغيرهم دون رقيب ولا حسيب ، تكون باطلة طبقاً للمواد 128 و 133 و 136 من القانون المدني ( القديم ) لانعدام ( كذا ) رضائها وقت التصرف ( 8 مايو سنة 1929 المحاماة ) رقم 477 ص 861 ) .

وتشتمل بعض القوانين الأجنبية على نصوص في هذا الموضوع تقرر أن النفوذ الأدبي وحده لا يكفي لإبطال العقد ، بل يجب أن تقترن به وسائل إكراه أخرى . وقد قضت المادة 1114 من القانون المدني الفرنسي بأن ” مجرد الخشية الصادرة عن احترام ( la seule crainte reverentielle ) واجب للأب أو الأم أو أي أصل آخر ، دون أن يكون هناك إكراه واقع ، لا يكفي لإبطال العقد ” . أنظر أيضاً القانونين التونسي والمراكشي ( م 55 / 51 ) والقانون اللبناني ( م 212 ) والقانون البرازيلي ( م 100 ) والمشروع الفرنسي الإيطالي ( م 20 ) . وهي نصوص منتقدة ، لأنه إذا كان صحيحاً كقاعدة عامة أن مجرد النفوذ الأدبي لا يكفي وحده وسيلة للإكراه ، إلا أن هذا لا يمنع من أن تتحقق حالات يكفي فيها النفوذ الأدبي لإبطال العقد ، وهي الحالات التي يساعد فيها استعمال هذا النفوذ لابتزاز التزامات باهظة كما تقدم القول . على أنه يمكن الوصول إلى مثل هذه النتيجة من طريق نظرية التعسف في استعمال الحق ، فإن صاحب النفوذ الأدبي يكون قد تعسف في استعمال نفوذه إذا هو قصد به الوصول إلى غرض غير مشروع ، فيلتزم بالتعويض ، وخير تعويض هنا هو إبطال العقد . وكما يقوم العقد على أساس من التعويض وإن أعوزته الإرادة ، كذلك يبطل على أساس من التعويض وإن لم تعوزه الإرادة . فالأولى إذن أن تتسع نظرية الإكراه حتى تتناول كل فرض من هذه الفروض ( أنظر نظرية العقد للمؤلف ص 438 – ص 439 ) .

وقد أشتمل المشروع التمهيدي للقانون الجديد على نص في هذا الموضوع . فقضت الفقرة الثانية من المادة 178 بأنه ” لا يعتبر مجرد النفوذ الأدبي ، إذا لم يصحبه تأثير غير مشروع ، سبباً كافياً لإبطال العقد ” . وجاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : ” وتعرض المادة 178 من المشروع لتطبيقات ثلاثة للإكراه بوصفه عيباً من عيوب الرضاء . . . والتطبيق الثاني خاص بالنفوذ الأدبي ، وهو بمجرده لا يعيب الرضاء ، وإنما يعيبه إذا صحبه الإكراه وفقاً لعبارة المشروع الفرنسي الإيطالي ( المادة 20 أنظر أيضاً التقنينات اللاتينية ) ، أو إذا كان هناك ” تأثير غير مشروع ” على حد تعبير المشروع . ويقصد بعبارة ” التأثير غير المشروع ” استغلال ، أو اساءة استعمال ، الاحترام الواجب لوالد أو لرئيس أو لرجل من رجال الدين . . . الخ . بقصد ابتزاز مغنم فاحش أو منفعة مفرطة . وعلى هذا الوضع يكون النص أرحب سعة مما لو اقتصر الأمر على اشتراط توافر عمل معين من أعمال الإكراه ” . وقد حذفت لجنة المراجعة هذا النص في المشروع النهائي اعتماداً على ما تقرره القواعد العامة في هذا الصدد وتكملها قواعد الاستغلال التي وردت في هذا المشروع على ما سنرى ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 185 – ص 186 في الهامش ) .

ويعرف القانون الإنجليزي ما يسمى بالتأثير غير المشروع ( undue influence ) وفيه يسيء الشخص استعمال ثقة شخص آخر به أو نفوذه الأدبي عليه . فمتى وجدت علاقة تقوم على الثقة ما بين شخصين ، كأب وابنه أو كطبيب ومريض أو كمحام وعمليه أو كرئيس ديني ورجل متدين ، واستغل الشخص الموثوق به هذه العلاقة لإكراه الشخص الآخر على إمضاء عقد ، فإن العقد يكون قابلا للإبطال . ولكن يجب طلب ذلك في مدة معقولة من وقت انتهاء التأثير غير المشروع ( أنظر بولوك في العقد ص 648 – ص 689 – كارتر في العقد ص 85 – ص 87 ) .

 ( [15] ) أنظر آنفاً فقرة 190 – وقد حاول بعض الفقهاء في فرنسا أن يزيل التعارض ما بين المعيارين الذاتي والموضوعي ، وهو التعارض الوارد في المادة 1112 من القانون المدني الفرنسي على ما رأينا ، فذهب إلى وجوب التفريق ما بين المعيارين على الوجه الآتي : إذا كان المتعاقد فوق الوسط طبق المعيار الموضوعي ، واكتفى في جسامة الخطر بأن يكون من شأنه أن يؤثر في الوسط من الرجال . أما إذا كان المتعاقد دون الوسط وجب تطبيق المعيار الذاتي ، ونظرا إلى حالة المتعاقد وسنه وجنسه وما إلى ذلك ( كولميه دي سانتيير فقرة 22 مكررة ( 1 ) – بفنوار ص 606 – كولان وكابيتان 2 ص 285 ) . وظاهر أن هناك عيباً وضاحاً في هذا التوفيق ، فإن المتعاقد إذا كان فوق الوسط فإن إرادته لا تفسد بإكراه ليس من شأنه أن يفسد إرادة من هم فوق الوسط ، فكيف يقال بعد ذلك أن إرادته قد فسدت بمثل هذا الإكراه !

 ( [16] ) ولا يوجد مانع من الجمع بين الأخذ بمعايير ذاتية في عيوب الإرضاء والأخذ بالإرادة الظاهرة فيما يقتضيه استقرار التعامل . ولا يوجد قانون واحد خلا من هذا الجمع . وإنما القوانين تطاوع المقتضيات العملية ، فتأخذ تارة بالإرادة الظاهرة والمعايير الموضوعية حيث يغلب اعتبار استقرار التعامل ، وتأخذ طوراً بالإرادة الباطنة والمعايير الذاتية حيث يغلب اعتبار العدالة والمنطق القانونين . وتتفاوت القوانين في التوفيق ما بين الاعتبارين فمنها ما يغلب عليه ترجيح الاستقرار ، ومنها ما يغلب عليه ترجيح العدالة ، ومنها ما يرضى الاعتبارين على حد سواء بالقدر الذي يقتضيه كل منهما فيكون بينهما قواماً .

 ( [17] ) محكمة الاستئناف الوطنية في 25 أكتوبر سنة 1891 الحقوق 6 ص 302 – محكمة أسيوط الكلية في 26 ابريل سنة 1928 المحاماة 10 رقم 223 ص 447 – محكمة الاستئناف المختلطة في 15 يونيه سنة 1916 م 28 ص 431 – وفي 19 يونيه سنة 1923 م 35 ص 510 – هالتون 1 ص 318 – دي هاتس 1 لفظ ( convention ) فقرة 44 – والتون 1 ص 226 – ص 227 – الدكتور عبد السلام ذهني بك فقرة 134 – الدكتور محمد صالح بك فقرة 279 – نظرية العقد للمؤلف فقرة 413 – الدكتور حلمي بهجت بدوي فقرة 88 – الدكتور أحمد حشمت أبو ستيت فقرة 184 .

 ( [18] ) مرشد الحيران م 288 : ” يختلف الإكراه باختلال أحوال الأشخاص وسنهم وصنعتهم ومناصبهم وجاههم ودرجة تأثرهم من الجنس والضرب كثرة وقلة ، وشدة وضعفاً “

 ( [19] ) القانون المدني الألماني م 123 – قانون الالتزامات السويسري م 30 .

 ( [20] ) وهذا ما انتهى إليه الفقه المصري في ظل القانون القديم . وقد جاء في هذا المعنى في كتاب نظرية العقد للمؤلف ما يأتي : ” قلنا إن شرطاً واحداً كان يكفي في الإكراه ، وهو المعيار الذي تقاس به سامته . فإذا قيل إن الإكراه يجب أن يصل إلى حد من الجسامة بحيث يكون هو الذي دفع إلى التعاقد ، فإن الشروط الأخرى التي ذكرت إلى جانب هذا الشرط تصبح غير ضرورية . . . ويتبين مما تقدم أن الشروط التفصيلية التي تتطلبها النظرية التقليدية في الإكراه غير صحيحة في كثير من تطبيقاتها . والأولى أن نغفل هذه الشروط وأن نكتفي بالمعيار المرن الذي ذكرناه ، فيتحقق الإكراه إذا وجد المتعاقد المكره بالنسبة لظروفه الشخصية في حالة اضطرار ضغط على إرادته وحملته على التعاقد ” ( نظرية العقد ص 437 و ص 444 ) .

 ( [21] ) ويلاحظ أن الخطر إذا كان يهدد المال ، فالمفروض أنه لا يؤثر في إرادة التعاقد إلا إذا كان المال الذي يتعرض للخطر أكثر مما يفقده الشخص من وراء التعاقد الذي اكره عليه . وقد يكون التهديد بالاستيلاء على المال غصباً سبباً لإفساد الرضاء حتى لو كان صاحب العمال يستطيع استرداده بعد غصبه مادام التهديد قد اثر في إرادته .

ولا يعتبر القانون الإنجليزي الخطر الواقع على المال إكراهاً ، لأنه كان في استطاعة المتعاقدان يدع الخطر يتحقق ثم يرجع بتعويض على من تسبب في ضياع المال ( يولوك في العقد ص 645 ) . وهذه نظرية تغفل احتمال عدم الجدوى في الرجوع بالتعويض .

 ( [22] ) وقد قضت محكمة النقض ( الدائرة المدنية – وقد سبقت الإشارة إلى هذا الحكم ) بأن لقاضي الموضوع السلطة التامة في تتدير درجة الإكراه من الوقائع ، وهل هو شديد ومؤثر أو غير مؤثر في الشخص الذي وقع عليه الإكراه ، ولا رقابة لمحكمة النقض عليه في ذلك ( 2 يونيه سنة 1932 المحاماة 13 رقم 62 ص 157 – مجموعة عمر 1 رقم 55 ص 120 ) .

 ( [23] ) وقد قضت محكمة النقض ( الدائرة المدنية ) بأن جسامة الخطر الذي ينشأ منه الإكراه إنما تقدر بالمعيار النفسي للشخص الواقع عليه الإكراه ، وهذا يستدعى مراعاة حالته عملا بالمادة 135 من القانون المدني ( م 127 جديد ) . فإذا كان الكفيل قد دفع ببطلان الكفالة للإكراه قولا منه بأنه كان له في ذمة المكفول له دين بسند مستحق وقت الطلب ، فضاع منه السند ، فلجأ إلى مدينة ليكتب له بدلا منه ، فأبى إلا إذا وقع هو له اقراراً بكفالة أخيه في دين له قبله ، فلم يجد مناصاً من القبول ، فرد الحكم على هذا الدفع بأن فقد سند الدين لم يكن ليؤثر في إرادة الكفيل ، وهو رجل مثقف خبير بالشؤون والمعاملات المالية ، إلى الحد الذي يعيب رضاءه بكفالة أخيه ، فهذا رد سديد . وإذا كان الحكم بعد ذلك قد قال بأن فقد السند ، بحكم كونه واقعة لا يد للمكفول له فيها ، لا يكون الإكراه المبطل للعقود ، فهذا تزيد منه لا يعيبه أن يكون قد أخطأ فيه ( أول ابريل سنة 1948 مجموعة عمر 5 رقم 294 ص 585 ) .

 ( [24] ) والقضاء والفقه في مصر متفقان على هذا الحكم حتى في ظل القانون القديم : محكمة الاستئناف المختلطة في 11 ابريل سنة 1888 المجموعة الرسمية للقضاء المختلط 13 ص 171 – وفي 19 يونية سنة 1923 م 35 ص 510 – ذي هانس 1 لفظ ( convention ) فقرة 45 – هالتون 1 ص 318 – والتون 1 ص 234 – الدكتور ذهني بك فقرة 136 – فقرة 141 – الدكتور محمد صالح بك فقرة 281 – نظرية العقد للمؤلف فقرة 40 – الدكتور حلمي بهجت بدوي فقرة 89 – الدكتور أحمد حشمت أبو ستيت فقرة 186 .

 ( [25] ) محكمة الاستئناف المختلطة في 19 يونية سنة 1923 م 35 ص 510 ( وقد سبقت الإشارة إلى هذا الحكم ) . وقارن المادة 29 من قانون الالتزامات السويسري . هذا ويصح القول هنا أيضاً بان القانون الجديد أخذ بالإرادة الظاهرة دون الإرادة الباطنة على النحو الذي سبق أن قررناه في صدد الغلط والتدليس .

 ( [26] ) وقد أشتمل المشروع التمهيدي على نص في هذا المعنى ، فقضت الفقرة الثانية من المادة 177 من هذا المشروع بأنه ” إذا كان الطرف الآخر لا يعلم بوقوع الإكراه ، ولم يكن في استطاعته أن يعلم به ، فليس للمركه إلا أن يطالب المكره بالتعويض ” . وقد حذفت هذه الفقرة في المشروع النهائي لأنها تقرر حكماً تكفي فيه قواعد المسئولية ، كما سبقت الإشارة إلى ذلك ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 185 و ص 187 ) .

 ( [27] ) أنظر في هذه النظرية التقليدية : نظرية العقد للمؤلف ص 425 .

 ( [28] ) وذلك أن القانون الروماني كان يجعل للإكراه جزاء مستقلا غير إبطال العقد . أما الإكراه الذي تهيأت ظروفه مصادفة فلم يكن عليه جزاء ، لأنه لا يمكن في هذه الحالة توجيه الدعوى ضد شخص معين صدر منه الإكراه . فانتقلت هذه القاعدة إلى القانون الفرنسي بالرغم من أن هذا القانون يجعل جزاء الإكراه إبطال العقد ، ولا يكتفي بدعوى تعويض ضد من صدر منه الإكراه . وظاهر أن دعوى الإكراه يمكن توجيهها ضد المتعاقد الآخر دون حاجة إلى تلمس شخص صدر منه الإكراه ( أنظر بلانيول وريبير وإسمان 1 فقرة 195 – أنظر أيضاً جوسران 2 فقرة 88 وهو يرى أن العقد يكون قابلا للإبطال في هذه الحالة لاننا لا ننظر هل كان الدائن ملوماً أو غير ملوم من حيث وجود هذا الإكراه ، بل ننظر هل كان المدين إرادته حرة مختارة أم صدرت إرادته تحت ضغط دافع ) .

وظاهر مما تقدم أن القانون الروماني كان لا ينظر إلى الإكراه إلا باعتباره أنه عمل غير مشروع ، فإذا تهيأت ظروفه مباشرة فلا مسئولية على أحد ، ولا جزاء على مثل هذا الإكراه . أما الآن فنحن ننظر إلى الإكراه ، لا يوصف أنه عمل غير مشروع فحسب ، بل أيضاً بوصف أنه عيب في الرضاء . فالإكراه الذي تهيأت ظروفه مباشرة إذا فاته الوصف الأول فلا يفوته الوصف الثاني ، ويكون إذن سبباً في إبطال العقد .

 ( [29] ) نصت الفقرة الثالثة من المادة 178 من المشروع التمهيدي – وقد حذفت في المشروع النهائي اكتفاء بالقواعد العامة – على ما يأتي : ” إذا ابرم شخص عقداً للخلاص من خطر جسيم حال ، يهدده هو أو أحد أقاربه ، فلا يعتبر هذا العقد قابلا للبطلان بسبب الإكراه إذا كان الطرف الآخر حسن النية ولم يقصد أن يستغل الطرف المهدد ” . وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في صدد هذا النص ما يأتي : ” . . . أما التطبيق الثالث فهو خاص بحالة من يجد غيره مهدداً بخطر جسيم حال لا يد له فيه ، فستغل هذا الموقف . فهو وإن لم يكن المتسبب في الظرف المجئ ، إلا أنه انتفع به للحصول على مغنم فاحش . ويعتبر الإكراه في هذه الصورة عيباً في الرضاء ( قارن الاستغلال ) . وعلى النقيض من ذلك ينتفي الإكراه ويكون الرضاء صحيحاً إذا لم يحاول المتعاقد الآخر في مثل هذا الفرض أن يحصل على منفعة مفرطة ، بل اقتصر على انقاذ المتعاقد الآخر في مقابل منفعة معقولة . فمناط الحكم في هذه التطبيقات الثلاثة هو فكرة ( الإفراط في الغنم ) . ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 185 – ص 186 في الهامش ) . أنظر أيضاً المادة 1447 من القانون الإيطالي الجديد .

هذا والحكم يبقى صحيحاً حتى لو اعتقد المتعاقد المهدد أن المتعاقد الآخر قد افرط في الغنم ، ما دام هذا الأخير كان حسن النية ولم يهدف إلى استغلال الخطر الذي يتهدد المتعاقد معه . فإذا اتفق جراح شهير مع مريض على إجراء عملية خطيرة ، وتقاضى أجراً لعمله مبلغاً كبيراً ولكنه يتناسب مع خطورة العملية ، فالعقد صحيح حتى لو تمسك المريض فيما بعد بأن إرادته لم تكن حرة وقت التعاقد . وتعليل ذلك أن الطبيب كان حسن النية ، فلو فرض أن المريض لم يكن حر الإرادة وأراد إبطال العقد ، فمن حق الطبيب أن يتقاضى تعويضاً من المريض في هذه الحالة ، وخير تعويض هو استبقاء العقد صحيحاً كما مر ذلك في صور مختلفة .

 ( [30] ) وقد أخذ بهذا الرأي الفقه والقضاء في مصر حتى في ظل القانون القديم : والتون 1 من 237 – ص 238 – الدكتور ذهني بك فقرة 135 – الدكتور محمد صالح بك فقرة 282 – نظرية العقد للمؤلف فقرة 421 – الدكتور حلمي بهجت فقرة 89 – الدكتور أحمد حشمت أبو ستيت فقرة 187 – وأبطلت محكمة الاستئناف المختلطة الاتفاق الذي يعقد في حالة الاضطرار الناجمة من وجود سفينة في خطر ( 22 مارس سنة 1899 م 11 ص 166 ) ، واكتفت بإعطاء دعوى الفضولي ( 11 مايو سنة 1892 م 4 ص 235 ) . أنظر أيضاً محكمة الاستئناف المختلطة في 13 يونيه سنة 1909 م 21 ص 3 – وفي 18 نوفمبر سنة 1925 م 38 ص 54 – وفي 25 يناير سنة 1933 م 45 ص 141 ( وفي هذا الحكم الأخير ذكرت المحكمة في أسباب الحكم أن القانون المصري ( القديم ) لم ينقل من القانون الفرنسي كلمة ” ينتزع ” ( extorque ) الواردة في المادة 1109 من هذا القانون الأخير ، والتي كانت السبب في أن الفقه الفرنسي لا يجعل حالة الاضطرار التي تهيأت مصادفة إكراها يبطل العقد ) .

هذا والقانون المقارن في هذا الموضوع متجه إلى جعل حالة الاضطرار مؤثرة في صحة العقد ، وسنرى ذلك عند الكلام في نظرية الاستغلال ( نظرية العقد للمؤلف ص 441 حاشية رقم 1 ) .

منشور في مقال أقوى محامي الأردن

التدليس كعيب للإرادة

التدليس كعيب للإرادة

179 – علاقة التدليس بالغلط : التدليس هو إيقاع المتعاقد في غلط يدفعه إلى التعاقد . فالعلاقة إذن وثيقة ما بين التدليس والغلط . والتدليس لا يجعل العقد قابلا للإبطال إلا للغلط الذي يولده في نفس المتعاقد .

والتدليس بهذا التحديد يختلف عن الغش ( fraude ) ، لأن التدليس إنما يكون في أثناء تكوين العقد ، أما الغش فقد يقع بعد تكوين العقد ، أو يقع خارجاً عن دائرة العقد . وكذلك يختلف التدليس المدني ( dol civil ) عن التدليس الجنائي ( dol penal ) وهو النصب ( escroquerie ) بان الطرق الاحتيالية في النصب عنصر مستقل قائم بذاته ، وتكون عادة اشد جسامة من الطرق الاحتالية المستعملة في التدليس المدني كما سنرى ( [1] ) .

ولما كان التدليس يؤدي إلى الغلط ويختلط به كما قدمنا ، فنبدأ بتحديد عناصر التدليس ، ثم نبين أن نظرية الغلط تغني عن نظرية التدليس .

ا – عناصر التدليس

180 – عنصران : تنص المادة 125 من القانون الجديد على أنه ” 1 – يجوز إبطال العقد للتدليس إذا كانت الحيل التي لجأ إليها أحد المتعاقدين ، أو نائب عنه ، من الجسامة بحيث لولاها لما أبرم الطرف الثاني العقد . 2 – ويعتبر تدليسا السكوت عمدا عن واقعة أو ملابسة ، إذا ثبت أن المدلس عليه ما كان ليبرم العقد لو علم بتلك الواقعة أو هذه الملابسة ( [2] ) ” . وهذه المادة تقابل المادتين 136 / 196 من القانون القديم اللتين جرتا على الوجه الآتي : ” التدليس موجب لعدم صحة الرضاء إذا كان رضاء أحد المتعاقدين مترتباً على الحيل المستعملة له من المتعاقد الآخر بحيث لولاها لما رضى ” . ولا فرق ما بين القانونين الجديد والقديم إلا في ناحية الصياغة والأسلوب وفي النص صراحة في القانون الجديد على التدليس السلبي .

وتنص المادة 126 من القانون الجديد على أنه ” إذا صدر التدليس من غير المتعاقدين ، فليس للمتعاقد المدلس عليه أن يطلب أبطال العقد ، ما لم يثبت أن التعاقد الآخر كان من المفروض حتما أن يعلم بهذا التدليس ( [3] ) ” . وهذا النص لا مقابل له في القانون القديم ، وقد حسم إشكالاً كان قائماً سنفصله فيما بعد .

ويستخلص من هذه النصوص أن للتدليس عنصرين ( [4] ) : 1 – استعمال طرق احتيالية ، وهذا هو العنصر الموضوعي . 2 – تحمل على التعاقد ، وهذا هو العنصر النفسي . وهذان العنصران كافيان ، ولا أهمية بعد ذلك لما إذا كان التدليس قد صدر من أجل المتعاقدين أو من الغير ( [5] ) .

181 – استعمال طرق احتيالية : الطرق الاحتيالية تنطوي على جانبين : جانب مادي هو الطرق المادية التي تستعمل للتأثير في إرادة الغير ، وجانب معنوي هو نية التضليل للوصول إلى غرض غير مشروع .

فالطرق المادية لا تقتصر عادة على مجرد الكذب ، بل كثيراً ما يصحب الكذب أعمال مادية تدعمه لإخفاء الحقيقة عن المتعاقد ، ويجب أن تكون هذه الأعمال كافية للتضليل حسب حالة كل متعاقد ، فالمعيار هنا ذاتي . والأمثلة كثيرة : فهناك شركات وجمعيات تتخذ لها من مظاهر الإعلان ما لا يتفق مع حقيقتها لتخدع الناس في أمرها . وهناك أفراد يظهرون بمظهر اليسار والسعة أو يتخذون لأنفسهم صفات منتحلة . وهناك من يخفى المستندات ، ومن يصطنعها ، ومن يزور فيها ، حتى يحمل الغير على التعاقد معه على الوجه الذي يريد ( [6] ) . ولا يكفي مجرد المبالغة في القول ولو وصلت المبالغة إلى حد الكذب ما دام أن ذلك مألوف في التعامل ، كالتاجر يروج لبضاعته فينتحل لها أحسن الأوصاف ( [7] ) .

على أنه لا يشترط في التدليس المدني أن تكون الطرق الإحتيالية مستقلة عن المكذب ، قائمة بذاتها ، كما يشترط ذلك في النصب الجنائي . ففي بعض الأحوال يكفي الكذب ذاته طريقاً احتيالية في التدليس ( [8] ) . فالمهم إذن في الطرق الإحتيالية ليس إنها طرق مستقلة تقوم بذاتها لتسند الكذب ، بل أن يكون المدلس قد ألبس على المتعاقد وجه الحق فحمله على التعاقد تضليلاً ، واختار الطريق الذي يصلح لهذا الغرض بالنسبة إلى هذا المتعاقد . فمن الناس من يصعب التدليس عليه فتنصب له حبائل معقدة ، ومنهم من يسهل غشه فيكتفي في التدليس عليه بمجرد الكذب ( [9] ) .

بل قد يكون التدليس عملا سلبياً محضاً . فكفي مجرد الكتمان ( reticence ) طريقاً أحتيالياً . والأصل أن الكتمان لا يكون تدليساً ، إلا أن هناك أحوالاً يكون فيها أمر من الأمور واجب البيان ، فيلتزم المتعاقد الذي يعلم هذا الأمر بالإفضاء به ، ويعد تدليساً منه أن يكتمه . وتارة يكون الالتزام بالإفضاء مصدره نص في القانون ( [10] ) . وطوراً يكون مصدره الاتفاق الصريح . ولكن في كثير من الأحيان يكون المصدر هو هذه القاعدة القانونية العامة التي تقضي بعدم جواز الغش ، وذلك بأن يستخلص من الظروف أن امراً هاماً يؤثر في التعاقد إلى درجة كبيرة ، ويدرك أحد المتعاقدين خطره ، ويعرف أن المتعاقد الآخر يجهله ، ومع ذلك يكتمه عنه ، فيحمله بذلك على التعاقد ( [11] ) . وهذا ما نصت عليه صراحة الفقرة الثانية من المادة 125 إذا قضت بأن ” يعتبر تدليساً السكوت عمداً عن واقعة أو ملابسة إذا ثبت أن المدلس عليه ما كان ليبرم العقد لو علم بتلك الواقعة أو هذه الملابسة ” . ومن ذلك نرى أن الكتمان يكون تدليساً إذا توافرت الشروط الآتية في الأمر الذي بقى مكتوماً : ( 1 ) أن يكون هذا الأمر خطيراً بحيث يؤثر في إرادة المتعاقد الذي يجهله تأثيرا جوهرياً ، ( 2 ) أن يعرفه المتعاقد الآخر ويعرف خطره ، ( 3 ) أن يتعمد كتمه عن المتعاقد الأول ، ( 4 ) إلا يعرفه المتعاقد الأول أو يستطيع أن يعرفه من طريق آخر ( [12] ) . وأكثر ما يكون الكتمان تدليساً في عقود التأمين ( [13] ) .

بقى الجانب المعنوي وهو نية التضليل للوصول إلى غرض غير مشروع . فإذا انعدمت نية التضليل لا يكون هناك تدليس ، كالتاجر يبرز ما يعرضه في أحسن صورة ، وهو لا يقصد التضليل بل يريد استهواء الناس ( [14] ) . وقد توجد نية التضليل ولكن يقصد بها الوصول إلى غرض مشروع ، كما إذا استعمل المودع طرقاً إحتيالية للحصول من المودع عنده ، وتبين أنه شخص غير أمين ، على إقرار بالوديعة ( [15] ) .

182 – التدليس هو الدافع إلى التعاقد : ويجب أن يكون التدليس هو الدافع إلى التعاقد . وقاضي الموضوع هو الذي يبت في ذلك ، فيقدر مبلغ اثر التدليس في نفس العاقد المخدوع ليقرر ما إذا كان هذا التدليس هو الذي دفعه إلى التعاقد ، ويسترشد في ذلك بما تواضع عليه الناس في تعاملهم وبحالة المتعاقد الشخصية من سن وذكاء وعلم وتجارب ( [16] ) .

ويميز الفقه عادة بين التدليس الدافع ( dol principal ) ، وهو التدليس بالتحديد الذي قدمناه ، والتدليس غير الدافع ( dol incident ) ، وهو تدليس لا يحمل على التعاقد وإنما يغرى بقبول شروط أبهظ ( [17] ) ، فلا يكون سبباً في إبطال العقد ، بل يقتصر الأمر فيه على تعويض يسترد به العاقد المخدوع ما غرمه بسبب هذا التدليس وفقاً لقواعد المسئولية التقصيرية ( [18] ) . وهذا التمييز منتقد . ذلك أن التدليس الذي يغرى على التعاقد بشروط أبهظ هو تدليس دفع إلى التعاقد بهذه الشروط ، ولا يمكن فصل الإرادة في ذاتها عن الشروط التي تحركت الإرادة في دائرتها . فالتدليس هنا أيضاً يعيب الإرادة ، والعاقد المخدوع بالخيار بين أن يبطل العقد أو أن يستبقيه مكتفياً بتعويض عما أصابه من الضرر بسبب التدليس . وهو إذا اختار الإبطال بقى في دائرة العقد ، وإذا اختار التعويض انتقل إلى دائرة المسئولية التقصيرية . وكل تدليس له هذان الوجهان ، سواء في ذلك ما سمى بالتدليس غير الدافع وما سمى بالتدليس الدافع ( [19] ) .

183 – التدليس صادر من المتعاقد الآخر أو من الغير – القانون المدني القديم : كانت المادتان 136 / 196 من القانون المدني القديم ، في نصهما العربي ، تقضيان كما رأينا بأن ” التلديس موجب لعدم صحة الرضاء إذا كان رضاء أحد المتعاقدين مترتباً على الحيل المستعملة له من المتعاقد الآخر بحيث لولاها لما رضى ” . وكان هذا النص العربي يتفق مع القانون المدني الفرنسي الذي ينص صراحة على أن التدليس يجب أن يكون صادراً من المتعاقد الآخر ( م 1116 ) . لذلك كان الفقه والقضاء في مصر يذهبان إلى أن التدليس يجب أن يكون صادراً من المتعاقد الآخر ، تمشياً مع النص العربي المشار إليه ومع نص القانون الفرنسي ( [20] ) . وكذلك الفقه يعلل هذا الحكم الشاذ بأن التدليس إذا صدر من الغير فلا يجوز أن يكون سبباً في إبطال العقد ، إذ ليس من العدل أن يجزي المتعاقد الآخر بالإبطال عن ذنب اقترفه الغير ، وللعاقد المخدوع أن يرجع على الغير الذي صدر منه التدليس بتعويض عما أصابه من الضرر . وليست هذه الحجة بمقنعة . فإن التدليس ، سواء صدر من المتعاقد الآخر أو صدر من الغير ، يعيب الإرادة . وما دمنا نأخذ بالمعيار الذاتي وننظر لا إلى التدليس في ذاته بل إلى ما احدثه من الأثر في نفس المتعاقد ، فإن الواجب عدم التفريق بين تدليس صدر من المتعاقد الآخر وتدلس صدر من الغير ، لأن العاقد المخدوع مضلل في الحالتين ، وقد صدرت إرادته على غير هدى ، فلا يجوز أن يلتزم بمثل هذه الإرادة . والواقع أن هذا التمييز ليست له علة منطقية ، وهو يرجع في الأصل لأسباب خاصة بالقانون الروماني ( [21] ) . وبالرغم من زوال هذه الأسباب فقد تلقى القانون الفرنسي القديم القاعدة ميراثاً من التقاليد ، وانتقلت منه إلى القانون الفرنسي الحديث . وإلا فما الفرق بين الإكراه والتدليس من هذه الناحية ، والمقرر أن الإكراه يبطل العقد سواء صدر من المتعاقد الآخر أو من الغير ، لأنه يعيب الإرادة في الحالتين ( [22] ) .

ولعل ضعف الحجة في وجوب التمييز بين التدليس الصادر من الغير والتدليس الصادر من المتعاقد الآخر هو الذي حمل القضاء والفقه في فرنسا وفي مصر على الانتقاص من هذا التمييز والعمل على هدمه بالإكثار من الاستثناء فيه . فاستقر الرأي على ألا تمييز بين تدليس صادر من الغير وتدليس صادر من المتعاقد الآخر ، وأن كليهما يعيب الإرادة ، في الأحوال الآتية : ( 1 ) إذا كان التصرف القانوني الذي داخله التدليس تصرفاً قانونياً صادراً من جانب واحد ( 2 ) في الهبات لأن الهبة يجب أن تتمحض عن نية التبرع خالصة ، فإذا داخلها التدليس ولو صدر من الغير كان مبطلا لها ( 3 ) في المعاوضات إذا صدر التدليس من نائب المتعاقد الآخر أو من الغير إذا كان متواطئاً مع المتعاقد الآخر ، أو إذا صدر التدليس من الغير وكان المتعاقد الآخر يعلم بهذا التدليس أو كان في استطاعته أن يعلم به .

وكان الفقه المصري يستطيع أن يجد في القانون المدني القديم سنداً على أن التدليس يعيب الرادة حتى لو صدر من الغير ، إذا هو رجع إلى النص الفرنسي للمادتين 136 / 196 ، فإن الترجمة الدقيقة لهذا النص هي ما يأتي ” التدليس يعيب الإرادة إذا كانت الحيل المستعملة ضد المتعاقد جسيمة بحيث إنه لولاها لما رضى ” . فلم يميز النص بين تدليس يصدر من المتعاقد الآخر وتدليس يصدر من الغير ، بل أطلق فجعل التدليس يعيب الإرادة في الحالتين ( [23] ) . ولو أخذ الفقه والقضاء في مصر بهذا التفسير الوجيه لاستغنيا به عن سلوك الطريق الطويل الملتوي الذي سلكه الفقه والقضاء في فرنسا ، ولذهبا مباشرة إلى الحل الصحيح عن طريق النص الصريح .

184 – القانون المدني الجديد في التدليس الصادر من الغير : هذا ما فعله القانون الجديد . فقد تجنب التناقض الذي وقع فيه القانون ولقدم ، ونص صراحة في المادة 126 ، كما سبق القول ، على أنه ” إذا صدر التدليس من غير المتعاقدين فليس للمتعاقد المدلس عليه أن يطلب إبطال العقد ما لم يثبت أن المتعاقد الآخر كان يعلم ، أو كان من المفروض حتما أن يعلم ، بهذا التدليس ( [24] ) ” . وقد نص القانون الجديد على مثل هذا في الإكراه ( أنظر المادة 128 ) ، فسوى بحث ما بين الإكراه والتدليس في ذلك ( [25] ) .

وإذا كان التدليس الصادر من الغير يعيب الإرادة متى كان المتعاقد الآخر يعلم ، أو كان من المفروض حتما أن يعلم ، بالتدليس ، بقى الفرض الذي يكون فيه المتعاقد الآخر غير عالم بالتدليس وغير مستطيع أن يعلم به . وحتى هنا يجوز إبطال العقد للغلط إذا اثبت العاقد المخدوع أن العاقد الآخر كان مشتركا معه في الغلط الذي وقع فيه من جراء هذا التدليس ، أو أن هذا المتعاقد الآخر كان يعلم أو كان يستطيع أن يعلم بهذا الغلط . فإذا لم يثبت شيئا من ذلك ، فإن العقد لا يكون باطلا لا للتدليس وللغلط . وهذا عدل ، لأننا إذا أبطلنا العقد في هذه الحالة فللمتعاقد الآخر وهو حسن النية أن يطلب تعويضاً ، وخير تعويض هو بقاء العقد صحيحاً . وهذا تطبيق آخر لقيام العقد على سبيل التعويض ، لا على الإرادة الحقيقية للمتعاقد ( [26] ) ، وقد سبقت الإشارة إلى تطبيقات من هذا القبيل .

ب – نظرية الغلط تغني عن نظرية التدليس

185 – الغلط يغني عن التدليس في النظرية الحديثة : قدمنا أن التدليس من شأنها أن يوقع المتعاقد في غلط ، فإذا كان رضاؤه معيباً فإنما يكون ذلك بسبب الغلط الذي أوقع فيه التدليس . ومع ذلك فإن النظرية التقليدية للتدليس إذا وضعت بجانب النظرية التقليدية للغلط تجعل دائرة التدليس أوسع من دائرة الغلط . فهناك أحوال لا يكفي فيها الغلط لإبطال العقد ، كالغلط في الباعث والغلط في القيمة ، فإذا اقترن بالغلط تدليس دافع ، كان التدليس لا الغلط هو السبب في إبطال العقد ( [27] ) . ومن ذلك نرى أن طبقاً للنظرية التقليدية لا يغني الغلط عن التدليس . بل يجب الحرص على التمييز بين التدليس والغلط ، فإنه إذا كان كل تدليس يحدث في النفس غلطاً ، فإن الاقتصار على هذا الغلط مجرداً عن التدليس لا يكفي لإبطال العقد في كل الأحوال .

أما في النظرية الحديثة ، فالغلط يغني عن التدليس . ولا يمكن في هذه النظرية أن يوجد عقد يبطل للتدليس دون أن يكون قابلا لأن يبطل للغلط في الوقت ذاته . والتدليل على ذلك هين . فالتدليس لا يبطل العقد إلا إذا كان دافعاً ، وهو إنما يبطل العقد لما يوقع في نفس المتعاقد من الغلط . فالغلط الناشيء عن التدليس المبطل للعقد لما يوقع في نفس المتعاقد من الغلط . فالغلط الناشيء عن التدليس المبطل للعقد لا بد أن يكون غلطاً دافعاً ، والغلط الدافع يبطل العقد دائماً حتى لو وقع في الباعث أو في القيمة . فنرى من ذلك أن كل عقد يبطل للتدليس يمكن في الوقت ذاته أن يبطل للغلط ، وأن نظرية الغلط تغني إذن عن نظرية التدليس ( [28] ) .

186 – ولكن التدليس لا يغني عن الغلط : ذلك أن التدليس إذا لم يوقع في نفس المتعاقد غلطاً فلا أثر له في صحة العقد ، ولا تترتب عليه إلا مسئولية عن التعويض إذا انطوى على خطأ تقصيري وأحدث ضرراً . ولا يمكن أن نتصور عقداً لا يبطل للغلط ويبطل مع ذلك للتدليس . فالعبرة إذن بالغلط لا بالتدليس . وإذا كان الغلط يغني عن التدليس ، فإن التدليس لا يغني عن الغلط .

على أنه إذا وقع المتعاقد في غلط من شأنها أن يبطل العقد ، فإن هناك فرقاً عملياً في هذه الحالة بين أن يكون الغلط مصحوباً بالتدليس أو أن يكون غير مصحوب به . ويظهر أثر هذا الفرق في أمرين : ( أولاً ) يسهل إثبات الغلط حيث يكون مصحوباً بالتدليس ، فإن الطرق الإحتيالية تكون غالباً طرقاً مادية يسهل إثباتها ، فيثبت الغلط تبعاً لذلك . أما إذا لم يصحب الغلط تدليس ، فإنه يصبح أمراً نفسياً ليس من الميسور إثباته . ( ثانياً ) إذا كان الغلط مصحوباً بتدليس ، فإن التدليس يكون سبباً في إلزام المدلس بالتعويض ، وذلك إلى جانب إبطال العقد ، إذا نجم عن التدليس ضرر ( [29] ) . أما الغلط غير المصحوب بالتدليس فجزاؤه إبطال العقد ، ولا محل للتعويض إلا إذا ثبت خطأ في جانب المتعاقد الذي علم بالغلط أو كان يستطيع أن يعلم به .

وظاهر أن كلا من هذين الأمرين عملي محض ، ولا صلة له بأثر الغلط في صحة العقد ( [30] ) . وقد آثر القانون الجديد مع ذلك أن يستبقى التدليس إلى جانب الغلط جرياً على التقاليد ، لا سيما إذا اقترنت بهذه الفروق العملية .


 ( [1] ) أنظر في التمييز بين التدليس المدني والتدليس الجنائي حكم محكمة الاستئناف المختلطة في 8 مايو سنة 1934 م 46 ص 282 .

 ( [2] ) تاريخ النص : ورد هذا النص في المادة 173 من المشروع التمهيدي على الوجه الآتي : ” 1 – يكون التدليس سبباً في بطلان العقد إذا كانت الحيل التي لجأ إليها أحد المتعاقدين ، أو شخص ينوب عنه ، أو أجنبي اشترك معه في هذه الحيل ، من الجسامة بحيث لولاها لم يبرم الطرف الثاني العقد . 2 – ويعتبر سكوت أحد المتعاقدين عمداً عن واقعة أو ملابسة يجهلها المتعاقد الآخر سكوتاً تدليسياً إذا ثبت أن العقد ما كان ليتم لو علم هذا المتعاقد بهذه الواقعة أو تلك الملابسة ” . وفي لجنة المراجعة تقرر حذف عبارة ” أو أجنبي اشترك معه فيه ” من الفقرة الأولى لأن حكمها مستفاد من المادة التالية ، وتقررت إعادة صياغة المادة بفقرتيها بحيث أصبحت مطابقة لنص القانون الحديد . وأصبح رقم المادة 129 في المشروع النهائي . ووافق مجلس النواب على المادة بعد استبدال عبارة ” لما أبرم ” في الفقرة الأولى بعبارة ” لم يبرم ” ووافقت لجنة القانون المدني لمجلس الشيوخ على المادة دون تعديل ، وأصبح رقمها 125 . ووافق مجلس الشيوخ على المادة كما أقرتها لجنته ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 171 – ص 174 ) . وانظر المادة 21 من المشروع الفرنسي الإيطالي ، والمادتين 56 / 52 من التقنينين التونسي والمراكشي ، والمادة 94 من التقنين البرازيلي .

 ( [3] ) أنظر المادة 209 من قانون الالتزامات اللبناني ، وانظر تاريخ النص فيما يلي ( فقرة 184 ) .

 ( [4] ) والذي يطلب من المتعاقدين إبطال العقد للتدليس هو الذي يحمل عبء إثبات هذا التدليس بعنصريه . ويثبت ذلك بجميع طرق الإثبات ، بما في ذلك البينة والقرائن ، حتى لو كان العقد المطعون فيه بالتدليس مكتوباً لأن التدليس واقعة مادية ( استئناف مختلط في 13 نوفمبر سنة 1934 م 37 ص ) – محكمة بني سويف الجزئية في 4 نوفمبر سنة 1899 المحاكم 11 ص 2177 ) .

ووقوع التدليس مسألة موضوعية ، لقاضي الموضوع فيها الرأي النهائي . ولكن الوصف القانوني لوقائع التدليس مسألة قانونية تخضع الرقابة محكمة النقض ، وذلك كالبت فيما إذا كان مجرد الكذب أو الكتمان يكفي للتدليس ، وفيما إذا كان التدليس اصادر من الغير يؤثر في صحة العقد ( نقض مدني في 18 مايو سنة 1 933 مجموعة عمر 1 رقم 123 ص 214 – وفي 20 فبراير سنة 1936 مجموعة عمر 1 رقم 327 ص 1049 ) .

 ( [5] ) وقد ورد في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في صدد المادتين 125 و 126 ما يأتي : ” يشترط في التدليس إذا صدر من أحد المتعاقدين ، سواء أصدر من المتعاقد نفسه أم من نائبه أم من شريك له ، أن ينطوي على حيل . بيد أن هذه الحيل تختلف عن مسيها في النصب الجنائي ، إذ يكفي فيها مجرد الامتناع من جانب العاقد ، كسكونه عمداً عن واقعة جوهرية يجهلها العاقد الآخر . والواقع أنه ليس ثمة تطابق بين تعريف التدليس المدني والتدليس الجنائي . ومهما يكن من أمر ، فليس ينبغي أن يعتد في تقدير التدليس بما يسترسل فيه المتعاقد من آراء بشأن ما للتعاقد من مزايا أو عيوب ، متى كانت هذه الآراء من قبيل الاعتبارات العامة المجردة عن الضبط والتخصيص ( أنظر المادة 667 من التقنين الألماني ) . ويشترط كذلك أن تكون الحيل إلى تقدمت الإشارة إليها قد دفعت من ضلل بها إلى التعاقد . ومناط التقدير في هاذ الصدد نفسي أو ذاتي ، كما هي الحال بالنسبة لعيوب الرضاء جميعاً ” . ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 172 ) .

 ( [6] ) وقد قضت محكمة الاستئناف المختلطة بأن الجمعية التي تتخذ لها مظاهر من الإعلان توهم أن أعضاءها مسئولون شخصياً عن التزاماتها ترتكب تدليساً يبطل التعاقد الذي يتم بينها وبين الغير ( 3 ابريل سنة 1929 م 41 ص 333 ) . ويكون باطلا للتدليس عقد التامين الذي يتقدم فيه شخص آخر غير المؤمن له للكشف الطبي ( استئناف مختلط في ) ديسمبر سنة 1925 م 38 ص 90 ) . وإذا اظهر الدائن ما من شأنه إيهام الكفيل بقيام المدين بتعهداته فجدد الكفيل كفالته تحت تأثير هذا الإيهام ، فالتجديد قابل للإبطال ( محكمة الاستئناف الوطنية في 30 مارس سنة 1893 الحقوق 8 ص 75 – أنظر حكماً آخر لهذه المحكمة في 25 ابريل سنة 1922 المحاماة 3 ص 22 ) . وانظر نظرية العقد للمؤلف ص 393 حاشية رقم 1 .

 ( [7] ) محكمة الاستئناف المختلطة في 3 ابريل سنة 1897 م ) ص 263 – وفي 8 ديسمبر سنة 1915 م 28 ص 48 .

 ( [8] ) وقد قضت محكمة مصر الكلية الوطنية بأن التأكيدات غير الصحيحة التي تصدر من أحد المتعاقدين ويكون لها على الطرف الآخر التأثير الذي يحمله على قبول التعاقد من شأنها أن تجعل العقد قابلا للإبطال متى تثبت أنه لولا هذه التأكيدات لما حصل الرضاء ( 24 يناير سنة 1923 المحاماة 3 ص 281 ) . وقضت محكمة اسيوط الكلية بأن الكذب للتحايل للحصول على عمل بإعطاء بيانات غير صحيحة عن كفاية الطالب وخدماته السابقة من شأنها أن يؤثر التأثير الكافي في رضاء من تم التعاقد معه على العمل ، وبذلك يكون العقد قابلا للإبطال ( 29 مارس سنة 1928 المحاماة 9 ص 555 ) .

 ( [9] ) على أن الأصل هو أن مجرد الكذب لا يكفي للتدليس ما لم يتبين بوضوح أن العاقد المخدوع لم يكن يستطيع استجلاء الحقيقة بالرغم من هذا الكذب ، فإذا كان يستطيع ذلك فلا تدليس ( محكمة الاستئناف المختلطة في 8 ابريل سنة 1897 م 9 ص 263 – وفي 9 مارس سنية 1898 م 10 ص 184 – وفي 8 ديسمبر سنة 1915 م 28 ص 48 – محكمة المنيا الجزئية في 3 أكتوبر سنة 1922 المحاماة 5 ص 267 ) . ويلاحظ أنه كثيراً ما يعتبر إعطاء بيانات كاذبة لشركة التايمن تدليساً يبطل العقد ، كما إذا ذكر المؤمن له وهو بحار أنه مزارع فيخفي بذلك عن الشركة الأخطار التي تنجم عن مهنته ( محكمة الاستئناف المختلطة في 28 مايو سنة 1919 م 31 ص 316 ) ، وكما إذا ذكر المؤمن له بيانات كاذبة عن تاريخ صنع السيارة المؤمن عليها وتاريخ شرائها ( محكمة الاستئناف المختلطة في 26 فبراير سنة 1930 م 42 ص 325 ) . وتعتبر المبالغة عن سوء نية في قيمة الشيء المؤمن عليه أو في مقدار الضرر الحاصل تدليساً ( محكمة الاستئناف المختلطة في 25 مايو سنة 1893 م 5 ص 269 – وفي 13 فبراير سنة 1929 جازيت 20 ص 79 – وفي 4 فبراير سنة 1931 م 43 ص 203 – وفي 2 فبراير سنة 1933 م 45 ص 154 ) . أما المبالغة عن حسن نية فلا تكون تدليساً بشرط إلا يصر عليها المؤمن له بعد أن يتبين الحقيقة . كذلك إذا أخفى المؤمن له نفسه وذكر اسم شخص آخر ، فإن هذا البيان الكاتب يعتبر تدليسا ( محكمة الاستئناف المختلطة في 25 مايو سنة 1893 م 5 ص 269 – 2 فبراير سنة 1933 م 45 ص 154 ) .

 ( [10] ) أنظر مثلا المادة 746 من القانون المدني الجديد في التأمين على الحياة .

 ( [11] ) مثل ذلك أن يصطلح وارث مع مدين للتركة ، ويكتفي الوارث بأخذ جزء من الدين وهو يجهل أن هناك تأميناً يضمن الدين كله ، ويعلم المدين جهل الوارث بذلك فيكتم عنه أمر الضمان حتى يحمله على هذا الصلح ، وكأن يبيع شخص لآخر منزلا ويكتم عنه أن هذا المنزل قد شرع في نزع ملكيته للمنفعة العامة . وقضت محكمة الاستئناف المختلطة بان بائع العقار إذا كتم عن المشتري أن هذا العقار مستحق كلياً أو جزئياً وهو يعلم بذلك ، أو أخفى عنه ما يثقل العقار من الحقوق ، كان هذا تدليساً ( 11 فبراير سنة 1909 م 21 ص 227 ) . ولكن مجرد علم البائع أن دعوى استحقاق رد رفعت ضده ، فلا يخير المشتري بذلك دون أن تكون عنده نية التدليس ، بل وهو لصحيح الاعتقاد بملكيته وبملكية من باع له ، لا يعد تدليسا ، وبهذا قضت محكمة النقض وقالت في أسباب حكمها ما يأتي : ” وحيث إنه حتى إذا أخذ في مثل صورة الدعوى بالتدليس السلبي ، واعتبر المدعى عالما بدعوى الاستحقاق ، واستنتج علمه من وصول إعلان الدعوى المختلطة إليه في حينه وقبل تحرير العقد الابتدائي . فإن ما جاء على لسان البائع من أن المبيع خال من جيمع الرهون والحكر والحقوق العينية كانت وما جاء به من أنه مكلف بتقديم مستندات التمليك قبل العقد النهائي ومن قيام هذا البائع بتسليم عقد البيع الرسمي الصادر له من البائعين وكشفو خلو العين المبيعة من التصرفات على ما سبق تفصيله بصدر هذا الحكم – ما جاء من ذلك يدل على أن البائع كان صحيح الاعتقاد بملكيته وملكية من باع له ، وانه ليس في حاجة إلى أن يخدع المشترية بكتمان دعوى الاستحقاق أمام المحكمة المختلطة لأن الملك على كل حال هو من ضمانه وضمان بائعيه ، فإذا استحق عليه أن على المشتريه منه كان له عند ذلك أن ترفع دعوى الضمان فسخاً للبيع والزماً له بالتضمينات ” ( نقض مدني في 20 فبراير سنة 1936 مجموعة عمر 1 رقم 327 ص 1094 ) .

وقضت محكمة النقض بأنه إذا تعاقد شخص مع شركة تأمين على التأمين عن البضائع الموجودة بمحله من السرقة ، وقرر كذباً في اجابته عن الأسئلة المدونة في طلب التأمين أنه يقيد مشترياته ومبيعاته في سجل خاص وانه يحتفظ بقائمة جرد بضاعته ، وكان منصوصا ًفي وثيقة التأمين على بطلان عقد التأمين إذا كان ما قرره طالب التأمين غير صحيح ، ثم استخلص الحكم استخلاصا سائغاً أن البيانات المشار إليها هي بيانات جوهرية ذات اثر في تكوين التعاقد ، ورتب على عدم صحتها سقوط حق المؤمن له في مبلغ التأمين إعمالاً لنص العقد ، فإنه لا يكون أخطأ في تطبيق القانون . ولا يغير من ذلك أن البيان الكاذب لم يكن له دخل في وقوع الخطر الذي حصل من اجله التأمين ( نقض مدني 14 ابريل سنة 1949 مجموعة عمر 5 رقم 408 ص 756 – ملاحظة : تنص المادة 750 من القانون المدني الجديد على بطلان كل شرط تعسفي يرد في وثيقة التأمين ، ويتبين أنه لم يكن لمخالفته اثر في وقوع الحادث المؤمن منه ) . ولكن محكمة النقض قضت من جهة أخرى بأنه إذا ابطلت المحكمة التعاقد على التأمين تأسيساً على أن تقرير المؤمن له أن لديه دفاتر منظمة لقيد مشترياته ومبيعاته وقائمة لجرد البضاعة يراجعها بانتظام لم يكن صحيحا ، وأن الدفتر الذي ظهر أنه يعنيه غير باعث على الاطمئنان لعدم انتظامه ووجود شطب فيه ، وأن تقريره هذا كان في خصوص أمر جوهري لتعلقه بسجل هو المرجع الرئيسي لتعيين ما على شركة التأمين أن تؤدي إليه في حالة وقوع الخطر المؤمن منه ، فهذا منها قصور في تسبيب حكمها ، إذ أن عدم انتظام القيد في الدفاتر لا يؤدي عقلا إلى القول بكذب التقرير بوجود دفاتر ، بل كل ما يترتب عليه هو التأثير في قوة الدفتر كأداة إثبات . وإذ أن المحكمة حين اعتبرت البيان عن السجل وقائمة الجرد جوهرياً لتعلقه بإثبات الضرر الذي يلحق المؤمن له من وقوع الخطر المؤمن منه وانه يحدد فيما بين العاقدين طريقة إثباته ، لم تبن ذلك على اعتبارات من شأنها أن تبرره ، وخصوصاً أن عبء إثبات الضرر يقع دائماً على المؤمن له دون الشركة المؤمنة ، مما مفاده أن تعلق ذلك البيان بالإثبات ليس من شأنه أن يفيد أنه جوهري له ( نقض مدني في 16 مايو سنة 1946 مجموعة عمر 5 رقم 76 ص 172 ) .

 ( [12] ) وقد قضت محكمة النقض بأن مجرد الكتمان لا يبلغ أن يكون تدليساً ما لم يقترن بحيلة غير مشروعة ( نقض مدني في 25 فبراير سنة 1943 مجموعة عمر 4 رقم 29 ص 59 ) . وقضت محكمة استئناف اسيوط بأن مجرد الكتمان لا يكفي اعتباره غشاً وتدليساً ما دام الأمر الذي تعمد أحد العاقدين كتمه على المتعاقد معه يمكن لهذا أن يعرفه من طريق آخر ( استئناف أسيوط في 12 فبراير سنة 1942 المحاماة 22 رقم 244 ص 698 ) . وقضت محكمة الاستئناف المختلطة بأنه لا يعتبر تدليساً كتمان الدائن المرتهن عن مشتري العقار المرهون أن هناك رهناً آخر على العقار لم يكشف عنه صاحب العقار المرهون ( 26 يدسمبر سنة 1940 م 53 ص 51 : ويلاحظ أن الاتفاق الذي لا يعتبر الكتمان فيه تدليساً في هذه القضية هو اتفاق المشتري مع الدائن المرتهن على أن يدفع له جزءاً من الثمن سداداً لحقه في نظير موافقته على البيع ، والكتمان لا يعتبر هنا تدليساً لأن المشتري كان يستطيع من طريق الكشف عن العقار معرفة الرهن الثاني ) .

ومن جهة أخرى قضت محكمة النقض بأنه إذا أخفى شريك على شريكه وهو يقتسم معه أن الأطيان التي يأخذها هذا الشريك هي أطيان مرفوع بها دعوى استحقاق من جهة وقف بحيث لو علم الحقيقة وأن معظم ما اختص به بمقتضى عقد القسمة يدخل في مستندات الوقف وأن معظم ما اختص به شريكه يخرج عنها لما رضى بالقسمة ، فإن هذا يكفي لاعتباره في حكم المادة 136 مدني ( قديم ) حيلة تفسد رضاء من خدع بها ( مستفاد من حكم لمحكمة النقض في دائرتها المدنية في أول ديسمبر سنة 1949 ، طعن رقم 69 سنة 18 قضائية ولم ينشر بعد – هذا وفي وقائع هذه القضية أن الشريط زاد على مجرد الكتمان أنه اخبر شريكه أن ما يختص به غير مهدد بخطر الاستحقاق ) . وقضت محكمة استئناف مصر الوطنية بأنه إذا تبين أن المشتري كان تحت تأثير ما ذكره البائع له من بيانات خاصة بدين الدائن على العقار المبيع وعدم استحقاق شيء منه ولا من فوائده وقت تحرير العقد ، فأثر ذلك في نفسه ودفعه التعاقد ، ولم يكن يعلم أنه أدخل عليه الغش والتدليس بأن كتم وأخفى عنه مقدار الفوائد المستحقة على العقار قبل تحرير عقد البيع كما أخفى عليه ما اشترطه الدائن من حق الاحتفاظ بالمطالبة بالدين والفوائد عند التقصير في دفع الفوائد في مواعيدها ، الأمر الذي أدى إلى حلول جميع الدين وترتب عليه نزع ملكية العقار ورسا مزاده على الدائن ، فمثل هذه التصرفات هي نوع من الغش والتدليس الموجب لبطلان العقد ( 31 ديسمبر سنة 1936 المحاماة 17 رقم 312 ص 645 : وهنا أيضاً جاوز البائع مجرد الكتمان إلى الكذب عن طريق بيانات غير صحيحة أدلى بها للمشتري ) .

 ( [13] ) وقد قضت محكمة الاستئناف المختلطة بأن كتمان المؤمن على حياته لمرض أصابه قبل التأمين يعد تدليساً ( 9 ديسمبر سنة 1925 م 38 ص 90 ) . وكذلك يعد تدليساً كتمان المؤمن له عن شركة التأمين أن شريكه كان قد توعده أمام شهود باحراق متجره ، لأن هذا الكتمان من شأنه أن يؤثر في تقدير التبعة ( استئناف مختلط في 5 فبراير سنة 1930 جايزت 20 ص 79 ) .

 ( [14] ) على أن هذا لا يمنع من وقوع المتعاقد الآخر في الغلط ، ويبطل العقد للغلط لا للتدليس . ويعرف القانون الانجليزي ما يسميه بالتصوير غير الصحيح ( misrepresentation ) وهو قريب من حالتنا هذه ، إذ يعلن أحد المتعاقدين الآخر معلومات غير صحيحة ، ولكن عن حسن نية ، فيبطل العقد للغلط لا للتدليس .

 ( [15] ) أنظر نظرية الالتزام للدكتور أحمد حشمت أبو ستيت فقرة 171 ص 123 .

 ( [16] ) محكمة الاستئناف المختلطة في 3 يونية سنة 1911 م 23 ص 351 – 18 نوفمبر سنة 1925 م 38 ص 54 – 31 يناير سنة 1934 م 46 ص 147 – محكمة مصر الكلية الوطنية في 4 يناير سنة 1923 المجموعة الرسمية 25 رقم 15 / 3 .

 ( [17] ) مثل ذلك أن يطلع بائع العقار المشتري على عقود إيجار لهذا العقار ، وهي عقود مصطنعة أو قديمة يريد أن يوهمه بها أن ريع العقار مرتفع ، فإذا حمله بذلك على شراء العقار بثمن عال كان للمشتري أن يطلب تعويضاً من البائع هو زيادة الثمن الذي دفعه عن الثمن الذي كان يدفعه لو علم بحقيقة الأمر . وقد قضت محكمة الاستئناف المختلطة بأن بائع السند بثمن مقسط إذا لم يستوف الاقساط الواجبة الدفع ، وأنذر المشتري بفسخ البيع بعد أن ربح السند المبيع الجائزة الكبرى ، وحمل المشتري بذلك ، بعد أن أوهمه أنه يستطيع فسخ البيع ، على أن يصطلح معه على شروط باهظة ما كان يقبلها لولا هذا التدليس ، يكون قد ارتكب تدليساً غير دافع ، ويلتزم بدفع تعويض هو الفرق بين ما قبله المشتري وما كان يقبله لو كان التعامل على غير غش ( 31 ديسمبر سنة 1929 م 42 ص 134 – 20 مارس سنة 1935 م 47 ص 362 ) . وقد يحدث أن من يعرض شيئاً ليبيعه في المزاد يتفق مع شخص على أن يتقدم في المزاد – ويزاد عليه مزايدة وهمية ، فإذا فعل ذلك وقدم عطاء اكبر ، فهذا العطاء الوهمي قد يكفي لإلغاء العطاء الذي سبقه ، ويكون لصاحب العطاء السابق حق طلب التعويض للغش أو التمسك بصورية العطاء الأكبر . أما إذا نجحت الحيلة وتقدم شخص وزاد على العطاء الوهمي ورسا عليه المزاد ، فله أن يطعن في العقد بالتدليس ، ويكون التدليس هنا غير دافع يستوجب التعويض لا إبطال العقد ( ديموج 2 فقرة 608 مكررة ) .

 ( [18] ) وقد أشتمل المشروع التمهيدي على نص في هذا المعنى . فقد قضت المادة 175 من هذا المشروع بما يأتي : ” التدريس الذي يجعل العقد اثقل عبئاً دون أن يكون هو الدافع إلى التعاقد لا يعطي للمدلس عليه إلا الحق في مطالبة المدلس بالتعويض ” . وجاء في المذكرة الإيضاحية بصدد هذه المادة ما يأتي : ” إذا لم يكن من اثر التدليس دفع من دلس عليه إلى التعاقد ، وإنما اقتصر أمره على استدراجه إلى قبول شروط اشد وقراً مما كان يقبله لو تبين حقيقة الواقع ، فلا يعتبر عيباً من عيوب الرضاء ، بل يعتبر تقصيراً أو خطأ من جانب المدلس تترتب عليه مسئوليته ، ويعطي الحق في طلبه التعويض ، سواء اوقع التدليس من أحد المتعاقدين أم من أجنبي عن العقد ” . وقد حذف هذا النص في المشروع النهائي لأنه يقرر حكماً يكفي فيه تقرير قواعد المسئولية ( أنظر في كل ذلك مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 175 في الهامش ) .

 ( [19] ) أنظر في هذا المعنى بلانيول وريبير وبولانجيه طبعة سنة 1949 فقرة 228 . ومع ذلك أنظر نظرية العقد للمؤلف فقرة 384 . ويلاحظ أن هناك وجهاً للتوفيق بين من يقول بهذا التمييز ومن لا يقول به . ففي التدليس غير الدافع إذا اختار العاقد المخدوع إبطال العقد وفقاً لرأي القائلين بعدم التمييز ، جاز للعاقد الآخر أن يعوضه عن الضرر الذي أصابه بسبب التدليس فيمنعه بذلك من إبطال العقد . ونحن نقيس في ذلك التدليس على الغلط في ا ، كلا منهما لا يجوز التمسك به على وجه يتعارض مع حسن النية . ومتى استقام هذا الحل اقتصر لعاقد المخدوع على التعويض وفقاً لكل من الرأيين ( قارن محكمة الاستئناف المختلطة في 7 مارس سنة 1946 م 58 ص 60 ) .

 ( [20] ) والتون 1 ص 252 – ص 254 – الدكتور محمد صالح في أصول التعهدات فقرة 285 ص 242 – الدكتور محمد وهيبة ص 195 – دي هلنس 1 لفظ ( convention ) فقرة 64 – هالتون 1 ص 320 – ص 321 – فتحي زغلول ص 133 – محكمة الاستئناف المختلطة في 15 مايو سنة 1912 م 24 ص 341 – وفي 29 مايو سنة 1913 م 25 ص 417 – محكمة المنيا الجزئية في 3 أكتوبر سنة 1922 المحاماة 3 رقم 130 ص 182 – 18 ديسمبر سنة 1930 المحاماة 11 رقم 439 ص 849 .

وقد قضت محكمة النقض بأن التدليس الحاصل من أجنبي بطريق التواطؤ مع أحد المتعاقدين يفسد الرضاء كالتدليس الحاصل من المتعاقد نفسه ( نقض مدني في 18 مايو سنة 1933 مجموعة عمر 1 رقم 123 ص 214 ) . فلم تعتد محكمة النقض التدليس الصادر من أجنبي إلا أنه متواطئ مع أحد المتعاقدين .

وقد خالف هذا الرأي في ظل القانون القديم فقهاء قالوا بعدم التمييز ما بين تدليس صادر من أحد المتعاقدين وتدليس صادر من الغير : أنظر نظرية العقد للمؤلف فقرة 386 – فقرة 392 – الدكتور حلمي بهجت بدوى فقرة 128 – الدكتور عبد السلام ذهني ص 128 – ص 130 .

 ( [21] ) فقد كان ” البريطور ” في القانون الروماني يعطي الدعوى والدفع فيما يختص بالتدليس ضد الشخص الذي صدر منه التدليس . فإذا ما داخل العقد تدليس صادر من الغير لم يكن للمتعاقد الذي وقع في التدليس إلا الرجوع علىهذا الغير ، ولا رجوع له على المتعاقد الآخر ، فيبقى العقد صحيحاً لا سبيل إلى ابطاله . وهذا بخلاف الإكراه فإنه حتى إذا وقع من الغير يمكن الاحتجاج به ضد المتعاقد الآخر ( جيرار طبعة سادسة ص 471 ) .

 ( [22] ) أنظر محاولة للدفاع عن هذا التمييز ما بين التدليس والإكراه ونقد هذه المحاولة في نظرية العقد للمؤلف ص 409 حاشية رقم 5 .

 ( [23] ) وكنا نأخذ بهذا الرأي في ظل القانون القديم وقد سبقت الإشارة إلى ذلك . وفي رأينا أن المشرع المصري في القانون القديم أراد العدول عن القاعدة الفرنسية التي تقضي بأن التدليس يجب أن يكون صادراً من الغير ، لأنها قاعدة منتقدة كما رأينا ، فأورد النص الفرنسي للمادتين 136 / 196 ، وهو النص الأصلي وإن لم يكن النص الرسمي ، قاطعاً في أنه لا يشترط أن يكون التدليس صادراً من الغير . ثم ترجم هذا النص إلى العربية ، ولكن المترجم تصرف فيه ، فيدلا من أن يتقيد بالأصل فيذكر أن ” التدليس يعيب الإرادة إذا كانت الحيل المستعملة ضد المتعاقد جسيمة . . ” ، ذكر أن ” التدليس يعيب الرضاء إذا كان رضاء أحد المتعاقدين مترتباً على الحيل المستعملة له من المتعاقد الآخر . . . ” . فهو لما أورد لفظ ” رضاء ” وأسندها إلى ” أحد المتعاقدين ” انساق إلى ذكر ” المتعاقد الآخر ” بشيء من المقابلة الطبيعية . ولعله يكون قد فهم خطأ من النص الفرنسي الذي ترجمه أن الحيل المستعملة ضد أحد المتعاقدين هي حيل صادرة من المتعاقد الآخر ، وأن هذا يفهم من مدلول النص . فجاءت الترجمة مخالفة للأصل . والواجب في هذه الحالة الأخذ بالنص الفرنسي دون النص العربي ، لأن النص الأول هو الذي يعبر بأمانة عن قصد المشرع ( نظرية العقد للمؤلف فقرة 386 ) .

 ( [24] ) تاريخ النص : ورد هذا النص في المادة 174 من المشروع التهيدي على الوجه الآتي : ” 1 – التدليس الصادر من غير المتعاقدين لا يعطي حقاً للمدلس عليه في طلب إبطال العقد ، ما لم يثبت أن الطرف الآخر كان يعلم ، أو اكن في استطاعته أن يعلم ، بهذا التدليس وقت إبرام العقد . 2 – فإذا كان الطرف الآخر لا يعلم ، أو ليس في استطاعته أن يعلم ، بصدور تدليس من الغير ، فلا يترتب على التدليس إلا تخويل المدلس عليه حق مطالبة المدلس بالتعويض ” . وجاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في صدد هذه المادة ما يأتي : ” اختلفت المذاهب في شأن التدليس الصادر من الغير ، ففريق لا يرتب عليه بطلان العقد . . ، وفريق يجعل له حكم التدليس الصادر من المتعاقدين من حيث ترتيب البطلان . . ، وفريق يتوسط بين هذين المذهبين . . فيشترط لاعتبار التدليس الصادر من الغير عيباً من عيوب الرضاء ، أن يثبت من ضلل به أن الطرف الآخر كان يعلم به ، أو كان في استطاعته أن يعلم به ، وقت إبرام العقد . وفي هذا تطبيق خاص لنظرية الخطأ في تكوين العقد التي سبق تطبيقها فيما يتعلق بالغلط . وقد اختار المشروع ما اتبعه الفريق الثالث . ويراعى أنه إذا انصرفت منفعة من منافع العقد مباشرة إلى شخص غير العاقد ( كالمستفيد في اشتراط لمصلحة الغير ) فلا يجوز إبطال العقد بالنسبة له ، إلا إذا كان يعلم ، أو كان في إمكانه أن يعلم ، بالتدليس . . ويختلف عن ذلك حكم التبرعات ، فهي تعتبر قابلة للبطلان ، ولو كان من صدر له التبرع لا يعلم بتدليس الغير ولم يكن يستطيع أن يعلم به ، لأن نية التبرع يجب أن تكون خالصة من شوائب العيب . وغنى عن البيان أنه لا يكون لدى العاقد سبيل للانتصاف سوى دعوى المطالبة بالتعويض إذا لم يعلم العاقد الآخر بالتدليس أو لم يكن في مقدوره أن يعلم به ” . وفي لجنة المراجعة تقرر حذف الفقرة الثانية من المادة لأنها تقرر حكماً يكفي فيه تقرير قواعد المسئولية ، وأعيدت صياغة المادة على الوجه الآتي : ” إذا صدر التدليس من غير المتعاقدين فليس للمتعاقد المدلس عليه أن يطلب إبطال العقد ما لم يثبت أن المتعاقد الآخر كان يعلم أو كان في استطاعته أن يعلم بهذا التدليس ” . وأصبح رقم المادة 130 في المشروع النهائي . ووافق مجلس النواب على المادة دون تعديل . وفي لجنة القانون المدني لمجلس الشيوخ استبدلت عبارة ” أو كان من المفروض حتماً أن يعلم ” بعبارة ” أو كان في استطاعته أن يعلم ” ، وأصبح رقم المادة 126 . ووافق مجلس الشيوخ على المادة كما أقرتها لجنته ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 174 – ص 178 ) .

 ( [25] ) ويلاحظ أن القانون الجديد اشترط في التدليس والإكراه الصادرين من الغير ، إذا أريد التمسك بهما لإبطال العقد ، أن يثبت المتعاقد المدلس عليه أو المتعاقد المكره أن المتعاقد الآخر ، إذا لم يكن يعلم علما يقينياً بالتدليس أو بالإكراه ، فهو على الأقل مفروض فيه حتما أن يعلم بذلك . وهذا بخلاف الغلط ، فقد اكتفى القانون الجديد فيه بإثبات أن المتعاقد الآخر كان من السهل عليه أن يتبينه ، ولا يوجد سبب ظاهر لهذه التفرقة بين الغلط من جهة والتدليس والإكراه من جهة أخرى ، حتى يتحمل المتعاقد في الحالة الثانية عبئاً في الإثبات أثقل من العبء الذي يتحمله في الحالة الأولى . ولعله يكون في الحالة الأولى أولى بالرعاية : فمن جهته هو ليس للغلط عادة مظاهر مادية تبرر التشدد معه في الإثبات بينما أن للتدليس وللإكراه هذه المظاهر ، ومن جهة من تعاقد معه إذا وقع في غلط يكون أقل عذراً مما لو كان ضحية تدليس أو إكراه . ويبدو أن التفرقة لا مبرر لها ، ولا تفسر إلا بأن لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ عندما عدلت النصوص الخاصة بالتدليس والإكراه سهي عليها أن تجري تعديلا مماثلا في النصوص الخاصة بالغلط . ومن ثم يحسن عدم التشدد في إبراز هذه التفرقة عند التطبيق العملي .

 ( [26] ) ويصح القول هنا بأن القانون الجديد أخذ بالإرادة الظاهرة دون الإرادة الباطنة ، وعندئذ يقوم العقد على توافق الإرادتين .

 ( [27] ) أنظر في هذا المعنى محكمة الاستئناف المختلطة في 31 يناير سنة 1934 م 46 ص 147 .

 ( [28] ) اغفل القانون البرتغالي التدليس كعيب مستقل من عيوب الرضاء ( أنظر م 657 و 663 من هذا القانون ) . وكذلك فعل القانون النمساوي ( م 870 من القانون النمساوي القديم وم 55 من القانون النمساوي المعدل ) – أنظر أيضاً بلانيول 2 فقرة 1066 – ديموج 1 فقرة 364 – مذكرات الأستاذ ليفي إيلمان في الالتزامات في الربع الأول من القرن العشرين ص 394 .

 ( [29] ) محكمة الاستئناف الوطنية في 17 مايو سنة 1899 المحاكم 11 ص 2151 .

 ( [30] ) وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : ” وقد يصح التساؤل عن جدوى إقامة نظرية مستقلة للتدليس ما دام أن أثره في الإرادة يرد إلى ما يولد في ذهن العاقد من غلط يدفع به إلى التعاقد ، بمعنى أن ما يشوب الرضاء من عيب بسببه يرجع إلى الغلط لا إلى الحيلة . إلا أن لوجود التدليس مزيتين عمليتين : فإثباته أيسر من إثبات الغلط من ناحية ، وهو يخول حق مطالبة من صدر منه التدليس بالتعويض فضلا عن حق التمسك بالبطلان من ناحية أخرى ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 172 – ص 173 )

منشور في مقال أقوى محامي الأردن

الغلط كعيب للإرادة

الغلط كعيب للإرادة

162 – تعريف الغلط : يمكن تعريف الغلط بأنه حالة تقوم بالنفس تحمل على توهم غير الواقع . وغير الواقع أما أن يكون واقعة غير صحيحة يتوهم الإنسان صحتها ، أو واقعة صحيحة يتوهم عدم صحتها . والغلط بهذا التعريف الشامل ينتظم كل أنواع الغلط ، ولا يقف عند نوع معين منها . والذي نريده هنا هو غلط يصيب الإرادة ، فينبغي أن نمحص هذا النوع من الغلط بتمييزه عن غيره من الأنواع الأخرى وبرسم الدائرة التي تحصر نطاقه حتى نستطيع بعد ذلك أن نبين قواعده وأحكامه .

163 – الغلط المانع : وأول نوع من الغلط نستبعده من دائرة بحثنا هو ما يسمى عادة بالغلط المانع ( erreur – obstacle ) . وهو غلط يقع ، طبقاً لنظرية تقليدية في الفقه الفرنسي ، في ماهية العقد ، كما إذا عطى شخص لآخر نقوداً على أنه قرض وأخذها الآخر على إنها هبة ، أو في ذاتية المحل ، كما لو كان شخص يملك سيارتين من صنفين مختلفين فباع احداهما والمشتري يعتقد أنه يشتري الأخرى ، أو في السبب ، كما إذا اتفق الورثة مع الموصي لهم على قسمة العين الشائعة بينهم ثم يتضح أن الوصية باطلة .

وظاهر أن هذا النوع يعدم الإرادة ولا يقتصر على أن يعيبها . ففي الأمثلة التي قدمناها لم تتوافق الإرادتان على عنصر من العناصر الأساسية : ما هية العقد أو المحل أو السبب . فالتراضي إذن غير موجود ، والعقد باطل أي منعدم . وهذا هو الذي يدعونا لاستبعاد الغلط المانع من دائرة البحث ، فهو يتصل بوجود التراضي لا بصحته ، ونحن الآن في صدد صحة التراضي بعد أن فرغنا من الكلام في وجوده .

164 – اختلاف الإرادة الظاهرة عن الإرادة الباطنة : وقد تختلف الإرادة الظاهرة عن الإرادة الباطنة ، فيؤخذ بإحداهما دون الأخرى كما بينا فيما تقدم . والكلام في الإرادتين وفرق ما بينهما ليس كلاماً في عيوب الإرادة ( [2] ) ، بل كلام في الإرادة ذاتها ، أي في وجودها لا في صحتها . فيجب استبعاد هذه المسألة أيضاً من دائرة البحث ( [3] ) .

165 – الغلط في النقل أو في التفسير : والغلط الذي يعنينا بحثه هنا هو الغلط الذي يقع وقت تكون الإرادة ( erreur sur la formation de la volonte ) وهناك غلط لا يعيب الإرادة يجب كذلك استبعاده من دائرة البحث ، وهو غلط يقع في وقت نقل الإرادة إذا نقلت على غير وجهها ، وهذا ما يسمى بالغط في النقل ( erreur de transmission ) ، أو يقع في تفسيرها إذا فهمها من توجهت إليه على غير حقيقتها ، وهذا ما يسمى بالغلط في التفسير ( erreur d’interperetation ) . والفرق بين الغلط الذي يقع وقت تكون الإرادة والغلط الذي يقع في النقل أو في التفسير أن الغلط الأول هو حالة تقوم بنفس من صدرت منه الإرادة ، أما الغلط الآخر فحالة تقوم بنفس من توجهت إليه الإرادة ( [4] ) .

166 – الغلط الذي يعيب الإرادة : ويبقى ، بعد استيعاب ما قدمناه من أنواع الغلط ، الغلط الذي يصيب الإرادة ، وهو الذي يعنينا بحثه ويجب أن نرسم له دائرة واضحة المعالم . فهو من جهة غلط يقع في تكون الإرادة لا في نقلها ولا في تفسيرها ، وهو من جهة أخرى لا يعدم الإرادة كما هو الأمر في الغلط المانع ، ولا يختلط بوجودها ذاته كما هو الأمر في الإرادة الظاهرة والإرادة الباطنة .

وإذا كان الغلط الذي يعيب الإرادة لا يجوز أن يقع على ركن من أركان العقد وإلا اعدم التراضي كما رأينا ، إلا أنه يجب مع ذلك أن يكون غلطاً جوهرياً حتى يعيب الإرادة . ثم أن الغلط هو أمر نفسي يستكن في الضمير ، فوجب لاستقرار التعامل إلا يستقل به المتعاقد الذي وقع في الغلط ، بل يتصل به المتعاقد الآخر على وجه من الوجوه حتى يمكن الاعتداد به .

خلص لنا من ذلك أن الغلط الذي يعيب الإرادة يجب أن يكون : ( أولاً ) غلطاً جوهرياً واقعاً على غير أركان العقد . ( ثانياً ) غلطاً لا يستقل به أحد المتعاقدين بل يتصل به المتعاقد الآخر .

فتتكلم إذن في المسالتين الآتيتين : 1 – متى يكون الغلط جوهرياً وعلى أي شيء يقع . 2 – كيف يتصل المتعاقد الآخر بالغلط ( [5] ) .

أ – متى يكون الغلط جوهرياً وعلى أي شيء يقع

167 – معيار الغلط الجوهري في القانون الفرنسي وكيف تطور من معيار موضوعي إلى معيار ذاتي : ورث الفقه الفرنسي التقليدي عن القانون الفرنسي القديم تقسيم الغلط من حيث تأثيهر في صحة العقد إلى أنواع ثلاثة : غلط يجعل العقد باطلا وهو الغلط المانع الذي سبقت الإشارة إليه ، وغلط يجعل العقد قابلا للإبطال لمصلحة العاقد الذي وقع في الغلط ، وغلط لا يؤثر في صحة العقد . وقد سبق أن بينا الحالات الثلاث التي يكون فيها الغلط مانعاً فيجعل العقد باطلا . أما الغلط الذي يجعل العقد قابلا للإبطال فيكون في حالتين : ( 1 ) غلط يقع في مادة الشيء محل الالتزام الناشيء من العقد ، وهو ما تعبر عنه المادة 1110 من القانون المدني الفرنسي بالغلط الواقع في مادة الشيء ذاتها ( substance meme de la chose ) . ( 2 ) غلط يقع في شخص المتعاقد إذا كانت شخصيته محل اعتبار في العقد . والغلط الذي لا يؤثر في صحة العقد يكون في أحوال أربع : 1 – غلط في وصف لا يتعلق بمادة الشيء محل الالتزام . 2 – غلط في قيمة الشيء محل الالتزام . 3 – غلط في شخص المتعاقد إذا لم تكن شخصيته محل اعتبار في العقد . 4 – غلط في الباعث على التعاقد .

ولكن القضاء في فرنسا لم يأخذ بهذه النظرية التقليدية . وجاري الفقه الحديث القضاء في ذلك . فلم يأخذ بالتقسيم الثلاثي للغلط ، إذ استبعد النوع الأول وهو الغلط الذي يجعل العقد باطلا ، لأنه يتصل بوجود التراضي لا بصحته كما قدمنا . وهدم الحاجز ما بين النوعين الثاني والثالث ، فإن التمييز ما بين هذين النوعين قد قام على قواعد جامدة تضيق بما تقتضيه الحياة العملية ، وخير منها معيار مرن يمكن تطبيقه على الحالات المتنوعة . فمن الغلط ما يقع في قيمة الشيء أو في الباعث على التعاقد ومع ذلك يؤثر في صحة العقد لأنه كان هو الدافع إلى التعاقد . ومن الغلط ما يقع في مادة الشيء ومع ذلك لا يؤثر في صحة العقد لأنه لم يكن هو الدافع . فالعبرة إذن ليست بان الغلط وقع في مادة الشيء أو في قيمته ، بل العبرة بأن الغلط كان غلطاً جوهرياً ( essentielle ) ، أي بأنه كان هو الدافع الرئيسي إلى التعاقد ( la raison principale et determinte ) فلا تكون هناك حالات محددة يؤثر فيها الغلط في صحة العقد وحالات أخرى محددة كذلك لا يؤثر فيها الغلط ، بل تهدم هذه القواعد الضيقة ، وتزول الحواجز ما بين حالات وأخرى ، ونستبدل معياراً بقاعدة ، ويصبح الغلط مؤثراً في صحة العقد متى كان هو الدافع إلى التعاقد ، وذلك في جميع الحالات ، تبعاً لملابسات كل حالة وظروفها الخاصة .

وتطور الفقه الفرنسي من الأخذ بمعيار موضوعي إلى الأخذ بمعيار ذاتي نهاه واضحاً في تفسير عبارة ” الغلط في مادة الشيء ذاتها ” الواردة في المادة 1110 من القانون الفرنسي . فقد بدا الفقهاء الفرنسيون في العهد الأول يفسرون هذه العبارة تفسيراً حرفياً ، ويذهبون إلى أن المراد بذلك هو الغلط الذي يتعلق بالمادة التي يتكون منها الشيء ، ومادة الشيء هي مجموعة الخصائص التي تدخله في جنس معين وتميزه عن الأجناس الأخرى . ويقدمون عادة المثل الذي أتى به يوتييه : شخص اشترى ( شمعدان ) من نحاس مطلى بالفضة وهو يعتقد أنه من فضة خالصة ( [6] ) . ثم أخذ الفقهاء في عهد ثان يعدلون عن هذه الفكرة الموضوعية بإدخال عامل ذاتي في تحديد هذا النوع من الغلط . وأول من سار من الفقهاء في هذا الطريق هما الأستاذان أوبرى ورو ( [7] ) ، فقد أخذا في الأصل بالمذهب الموضوعي كقاعدة عامة ، فذهبا إلى أن المراد بمادة الشيء هي العناصر المادية التي تكونه والخواص التي تميزه من الأشياء الأخرى طبقاً للمتعارف بين الناس ، ولكنهما اضافا إلى ذلك جواز أن يتفق المتعاقدان على توافر صفة معينة في الشيء فتصبح هذه الصفة جوهرية بالنظر إلى غرض المتعاقدين لا بالنظر إلى مادة الشيء من حيث هي . ثم هجر الأستاذ لوران ، في عهد ثالث ، المعيار الموضوعي وأخذ بالمعيار الذاتي جملة واحدة ، فذهب إلى أن نية المتعاقدين وحدها هي التي تحدد مادة الشيء والأوصاف المعتبرة فيه ( [8] ) . واقتفى سائر الفقهاء اثر لوران في هذا المنحى ، فذهب الأستاذان بودري وبارد إلى أن المراد بمادة الشيء هي الأوصاف الرئيسية التي اعتبرها المتعاقدان أو أحدهما في ذلك الشيء والتي ما كان التعاقد يتم بدونها ( [9] ) ، وذهبت الأستاذة بلانيول وكولان وكايبتان وجوسران إلى هذا الرأي ( [10] ) .

فالعبرة إذن ، طبقا للمعيار الذاتي ، بالأوصاف المعتبرة في نظر المتعاقدين لا بالخصائص التي تكون مادة الشيء في ذاته ، فقد يشتري شخص شيئاً على أنه أثر تاريخي ويعتقد في الوقت ذاته أنه مصنوع من ذهب فيتضح أنه مصنوع من ( البرونز ) ، فهذا غلط في ” مادة الشيء ” ، ولكنه بحسب نية المشتري ليس غلطا في الصفة المعتبرة عنده ، فما دام الشيء الذي اشتراه هو الأثر التاريخي الذي يقصده ، فلا يعنيه بعد ذلك إن كان من ذهب أو من معدن آخر . وقد استبدل الفقه والقضاء في فرنسا بعبارة ” مادة الشيء ” ( substance de la chose ) عبارة أخرى اشتقاها من الكلمة ذاتها هي الصفة الجوهرية ( qualite substantielle ) ، أي الصفة التي اعتبرها المتعاقد في الشيء . والمعيار الذاتي ما هو في الواقع إلا نتيجة منطقية لمبدأ سلطان الإرادة ، فما دامت إرادة العاقد هي التي تنشيء الرابطة القانونية فيجب الأخذ بهذه الإرادة في حقيقتها وعلى وجهها الصحيح ، لا معيبة بما تأثرت به من غلط أو غير ذلك من العيوب .

168 – معيار الغلط الجوهري في القانون المصري معيار ذاتي : وبالمعاير الذاتي أيضاً أخذ الفقه والقضاء في مصر منذ عهد القانون القديم . وقد أسعفها في ذلك نصوص هذا القانون ذاتها ، فقد كانت المادتان 134 / 194 من القانونين الوطني والمختلط تنصان على أن ” الغلط موجب لبطلان الرضاء متى كان واقعاً في أصل الموضوع المعتبر في العقد ” ، وجاء في النص الفرنسي للقانون المصري القديم : ” متى كان واقعاً في الناحية الرئيسية التي كانت محل اعتبار في الشيء ” ( le rapport principal sous lequel la chose ete envisage dans le contrat ) . فالنصوص كما نرى تذهب بوضوح إلى الأخذ بالمعيار الذاتي ، وقد نقلت لا عن نصوص القانون الفرنسي بل عن القضاء والفقه في فرنسا بعد التطور الذي أسلفنا ذكره ( [11] ) .

وجاء القانون الجديد مؤيداً للمعيار الذاتي وصريحاً في وجوب الأخذ به . فقد نصت المادة 120 على أنه ” إذا وقع المتعاقد في غلط جوهري جاز له أن يطلب إبطال العقد . . . ( [12] ) ” . صم نصت المادة 121 على أنه : ” 1 – يكون الغلط جوهريا إذا بلغ حدا من الجسامة بحيث يمتنع معه المتعاقد عن إبرام العقد لو لم يقع في هذا الغلط . 2 – ويعتبر الغلط جوهريا على الأخص . أ – إذا وقع في صفة للشيء تكون جوهرية في اعتبار المتعاقدين ، أو يجب اعتبارها كذلك لما يلابس العقد من ظروف ولما ينبغي في التعامل من حسن النية . ب – إذا وقع في ذات التعاقد أو في صفة صفاته ، وكانت تلك الذات أو هذه الصفة السبب الرئيسي في التعاقد ( [13] ) ” .

ويتبين من هذه النصوص أن القانون الجديد قد أخذ بالمعيار الذاتي . فالغلط الجوهري عنده هو الغلط الذي يبلغ ، في نظر المتعاقد الذي وقع في الغلط ، حداً من الجسامة بحيث كان يمتنع عن إبرام العقد لو لم يقع في الغلط . فهو إذا وقع في صفة للشيء وجب أن تكون هذه الصفة جوهرية في اعتبار المتعاقدين ، وإذا وقع في ذات المتعاقد أو في صفة من صفاته وجب أن تكون تلك الذات أو هذه الصفة السبب الرئيسي في التعاقد .

على أن الأخذ بالمعيار الذاتي يقتضي أن يكون المعيار متعلقاً بحالة نفسية قد يدق الكشف عنها في بعض الأحيان . لذلك اتخذ القانون الجديد قرينة موضوعية لتنم عن هذه الحالة النفسية ، فقضى بأن صفة الشيء تكون جوهرية ، ليس فحسب إذا اعتبرها المتعاقدان جوهرية وفقاً لما انطوت عليه نيتهما بالفعل ، بل أيضاً إذا وجب أن يكونا قد اعتبراها جوهرية وفقاً لما لابس العقد من ظروف ولما ينبغي في التعامل من حسن النية . فالظروف الموضوعية للعقد ووجوب أن يسود التعامل حسن النية يهديان – إذا لم نهتد من طريق آخر – إلى تعرف نية المتعاقدين . فإذا اشترى شخص من تاجر في الآثار قطعة ظنها أثرية ، ثم اتضح إنها ليست كذلك ، فمن حق المشتري أن يقيم من واقعة أنه تعامل مع تاجر الآثار قرينة على نيته ، وأن يتخذ من هذه القرينة ذاتها دليلا على نية المتعاقد الآخر ، وأن يتمسك بما ينبغي أن يسود التعامل من حسن النية فلا يكلف نفسه أن يتحقق من الصفة الأثرية للقطعة ما دام قد اشتراها من تاجر في الآثار ، بل كان الواجب على هذا أن ينبه المشتري إلى أن القطعة ليست أثرية لو كان عالماً بذلك .

169 – على أي شيء يقع الغلط : والغلط الجوهري ، على النحو الذي اسلفناه ، يصح أن يقع ، لا في صفة الشيء وفي الشخص فحسب ، بل أيضاً في القيمة وفي الباعث ( [14] ) . والعبرة بأنه غلط جوهري ، لا بأنه وقع في هذا أو في ذاك . ونستعرض الآن الغلط في هذه الأحوال المختلفة .

170 – الغلط في صفة جوهرية في الشيء : إذا طبقنا معيار الغلط الجوهري على الغلط في وصف الشيء ، فإن الغلط لا يؤثر في صحة العقد إلا إذا كان هو الدافع الرئيسي إلى التعاقد كما قدمنا . وفي القضاء المصري في ظل القانون القديم – والقانون الجديد أتى مؤكداً للقانون القديم كما اسلفنا – أمثلة كثيرة على ذلك . فقد قضت محكمة الاستئناف المختلطة بأن الترخيص الذي أعطته الحكومة في استغلال أرض كانت تعتقد إنها لا تحتوي إلا على كميات صغيرة جداً من الملح يجوز إبطاله إذا تبين أن هذه الأرض تحتوي على كميات كبيرة يمكن استغلالها بسهولة ( [15] ) . وقضت بأن بيع الأوراق المالية الصادرة من شركة حكم ببطلانها يجوز إبطاله للغلط الذي وقع فيه المشتري بشأن صفة جوهرية في الشيء المبيع ( [16] ) . وقضت بأنه إذا باع شخص أرضا على أنها تحد من الجهة البحرية بشارع عرضه خمسة أمتار ، وتبين بعد ذلك أن هذا الشارع لا وجود له مما يجعل الأرض محصورة من جهاتها الأربع ولا منفذ لها يؤدي إلى الطريق العام ، فإن البيع يجوز إبطاله يسبب الغلط الواقع في صفة جوهرية في الشيء المبيع ( [17] ) . وقضت بأن بيع قماش على أنه قابل لأن يغسل ثم يتبين أنه غير قابل لذلك يجوز إبطاله للغلط في صفة جوهرية في الشيء ( [18] ) . وقضت بأن بيع شيء على أنه قديم مع أنه مجرد تقليد للقديم يجوز إبطاله للغلط في صفة جوهرية في الشيء المبيع ، ولا يلتزم المشتري برفع دعوى الإبطال في ثمانية أيام من وقت العلم بالحقيقة لأن هذا هو ميعاد رفع الدعوى في ضمان العيوب الخفية ، أما هنا فالدعوى دعوى أبطال للغلط ( [19] ) . وقضت بأنه يعتبر غلطاً في صفة جوهرية في الشيء قبول حوالة حق مع اعتقاد أن الحق مضمون برهن ، ويتبين بعد ذلك أن الرهن قد سقط قيده وأن العقار المرهون بيع إلى الغير ، فشرط عدم ضمان المحيل يبطل في هذه الحالة ( [20] ) . ولكن لا يعتبر غلطاً في صفة جوهرية في الشيء المبيع أن يقع خطأ في بيان حدود الأرض المبيعة ما دامت نمرة الأرض في خريطة فك الزمام قد ذكرت صحيحة وكان يمكن تمييز الأرض ومعرفتها من وراء ذلك ( [21] ) . ولا يعتبر غلطاً يجعل العقد قابلا للإبطال أن يتضح أن الأرض المبيعة محصورة إذا لم يذكر البائع أن لها منفذاً بل بين حدودها وموقعها وكانت معرفتها مستطاعة بذلك ( [22] ) .

171 – الغلط في شخص المتعاقد : وإذا طبقنا معيار الغلط الجوهري على الغلط في شخص المتعاقد ، فإن الغلط لا يؤثر في صحة العقد إلا إذا وقع في ذات المتعاقد أو في صفة من صفاته وكانت تلك الذات أو هذه الصفة السبب الرئيسي في التعاقد كما هو نص المادة 121 . مثل هذا الغلط إنما يقع في العقود التي تكون فيها شخصية المتعاقد محل اعتبار كعقود التبرع بوجه عام وبعض عقود المعاوضة . وهو قد يقع في ذات المتعاقد إذا كانت هي محل الاعتبار ، كالغلط في شخص الموهوب له أن الوكيل أو المزارع أو الشريك . وقد يقع في صفة جوهرية من صفات المتعاقد كانت هي الدافع إلى التعاقد كأن يهب شخص لآخر مالا معتقداً أن هناك رابطة قاربة تربطه به فيتضح أن الأمر غير ذلك ، وكأن يؤجر شخص منزلا لامرأة يعتقد أن سلوكها لا ريبة فيه فيتضح إنها امرأة تحترف العهارة حتى لو لم تكن تباشر مهنتها في المنزل ، وكأن يتعاقد شخص مع أحد الفنيين ( مهندس أو صانع في عمل يقتضي مهارة فنية ) وهو يعتقد أنه يحمل شهادة فنية فيتضح أنه لا يحملها وانه غير ماهر في فنه ( [23] ) . وتقدير ما إذا كانت شخصية المتعاقد أو صفته كانت هي محل الاعتبار وهي التي دفعت إلى التعاقد مسألة من مسائل الواقع لا من مسائل القانون ، ينظر فيها إلى ظروف الدعوى مما يمكن أن يستدل به على نية المتعاقدين . فالمعيار ذاتي . وهو المعيار الذي يطبق في جميع نواحي نظرية الغلط .

172 – الغلط في القيمة : رأينا أن النظرية التقليدية لا تقيم لهذا الغلط وزناً فلا تجعله يؤثر في صحة العقد . أما إذا سايرنا النظرية الحديثة وهي التي أخذ بها القانون المصري ، وطبقنا معيار الغلط الجوهري على الغلط في القيمة ، وجب أن نقول إن الغلط في قيمة الشيء إذا كان هو الدافع الرئيسي إلى التعاقد يجعل العقد قابلا للإبطال . فإذا باع شخص سهماً بقيمته الفعلية ، وكان يجهل أن هذا السهم قد ربح جائزة كبيرة ، كان له أن يطلب إبطال البيع للغلط في قيمة الشيء الذي باعه . وقضت محكمة الاستئناف المختلطة ، في قضية اتفق فيها صاحب البضاعة مع صاحب السفينة على أن يكون سعر نقل البضاعة إما بحساب حجمها أو بحساب وزنها طبقاً لما يختاره صاحب السفينة ، وطلب هذا أن يكون السعر بحساب الحجم فتبين أن حساب الحجم يزيد على حساب الوزن ثمانية أضعاف ، ولم يكن صاحب البضاعة يدرك ذلك بدليل أنه رفض الاتفاق مع صاحب سفينة أخرى على سعر يقل كثيراً عن السعر الذي يطالب به ، بأن صاحب البضاعة في هذه الحالة يجوز له أن يطلب إبطال عقد النقل ( [24] ) .

173 – الغلط في الباعث : تقدم القول إن النظرية التقليدية تميز بين الغلط في السبب والغلط في الباعث ، فتجعل الأول يبطل العقد بطلاناً مطلقاً ، وتجعل الثاني لا اثر له في صحة العقد . والنظرية التقليدية عندما نميز بين السبب والباعث تنظر إلى السبب في نظريته التقليدية أيضاً فيكون هو الغرض المباشر الذي يقصد الملتزم الوصول إليه من وراء التزامه . فإذا اتفق الورثة مع الموصى له على قسمة العين الشائعة بينهم ، ثم يتضح أن الوصية باطلة أو إنها سقطت بعدول الموصي ، كان هناك غلط في السبب بمعناه التقليدي ، فإن الورثة قصدوا من التزامهم بعقد القسمة غرضاً مباشراً هو إفراز نصيبهم من نصيب الموصى له باعتبار أن هذا يملك بالوصية حصة في العين ، وتبين أنه لا يملك شيئاً ، فهذا غلط في السبب ( [25] ) . أما الغلط في الباعث ، وهو الذي لا يؤثر في صحة العقد طبقاً للنظرية التقليدية ، فمثله أن يبيع شخص عيناً وهو مريض ويعتقد أنه في مرض الموت ، ثم يشفى المرض ، لهو لا يستطيع أن يطعن في البيع بدعوى أنه صدر منه وهو في مرض الموت لأن هذا الطعن لا يقبل إلا من الورثة وبشرط أن ينتهي المرض بالموت ، ولا يستطيع أن يطعن في البيع بالغلط في الباعث ولو أن الدافع له إلى التعاقد هو اعتقاده وقت البيع أنه يموت . فإذا تركنا النظرية التقليدية إلى النظرية الحديثة ، وطبقنا معيار الغلط الجوهري ، كان الغلط في الباعث في هذا المثل غلطاً جوهرياً يجيز للبائع أن يطلب إبطال البيع ( [26] ) .

ونرى من ذلك أن التمييز يبقى قائماً بين الغلط في السبب والغلط في الباعث ما دمنا نحتفظ بالنظرية التقليدية في السبب ولو هجرنا النظرية التقليدية في الغلط . فلا يزال الغلط في السبب بمعناه التقليدي يجعل العقد باطلا ، أما الغلط في الباعث فيجعل العقد قابلا للإبطال وفقاً للنظرية الحديثة في الغلط ، ولا يؤثر في صحة العقد وفقاً للنظرية التقليدية .

أما إذا هجرنا النظرية التقليدية في السبب إلى النظرية الحديثة ، فإن الغلط في السبب يختلط بالغلط في الباعث ، ويصبحان شيئاً واحداً ، ولا يكون ثمة محل للقول بأن الغلط في السبب يجعل العقد باطلا والغلط في الباعث يجعل العقد قابلا للإبطال . ويتعين الأخذ بأحد الأمرين : إما أن يكون الغلط في كل من السبب والباعث – فهما شيء واحد في النظرية الحديثة في السبب – من شأنه أن يجعل العقد باطلا ، وإما أن يكون هذا الغلط من شأنه أن يجعل العقد قابلا للإبطال . ولا يجوز التفريق بينهما في الحكم . وقد وقف كثير من الفقهاء حائرين عند هذه المسألة الدقيقة ، يتحسسونها ولكن لا يجرؤون على قول حاسم فيها . فهم يقولون بالنظرية الحديثة في السب ويخلطونه بالباعث ، ويقولون بالنظرية الحديثة في الغلط ويجعلون معياره الغلط الجوهري ولو وقع في الباعث ، ولكنهم يقفون عند هذا ويبقون على التمييز فيما بين الحالتين ، فيجعلون الغلط في السبب من شأنه أن يجعل العقد باطلا ، والغلط في الباعث من شأنه أن يجعل العقد قابلا للإبطال . فيترتب على هذا التناقض خلط عجيب ما بين منقطتي السبب والغلط ، إذ تبقى منطقة مشتركة فيما بينهما يتنازعها كل منهما ، فإذا سمينا هذه المنطقة بالسبب المغلوط ( cause erronee ) كان العقد باطلا ، وإذا سميناها بالغلط في الباعث ( erreur sur le motif ) كان العقد قابلا للإبطال ( [27] ) .

هذا التناقض المعيب توقاه القانون المصري الجديد . فهو قد أخذ بالنظرية الحديثة في كل من الغلط والسبب ، وانبنى على ذلك وجود هذه المنطقة المشتركة فزحزحها من منطقة السبب إلى منقطة الغلط ، وجعل نظرية الغلط وحدها هي التي تنطبق أحكامها على هذه المنطقة ، فيكون الغلط في كل من السبب والباعث من شأنه أن يجعل العقد قابلا للإبطال . ولا يكون هناك محل للقول بأن السبب المغلوط يجعل العقد باطلا ، فالسبب الذي يجعل العقد باطلا في القانون الجديد هو السبب غير المشروع وحده ( [28] ) .

174 – الغلط في الواقع والغلط في القانون : وفي كل ما قدمناه من تطبيقات لمعيار الغلط الجوهري ، سواء وقع الغلط في الشيء أو الشخص أو القيمة أو الباعث ، لا نفرق بين ما إذا كان الغلط هو غلط في الواقع أو غلط في القانون . فما دام جوهرياً ، أي مادام هو الذي دفع إلى التعاقد ، فإنه يجعل العقد قابلا للإبطال . وهذا ما تنص عليه صراحة المادة 122 من القانون المدني الجديد إذ تقضي بما يأتي : ” يكون العقد قابلا للإبطال لغلط في القانون إذا توافرت فيه شروط الغلط في الواقع طبقا للمادتين السابقتين ، هذا ما لم يقض القانون بغيره ( [29] ) ” . ولم يكن القانون القديم يشتمل على نص في هذه المسألة ، ولكن القضاء والفقه في مصر سارا على أن الغلط في القانون كالغلط في الواقع يجعل العقد قابلا للإبطال ( [30] ) .

والذي كان يلبس الأمر في هذه المسألة وقت قيام القانون القديم غير مشتمل على نص فيها هو وجود قاعدة أخرى معروفة تقضي بان الجهل بالقانون لا يقبل عذراً ، أو كما يقولون : ” لا يفرض في أحد أنه يجهل القانون ” ( Nul n’est cense ignorer la loi ) . ولكن مجال تطبيق هذه القاعدة لا يكون إلا حيث توجد أحكام قانونية تعتبر من النظام العام ، فيجب على جميع الناس مراعاتها ولا يجوز لأحد أن يخل بها بدعوى أنه يجهلها ، ويفترض أن كل شخص يعرف هذه الأحكام ، وإلا لما أمكن تطبيقها تطبيقاً منتجا لو أفسحنا جانب العذر في ذلك . ويدخل في هذه الأحكام القوانين الجنائية وبعض من القوانين المدنية وهي التي تعتبر من النظام العام . مثل ذلك أن يقرض شخص آخر بفائدة تزيد على 7 في المائة وهو يجهل أن الحد الأقصى للفوائد هو 7 في المائة ، فليس للمقرض في هذه الحالة أن يطلب إبطال عقد القرض بدعوى الغلط في القانون وانه ما كان يقرض نقوده لو علم بان الحد الأقصى للفائدة لا يزيد على 7 في المائة ، بل يبقى القرض صحيحاً وتنقص الفائدة إلى 7 في المائة . أما إذا كان الغلط واقعاً في مسألة قانونية لا تعتبر من النظام العام ، فلا شك في أنه يمكن الاحتجاج بهذا الغلط والتمسك به لطلب إبطال العقد ، إلا إذا نص القانون على غير ذلك كما فعل في عقد الصلح حيث تنص المادة 556 على أنه ” لا يجوز الطعن في الصلح بسبب غلط في القانون ( [31] ) ” .

ومن المفيد أن نطبق هذا المبدأ على جميع أنواع الغلط التي سبق تفصيلها . فالغلط في القانون الواقع في صفة جوهرية في الشيء مثله أن يتعهد شخص بدفع دين طبيعي وهو يعتقد أن هذا الدين ملزم له مدنياً ، فيجوز له في هذه الحالة أن يطلب إبطال التعهد . ومثل الغلط في القانون الواقع في شخص المتعاقد أن يهب رجل لمطلقته مالا وهو يعتقد أنه استردها لعصمته جاهلا أن الطلاق الرجعي ينقلب بائناً بانتهاء العدة فلا ترجع إلى عصمته إلا بعقد جديد . ومثل الغلط في القانون الواقع في القيمة أن يبيع وارث حصته في التركة وهو يحسب أنه يرث الربع فإذا به يرث النصف . ومثل الغلط في القانون الواقع في الباعث ما قضت به محكمة الاستئناف المختلطة من أنه إذا اعترف الوارث بحق للغير في التركة معتقداً أن القانون الوطني هو الواجب التطبيق ، ثم تبين بعد ذلك أن القانون الإيطالي هو الذي يطبق ، وأن دعوى الغير ليست صحيحة طبقاً لهذا القانون ، فإن رضاء الوارث يكون مشوباً بغلط في القانون ( [32] ) .

ب – كيف يتصل المتعاقد الآخر بالغلط

175 – الغلط المشترك : لم نعرض في كل ما قدمناه إلا للمتعاقد الذي وقع في الغلط ، فهو الذي نطبق في شأنه المعيار الذاتي ، معيار الغلط الجوهري . ولكن هل يبقى المتعاقد الآخر بعيداً عن هذا الغلط ، غير متصل به على وجه من الوجوه ، والمعيار كما قدمنا ذاتي ، وكثيراً ما يكون جاهلا بأمر هذا الغلط بل ويكون غير متوقع له ؟ إننا إذا قلنا بذلك تزعزع التعامل ، ولم يأمن أي متعاقد أن يرى العقد الذي اطمأن إليه قد انهار بدعوى الغلط يقدمها الطرف الآخر ، وهو بعد لم يدخل في سريرته فيعلم إن كان رضاؤه قد صدر عن غلط !

من أجل ذلك قال كثير من الفقهاء أن الغلط الفردي لا يكفي ، بل يجب أن يكون الغلط مشتركاً بين المتعاقدين ( erreur commune ) . ذلك أن المتعاقد إذا وقع في غلط جوهري واشترك معه المتعاقد الآخر في هذا الغلط ، ثم تبينت الحقيقة وطلب المتعاقد الأول إبطال العقد ، فمن العدل أن يقره المتعاقد الآخر على بطلان العقد لسبب هو نفسه قد اشترك فيه ، ولا يعود هناك وجه للتذمر من تقلقل المعاملات وعدم استقرارها . فإذا فرضنا مثلا أن شخصاً باع لآخر صورة على إنها من صنع مصور مشهور ، وجب أن يكون كل من البائع والمشتري يعتقد أن الصورة هي من صنع هذا المصور حتى يجوز للمشتري طلب إبطال البيع للغلط إذا تبين أن الصورة ليست من صنعه . أما إذا كان المشتري وحده هو الذي يعتقد ذلك دون البائع ، فلا يكون هذا الغلط مشتركاً ، ولا يجعل البيع قابلا للإبطال حتى لا يفاجأ البائع بدعوى إبطال العقد وهو لا يعلم شيئاً عن الغلط الذي وقع فيه المشترى .

هذه هي نظرية الغلط المشترك ، وهذه هي الحجج التي يقدمها انصار هذه النظرية للتدليل على صحة نظرهم . ولكننا لا نشك بالرغم مما يقدمون من حجج ، أن النظرية لا تتمشى مع المنطق ، ولا تتفق مع العدالة ، ثم هي ليست ضرورية لتحقيق الغرض العملي المقصود وهو استقرار المعاملات إذ يمكن الوصول إلى هذا الغرض من طريق آخر .

أما أن النظرية لا تتمشى مع المنطق فظاهر ، لأن الغلط يفسد رضاء من وقع فيه ، ولا يمنع فساد هذا الرضاء كون المتعاقد الآخر لم يشترك في الغلط . فيجب منطقياً إبطال العقد إذا شاب رضاء أحد المتعاقدين غلط كان هو الدافع له إلى التعاقد ، سواء وقع المتعاقد الآخر في هذا الغلط أو لم يقع .

وأما أن النظرية لا تتفق مع العدالة ، فيظهر ذلك إذا فرضنا أن الغلط لم يكن مشتركاً ، ولكن المتعاقد الذي صدر منه رضاء صحيح كان يعلم بالغلط الذي وقع فيه المتعاقد الآخر ، وتركه مسترسلا في غلطه دون أن ينبهه إلى ذلك . فالغلط في مثل هذه الحالة يكون فردياً ، وليس من شأنها أن يبطل العقد طبقاً لنظرية الغلط المشترك . ويترتب على ذلك أنه ما لم يكن هناك تدليس من المتعاقد الأول ، ولنفرض أنه وقف موقفاً سلبياً محضاً ، فإن العقد يكون صحيحاً لا مطعن فيه . وبديهي أن هذه النتيجة تصطدم مع العدالة ، فإنه إذا كان عدلا أن يبطل العقد في حالة اشتراك الطرفين في الغلط ، فالأولى أن يبطل العقد إذا انفرد أحد المتعاقدين بالغلط وكان الآخر يعلم ذلك ولم ينبهه إليه .

وأما أن النظرية ليست ضرورية لاستقرار التعامل ، فإن ذلك يظهر في وضوح لو اخذنا بنظرية الغلط الفردي ، واقتصرنا على اشتراط أن يكون المتعاقد الآخر متصلا بهذا الغلط على الوجه الذي سنبينه فيما يلي .

176 – الغلط الفردي الذي يتصل به المتعاقد الآخر : يكفي إذن أن يكون الغلط فردياً ( [33] ) . ولكن إذا كان المتعاقد الآخر لم يشترك في هذا الغلط وجب ، حتى تمتنع مفاجأته بدعوى الغلط ، أن يكون على علم به أو أن يكون من السهل عليه أن يتبينه . وهذا ما تقضي به المادة 120 من القانون الجديد ، فهي تنص على أنه ” إذا وقع المتعاقد في غلط جوهري ، جاز له أن يطلب إبطال العقد أن كان المتعاقد الآخر قد وقع مثله في الغلط ، أو كان على علم به ، أو كان من السهل عليه أن يتبينه ( [34] ) ” .

وتعليل ذلك أن الغلط إذا لم يكن مشتركاً ، وقاجأ المتعاقد الذي وقع في الغلط المتعاقد الآخر بعدوى الغلط ، ولزم أن تبطل العقد ، فإن المتعاقد الآخر حسن النية لا ذنب له في ذلك ، والمخطئ هو المتعاقد الأول الذي أهمل في كشف نيته ولم يجعل المتعاقد الآخر يتبين أو يستطيع أن يتبين ما شاب إرادته من غلط . فوجب عليه التعويض ، وخير تعويض في هذه الحالة هو بقاء العقد صحيحاً ( [35] ) . ولا يستقيم هذا التعليل إلا إذا كان المتعاقد الآخر لا علم له بالغلط وليس من السهل عليه أن يتبينه . أما إذا كان عالماً بالغلط وانه هو الدافع إلى التعاقد فلا حق له في الشكوى من إبطال العقد لأنه يكون سىء النية . وإذا لم يكن عالماً بالغلط ولكن ولكن كان من السهل عليه أن يتبينه وأن يتبين أنه هو الدافع إلى التعاقد ، فلا حق هل كذلك في الشكوى من إبطال العقد لأنه يكون مقصراً ( [36] ) . ويخلص لنا من كل ذلك أن الغلط الجوهري لا يجعل العقد قابلا للإبطال إلا إذا كان غلطاً مشتركاً ، أو كان غلطاً فردياً يعلمه المتعاقد الآخر أو يسهل عليه أن يتبينه .

فإذا تحددت نظرية الغلط في على هذا النحو فإنها لا تتنافى مع استقرار التعامل ، ذلك لأن المتعاقد الذي وقع في الغلط لا يدع للمتعاقد الآخر سبيلا للزعم بأنه فوجئ بطلب إبطال العقد . فقد ثبت ( [37] ) أن هذا المتعاقد الآخر كان مشتركاً في الغلط ، أو كان يعلم به ، أو كان من السهل عليه أن يتبينه . وهو في الأولى حسن النية ولكن مقتضى حسن نيته أن يسلم بإبطال العقد ، وهو في الثانية سيء النية والإبطال جزاء لسوء نيته ، وهو في الثالثة مقصر وتعويض التقصير الإبطال ( [38] ) .

وغنى عن البيان إننا إذا اشترطنا أن يكون المتعاقد الآخر متصلا بالغلط على النحو المتقدم ، فإن ذلك يعني أن يكون على بينة أيضاً من أن هذا الغلط الجوهري هو الدافع إلى التعاقد كما سبق القول ( [39] ) .

ويتبين مما قدمناه أنه لا تبقى إلا حالة واحدة لا يكفي فيها الغلط الفردي لإبطال العقد ، هي ألا يتمكن المتعاقد الذي وقع في الغلط من إثبات أن المتعاقد الآخر كان مشتركا في هذا الغلط أو كان يعلم به أو كان من السهل عليه أن يتبينه ( [40] ) .

177 – تطبيق الغلط الذي يتصل به المتعاقد الأخذ على أحوال الغلط المختلفة : ويحسن أن نطبق نظرية الغلط الذي يتصل به المتعاقد على أحوال الغلط المختلفة – الغلط في الشيء والغلط في الشخص والغلط في القيمة والغلط في الباعث – حتى نتبين أن هذه النظرية تكفل استقرار التعامل على نحو مرضى .

فإذا كان الغلط في الشيء ، وكان في صفة اعتبرها أحد المتعاقدين ولتكن مثلا أن الشيء الذي اشتراه أثرى ، وجب على المشتري إذا طلب إبطال العقد أن يثبت أن الشيء الذي ظنه اثريا ليس إلا مجرد تقليد وانه لم يكن ليشتريه لو كان قد علم بحقيقته . ثم يثبت إلى جانب ذلك أن البائع كان يظن مثله أن الشيء أثرى وأن هذه الصفة هي التي دفعت المشتري إلى الشراء ، أو يثبت أن البائع كان على بينة من أن الشيء غير أثرى وكان مع ذلك يعلم ، أو من السهل عليه أن يعلم ، أن المشتري إنما انساق إلى الشراء لأنه كان يظن أن الشيء أثرى . واثبات كل ذلك يكون يسيراً لو عنى المشتري وقت التعاقد أن يبين أنه إنما يشتري الشيء لأنه أثرى . فإذا هو لم يبين ذلك فقد يتيسر الإثبات من القرائن والظروف ، كارتفاع الثمن إلى درجة لا تجعل قيمة الشيء المقلد متناسبة بتاتاً مع هذا الثمن ، وكالمهنة التي اتخذها البائع لنفسه إذا فرض أن هذا البائع مهنته الاتجار في الأشياء الأثرية .

وإذا كان الغلط في الشخص ، كمن يهب لآخر مالا وهو يعتقد أنه ابن له غير شرعي ثم يظهر عدم صحة ذلك ، فللواهب أن يطلب إبطال الهبة للغلط ، ولكن يجب عليه أن يثبت إلى جانب الغلط الدافع أحد أمرين : أما أن الموهوب له أكان يشاطر الواهب الاعتقاد بأنه أبن غير شرعي له وأن هذا كان هو الدافع إلى الهبة وإما أن الموهوب له مع علمه بأنه ليس ابن الواهب كان يعلم ، أو يسهل عليه أن يعلم ، بالوهم الذي قام في ذهن الواهب وأن هذا الوهم هو الذي دفعه إلى التبرع .

وإذا كان الغلط في القيمة ، كما إذا باع شخص لآخر سهماً بقيمته الفعلية وهو لا يعلم أن هذا السهم قد ربح جائزة كبيرة ، استطاع البائع أن يطلب إبطال الهبة للغلط ، ولكن يجب عليه أن يثبت إلى جانب الغلط الدافع أحد المرين : إما أن الموهوب له كان يشاطر الواهب الاعتقاد بأنه ابن غير شرعي له وأن هذا كان هو الدافع إلى الهبة ، وإما أن الموهوب له مع عمله بأنه ليس ابن الواهب كان يعلم ، أو يسهل عليه أن يعلم ، بالوهم الذي قام في ذهن الواهب وأن هذا الوهم هو الذي دفعه إلى التبرع .

وإذا كان الغلط في القيمة ، كما إذا باع شخص لآخر سهماً بقيمته الفعلية وهو لا يعلم أن هذا السهم قد ربح جائزة كبيرة ، استطاع البائع أن يطلب إبطال البيع للغلط ، ولكن عليه أن يثبت أن المشتري كان يجهل مثله أن السهم قد ربح الجائزة ، أو أن هذا المشتري مع علمه بربح الجائزة كان يعلم ، أو يسهل عليه أن يعلم ، بجهل البائع لذلك . ولا شك في أن مجرد بيع السهم بقيمته الفعلية دون حساب للجائزة كاف وحده ليكون قرينة على أن المشتري كان إما مشتركاً في الغلط ، وإما عالما به ، وإما على الأقل كان من السهل عليه أن يتبينه .

وإذا كان الغلط في الباعث ، كما إذا باع مريض شيئاً وهو يعتقد أنه في مرض الموت ثم شفى ، كان للبائع في هذه الحالة أن يطلب إبطال البيع للغلط إذا هو اثبت أن المشتري كان يعتقد هو أيضاً أن البائع في مرض الموت ، أو أن المشتري يعلم ، أو يسهل عليه أن يعلم ، أن البائع كان يعتقد أنه في مرض الموت وأن هذا الاعتقاد هو الذي دفع المريض إلى البيع . وقد تقوم تفاهة الثمن مع خطورة المرض قرينة على ذلك .

ويتضح من التطبيقات المتقدمة أن القول بالغلط الفردي لا يصطدم مع استقرار التعامل متى روعيت قواعد الإثبات التي بينها .

178 – التمسك بالغلط على وجه يتعارض مع حسن النية : وقد أشتمل القانون الجديد على نص من شأنها أن يخفف من حدة الطابع الذاتي في الغلط . فقضت المادة 124 بما يأتي : ” 1 – ليس لمن وقع في غلط أن يتمسك به على وجه يتعارض مع ما يقضي به حسن النية . 2 – ويبقي بالأخص ملزما بالعقد الذي قصد إبرامه ، إذا أظهر الطرف الآخر استعداده لتنفيذ هذا العقد ( [41] ) ” .

ويتبين من هذا النص أن أي تمسك بالغلط ، إذا تعارض مع حسن النية ، يكون غير جائز . فإذا اشترى شخص أرضا وهو يعتقد أن لها منفذاً إلى الطريق العام ، ثم يتضح إنها محصورة ، فيعرض عليها البائع النفقات التي يقتضيها حصوله على حق المرور إلى الطريق العام مما يحقق له كل الأغراض التي قصد إليها ، فيأبى إلا إبطال العبي ، جاز أن يكون التمسك بالغلط في هذه الحالة متعارضاً مع ما يقضي به حسن النية ، فلا يجاب المشتري إلى طلبه . ويمكن اعتبار هذا الحكم تطبيقاً من تطبيقات نظرية التعسف في استعمال الحق .

وقد أورد الشق الثاني من النص تطبيقاً من أهم تطبيقات هذا المبدأ . فقضى بأن المتعاقد الذي وقع في الغلط يبقى ملزماً بالعقد الذي قصد إبرامه إذا اظهر الطرف الآخر استعدادها لتنفيذ هذا العقد . فإذا باع شخص سهماً بقيمته الفعلية ، وكان يجهل أن هذا السهم قد ربح جائزة كبيرة ، يبقى مع ذلك ملزماً بالبيع إذا نزل له المشتري عن هذه الجائزة . وإذا تعاقد شخص مع قاصر وهو يعتقد أنه بلغ سن الرشد ، فليس له أن يتمسك بالغلط إذا أجاز الوصي العقد . وإذا اشترى شخص شيئاً وهو يعتقد أنه أثرى ، فإنه يظل مرتبطاً بالعقد إذا عرض البائع أن يعطيه الشيء الأثري الذي قصد شراءه ( [42] ) .


 ( [1] ) أنظر المادة 14 من المشروع الفرنسي الإيطالي . وكانت المادتان 133 / 193 من القانون المدني القديم تنصان على أنه ” لا يكون الرضاء صحيحاً إذا وقع عن غلط أو حصل بإكراه أو تدليس ” – هذا ولما تليت المادة 166 من المشروع التمهيدي في لجنة المراجعة اقترح حذفها لأن الأحكام التي تقررها منصوص عليها في المواد التالية ، فوافقت اللجنة على ذلك ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 141 في الهامش ) . وننقل هنا النظرة العامة التي وردت في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في شأن عيوب الإرادة ، ومنها يبين ما استحدثه القانون الجديد : ” تتضمن النصوص المتعلقة بالغبن أهم ما استحدث المشروع من أحكام بشأن عيوب الرضاء . فقد اقتفت هذه النصوص اثر التقنينات الجرمانية والمشروع الفرنسي الإيطالي ، وجعلت من الغبن سبباً عاماً للبطلان النسبي وانتقاص العقود إذا اتيح لأحد المتعاقدين أن يستأثر بربح فاحش من طريق استغلال حاجة المتعاقد الآخر أو طيشه . وقد يؤخذ على هذا الحكم أن أعماله ينتهي إلى تحكم القاضي . يبدأن في سابقات التشريع ما يحمل على التغاضي عن هذا النقد والاطمئنان إلى ما جرى عليه المشروع . فالتقنينات الحديثة ، وفي طليتتها التقنين الألماني والتقنين السويسري والتقنين النمساوي المعدل والتقنين البولوني والتقنين اللبنانين والتقنين الصيني والتقنين السوفيتي ، بل والمشروع الفرنسي الإيطالي رغم نزعته المحافظة ، تجعل جميعاً من الغبن سبباً عاماً للبطلان . ثم إنه ليس ثمة ما يدعو إلى الإشفاق من تحكم القاضي في هذه الحالة أكثر من سواها ، فهو بذاته القاضي الذي يتولى في حياته اليومية تقدير الغلط الجوهري والنية الحسنة والباعث المشروع والضرر الجسيم والباعث المستحث وما إلى ذلك . وعلى أن النص في الغبن بوجه عام لا يستتبع اطراح الأحكام التقليدية الخاصة بصور معينة منه يعبر فيها عن معناه بالأرقام ، توخياً لإحلال الكم محل الكيف ، كأحوال الغبن في البيع والقسمة والاتفاق على سعر الفائدة – ويراعى من ناحية أخرى أن المشروع استحدث أحكاماً جزيلة الفائدة بشأن ما يشوب الرضا من عيوب أخرى ، فواجه مسائل عديدة أغفلها التقنين المصري الحالي ، كالغلط المشترك والغلط في القانون وغير ذلك . ثم إنه عدل النصوص المتعلقة بالتدليس تعديلا يكفل زوال الخلاف القائم بين النصوص العربية والنصوص الفرنسية في التقنين الحالي ( القديم ) . وتناول فوق ذلك مسائل أخرى كسكوت أحد المتعاقدين عمداً عن واقعة يجهلها المتعاقد الآخر . أما النصوص الخاصة بالإكراه فقد روعى في وضعها أن تكون متناسقة مع ما ورد بشأن التدليس . فالإكراه ، سواء أكان صادراً من أحد المتعاقدين أم من الغير ، له ما للتدليس من اثر في صحة العقد . وقد قضى المشروع ، فيما يتعلق بتقدير الإكراه ، على التناقض المعيب الذي تنطوي عليه نصوص التقنين الحالي ( القديم ) . . . بأن احتكم إلى معيار شخصي بحث ، قوامه الاعتداد بجنس المكره وسنه وحالته الاجتماعية والصحية ومزاجه وكل ظرف آخر من شأنه أن يؤثر في جسامة ما يقع عليه . ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 139 – ص 140 ) .

 ( [2] ) هذا ما لم يؤخذ بالإرادة الباطنة وتستظهر مغايرتها للارادة الظاهرة ، فقد ترجع هذه المغايرة إلى غلط وقع فيه المتعاقد الذي صدرت منه هذه الإرادة . ولكن ليست كل مغايرة بين الإرادة الباطنة والإرادة الظاهرة غلطاً ، فالهازل والشخص الذي يضمر غير ما يظهر في حالة التحفظ الذهني ( reserve montale ) كلاهما تختلف إرادته الظاهرة عن إرادته الباطنة دون أن يكون واقعاً في غلط .

 ( [3] ) وقد يقع الغلط في الإرادة الظاهرة كما يقع في الإرادة الباطنة . والغلط الذي يقع في الإرادة الظاهرة ليس هو مغايرتها للإرادة الباطنة ، بل هو غلط يقع في التعبير عن الإرادة ذاته أي في الإرادة الظاهرة . ويأتي سالي بمثل على ذلك : شخص عنده حصانان ، حصان اسود فيه عيب يريد بيعه من اجله وحصان ابيض لا عيب فيه ولا يريد بيعه . فإذا قال : ابيعك الحصان الأبيض ، وهو يريد أن يقول : الأسود ، كان هناك غلط في الإرادة الظاهرة . أما إذا اعتقد خطأ أن الحصان الأبيض هو المعيب ، فقال ابيعك الحصان الأبيض ، كان هناك غلط في الإرادة الباطنة لا في الإرادة الظاهرة . والقانون الألماني يجعل العقد قابلا للإبطال لكل من هذين النوعين من الغلط ( أنظر في هذا الموضوع سالي في الإعلان الإرادة ص 11 وما بعدها – نظرية العقد للمؤلف ص 359 هامش رقم 4 ) .

 ( [4] ) وقد أشتمل المشروع التمهيدي على نص هو المادة 172 من هذا المشروع ، جرى بما يأتي : ” تسري الأحكام الخاصة بالغلط في حالة ما إذا نقل رسول أو أي وسيط آخر إرادة أحد المتعاقدين محرفة ” . وقد حذفت هذه المادة في المشروع النهائي ” لأنها تقرر حكماً تفصيلياً لا حاجة إليه ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 166 – ص 167 في الهامش ) . والنص المحذوف مع مذكرته الإيضاحية يوهم أن الغلط في النقل أو في التفسير غلط يعيب الإرادة والصحيح أنه يكون سبباً في عدم توافق الإرادتين فلا ينعقد العقد . هذا ما لم يؤخذ بالإرادة الظاهرة في حالة التحريف في النقل ( قارن المادة 120 من القانون الألماني ) ، فيكون العقد صحيحاً ويؤخذ بالإرادة المحرفة على انها هي الإرادة الصحيحة لمن صدرت منه هذه الإرادة . والقضاء المصري يأخذ بالرأي الأول ولا يعتبر العقد قد تم لعدم توافق الإرادتين ، وقد سبق بيان ذلك ( أنظر آنفاً فقرة 122 في الهامش ) . وسواء اخذ بالرأي الأول تمشياً مع نظرية الإرادة الباطنة أو اخذ بالرأي الثاني تمشياً مع نظرية الإرادة الظاهرة ، فإن الوسيط الذي حرف الإرادة يكون مسئولا نحو المتعاقد الأول إذا انعقد العقد ، أو نحو المتعاقد الآخر إذا لم ينعقد .

ومن قبيل الغلط في النقل مجرد الغلط في الحساب وغلطات القلم . وهذا الغلط لا يؤثر في انعقاد العقد ولا في صحته . وقد ورد نص صريح في هذا المعنى في القانون الجديد ، فنصت المادة 123 على أنه ” لا يؤثر في صحة العقد مجرد الغلط في الحساب ولا غلطات القلم ، ولكن يجب تصحيح الغلط ” ( أنظر المادتين 536 / 658 من القانون القديم فيما يتعلق بتصحيح ارقام الحساب في عقد الصلح – وقد ورد نص القانون الجدي في المشروع التمهيدي تحت رقم المادة 170 ، وفي المشروع النهائي تحت رقم المادة 127 ، ووافق عليه مجلس النواب ، فلجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ تحت رقم المادة 123 ، فمجلس الشيوخ تحت الرقم ذاته . مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 164 – ص 166 ) . والقضاء المصري مضطرد في هذا المعنى : محكمة الاستئناف الوطنية في أول ديسمبر سنة 1914 الشرائع 2 ص 139 – محكمة الاستئناف المختلطة في 9 ديسمبر سنة 1931 م 44 ص 56 – وفي 7 مارس سنة 1933 م 45 ص 194 – وفي 8 مارس سنة 1933 م 45 ص 195 – وفي 16 نوفمبر سنة 1933 م 46 ص 36 – وفي 3 ابريل سنة 1934 م 46 ص 224 – وفي 21 ديسمبر سنة 1937 م 50 ص 57 . وقد قضت محكمة النقض بأن الخطأ في ذات الأرقام المثبتة بحساب المقاولة ( erreur de calcul ) يجوز طلب تصحيحه متى كان هذا الغلط ظاهراً في الأرقام الثابتة في كشف الحساب المعتمد من قبل ، أو متى كانت أرقام هذا الكشف قد نقلت خطأ من ورقة أخرى معترف بها ، أو كانت غير مطابقة لارقام أخرى ثابتة قانوناً . أما إعادة حساب تلك المقاولة من جديد فإن القانون يأباه ، لأن عمل المقاس والحساب النهائي عن المقاولة عبد إتمامها ما دام عملا متفقاً عليه في أصل عقدها ، فإن هذا الاتفاق متى نفذ بعمل المقاس والحساب فعلا ووقع عليه بالاعتماد ، فقد انقضت مسئولية كل عاقد عنه ، وأصبح هو ونتيجته ملزماً للطرفين ( نقض مدني في 7 نوفمبر سنة 1935 مجموعة عمر 1 رقم 297 ص 923 ) . وقضت محكمة النقض أيضاً بأنه متى كانت محكمة الموضوع قد تبينت من واقع الدعوى أن التبايع الذي هو محل النزاع قد وقع على عين معينة تلاقت عندها إرادة المشتري مع إرادة البائع ، وأن ما جاء في العقد خاصاً بحدود هذه العين قد شابه غلط في حدين من حدودها بذكر أحدهما مكان الآخر ، فإنها لا تكون مخطئة إذا ما اعتبرت هذا الغلط من قبيل الغلط المادي الواقع حال تحرير المحرر المثبت للتعاقد لا الغلط المعنوي الواقع حال تكوين الإرادة المفسد للرضاء ( نقض مدني في 11 ديسمبر سنة 1947 مجموعة عمر 5 رقم 242 ص 503 ) .

 ( [5] ) وثبوت واقعة الغلط مسألة موضوعية يستقل قاضي الموضوع بتقدير الأدلة فيها ( نقض مدني في أول ابريل 1948 مجموعة عمر 5 رقم 293 ص 586 ) .

 ( [6] ) أنظر في هذا المعنى ديرانتون 10 فقرة 114 – 116 – ماركاديه 4 فقرة 407 .

 ( [7] ) أنظر أوبري ورو 4 فقرة 343 مكررة ص 490 و 492 .

 ( [8] ) لوران 15 فقرة 488 .

 ( [9] ) بودري وبارد 1 فقرة 54 .

 ( [10] ) بلانيول 2 فقرة 1053 – كولان وكابيتان 2 ص 281 – جوسران 2 فقرة 69 – فقرة 72 .

 ( [11] ) أنظر في الفقه المصري دي هلتس الجزء الأول لفظ ( convention ) فقرة 56 – هالتون 1 ص 387 – فتحي زغلول ص 132 – والتون 1 ص 165 – ص 166 – الدكتور عبد السلام ذهني بك في الالتزامات فقرة 127 – الدكتور محمد صالح بك في الالتزامات فقرة 268 – الدكتور محمد وهيبة في النظرية العامة في الالتزامات فقرة 255 – نظرية العقد للمؤلف فقرة 357 وما بعدها – الدكتور حلمي بهجت بهدوي فقرة 116 – الدكتور أحمد حشمت أبو ستيت فقرة 156 وما بعدها .

وانظر في القضاء المصري محكمة النقض ( الدائرة المدنية ) في 7 نوفمبر سنة 1935 مجموعة عمر 1 ص 923 – محكمة قنا الاستئنافية في 26 مارس سنة 1908 المجموعة الرسمية 9 رقم 66 – محكمة الجزية الجزئية في 21 مارس سنة 1903 الحقوق 18 ص 140 – محكمة الاستئناف المختلطة في 7 يناير سنة 1892 م 4 ص 99 – وفي 22 ديسمبر سنة 1892 م 5 ص 56 – وفي 7 نوفمبر سنة 1910 م 23 ص 26 – وفي 19 يناير سنة 1911 م 23 ص 119 – وفي 17 مايو سنة 1911 م 23 ص 325 – وفي 16 مايو سنة 1917 م 29 ص 426 – وفي 16 مايو سنة 1917 م 29 ص 428 – وفي 25 مارس سنة 1922 م 36 ص 261 – وفي 26 نوفمبر سنة 1930 م 43 ص 44 .

 ( [12] ) أنظر المادة 23 من قانون الالتزامات السويسري ، والفقرة الأولى من المادة 37 من قانون الالتزامات البولوني . وانظر تاريخ نص المادة 120 من القانون الجديد فيما يلي عند الكلام في الغلط المشترك وفي الغلط الفردي ( فقرة 176 ) .

 ( [13] ) تاريخ النص : ورد هذا النص في المادة 168 من المشروع التمهيدي على الوجه الآتي : ” 1 – يكون الغلط جوهريا إذا كان من الجسامة بحيث كان يمتنع الطرف الذي وقع فيه إبرام العقد لو لم يقع في الغلط وقدر الأمور تقديراً معقولاً . 2 – ويعتبر الغلط جوهريا على الأخص في الأحوال الآتية : أ – إذا وقع في صفة للشيء تكون جوهرية في اعتبار المتعاقدين أو بالنسبة لما يلابس العقد من ظروف ولما ينبغي أن يسود التعامل من حسن النية . ب ) إذا وقع في ذات الشخص أو في صفة من صفاته ، وكانت تلك الذات أو تلك الصفة السبب الوحيد أو السبب الرئيسي في التعاقد . ج ) إذا وقع الغلط في أمور يعتبرها المتعاقد الذي يتمسك بالغلط عناصر ضرورية للتعاقد طبقاً لما تقضي به النزاهة في التعامل ” . وحذفت لجنة المارجعة الجزء ( ج ) من الفقرة الثانية لأن ذكر هذه الحالة مع الحالتين السابقتين يكاد يحيط بكل حالات الغلط فلا يصبح هناك معنى لايراد الفقرة الثانية على سبيل التمثيل . وأصبح رقم المادة 125 في المشروع النهائي . ووافق مجلس النواب على المادة دون تعديل . وحذفت لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ عبارة ” وقدر الأمور تقديراً معقولاً ” من الفقرة الأولى لأنها تتضمن قيداً يحسن أن يترك أمره لتقدير القاضي ، وحذفت عبارة ” السبب الوحيد ” من الفقرة الثانية حرف ( ب ) لأن في عموم عبارة ” السبب الرئيسي ” الواردة في الفقرة ذاتها ما يغني عنها ، وأصبح رقم المادة 121 . وقد وافق عليها مجلس الشيوخ كما عدلتها لجنته ( أنظر مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 155 – ص 158 ) . وانظر المادة 15 من المشروع الفرنسي الإيطالي والفقرة الثانية من المادة 37 من قانون الالتزامات البولوني .

 ( [14] ) وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في صدد المادة 121 ما يأتي : ” وينبغي أن يكون الغلط المبطل للعقد جوهرياً . ولا يتحقق ذلك إلا إذا دفع من وقع فيه إلى التعاقد . ومؤدى هذا أن يناط تقدير الغلط بمعيار شخصي . وقد انتهى القضاء المصري والقضاء الفرنسي في هذا الشأن إلى تطبيقات ثلاثة تقررت في نصوص المشروع : ا ) أولها يتعلق بالغلط الذي يقع في صفة للشيء تكون جوهرية في اعتبار المتعاقدين أو بالنسبة لما يلابس العقد من ظروف ولما ينبغي أن يسود التعامل من حسن النية . وفي هذا الفرض يرتبط تقدير الغلط الجوهري بعامل شخصي هو حسن النية وبعامل مادي قوامه الظروف التي لابست تكوين العقد . 4 ) والثاني يتصل بالغلط الواقع في ذات شخص المتعاقد أو في صفة من صفاته ، إذا كانت هذه الذات أو تلك الصفة السبب الوحيد أو السبب الرئيسي في التعاقد . والمعيار في هذا الفرض شخصي بحث . ( ج ) والثالث خاص بالغلط الواقع في أمور يعتبرها من يتمسك به من المتعاقدين عناصر ضرورية للتعاقد طبقاً لما تقضي به النزاهة في التعامل ملاحظة : هذا التطبيق حذفته لجنة المراجعة كما قدمنا في تاريخ نص المادة 121 ) . وقد تنطوي صورة الغلط في الباعث في هذا التطبيق الثالث . بيد أنه يتعين الرجوع ، عند الإثبات ، إلى عنصر موضوعي أو مادي بحث ، هو عنصر نزاهة التعامل ، ويتضح من ذلك أن تقدير الغلط ، وإن كان قد نيط بمعيار شخصي بحث ، إلا أن تيسير الإثبات قد اقتضى الاعتداد بعناصر مختلفة ، فيها الشخصي والمادة ” . ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 143 ) .

 ( [15] ) 7 يناير سنة 1892 م 4 ص 99 .

 ( [16] ) 7 نوفمبر سنة 1910 م 23 ص 26 – جازيت 1 ص 34 .

 ( [17] ) 19 يناير سنة 1911 م 23 ص 119 – وانظر حكماً ثانياً في 17 مايو سنة 1910 م 23 ص 325 – وحكماً ثالثاً في 18 يناير سنة 1939 م 51 ص 121 .

 ( [18] ) 18 مارس سنة 1946 م 58 ص 75 .

 ( [19] ) 19 مارس سنة 1913 م 25 ص 239 – وانظر حكماً آخر في 18 مارس سنة 1946 م 58 ص 74 ( وقد سبقت الإشارة إليه ) . وانظر في التمييز ما بين الغلط في الشيء والعيب الخفي فيه نظرية العقد للمؤلف فقرة 358 . وكان القانون القديم يوجب رفع دعوى العيب في ثمانية أيام من وقت العلم بالحقيقة ( م 324 / 402 ) ، أما القانون الجديد فجعل الدعوى تتقادم بانقضاء سنة من وقت تسليم المبيع ( م 452 ) .

 ( [20] ) 7 ابريل سنة 1931 م 43 ص 333 .

 ( [21] ) محكمة الاستئناف المختلطة في 21 ديسمبر سنة 1916 م 29 ص 120 .

 ( [22] ) محكمة الاستئناف المختلطة في 7 يناير سنة 1897 م ) ص 104 – وفي 8 ابريل سنة 1897 م ) ص 263 – وفي 18 ابريل سنة 1900 المجموعة الرسمية للقضاء المختلطة 25 ص 285 – وفي 7 فبراير سنة 1928 م 40 ص 187 .

 ( [23] ) أنظر في هذه الأمثلة وفي غيرها نظرية العقد للمؤلف فقرة 360 – فقرة 362 .

 ( [24] ) 16 مايو سنة 1917 م 29 ص 426 – جازيت 7 ص 135 رقم 400 – وفي قضية أخرى قضت محكمة الاستئناف المختلطة بأن الغلط يجعل العقد قابلا للإبطال إذا كان غلطاً يؤثر تأثيراً كبيراً في الثمن باعتباره الرابطة الرئيسية في التعاقد ( 25 مارس سنة 1922 م 36 ص 261 ) . وفي قضية كان المدين فيها مطالباً بالدافع بالعملة المصرية ، فدفع للدائن بالعملة الفرنسية وقبل ممثل الدائن ( وكان حارساً قضائياً ) الوفاء بهذه العملة معتقداً أن الاتفاق يعطي المدين هذا الحق ، ثم تبين بعد ذلك أن المدين ملزم بالوفاء بالعملة المصرية ، فقضت محكمة الاستئناف المختلطة بإلزام المدين بدفع الفرق بين سعر العملتين في اليوم الذي كشف فيه هذا الغلط ( 25 نوفمبر سنة 1925 م 38 ص 76 ) . كذلك إذا استوفى المدين مبلغاً أقل مما يستحق عن غلط منه ، لم يكن هذا الوفاء مبرئاً لذمة المدين في كل الدين ( محكمة الاستئناف المختلطة في 25 مارس سنة 1920 م 32 ص 235 ) . أنظر أيضاً في الغلط في القيمة محكمة الاستئناف المختلطة في 3 ابريل سنة 1934 م 46 ص 224 ، وفي الغلط في القيمة في عقد التخارج محكمة الاستئناف المختلطة في 25 مارس سنة 1922 م 34 ص 261 – وحكماً ثانياً في 12 ديسمبر سنة 1916 م 29 ص 103 – وحكماً ثالثاً في 11 يونية سنة 1903 م 15 ص 350 . وانظر أحكاماً أخرى تقضي بغير هذا المبدأ في نظرية العقد للمؤلف ص 377 حاشية رقم 2 .

هذا ويلاحظ أن الفرق ما بين الغلط في القيمة والغبن يقوم على أنه ليس من الضروري أن المتعاقد المغبون يكون قد وقع في غلط بالنسبة إلى قيمة الشيء الذي يتعاقد عليه ، فقد يكون على بينة من قيمة الشيء الحقيقية ويقبل الغبن بالرغم من ذلك .

 ( [25] ) أنظر ما جاء في نظرية العقد للمؤلف فقرة 364 ، حيث ذكر من الأمثلة على الغلط في الباعث أن يصطلح الوارث مع الموصى له على أن يسلم الأول للثاني جزءاً من الشيء الموصى به دون الباقي ، ويكون الباعث على هذا الصلح اعتقاد الوارث أن الوصية قائمة وقت وموت الموصى ، ويتضح بعد ذلك أن الموصى كان قد عدل عنها . والفرق ظاهر بين هذا المثل ومثل قسمة الوارث مع الموصى له . ففي الحالة الأولى ينازع الوارث في الوصية وينتهي بالمصالحة عليها وقد دفعه إلى ذلك اعتقاده أن الموصى لم يعدل عنها ، ولكن اثر النزاع بقى في أن الوارث لم يسلم للموصى له إلا جزاءً من الشيء الموصى به .فالغلط هنا يقع في الباعث . أما في قسمة الوارث مع الموصى له ، فالوارث يسلم بالوصية لا ينازع فيها ، لذلك اقتسم مع الموصى له العين الشائعة ، وأعطاه نصيبه ، وهو القدر الموصى به ، كاملا بمقتضى عقد القسمة . فالغلط هنا يقع في السبب بمعناه التقليدي .

 ( [26] ) ومن أمثلة الغلط في الباعث ما يظهر فيه لأول وهلة أن الغلط ينبغي إلا يؤثر في صحة العقد . فلو اشترى شخص سيارة معتقداً أن سيارته القديمة قد كسرت في حادث اصطدام ثم يتضح عدم صحة ذلك ، أو استأجر موظف منزلا في مدينة معتقداً أنه سينقل إليها ثم يتبين بعد ذلك أنه لم ينقل ، كان هذا غلطاً في الباعث ، وينبغي إلا يؤثر في صحة العقد وإلا تعرض التعامل لخطر التزعزع وعدمالاستقرار . ولكن هذه النظرة الأولى غير دقيقة ، فإن الذي يعرض التعامل للتزعزع في مثل هاتين الحالتين ليس هو أن الغلطفي الباعث يكون غلطاً جوهرياً ، بل إن المتعاقد الآخر لا يكون له اتصال بهذا الغلط . وسنرى فيما يلي أن الغلط الذي يجعل العقد قابلا للإبطال يجب أن يشترك فيه المتعاقد الآخر ، أو أن يكون على علم به ، أو أن يكون من السهل عليه أن يتبينه . فلا يزعزع التعامل في شيء أن يطلب مشترى السيارة أو مستأجر المنزل ، في المثلين المتقدمين ، إبطال العقد ، ما دام المشتري في المثل الأول يستطيع أن يثبت أن بائع السيارة كان يعتقد مثله أن سيارته القديمة قد كسرت ف يحادث اصطدام وأن هذه الواقعة الموهومة هي التي دفعت المشتري إلى الشراء ، أو أن البائع كان على علم بان الواقعة التي دفعت المشتري إلى الشراء إنما هي واقعة موهومة ، أو كان من السهل عليه أن يتبين ذلك – وما دام المستأجر ، في المثل الثاني ، يستطيع أن يثبت أن المؤجر كان يعتقد مثله أنه نقل إلى المدينة التي استأجر فيها المنزل وأن هذا هو الدافع للاستئجار ، أو أن المؤجر كان على علم بأن النقل الذي دفع الموظف إلى استئجار المنزل إنما هو واقعة موهومة ، أو اكن من السهل عليه أن يتبين ذلك .

 ( [27] ) أنظر في التوفيق ما بين الغلط في السبب والغلط في الباعث بلانيول وريبير وبولانجيه سنة 1949 الجزء الثاني فقرة 205 وفقرة 299 وفقرة 304 وفقرة 824 – أما الفقه المصري فقد سار وراء الفقه الفرنسي في هذا التنقاض : أنظر الدكتور عبد السلام ذهني بك في الالتزامات فقرة 130 – الدكتور محمد وهيبة فقرة 260 وفقرة 318 – قارن نظرية العقد للمؤلف ص 375 هامش رقم 2 – وقارن والتون 1 ص 52 – ص 53 – ومن الفقهاء المصريين من لا يزال يرى الغلط في الباعث ( في ظل القانون القديم ) لا يؤثر في صحة العقد إلا إذا اختلط بصفة جوهرية في الشيء أو في الشخص ( الدكتور أحمد حشمت أبو ستيت فقرة 159 ) . ومنهم من يتبين أن نظرية الغلط هي نظرية السبب غير الصحيح ، ولكنه يلحق تلك بهذه فيجعل الغلط جزءاً من نظرية السبب ، ثم يعود بعد ذلك فيجعل الجزاء على كل من الغلط والسبب غير الصحيح هو البطلان النسبي ( قابلية العقد للإبطال ) لا البطلان المطلق ( الدكتور حلمي بهجت بدوي ص 173 و ص 179 و ص 198 و 232 – ص 234 ) . أنظر أيضاً في هذا الموضوع مؤلفاً موضوعاً بالفرنسية للدكتور شفيق شحاته في الالتزامات ص 42 – ص 43 .

ويرى أن الذي دعا إلى حيرة الفقه في هذه المسألة الدقيقة هو تطور النظريات القانونية وتدخلها بعضها في بعض ، فتبقى الحلول القديمة قائمة بالرغم من إنها تقصر عن مسايرة هذا التطور . فقد كان مسلما في ظل النظريات التقليدية أن السبب غير الباعث ، وانبنى على ذلك أن الغلط في السبب يجعل العقد باطلا ، أما الغلط في الباعث فلا يؤثر في صحة العقد . ومنذ تطورت النظرية التقليدية في الغلط ، واستبدل بالمعيار الموضوعي معيار ذاتي ، أصبح الغلط في الباعث يؤثر في صحة العقد . ولكن هذا التطور لم يزعزع سلامة التمييز ما بين الغلط في السبب بمعناه التقليدي والغلط في الباعث ، فلا زال الغلط في حالة الأولى يجعل العقد باطلا ، أما الغلط في الحالة الأخرى فأثره بقى مختلفاً عن أثره في الحالة الأولى وإن كان قد تطور فأصبح يجعل العقد قابلا للإبطال . إلى هنا بقى التمييز سليما ما بين الغلط في السبب والغلط في الباعث . ولكن منذ تطورت نظرية السبب هي أيضاً ، كما تطورت نظرية الغلط ، واختلط السبب بالباعث في النظرية الحديثة ، صار متعيناً أن نجعل حكم الغلط في السبب هو حكما لغلط في الباعث دون تمييز بين الحالتين . ومع ذلك بقى الفقه إلى حد كبير محتفظاً بهذا التمييز ، ولم يلق بالا إلى ما حدث من التطور .

 ( [28] ) وسنرى عند الكلام في نظرية السبب أن القانون الجديد قد أخرج السبب المغلوط ( أو السبب غير الصحيح ) من منطقة السبب ، واقتصر على ذكر السبب غير المشروع .

هذا ويلاحظ أنه إذا كان حكم الغلط في السبب بالمعنى الحديث هو حكم الغلط في الباعث فيكون العقد قابلا للإبطال في الحالتين كما قدمنا ، فإن الغلط في السبب بمعناه التقليدي ، أي الغلط المتعلق بالغرض المباشر الذي يقصد الملتزم الوصول إليه من وراء التزامه ، لا يزال غلطاً يحول دون تكوين العقد لانعدام الرضاء أو لانعدام المحل على ما سنرى عند الكلام في السبب ، فإذا وقع جعل العقد باطلا كما أسلفنا القول .

 ( [29] ) تاريخ النص : ورد هذا النص في المادة 169 من المشروع التهيدي على الوجه الآتي : ” الغلط في القانون كالغلط في الواقع ، يجعل العقد قابلا للبطلان ما لم يوجد نص يقضي بخلاف ذلك ” . وقد وافقت عليها لجنة المراجعة مع تعديلات لفظية ، وأصبح رقم المادة 126 في المشروع النهائي . ووافق مجلس النواب على المادة دون تعديل . وترددت لجنة القانون المدني لمجلس الشيوخ طويلا في استبقاء المادة أو حذفها اكتفاء بالقواعد العامة ، واستقر رأيها أخيراً على استبقائها بعد تعديلها على الوجه الآتي : ” يكون العقد قابلا للإبطال لغلط في القانون إذا توافرت فيه شروط الغلط في الواقع طبقاً للمادتين السابقتين ، هذا ما لم يقض القانون بغيره ” . وأصبح رقم المادة 122 . ووافق عليها مجلس الشيوخ كما أقرتها لجنته ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 159 – ص 164 ) .

 ( [30] ) دي هلتس لفظ ( Convention ) فقرة 60 – والتون 1 ص 186 – ص 189 – الدكتور محمود وهيبة فقرة 272 – نظرية العقد للمؤلف فقرة 372 – الدكتور حلمي بهجت بدوي فقرة 123 – الدكتور أحمد حشمت أبو ستيت فقرة 165 .

وقضت محكمة الاستئناف المختلطة بان الغلط الواقع في صفة جوهرية في الشيء يفسد الرضاء لا فرق في ذلك بين غلط في القانون وغلط في الواقع ( 20 مايو سنة 1915 م 27 ص 344 ) . وقضت كذلك بأن الاعتراف بصفة الحائز لعقار لا يكون صحيحاً إذا كان مبيناً على غلط في القانون ( 14 نوفمبر سنة 1918 م 31 ص 22 ) ، وبأن إمضاء الورثة على محضر جرد التركة ، وقد ذكر فيه بيع صادر من المورث في مرض الموت لأحد الورثة ، لا يعتبر إجازة لهذا البيع إذا كانت الورثة التي أمضت محضر الجرد تجهل حكم القانون في بيع المريض مرض الموت وانه يتوقف على إجازة الورثة ( 24 فبراير سنة 1897 م 2 ص 171 ) .

 ( [31] ) ولكن يجوز الطعن في الصلح لغلط في الواقع ، كما إذا صالح الدائن المدين على مبلغ الدين وكان الدافع لهذا الصلح توهم الدائن يسار المدين ( استئناف مختلط في 28 ابريل سنة 1938 م 50 ص 261 ) .

هذا وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في صدد المادة 122 ما يأتي : ” قد المشروع . . . إلى القضاء على كل شك فيما يتعلق بحكم الغلط في القانون . فكثيراً ما يستبعد هذا الغلط من بين أسباب البطلان النسبي استناداً إلى قاعدة افتراض عدم الجهل بالقانون . والواقع أن نطاق هذه القاعدة لا يتناول إلا القوانين المتعلقة بالنظام العام ، وعلى وجه الخصوص ما تعلق منها بالمسائل الجنائية . أما إذا جاوز الأمر هذا النطاق فيكون للغلط في القانون ، متى ثبت أنه جوهري ، شأن الغلط في الوقائع من حيث ترتيب البطلان السنبي ، ما لم يقض القانون بغير ذلك ، كما هي الحال مثلا في عقد الصلح . وقد جرى القضاء المصري على ذلك : أنظر استئناف مختلط في 20 مايو سنة 1915 م 27 ص 344 – 5 فبراير سنة 1918 م 30 ص 204 – 14 نوفمبر سنة 1918 م 31 ص 22 ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 159 ) .

ويلاحظ أن المراد بالغلط في القانون الغلط في القواعد القانونية التي ليست محلا للخلاف ، فهذا هو الذي يحتج به . أما الغلط في المسائل المختلف عليها وترجيح أحد الآراء خطأ فلا اثر له في صحة العقد ( محكمة الاستئناف المختلطة في 23 يناير سنة 1930 م 42 ص 226 – وفي 24 مايو سنة 1934 م 46 ص 302 – وفي 6 مارس سنة 1945 م 57 ص 84 ) . ولكن يشترط أن يكون المسألة قد اختلفت فيها المحاكم فعلا ، فإذا لم تكن عرضت على المحاكم ، فإن الشخص إذا رجح رأياً خطأ منه عد هذا غلطا في القانون ( محكمة الاستئناف المختلطة في 16 يناير سنة 1924 م 36 ص 156 ) . وقد يتفق أن مسألة قانونية يبت فيها القضاء على نحو معين ، ويجرى تعالم الناس على مقتضى الرأي الذي سار عليه القضاء ، ثم يرجع القضاء عن رأيه إلى رأي آخر ، ففي مثل هذه الحالة يجرد اعتبار الغلط في القانون مؤثراً في صحة العقد ( أنظر في تحليل القضاء الفرنسي في هذا الموضوع رسالة الدكتور فهمي نور ص 71 – ص 76 ) .

وقد قضت محكمة النقض بأنه لا يجوز للاحتجاج على فساد الرضاء التمسك بأنه بني على حصول غلط في القانون إلا إذا كان الغلط قد وقع في حكم منصوص عليه صراحة في القانون أو مجمع عليه من القضاء . فإذا حرر أحد منكوبي حريق حدث بقطار سكة حديد الحكومة إقرارا بأنه تسلم من خزانة المديرية 150 جنيها بصفة إحسان ، وانه ليس له بعد إحسان الحكومة وعطفها هذا أي حق في مطالبتها بشيء ما ، فهذا الإقرار لا يعتبر مشوباً بغلط في القانون . والحكم الذي يعتبره كذلك مستنداً إلى أن المقر كان حين الإقرار يعتقد أن مصلحة السكة الحديد غير مسئولة عن الحادث ، وانه إذن يكون تنازل عما كان يعتقد أنه لا حق له فيه ، هو حكم مخالف للقانون متعين نقضه . وذلك لأن الأمر الذي حتمل أن يصاحب الإقرار كان يجهله هو المسئولية المترتبة على الدولة بسبب الخلل في تنظيم المصالح الحكومية أو سوء إدارتها ، وهذه المسئولية لا يقطع بها في القانون المصري نص صريح فيه أو إجماع من جهة القضاء ، فجهلها إذن لا يشوب الإقرار بالغلط المستوجب لفساد رضاء المقر ، ويتعين إذن أعمال الإقرار واخذ صاحبه به ( نقض مدني في 3 يونيه سنة 1938 مجموعة عمر 2 رقم 127 ص 394 ) .

 ( [32] ) 5 فبراير سنة 1918 م 30 ص 204 – جازيت 8 رقم 193 ص 79 .

 ( [33] ) وقد سارت محكمة النقض في هذه النظرية إلى النهاية ، فاكتفت بأن يكون الغلط فردياً حتى لو كان الطرف الآخر حسن النية ، وأجازت الحكم له بتعويض تطبيقاً لقواعد المسئولية التقصيرية . فقضت بأنه إذا أثبت المتعاقد أنه كان واقعاً في غلط ، ثم أثبت أنه لولا هذا الغلط ما كان عقد لمشارطة ، حكم له ببطلانها ولو كان المتعاقد الآخر حسن النية غير عالم بغلط صاحبه ، إذ أن حسن نيته ليس من شأنه أن يقيم مشارطة باطلة ، وإنما هو قد يجعل له على الغلط حقاً في تعويض إن كان يستحقه طبقا لقواعد المسئولية . فإذا قضى الحكم ببطلان الإقرار الموقع من الممول بموافقته على تقدير مصلحة الضراب لأرباحه بناء على أن موافقته كانت عن غلط وقع فيه ، فإنه لا يكون بحاجة إلى تحري علم مصلحة الضرائب بغلطه ( نقض مدني في أول ابريل سنة 1948 مجموعة عمر 5 رقم 295 ص 586 ) . ولكن يلاحظ أن مصلحة الضرائب لها وضع خخاص ، وشأنها ليست كشأن المتعاقد العادي . فهي إذا لم تعلم بغلط الممول كان كل ما أصابها من ضرر هو أن فات عليها ربح غير مشروع ، فهل لها أن تشكو من ذلك !

 ( [34] ) تاريخ النص : ورد هذا النص في المادة 167 من المشروع التمهيدي على الوجه الآتي : ” إذا وقع المتعاقد في غلط جوهري وقت اتمام العقد ، فيجوز له أن يتمسك بالبطلان إن كان المتعاقد الآخر ، ولو لم يرتبك خطأ ، قد جره بموقفه إلى الوقوع في الغلط ، أو كان واقعاً مثله فيه ، أو كان يعلم بوقوع الغلط ، أو كان من السهل عليه أن يتبين ذلك ” . وقد حذفت لجنة المراجعة عبارة ” ولو لم يرتكب خطأ ، قد جره بموقفه إلى الوقوع في الغلط ” لأن هذه العبارة تفترض حالة يندر وقوعها وإذا وقعت أمكن أن تندرج نحت حالة من الحالات الأخرى ، وحذفت عبارة ” وقت اتمام العقد ” لعدم ضرورتها . وأصبح رقم المادة 124 في المشروع النهائي . ووافق مجلس النواب على المادة دون تعديل . أما لجنة القانون المدني لمجلس الشيوخ فبعد تردد طويل وافقت على المادة كما أقرهامجلس النواب وأصبح رقمها 120 ، وقالت في تقريرها ما يأتي : ” اقترح الاعراض عن نظرية الغلط المشترك كما تقررها المادة 120 من المشروع ، ولم تر اللجنة الأخذ بهذا الاقتراح لأن فكرة الغلط الفردي في إطلاقها تخل باستقرار المعاملات وتفسح المجال لضروب من الادعاءات والمفاجآت انعقد الإجماع على وجوب توقيها . ونص المشروع في الغلط يتمشى مع النظرية التقليدية ، ولا تزال هذه النظرية صالحة للعمل بها ، فهي تؤدي إلى تحصيل نفس النتائج التي يصل إليها الفقه الآن عن طريق نظريات أخرى ، هذا إلى إنها تمتاز بالوضوح وهي بعد تستعرض فروضاً مختلفة في الغلط إذا كانت تشترك جميعاً في أن الغلط فيها مبطل للعقد فإنها تختلف في بقية الأحكام ، فالغلط إذا كان مشتركا بين البائع والمشتري كان البائع حسن النية ولا يتعرض إلا إلى إبطال العقد ، أما إذا انفرد المشتري بالغلط فالبائع إما أن يكون على علم بذلك ويكون سيء النية ويلزم فوق إبطال العقد بالتعويض وهذه حالة أدنى ما تكون إلى التدليس ، وإما أن يكون من السهل عليه أن يتبين غلط المشتري وقد يكون في الظروف في هذه الحالة ما يجيز اعتباره مقصراً والزامه بالتعويض بسبب هذا التقصير ” . ووافق مجلس الشيوخ على المادة كما أقرتها لجنته ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 140 – ص 154 ) .

 ( [35] ) بقاء العقد صحيحاً هو كما قررنا على سبيل التعويض . إذ أن العقد هنا لم يقم على إرادة المتعاقدين الحقيقية . لأن إرادة أحدهما غير صحيحة وهو يتمسك بإبطال العقد . بل قام العقد . بل قام العقد على أساس اعتبارات عملية تجرع لو استقرار المعاملات . وقد سبق أن أشرنا إلى أمثلة أخرى من هذا النوع ، منها العقد الذي تختلف فيه الإرادة الظاهرة عن الإرادة الباطنة ، ومنها العقد الذي لا يقترن فيه القبول بالايجار إلا حكماً ، فلا يقوم العقد في كل هذه الأحوال على توافق الارادتين ، بل على الثقة المشروعة .

وواضح في كل ما قدمناه أن المقصود بالارادة الإرادة الحقيقية لا الإرادة الظاهرة . ولو اعتددنا بالإرادة الظاهرة لقام العقد على توافق الارادتين . ومن ثم يصح القول بأن القانون الجديد قد أخذ في الحالات المتقدمة الذكر بالإرادة الظاهرة دون الإرادة الباطنة ، تحقيقاً لاستقرار التعامل .

 ( [36] ) وقد قضت محكمة الاستئناف المختلطة بأن الغلط الفردي كاف لإبطال العقد حتى لو لم يعلم به المتعاقد الآخر ما دام أنه كان يستطيع أن يعلم به . فقد اصطلح سنديك تاجر مفلس على دي للمفلس في ذمة إحدى الشركات ، وكان السنديك يجهل أن هذا الدين مضمون برهن ، ولو علم بذلك لما رضى بهذا الصلح . وثبت من جهة أخرى أن الشركة التي اصطلحت مع السنديك ، ولو إنها كانت لا تعلم بجهل السنديك بوجود الرهن ، إلا إنها كانت تستطيع أن تعلم ذلك من ظروف تعاملها مع هذا السنديك . فأبطلت المحكمة العقد للغلط ( 30 مارس سنة 1915 م 27 ص 250 ) .

 ( [37] ) والذي يدعى الوقوع في الغلط هو الذي ينهض بعء الإثبات . ويثبت وقوعه في الغلط واتصال المتعاقد الآخر بذلك بجميع طرق الإثبات ، لأنه يثبت وقائع مادية . ومما يجعل هذا الإثبات عسيراً أن يكون الغلط الذي وقع فيه غلطاً لا يعذر من اجله ، فإن مثل هذا الغلط يبعد أن يكون المتعاقد الآخر قد علم به أو كان من السهل عليه أن يتبينه . ومن هنا وجد معيار آخر هو الغلط المغتفر ( erreur excusable ) والغلط غير المغتفر ( erreur inexcusable ) . فالغلط المغتفر يفرض فيه أن المتعاقد الآخر كان على الأقل يسهل عليه أن يتبينه . أما الغلط غير المغتفر فيفرض فيه أن المتعاقد الآخر لم يكن من السهل عليه أن يتبينه إذ لا يتصور أن يقع أحد فيه . ويجوز إذن القول بأن الغلط إذا كان غير مغتفر كان هذا قرينة قضائية على جهل المتعاقد الآخر به وعلى أنه لم يكن من السهل عليه أن يتبينه .

 ( [38] ) هذا وقد رأينا أن المادة 167 من المشروع التمهيدي كانت تنص على حالة رابعة اغفلها المشروع النهائي لأنها تندرج في الحالات الأخرى ، وهي حالة ما إذا كان المتعاقد الآخر ، ولو لم يرتكب خطأ ، قد جر المتعاقد الأول بموقفه إلى الوقوف في الغلط .

وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي ما يأتي : ” كان من واجب المشرع أن يقطع برأي معين في مسألة المفاضلة بين اشتراط الغلط المشترك ، وهو مما يقوم بذهن العاقدين معاً ، والاجتراء بالغلط الفردي . وقد اكتفى المشروع بالغلط الفردي بوجه عام . بيد أنه اشترط لترتيب حكم الغلط عند عدم اشتراك طرفي التعاقد فيه ، أن يكون أحدهما قد جر الآخر إليه بموقفه ، أو أن يكون عالماً بوقوعه ، أو أن يكون من السهل عليه أن يتبينه . ويلاحظ أن المتعاقد الآخر في هذه الفروض الثلاثة ينسب إليه أمر يرتب مسئوليته ، وهذا ما يبرر طلب البطلان . أما إذا بقى بمعزل عن ظروف الغلط ، بأن وقف موقوفاً لا يجر إلى الوقوف فيه أو امتنع عليه العلم به أو تبينه ، فلا يجوز التسليم ببطلان العقد إلا إذا سلم بوجوب تعويض هذا المتعاقد ، عملا بنظرية الخطأ في تكوين العقد ، وهذا هو ما اتبعه التقنين الألماني . . . ما المشروع فقد ذهب إلى ما هو أيسر من ذلك ، فبدلا من أن يخول من وقع في الغلط حق التمسك بالبطلان ، ثم يلزمه في ذات الوقت بتعويض ما يصيب العاقد الآخر من خسارة ، جعل للعقد حكم الصحة وهيأ بذلك اجدى تعويض لهذا العاقد . وليس هذا إلا تطبيقاً تشريعياً خاصاً لنظرية الخطأ في تكوين العقد . . هذا وينبغي التنويه بأمرين : ( أولهما ) أن الغلط الذي يبرر إبطال العقد ، وهو ما يشترك فيه المتعاقدان ، أو يتسبب فيه أحدهما ، أو يعلم به ، أو يكون في مقدوره أن يعلم به ، قد يلقب اصطلاحاً ” بالغلط المغتفر ” . ويصبح الغلط ” غير مغتفر ” ، ولا يؤدى بذلك إلى إبطال العقد ، إذا وقع فيه أحد المتعاقدين دون أن يشاركه فيه المتعاقد الآخر ، أو يجره إليه ، أو يعلم به ، أو يستطيع العلم به . ( والثاني ) أنه لا يقصد بعلم الطرف الآخر بالغلط تبينه واقعة الغلط فحسب ، بل ووقوفه على أن هذا الغلط كان دافعاً إلى ابرا العقد ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 142 – ص 143 ) .

هذا ويلاحظ أن القانون الجديد ، باشتراطه اتصال المتعاقد الآخر بالغلط ، وباتخاذه قرائن موضوعية لإثبات الغلط في ذاته ، قد تخفف من النزعة النفسية المغرقة التي تميز نظرية الغلط في المدرسة اللاتينية . وقد يرى بعض انصار هذه المدرسة في هذا ابتعاداً عن التقاليد اللاتينية ، ولكنه ابتعاد تبرره الرغبة في استقرار التعامل ، وهو على كل حال ليس ابتعاداً عن تقاليد الفقه والقضاء في مصر . والصلة ظاهرة بين القرائن الموضوعية التي تثبت الغلط وبين اتصال المتعاقد الآخر بالغلط ، فإن هذه القرائن الموضوعية كثيراً ما تثبت الغلط وتثبت اتصال المتعاقد الآخر به في وقت واحد .

 ( [39] ) أنظر في هذا المعنى الدكتور حلمي بهجت بدوي ص 190 هذا ، وحتى يتيسر للمتعاقد الذي وقع في الغلط أن يثبت ما يجب عليه إثباته ، يلجأ في أكثر الأحيان إلى أن يبين في العقد صراحة ما قام في ذهنه من الاعتبارات التي دفعته إلى التعاقد ، كأن يذكر الوصف الذي اعتبره في الشيء أو في الشخص أو الباعث الذي حمله على أن يتعاقد أو القيمة التي يقدرها للشيء ، حتى يثبت بذلك علم المتعاقد الآخر بالدوافع التي ساقته إلى التعاقد ، فإذا تبين بعد ذلك أنه كن واهما فيما قدره ثبت في الوقت ذاته أن المتعاقد الآخر كان عالما بما وقع فيه من الغلط . والقضاء الفرنسي يلجأ في كثير من أحوال الغلط إلى الاستناد إلى أن الشيء الذي وقع فيه الغلط كان محل بيان في العقد .

ونص القانون الجديد واضح في أن المطلوب إثباته هو أن يكون المتعاقد الآخر واقعاً في ذات الغلط الجوهري الذي وقع فيه المتعاقد الأول ، أو أن يكون على علم بهذا الغلط الجوهري أي على علم بان الغلط كان هو الدافع إلى التعاقد ، أو أن يكون من السهل عليه أن يتبين أن هذا الغلط الجوهري هو الذي ساق إلى إبرام العقد . وهذا معناه أن الغلط الجوهري يجب أن يقع في دائرة التعاقد ( dens le champs contractual ) . وكان من الممكن أن يقف القانون عند هذا الضابط الأخير ( أنظر الدكتور حلمي بهجت بدوي ص 190 ) ، لولا أن الحالات الثلاث التي فصلها النص يحسن تمييز كل حالة منها عن الأخرى لأهمية ذلك من الناحيتين العملية والقانونية .

أما الناحية العملية فأمرها ظاهر ، إذ التفصيل يرسم في ؟؟ صورة عملية من هذا الضابط . فلو اقتصر القانون على أن يذكر أن الغلط الجوهري يجب أن يقع في دائرة التعاقد لاحتاج النص إلى بيان وتفسير ، ولا يتم التفسير إلا بتفصيل هذه الحالات الثلاث ، ولعاب النص فوق ذلك أن تكون صيغته أدنى إلى الفقه النظري منها إلى التشريع العملي .

وأما الناحية القانونية فتستلزم تفصيل الحالات الثلاث لأن أحكامها ليست واحدة . فالحالة الأولى ، وهي حالة الغلط المشترك ، لا محل فيها للتعويض على المتعاقد الذي وقع في الغلط ، وبحسبه أن يبطل العقد ، ما دام المتعاقد الآخر كان مثله واقعاً في الغلط أي كان حسن النية . أما الحالتان الآخريان – وهما حالة علم المتعاقد الآخر بالغلط وحالة سهولة تبينه للغلط – فقد يكون فيهما محل للتعويض عن الضرر الذي أصابه من جراء سوء نية المتعاقد الآخر في حالة علمه بالغلط ، أو من جراء تقصيره في حالة ما إذا كان من السهل عليه أن يتبين الغلط . ( أنظر بلانبول وريبير وإسمان 1 فقرة 189 ) ، والتعويض أقرب مثالا في الحالة الثانية منه في الحالة الثالثة .

 ( [40] ) ومن ذلك يتبين أن محكمة استئناف مصر كان في استطاعتها أن تلجأ الىهذا المبدأ لتبرير حكم أصدرته على الوجه الآتي : ” إذا باع شخص عقاراً لتسديد دين مورثه ، وظهر له بعد ذلك أنه ليس مديناً ، فلا يجوز له أن يرفع دعوى ببطلان البيع للغلط لأنه كان يجهل براءة مورثه من الدين ، وذلك لأن الغلط في هذه الحالة يكون في الباعث له على التعاقد لا في سببه . والغلط في الباعث لا اثر له في صحة العقد اخذاً بالنظرية التقليدية للغلط الذي يعيب الإرادة . أما إذا أخذ بما استحدثه القه والقضاء من أن الغلط المؤثر في صحة العقد هو الحاصل في الدافع الرئيسي إلى التعاقد ، ومن ثم لا يعود هناك محل للتفرقة بين السبب والباعث ، فإنه إذا تبين من ظروف الأحوال أن الدائن قد خاصم هذا الوارث بعد وفاة المورث من أجل هذا الدين ، وانه أخذ في تدسدي الدين فعلا ، وانه في سبيل هذا التسديد باع عقاره أخيراً ليسدد ما اعتقد أنه باق من الدين في ذمته ، دون أن يعني بتحقيق هذا المسألة ومحاسبة الدائن ، و :أنه قبل التعاقد وهو في دخيلة نفسه يتحمل تبعة ما ينجلي عنه الواقع ، في هذه الصورة لا يعتبر العقد باطلا للغلط إذا اخلف الواقع ظنه ، لأن الواقع لم يخالف إرادته الفعلية بل هو خيب مجرد الأمل الذي يجول في خاطره دون أن يرقى إلى منطقة الإرادة ” ( 5 ديسمبر سنة 1945 المحاماة 29 رقم 104 ص 150 ) . ولو أن المحكمة قالت إن المشتري من الوارث لم يشترك في هذا الغلط الدافع ولم يعلم به ولم يكن من السهل عليه أن يتبينه لوصلت إلى عين النتيجة عن طريق قانوني سليم .

أما محكمة الاستئناف المختلطة فكانت أكثر توفيقاً في إبراز المعنى الصحيح حين قالت : ” لا يجوز للقضاء أن يبطل عقداً لمجرد أن أحد المتعاقدين قد وقع في غلط ما دام المتعاقد الآخر كان حسن النية وكان يجهل هذا الغلط ولم يكن واجباً عليه أن يتحقق ، وجوده ” ( أول يونيه سنة 1943 م 55 ص 171 ، وانظر حكماً آخر من محكمة الاستئناف المختلطة في 24 يناير سنة 1939 م 51 ص 126 ) .

 ( [41] ) تاريخ النص : ورد هذا النص كما هو في المادة 171 من المشروع التمهيدي . وأقرته لجنة المراجعة ، وأصبح رقم المادة 128 في المشروع النهائي . ووافق مجلس الشنواب على المادة دون تعديل . وقررت أغلبية لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ استبقاء النص دون تعديل ، وأصبح رقم المادة 124 . وتبين من مناقشات هذه اللجنة أن النص يعتبر تطبيقاً لنظرية التعسف في استعمال الحق . ووافق مجلس الشيوخ على النص كما أقرته لجنته ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 166 – ص 170 ) . وانظر المادة 25 من قانون الالتزامات السويسري والمادة 38 من قانون لالتزامات البولوني . وانظر أيضاً حكم محكمة الاستئناف المختلطة في 3 ابريل سنة 1934 م 46 ص 224 .

 ( [42] ) وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في صدد المادة 124 ما يأتي : ” ابيح لمن وقع في الغلط أن يطلب بطلان العقد لأنه لما كان ليتعاقد لو أنه تبين وجه الأمور وقدرها تقديراً معقولا . تلك هي علة حق التمسك بالبطلان ، وهي بذاتها مرجع حدوده . فمتى كان من المحقق أن العاقد قد أراد أن يبرم عقداً ، فمن الواجب أن يلتزم بهذا العقد ، بصرف النظر عن الغلط ، ما دام أن العاقد الآخر قد اظهر استعداده لتنفيذه . وعلى ذلك يظل من يشتري شيئاً ، معتقداً خطأ أن له قيمة أثرية ، مرتبطاً بعقد العبي ، إذا عرض البائع استعداده لأن يسلمه نفس الشيء الذي انصرفت نيته إلى شرائه . ويقارب هذا الوضع ما يتبع في تحويل العقود كما سيأتي بيان ذلك ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 167 ) . وسنرى عند الكلام في تحويل العقد إلى أي حد يتقارب الوضعان المشار إليهما في المذكرة الإيضاحية وإلى أي حد يختلفان .

منشور في مقال أقوى محامي الأردن

عوارض الأهلية

عوارض الأهلية

155 – حصر عوارض الأهلية : قد بلغ الإنسان سن الرشد ، ولكن أهليته تتأثر بعد ذلك بعارض يرجع إلى التمييز . والعوارض أربعة : الجنون ، والعته ، والغفلة ، والسفه . ويلاحظ أن السفه إنما هو نقص في التمييز في دائرة التصرفات المالية ، ولذلك اندرج بين عوارض الأهلية .

وسنرى أن من يغيب غيبة منقطعة يقام عنه وكيل ، ومن حكم عليه بعقوبة جنائية ينصب قيم عليه ، ومن أصيب بعاهات معينة يعين له مساعد قضائي . وهذا كله لا يدخل في الأهلية ، لأنه لا يرجع إلى التمييز بل يقوم على أسباب أخرى ، وقد سبقت الإشارة إلى ذلك .

156 – المجنون : نصت المادة 113 من القانون المدني الجديد على أن ” المجنون والمعتوه وذا الغفلة والسفيه تحجر عليهم المحكم ، وترفع الحجر عنهم ، وفقاً للقواعد والإجراءات المقررة في القانون ( [1] ) ” . والقانون المقصود هنا هو أيضاً قانون المحاكم الحسبية . وقد قضت المادة 42 منه بأنه ” يحكم بالحجر إلى البالغ للجنون أو للعته أو للغفلة أو للسفه ، ولا يرفع الحجر إلا بحكم ” . فالمجنون تحجر عليه المحكمة وتنصب له قيما ، إلا إذا كان قد حكم باستمرار الولاية أو الوصاية عليه قبل بلوغه سن الرشد أو بلوغ هذه السن مجنوناً فتبقى ولاية وليه أو وصيه .

وأهلية المجنون معدومة لأنه فاقد التمييز ، وتصرفاته القانونية تقع باطلة لانعدام الإرادة . وإلى هذا تشير المادة 114 من القانون المدني الجديد إذ تنص على ما يأتي :

 ” 1 – يقع باطلا تصرف المجنون والمعتوه ، إذا صدر التصرف بعد تسجيل قرار الحجر ” .

 2 – أما إذا صدر التصرف قبل تسجيل قرار الحجر فلا يكون باطلا إلا إذا كانت حالة الجنون أو العته شائعة وقت التعاقد ، أو كان الطرف الآخر على بينة منها ( [2] ) ” .

فالمجنون تصرفاته بعد تسجيل الحجر باطلة . وتصرفاته قبل تسجيل الحجر صحيحة ما دامت حالة الجنون غير شائعة وغير معروفة من الطرف الآخر ، فإذا شاعت أو عرفها الطرف الآخر كان التصرف باطلا .

وولاية القيم على المجنون كولاية الوصى على الصغير ، يباشر القيم وحده من التصرفات ما يباشره الوصي وحده ، ويستأذن المحكمة في التصرفات التي يستأذن فيها الوصي ، ولا يستطيع مباشرة التصرفات التي لا يستطيع مباشرة التصرفات التي لا يستطيع مباشرتها الوصي . وكالقيم على المجنون وصيه . أما الولي على المجنون فمثل الولى على الصغير من حيث سعة الولاية .

157 – المعتوه : والمعتوه كالمجنون يحجر عليه وينصب له قيم إذا لم يكن له ولى أو وصى والقيم على المعتوه ووليه ووصيه كالقيم على المجنون ووليه ووصيه من حيث مدى الولاية .

أما المعتوه نفسه فقد يكون غير مميز فتكون أهليته معدومة ، شأنه في ذلك شأن الصغير غير المميز والمجنون . ( [3] ) وقد يكون مميزاً فتكون عنده أهلية الصبي المميز و قد سبق بيان ذلك ( [4] ) .

158 – ذو الغفلة والسفيه : نصت الفقرة الأولى من المادة 115 من القانون المدني الجديد على أنه ” إذا صدر تصرف من ذى الغفلة أو من السفيه بعد تسجيل قرار الحجر سري على هذا التصرف ما يسري على تصرفات الصبي المميز من أحكام ” . ويتضح من ذلك أن ذا الغفلة والسفيه يحجر عليهما وينصب لهما قيم . وتكون أهليتهما بعد تسجيل قرار الحجر ناقصة كأهلية الصبي المميز ، فتثبت لهما أهلية الاغتناء ، وتتقيد أهلية الإدارة وأهلية التصرف بالقيود التي سبق ذكرها في الصبي المميز ، وتنعدم أهلية التبرع .

واستثنى في أهلية التصرف نوعان من التصرفات هما الوقف والوصية ، فهذان يكونان صحيحين إذا صدرا من السفيه أو ذى الغفلة وأذنته المحكمة فيهما . وتقضي الفقرة الأولى من المادة 116 بهذا الحكم إذ تنص على أن ” يكون التصرف المحجور عليه لسفه أو غفلة بالوقف أو بالوصية صحيحاً متى أذنته المحكمة في ذلك ” . كذلك يجوز للمحجور عليه للسفه أو الغفلة أن يتسلم أمواله كلها أو بعضها لإدارتها على النحو الذي رأيناه في الصبي المميز الذي بلغ الثامنة عشرة وفي الحدود التي سبق ذكرها هناك . وإذا كانت الفقرة الثانية من المادة 116 مقصورة في هذا الصدد على السفيه إذ تنص على أن ” تكون أعمال الإدارة الصادرة من المحجور عليه لسفه المأذون له بتسلم أمواله صحيحة في الحدود التي رسمها القانون ” ، فإن المادة 43 من قانون المحاكم الحسبية تشمل كلا من السفيه وذى الغفلة إذ تنص على أنه ” يجوز للمحجور عليه للسفه أو الغفلة أن يقف أمواله أو يوصى بها متى أذنته المحكمة بذلك ، وكذلك يجوز له بإذن من المحكمة أن يتسلم أمواله كلها أو بعضها لإدارتها ، فإذا أذنته المحكمة بذلك سرت عليه أحكام المواد 3 و 4 و 5 من هذا القانون ( [5] ) ” .

هذا هو حكم تصرفات السفيه وذى الغفلة بعد تسجيل قرار الحجر . أما التصرفات الصادرة قبل تسجيل قرار الحجر فهي في الأصل صحيحة ، لأن انتقاص الأهلية لا يثبت إلا بالحجر . وهذا هو رأي الإمام أبي يوسف ، خلافاً لرأي الإمام محمد الذي يذهب إلى أن الحجر للسفه يثبت بقيام السبب نفسه لا بحكم القاضي . ولا يسري الحجر في حق الغير إلا من وقت تسجيل القرار الصادر به وفقاً للمبادئ العامة . ولا يحتج الغير بعدم علمه بالحجر متى كان القرار مسجلا ( [6] ) .

لكن يقع كثيرا أن السفيه أو ذا الغفلة يتوقع الحجر عليه فيعمد إلى تبديد أمواله بالتصرف فيها إلى من يتواطأ معه على ذلك ، أو أن ينتهز الغير هذه الفرصة فيستصدر منه تصرفات يستغله بها ويبتز أمواله . ففي هاتين الحالتين – حالة التواطؤ وحالة الاستغلال – يكون تصرف السفيه أو ذى الغفلة باطلا إذا كان من أعمال التبرع ، أو قابلا للإبطال إذا كان من أعمال التصرف أو أعمال الإدارة . وهذا ما استقر عليه القضاء المصري في ظل القانون القديم ( [7] ) ، وأكده القانون الجديد في الفقرة الثانية من المادة 115 إذ تنص على ما يأتي : ” أما التصرف الصادر قبل تسجيل قرار الحجر فلا يكون باطلا أو قابلا للإبطال إلا إذا كان نتيجة استغلال أو تواطؤ ( [8] ) ” .

وينصب القيم على السفيه وذى الغفلة على النحو الذي ينصب به القيم على المجنون والمعتوه أو يعين به الوصى على القاصر . ولا تستمر الولاية أو الوصاية على القاصر إذا بلغ سفيها أو ذا غفلة ، بل يجب الحجر عليه ونصب قيم له كما قدمنا . وولاية القيم على مال السفيه وذى الغفلة كولايته على مال المجنون والمعتوه وكولاية الوصى على مال القاصر ، وقد تقدم ذكر ذلك ( [9] ) .

159 – الغائب والمحكوم عليه بعقوبة جناية : وهناك حالتان تلحقان عادة بالأهلية ، ولكنهما لا يتصلان بها إلا من حيث مظاهر الحجر وإقامة نائب عن المحجور ، وهما حالتا الغائب والمحكوم عليه بعقوبة جناية .

فالغائب ، كما نصت المادة 50 من قانون المحاكم الحسبية ، ” هو كل شخص كامل الأهلية لا تعرف حياته أو مماته ، أو تكون حياته محققة ولكنه هجر موطنه راضياً أو مرغماً وحالت ظروف قاهرة دون إدارته شؤونه بنفسه أو بوكيل عنه مدة أكثر من سنة ، وترتب على ذلك أن تعطلت مصالحه أو مصالح غيره ” . ويتبين من ذلك أن الغائب شخص كامل الأهلية كما هو صريح النص ، ولكن الضرورة قضت بإقامة وكيل عنه يدير شؤون حتى لا تتعطل مصالحه ومصالح الناس . ويلاحظ أن القانون استعمل لفظ ” الغائب ” لا لفظ ” المفقود ” لأن اللفظ الأول ينطوي على معنى اعم من المعنى الذي ينطوي عليه اللفظ الثاني . فالمفقود في الشريعة الإسلامية هو من يختفى بحيث لا يعرف احي هو أم ميت ، أما الغائب فهذا وغيره ممن تكون حياته محققة ولكنه بعد عن موطنه بحيث لم يعد يستطيع أن يدير شؤونه بنفسه . وقد قضت المادة 51 من قانون المحاكم الحسبية بأنه ” إذا ترك الغائب وكيلا عاماً تحكم المحكمة بتثبيته متى توافرت فيه الشروط الواجب توافرها في الوصي ، وإلا عينت غيره ” . ثم قضت المادة 53 من هذا القانون بأن ” يسري على الوكيل عن الغائب حكم المادة 33 من هذا القانون ، وفيما عدا ما استثنى بنص صريح في هذا الفصل يسري على الغيبة ما يسرى على الوصاية من أحكام أخرى ” . وقضت المادة 52 من القانون ذاته بأن ” تنتهي الغيبة بزوال سببها أو بموت الغائب أو بالحكم من جهة الأحوال الشخصية المختصة باعتباره ميتاً وفقاً لأحكام المرسوم بقانون رقم 52 سنة 1929 ” .

أما المحكوم عليه بعقوبة جناية فتقضى أحكام قانون العقوبات ( م 25 ) بأن يكون محجوراً عليه مدة تنفيذ العقوبة ، ويختار قيما تصد عليه المحكمة ، أو يعين القيم المحكمة المدنية الكلية التي يقع في دائرتها محل إقامته إذا لم يختر أحداً . ويتولى القيم إدارة ماله . أما أعمال التصرف فلا بد فيها من إذن المحكمة المدنية وإلا كانت باطلة .

ومن ذلك نرى أن الحجر على المحكوم عليه لا يرجع لنقص أهليته ، فهو كامل الأهلية لأنه كامل التمييز وإنما وقع الحجر عليه لاستكمال العقوبة من جهة ، وللضرورة من جهة أخرى ( [10] ) .

160 – المساعدة القضائية : وقد استحدث قانون المحاكم الحسبية في مصر نظام المساعدة القضائية ( assistance judiciaire ) . ونقله القانون المدني الجديد ، فنص في المادة 117 على ما يأتي :

 ” 1 – إذا كان الشخص أصم أبكم ، أو أعمي أبكم ، وتعذر عليه بسبب ذلك التعبير عن إرادته ، جاز للمحكمة أن تعين له مساعدا قضائيا يعاونه في التصرفات التي تقتضي مصلحته فيها ذلك ” .

 ” 2 – ويكون قابلا للإبطال كل تصرف من التصرفات التي تقررت المساعدة القضائية فيها ، متي صدر من الشخص الذي تقررت مساعدته قضائيا بغير معاونة المساعد ، إذا صدر التصرف بعد تسجيل قرار المساعدة ( [11] ) ” .

أما قانون المحاكم الحسبية فقد نص في المادة 47 على أنه ” إذا كان الشخص أصم أبكم ، أو أعمى أصم ، أو أعمى أبكم ، وتعذر عليه بسبب ذلك التعبير عن إرادته ، جاز للمحكمة أن تعين له مساعداً قضائياً يعاونه في التصرفات التي تقتضي مصلحته فيها ذلك ” . ونصت المادة 48 من هذا القانون على أنه ” يكون قابلا للإبطال كل تصرف من التصرفات التي تقررت المساعة فيها يصدر من الشخص الذي حكم بإقامة مساعد قضائي له بغير معاونة هذا المساعد ، إذا صدر هذا التصرف بعد تسجيل الحكم بتقرير المساعدة ” . ونصت المادة 49 من القانون ذاته على أنه ” يسري في تعيين المساعد القضائي وفي عزله ما يسري في تعيين القيم وعزله من أحكام . وكذلك تسري على المساعدة الأحكام الأخرى الخاصة بالقوامة ” .

ويتبين من مجموع هذه النصوص أن المساعدة القضائية إنما تتقرر لاجتماع عاهتين في الجسم من عاهات ثلاث : العمى ، والبكم ، والصمم . والسبب فيها ليس نقص الأهلية ، فإن التمييز الكامل متوافر عند من تقرر له المساعدة القضائية ، ولكن هو العجز الطبيعي عن التعبير عن الإرادة كما صرحت بذلك النصوص السابق ذكرها .

والمساعدة القضائية تتقرر لتصرف بالذات أو المجموع من التصرفات المعينة ، وينظر في ذلك إلى ظروف من تقررت مساعدته وإلى خطر ما تقررت المساعدة القضائية فيه أو إلى وقته . فإذا وقع تصرف من ذلك بغير معاونة المساعد ، كان التصرف قابلا للإبطال لمصلحة من تقررت له المساعدة ، إذا صدر بعد تسجيل الحكم بتقرير المساعدة .

والمساعد القضائي يعين ويعزل وفقاً للأحكام التي تتبع في تعيين القيم وعزله ، وتسري عليه الأحكام الخاصة بالقوامة .


 ( [1] ) تاريخ النص : لم يرد هذا النص في المشروع التمهيدي . ولجنة المراجعة هي التي وضعته تحت رقم المادة 116 في المشروع النهائي . ووافق عليه مجلس النواب . وأضافت لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ عبارة ” وترفع الحجر عنهم ” بعد عبارة ” تحجر المحكمة عليهم ” لاستظهار معنى أن الحجر لا يرفع إلا بحكم . وأصبح رقم المادة 113 . ووافق مجلس الشيوخ على المادة كما أقرتها لجنته ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 119 – ص 121 ) .

 ( [2] ) تاريخ النص : لم يرد هذا النص في المشروع التمهيدي . ولجنة المراجعة هي التي وضعته تحت رقم المادة 117 في المشروع النهائي . ووافق عليه مجلس النواب . ثم وافقت لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ وكذلك مجلس الشيوخ تحت رقم 114 ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 121 – ص 123 ) .

ويلاحظ أن تصرف المجنون قبل تسجيل الحجر – إذا كانت حالة الجنون غير شائعة وغير معروفة من الطرف الآخر – إنما يصح أخذا بالإرادة الظاهرة دون الإرادة الباطنة ، لأن الإرادة الباطنة عند المجنون لا وجود لها .

 ( [3] ) وقد قضت محكمة النقض بأن العته يعدم إرادة من يصاب به ، فتقع تصرفاته باطلة من وقت ثبوته . ولذلك لا يتطلب بطلانها توافر التحايل على القانون أو الغش أو التواطؤ بين المعتوه والمتصرف له كما هو الحال بالنسبة إلى المحجور عليه للسفه إذا ما أريد أبطال تصرفاته السابقة على قرار الحجر عليه ، كما أن هذا البطلان لا يكون نتيجة لانسحاب اثر قرار الحجر على الماضي وإنما لثبوت حالة العته المعدم لإرادة المعتوه وقت صدور التصرف منه ( نقض مدني 29 ديسمبر سنة 1949 طعن رقم 54 سنة 18 قضائية لم ينشر بعد ) .

 ( [4] ) أنظر في كل ذلك المادتين 113 و 114 من القانون المدني الجديد ، وقد سبق ذكرهما – هذا وقيام حالة العته عند أحد المتعاقدين مما يتعلق بفهم الواقع في الدعوى ، فلا يخضع فيه القاضي لرقابة محكمة النقض ( نقض مدني 27 أكتوبر سنة 1938 مجموعة عمر 2 رقم 138 ص 414 ) . ولكن إذا كانت محكمة الموضوع قد أقامت قضاءها بقيام حالة العته وقت التعاقد على أقوال شهود مؤداها أنه كانت تنتابه نوابات عصبية ويتهيج في بعض الأحيان ، وعلى أنه سبق أن حجر عليه للعته ، ورفع عنه الحجر ، ثم حجر عليه ثانياً للعته والسفه بعد تعاقده ثم رفع عنه الحجر ، ثم حجر عليه مرة ثالثة لضعف قواه العقلية ، فإن ما استدلت به من هذا ليس فيه ما من شأنه أن يؤدي إلى أن المحجور كان معتوهاً في ذات وقت التعاقد ، ويكون هذا الحكم قاصر التسبيب متميناً نقضه ( نقض مدني 20 فبراير سنة 1947 مجموعة عمر 5 رقم 157 ص 353 ) . ولعل محكمة النقض قد تأثرت في هذه القضية بأن المتعاقد قد تكرر رفع الحجر عنه ، فلا شيء يقطع في أنه وقت التعاقد بالذات كان معتوهاً . وهي في قضية أخرى لم تبد هذا التشدد في استخلاص قيام العته ، وذكرت أنه إذا كانت محكمة الموضوع قد أقامت قضاءها ببطلان عقد لعته المتصرف على شهادة الشهود الذين سمعتهم وعلى قرائن مستقاة من مصادر صحيحة من شأنها أن تؤدي إلى ما انتهت إليه ، فلا يقدح في حكمها أن يكون قاضي التحقيق قد سأل أحد الأطباء الذين عالجوا المتصرف ” هل كانت حالة المريض حالة عته قانوني يلي الجنون في الدرجة ” ، فأجاب بأنه ” لم يكن على هذه الحالة وقت فحصه بمعرفتي ولكنه كان مشوش التفكير ضعيفاً في بنيته وتفكيره بمعنى أنه يمكن التأثير عليه ويكون في حالة تردد ” ، فإن هذه الإجابة كاملة لا تشهد بسلامة عقله ، فضلا عن أن الطبيب ليس هو الذي يعطي الوصف القانوني للحالة المرضية التي يشهدها ، بل الشأن في ذلك للقضاء في ضوء ما يبيده الطبيب ( نقض مدني 31 أكتوبر سنة 1946 مجموعة عمر 5 رقم 106 ص 238 ) .

 ( [5] ) يلاحظ أن مشروع القانون المدني سبق مشروع قانون المحاكم الحسبية إلى مجلس الشيوخ ، فلم يتمكن هذا المجلس من التنسيق ما بين القانونين في هذه المسألة ، فوجب أعمال نصوص كل منهما .

 ( [6] ) محكمة استئناف مصر الوطنية في 29 نوفمبر سنة 1942 المحاماة 24 رقم 78 ص 197 .

 ( [7] ) محكمة استئناف مصر الوطنية في 14 ديسمبر سنة 1926 المحاماة 8 ص 45 – وفي 26 نوفمبر سنة 1946 المحاماة 30 رقم 158 ص 161 – محكمة استئناف اسيوط في 16 نوفمبر سنة 1931 المحاماة 12 ص 633 – محكمة الاستئناف المختلطة في 5 فبراير سنة 1930 م 42 ص 252 – وفي 18 مارس سنة 1947 م 59 ص 167 . محكمة الجيزة في ) ابريل سنة 1940 المحاماة 21 رقم 223 ص 502 . وانظر سائر الأحكام المشار إليها في نظرية العقد للمؤلف ص 341 هاشم 3 – واستقر قضاء محكمة النقض على ذلك : نقض مدني في 8 ديسمبر سنة 1932 مجلة القانون والاقتصاد 3 ص 487 – ص 492 – وفي 5 يناير سنة 1950 طعن رقم 64 سنة 18 قضائية لم ينشر بعد – وقد قضت محكمة النقض أيضاً بأنه إذا كانت محكمة الموضوع قد أبانت ظروف التصرف الصادر من المتصرف قبل توقيع الحجر عليه للسفه وفي فترة طلب الحجر ، واستدلت به على أن المشترين غشوه فذهبوا به بعيداً عن بلدتهم حتى لا ينكشف أمرهم ، وهم على علم بالاجراءات المتخذة لتوقيع الحجر عليه ، لكي يتم بيع العين لهم قبل صدور قرار المجلس الحسبي بالحجر ، فانقاد لهم حتى يقبض متهم قبل غل يده ما دفعوه له من ثمن ، ثم قضت بإبطال التصرف ، فإنها تكون قد أقامت قضاءها هذا على مقدمات نتيجة وهي قيام التواطؤ بين المتصرف لهم والمتصرف مع علم المتصرف لهم بما كان يتردى فيه المتصرف من سفه وانتهازهم فرصة سفهه للأثراء من ماله حين كانت الإجراءات القانونية تتخذ لحمايته – ومتى كانت القرائن التي أخذت بها محكمة الموضوع في إثبات علم المشتري بحالة سفه البائع مؤدية عقلا إلى ما انتهت إليه من ذلك ، فلا شأن لمحكمة النقض معها ( نقض مدني 18 نوفمبر سنة 1943 مجموعة عمر 4 رقم 77 ص 213 ) .

وقضت محكمة النقض من جهة أخرى بأنه إذا تعاقد شخص بعقد عرفي على البيع ، فلما علمت زوجته بذلك طلبت إلى المجلس الحسبي توقيع الحجر عليه ، وأرسلت إلى المشتري إنذاراً حذرته فيه من إتمام الشراء لأنها طلبت الحجر على البائع ، فلم يعبأ ونفذ الشراء بالعقد العرقي عن طريق عقد رسمي ، وقرر المجلس الحسبي بعد ذلك توقيع الحجر ، ثم حكمت المحكمة بصحة العقد ، وأوردت في حكمها ظروف التعاقد وملابساته على الوجه المتقدم ، واستخلصت منها استخلاصاً سليماً أن الصفقة لم تتم عن تواطؤ وغش ، وأن البيع الصادر من المحجور عليه قد انعقد بالعقد العرفي قبل الحجر ، وأن العقد الرسمي اللاحق لم ينشيء البيع بل إنه لم يكن إلا تنفيذاً للعقد الأول ، فهذا الحكم سليم ولا خطأ فيه ( نقض مدني في 6 نوفمبر سنة 1941 مجموعة عمر 3 رقم 125 ص 385 ) . ويلاحظ هنا أن البيع كان قد تم بالعقد العرفي قبل أن يعلم المشتري بإجراءات الحجر ، ولم يكن العقد الرسمي اللاحق إلا تنفيذاً للعقد العرفي السابق .

 ( [8] ) تاريخ المادتين 115 و 116 من القانون المدني الجديد : ( أولاً ) المادة 115 : لم يرد هذا النص في المشروع التمهيدي ، ولجنة المراجعة هي التي وضعته تحت رقم 118 في المشروع النهائي . ووافق عليه مجلس النواب ، ثم لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ تحت رقم 115 ، ثم مجلس الشيوخ – ( ثانياً ) المادة 116 : لم يرد هذا النص في المشروع التمهيدي ، ولجنة المراجعة هي التي وضعته تحت رقم 120 في المشروع النهائي ، وكان مقصوراً على الفقرة الأولى منه . ووافق عليه مجلس النواب . وفي لجنة القانون المدني لمجلس الشيوخ أضيفت الفقرة الثانية من النص توخياً لاستكمال الأحكام الموضوعية الخاصة بناقص الأهلية في المشروع وأصبح رقم المادة 116 . ووافق مجلس الشيوخ على المادة كما أقرتها لجنته ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 123 – ص 128 ) .

هذا وقد كانت لجنة المراجعة وضعت نصاً هو المادة 119 من المشروع النهائي يجري على الوجه الآتي : ” إذا كان طلب الحجر قد سجل قبل تسجيل قرار الحجر ترتب على تسجيل الطلب ما يترتب على تسجيل القرار ” . وقد وافق مجلس النواب على هذا النص . وفي لجنة القانون المدني المجلس الشيوخ اقترح حذفه لأنه حكم تفصيلي ورد في قانون المحاكم الحسبية ، فوافقت اللجنة على ذلك ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 126 – ص 127 في الهامش ) .

 ( [9] ) ومن ثم فقد نصت المادة 45 من قانون المحاكم الحسبية على أن ” تصرف القيم في مال المحجور عليه بطريق التبرع باطل ” . ونصت المادة 46 من هذا القانون على أنه ” يسري على القيم حكم المادة 33 من هذا القانون ، وفيما عدا ما استثنى بنص صريح في هذا الفصل يسري على القوامة ما يسري على الوصاية من أحكام أخرى ” .

 ( [10] ) وقد جاء في كتاب ” شرح القانون المدني ” لفتحي زغلول ( ص 37 – ص 38 ) قريباً من هذا المعنى ، ما يأتي : ” إن عدم أهلية المحكوم عليه اخف من عدم أهلية القاصر أو السفيه من وجه بقاء التصرفات له من إذن المحكمة . والواقع إنها أهلية من نوع خاص سببها اعتقال رب المال ، فلا هو قليل الخبرة ولا ضعيف العقل ولا هو غائب ، ولهذا يحترم رأيه غالباً في إدارة أعماله ، ويؤذن له كذلك بإجراء ما يريد من التصرفات ” .

 ( [11] ) تاريخ النص : لم يرد هذا النص في المشروع التمهيدي . واقترحت لجنة المراجعة النص الآتي : ” يكون قابلا للإبطال كل تصرف يصدر من شخص تقررت مساعدته قضائياً إذا صدر هذا التصرف بغير معاونة المساعد ، وذلك وفقاً للقواعد المقررة في القانون ” ، وأصبح رقم المادة 121 في المشروع النهائي . ووافق مجلس النواب على هذا النص دون تعديل . وفي لجنة القانون المدني لمجلس الشيوخ اقترحت إضافة فقرة أولى تتضمن النص الوارد في المادة 47 من قانون المحاكم الحسبية في بيان حالة من تجب له المساعدة القضائية ، واقترح كذلك أن يكون حق طلب الأبطال قاصراً على التصرفات التي تقررت المساعدة القضائية في شأنها . وقد أخذت اللجنة بهذين الاقتراحين لأن أولهما يرمى إلى استكمال الأحكام الموضوعية في التقنين المدني فيما يتعلق بناقص الأهلية ، والثاني يقيد النص تقييداً انصرفت إليه نية واضعه . فأقرت اللجنة النص كما ورد في القانون ، وأصبح المادة 117 . ووافق مجلس الشيوخ على المادة كما أقرتها اللجنة ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 128 – ص 131 )

منشور في مقال أقوى محامي الأردن

قوانين أردنية  مهمة :

قانون التنفيذ الأردني وفق أحدث التعديلات

قانون العقوبات الأردني مع كامل التعديلات 

قانون التنفيذ الأردني مع التعديلات

 قانون المخدرات والمؤثرات العقلية

القانون المدني الأردني

قانون أصول المحاكمات الجزائية

قانون الملكية العقارية الأردني

قانون الجرائم الإلكترونية

قانون محاكم الصلح

جدول رسوم المحاكم

قانون العمل الأردني

قانون البينات الأردني

قانون أصول المحاكمات المدنية

 

 

مواضيع قانونية مهمة :

شروط براءة الاختراع في القانون الأردني

شروط براءة الاختراع في القانون الأردني

جريمة النصب في القانون المغربي

الذم والقدح والتحقير والتشهير

انعدام الأهلية ونقصها 

صفة التاجر مفهومها وشروطها

جريمة إساءة الأمانة

أحدث نموذج عقد إيجار

عقد البيع أركانه وآثاره

 

 

 

أحكام الأهلية

أحكام الأهلية

150 – العوامل التي تتاثر بها الأهلية : لما كانت أهلية الأداء مناطها التمييز كماقدمنا ، فهي تتأثر بالسن دائماً . وقد تتأثر بعوارض تعق أو لا تقع في شأنها أن تؤثر في التمييز ، كالجنون والعتة والغفلة ( [1] ) .

أ – تأثر الأهلية بالسن

151 – الأدوار الطبيعية في حياة الإنسان : الأدوار الطبيعية التي يمر بها الإنسان من وقت أن يولد إلى أن يموت ادوار ثلاثة : 1 – من وقت ولادته إلى سن التمييز 2 – من سن التمييز إلى سن البلوغ . 3 – من سن البلوغ إلى الموت .

152 – الصبي غير المميز : تقدر سن التمييز بسبع سنوات . وكل من لم يبلغ السابعة يعتبر فاقداً للتمييز معدوم الأهلية ( م 45 فقرة 2 ) . وقد نصت المادة 110 على أنه ” ليس للصبي غير المميز حق التصرف في ماله ، وتكون جميعه تصرفاته باطلة ( [2] ) ” . فالصبي غير المميز لا يستطيع أن يباشر أي عقد . وليس هذا مقصوراً على عقود التبرع وعقود التصرف وعقود الإدارة ، بل يمتد أيضاً إلى عقود الاغتناء ، فلا يستطيع الصبي غير المميز أن يقبل الهبة لأنه فاقد التمييز ، فلا تكون لارادته اثر .

وتثبت الولاية على ماله لوليه ثم لوصيه .

وولى الصغير هو الأب ثم الجد الصحيح . وبهذا تقضي المادة 7 من قانون المحاكم الحسبية إذ تنص على أن ” للأب ثم للجد الصحيح ( [3] ) الولاية على مال القاصر ، وعليه القيام بها ، ولا يجوز أن يتنحى عنها إلا بإذن المحكمة ” . فإذا لم يكن للصغير ولي ، ولم يعين الأب وصياً مختاراً ( [4] ) ، تعين المحكمة وصياً ، وهذا ما تقضي به المادة 15 من قانون المحاكم الحسبية إذ تنص على أنه ” إذا لم يكن للقاصر أو الحمل المستكن وصى مختار تعين المحكمة وصياً ” .

أما الحدود التي يتصرف في نطاقها الولي والوصي في مال القاصر فمرسومة في قانون المحاكم الحسبية وفي قواعد الشرعية الإسلامية . وإلى هذا تشير المادة 118 من القانون المدني الجديد إذ تنص على أن ” التصرفات الصادرة من الأولياء والأوصياء والقوات تكون صحيحة في الحدود التي يرسمها القانون ( [5] ) ” . وكذلك تنص المادة 47 من هذا القانون على أنه ” يخضع فاقدو الأهلية وناقصوها بحسب الأحوال لأحكام الولاية أو الوصاية أو القوامة بالشروط ووفقاً للقواعد المقررة في القانون ” .

فللولى أن يباشر عن الصغير أهلية الاغتناء وأهلية الإدارة وأهلية التصرف ، حتى بالغبن اليسير ، ولكن الغبن الفاحش لا يجوز . أما أهلية التبرع فلا يستطيع الولى أن يباشرها ، إلا أن يكون التبرع لأداء واجب إنساني أو عائلي وأذنت به المحكمة ، ( أنظر المادة ) من قانون المحاكم الحسبية ) . ويجوز للمحكمة أن تحد من ولاية الولي أو أن تسلبه إياها ” إذا أصبحت أموال القاصر في خطر بسبب سوء تصرف الولي أو لأي سبب آخر أو خيف عليها منه ” ( م 10 من قانون المحاكم الحسبية ) .

وولاية الوصى – اختاره الأب أو أقامه القاضي – أضيق من ولاية الولى . فهو يباشر عن الصغير أهلية الاغتناء فيقبل عنه الهبات ، إلا إذا كانت مقترنة بشرط فيجب إذن المحكمة في القبول أو الرفض . ويباشر أهلية الإدارة ، ولكن لا بد من إذن المحكمة : في إيجار عقار القاصر لمدة أكثر من ثلاثة سنوات في الأراضي الزراعية ولمدة أكثر من سنة في المباني ، وفي إيجار عقار القاصر لمدة تمتد إلى ما بعد بلوغه سن الرشد لأكثر من سنة ، وفي استثمار الأموال ، وتصفيتها ، واقتراض المال للقاصر ، وفي الإنفاق من مال القاصر على من تجب عليه نفقهم إلا إذا كانت النفقة مقضياً بها من جهة ، وفي الوفاء بالالتزامات التي تكون على التركة أو على القاصر ما لم يكن قد صدر بها حكم واجب التنفيذ ، وفيما يصرف في تزويج القاصر . ( أنظر في كل ذلك المادة 20 من قانون المحاكم الحسبية ) . ويباشر أهلية التصرف ولكن لا بد دائماً من إذن المحكمة ، سواء كان التصرف في أموال القاصر بالبيع أو الشراء أو المقايضة أو الشركة أو الإقراض أو الرهن أو أي نوع آخر من أنواع التصرفات الناقلة للملكية أو المرتبة لحق عيني . ويدخل في ذلك تحويل الديون التي تكون للقاصر ، وقبول الحوالة عليه . والتنازل عن التأمينات أو إضعافها . والصلح والتحكيم ، ورفع الدعاوى إلا ما يكون في تأخير رفعها ضرر بالقاصر أو ضياع حق له . ( أنظر في كل ذلك المادة 20 من قانون المحاكم الحسبية ) . أما أهلية التبرع فلا يستطيع الوصى أن يباشرها ولو بإذن المحكمة ، وإلى هذا تشير المادة 18 من قانون المحاكم الحسبية إذ تنص على أن ” تصرف الوصى في مال القاصر بطريق التبرع الباطل ” .

153 – الصبي المميز : يعتبر الصبي مميزاً من وقت بلوغه سن التمييز أي سن السابعة إلى وقت بلوغه سن الرشد أي سن الإحدى والعشرين . وتنص المادة 6 على أنه ” كل من بلغ سن التمييز ولم يبلغ سن الرشد ، وكل من بلغ سن الرشد وكان سفيهاً أو ذا غفلة ، يكون ناقص الأهلية وفقاً لما يقرره القانون ” ويقرر القانون في المادة 111 أحكام تصرفات الصبي المميز على النحو الآتي :

 ” إذا كان الصبي مميزا كانت تصرفاته المالية صحيحة متى كانت نافعة نفعا محضا ، وباطلة متى كانت ضارة ضرراً محضاً ” .

 2 – أما التصرفات المالية الدائرة بين النفع والضرر ، فتكون قابلة للأبطال لمصلحة القاصر ، ويزول حق التمسك بالأبطال إذا أجاز القاصر التصرف بعد بلوغه سن الرشد ، أو إذا صدرت الإجازة من ولية أو من المحكمة يحسب الأحوال وفقا للقانون ( [6] ) ” .

ويتبين من ذلك أن الصبي المميز له أهلية الاغتناء ، فيستطيع قبول الهبات لأن ذلك نافع له نفعاً محضاً . وليست له أهلية التبرع ولا يستطيع أحد أن يباشرها عنه إلا في الحدود التي قدمناها ، فلا يستطيع أن يهب شيئاً من ماله لأن ذلك ضار به ضرراً محضاً . أما أهلية الإدارة وأهلية التصرف ، وهي الأعمال الدائرة بين النفع والضرر ، فلا يملكها ، ولكن يباشرها عنه الولى أو الوصي في الحدود المتقدم ذكرها في حالة الصبي غير المميز .

ويستثنى من الأحكام المتقدم ذكرها الصبي المميز إذا بلغ الثامنة عشرة من عمره . فقد نصت المادة 112 على أنه ” إذا بلغ الصبي المميز الثامنة عشرة من عمره وأذن له في تسلم أمواله لإدارتها ، أو تسلمها بحكم القانون ( [7] ) ، كانت أعمال الإدارة الصادرة منه صحيحة في الحدود التي رسمها القانون ( [8] ) ” . والقانون هنا هو قانون المحاكم الحسبية . وقد نص في المادة الثانية منه على ما يأتي : ” ليس للقاصر أن يتسلم أمواله قبل بلوغ سن الرشد ، ومع ذلك فإذا بلغ الثامنة عشرة من عمره جاز له بإذن من المحكمة أن يتسلم كل هذه الأموال أو بعضها لإدارتها بعد سماع أقوال الوصي . وإذا رفضت المحكمة الإذن لا يجوز له أن يجدد طلبه قبل مضى سنة من وقت صدور القرار النهائي بالرفض ” . وتكفلت المادة الثالثة برسم الحدود التي يتصرف في نطاقها الصبي المأذون ، فنصت على أن ” للقاصر المأذون له أن يباشر أعمال الإدارة بما في ذلك أعمال الصيانة الضرورية لحفظ الأموال المسلمة إليه . ويدخل في أعمال الإدارة كل عمل من أعمال التصرف تقتضيه هذه الإدارة كبيع الحاصلات وشراء ما يلزم للزراعة ( [9] ) . ولا يجوز له بغير إذن من المحكمة أن يزاول أعمال التجارة أو أن يؤجر المباني أو الأراضي الزراعية لمدة تزيد على سنة . وكذلك ليس له أن يستوفى حقاً أو أن يوفى ديناً إلا إذا ترتبا على أعمال اداراته . ولا يجوز له أن يتصرف في صافي دخله إلا بالقدر اللازم لسد نفقاته ومن تلزمه نفقتهم قانوناً . ويعتبر القاصر المأذون له كامل الأهلية فيما أذن له به وفي التقاضي فيه ( [10] ) ” .

ويستثنى كذلك الصبي المميز في إدارة ماله الذي كسبه من عمله الخاص متى بلغ السادسة عشرة . فقد نصت المادة السادسة من قانون المحاكم الحسبية على أن ” للقاصر متى بلغ السادسة عشرة الحق في أن يتولى إدارة ماله الذي كسبه من عمله الخاص . ولا يكون ضامناً لديونه الناشئة عن هذه الإدارة إلا بقدر ذلك المال دون غيره من أمواله الأخرى ” .

154 – البالغ الرشيد : تقضي المادة 44 من القانون المدني الجديد بأن ” 1 – كل شخص بلغ سن الرشد متمتعا بقواه العقلية ، ولم يحجر عليه ، يكون كامل الأهلية لمباشرة حقوقه المدنية . 2 – وسن الرشد هي إحدى وعشرون سنة ميلادية كاملة ( [11] ) ” . وهذه السن عامة لجميع المصريين ، مسلمين أو غير مسلمين . فمتى بلغ القاصر هذه السن غير مجنون ولا معتوه وغير محكوم عليه باستمرار الولاية أو الوصاية لسبب من أسباب الحجر أصبح رشيداً أي كامل الأهلية . أما إذا كان قبل بلوغه هذه السن قد حكم عليه باستمرار الولاية أو الوصياة لجنون أو عته أو غفلة أو سفه ( [12] ) ، أو لم يحكم عليه ولكنه بلغ السن مجنوناً أو معتوهاً . فتستمر الولاية عليه أو الوصاية يحسب الأحوال ( [13] ) . ويترتب على ذلك أنه إذا بلغ السن وكان ذا غفلة أو سفيهاً ولم يكن قد حكم عليه باستمرار الولاية أو الوصاية للغفلة أو السفه ، فإنه يصبح رشيداً كامل الأهلية ، وإذا أريد الحجر عليه بعد ذلك وجب استصدار حكم بالحجر ، وتختار المحكمة له قيما قد يكون غير الولى أو الوصى .

فإذا بلغ القاصر سن الحادية والعشرين رشيداً كملت أهليته . وكان له بلك أهلية اغتناء وأهلية الإدارة وأهلية التصرف وأهلية التبرع ، يباشر كل ذلك بنفسه . ويسلمه وليه أو وصيه ماله ليكون حر التصرف فيه . وكل دعوى للقاصر على وصيه ( أو للمحجور عليه على قيمه ) تكون متعلقة بأمور الوصاية ( أو القوامة ) تسقط بمضى خمس سنوات من التاريخ الذي انتهت فيه الوصاية ( القوامة ) : أنظر م 36 من قانون المحاكم الحسبية . كذلك يقع باطلا كل تعهد أو مخالصة يحصل عليها الوصي من القاصر الذي بلغ سن الرشد إذا صدرت المخالصة أو التعهد قبل الفصل نهائياً في الحساب ( أنظر المادة 35 من قانون المحاكم الحسبية ) .

على أنه قد يصيب الشخص بعد بلوغه سن الرشد عارض من عوارض الأهلية ، وهي التي سنتكلم عليها فيما يلي .


 ( [1] ) وقد تضمن المشروع التمهيدي نصاً هو المادة 164 من هذا المشروع ، جرت بما يأتي : ” يرجع إلى قانون الأحوال الشخصية في تحديد ما يكون لانعدام أهلية الأداء أو نقصها من اثر في صحة الرضاء ” . ولما تلى هذا النص في لجنة المراجعة ، ذكر أن المادة بالحالة التي هي عليها لا تؤدي المعنى المقصود ، فليس الراد وضع قاعدة لتنازع القوانين ، بل المراد الإشارة إلى قانون المجالس الحسبية الواجب التطبيق في هذه الأحوال . واقترح تعديل المادة كما يأتي : ” ينظم الأهلية قانون خاص ” . ثم رأت اللجنة حذف هذا النص والاستعاضة عنه بالمواد 113 – 118 في المشروع النهائي ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 112 – ص 113 في الهامش ) .

 ( [2] ) تاريخ النص : لم يرد هذا النص في المشروع التمهيدي . ولجنة المراجعة هي التي وضعته تحت رقم المادة 113 في المشروع النهائي . ووافق مجلس النواب على المادة دون تعديل . وفي لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ قيل إن حكم هذه المادة والمواد التي تليها من صميم قواعد الأحوال الشخصية ، فما الحكمة في ايرادها هنا في القانون المدني ؟ وسئل هل هذه النصوص تسري على الأجانب ؟ فأجيب أن المشرع أرا بوضع هذه الأحكام في صلب القانون المدني عدم الرجوع إلى أحكامها في الشريعة الإسلامية ، وقد احتاط المشرع في قانون المحاكم الحسبية بإيراد نص يفيد عدم نفاذ أحكامه على الأجانب ، هذا فضلا عن أنه يستفاد من المبادئ العامة التي نص عليها في الباب الأول من مشروع القانون المعروض إنها تتضمن أحكاماً عامة تسري على الأجانب إلا فيما يختص بسن الرشد . أما سن التمييز وهو سن الأهلية العقلية فأحكامه تسري على الأجانب . وقد وافقت اللجنة على المادة 113 دون تعديل وأصبح رقمها 110 . ووافق مجلس الشيوخ على المادة كما أقرتها اللجنة ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 112 – ص 114 ) .

 ( [3] ) الظاهر أن الأب إذا كان قاصراً ووليه أبوه ، فولاية الولي تشمل الأب وولده معاً ، فيكون جد الولد هو وليه مع وجود أبيه لأن هذا قاصر .

 ( [4] ) والظاهر أن قانون المحاكم الحسبية الجديد يقدم الجد على وصى الأب وإن لم يورد نصاً صريحاً في ذلك . وهناك خلال في المذهب الحنفي هل يتقدم الجد على وصى الأب أو وصى الأب هو الذي يتقدم ، فيأخذ الإمام محمد بالرأي الأول ، ويذهب الإمام الأكبر إلى الرأي الثاني . وكان القضاء المصري في مجموعة قبل صدور قانون المحاكم الحسبية الجديد يأخذ برأي الإمام الأكبر ويقدم وصي الأب على الجد ( محكمة الاستئناف الوطنية في 13 مارس سنة 1893 الحقوق 8 ص 67 – 17 مارس سنة 1924 المحاماة 4 ص 747 – المجلس الحسبي العالي في 19 ابريل سنة 1915 م 23 ص 37 . وانظر حكما قضى بعكس ذلك فقدم الجد على وصي الأب من محكمة الاستئناف الوصية في 6 ديسمبر سنة 1894 الحقوق 10 ص 12 والقضاء 2 ص 133 ) .

 ( [5] ) تاريخ النص : لم يرد هذا النص في المشروع التمهيدي . ولجنة المراجعة هي التي وضعته تحت رقم المادة 122 في المشروع النهائي . ووافق عليه مجلس النواب ثم لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ تحت رقم 118 ، ثم مجلس الشيوخ ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 132 – ص 133 ) .

 ( [6] ) تاريخ النص : لم يرد هذا النص في المشروع التمهيدي . ولجنة المراجعة هي التي وضعته تحت رقم المادة 114 في المشروع النهائي . ووافق عليه مجلس النواب . وعدلته لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ تعديلا طفيفا بأن حذفت عبارة وردت في النص الذي وضعته لجنة المراجعة وهي ” وكان غير مصاب بجنون أو عنه ” ، والعلة في ذلك أن الجنون والعته لهما أحكام خاصة تنطبق في جميع الأحوال والصور . وأصبح رقم المادة 111 . ووافق مجلس الشيوخ على المادة كما عدلتها اللجنة ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 115 – ص 116 ) .

 ( [7] ) كان قانون المجالس الحسبية القديم يقضي بأنه إذا بلغ القاصر ثماني عشرة سنة ولم يمنع من التصرف جاز له تسلم أمواله ليديرها بنفسه ما لم يمنع من ذلك ، أي أن التسلم يكون بحكم القانون . فالنص يشير إلى هذا الحكم القديم .

 ( [8] ) تاريخ النص : لم يرد هذا النص في المشروع التمهيدي . ولجنة المراجعة هي التي وضعته تحت رقم المادة 115 في المشروع النهائي . ووافق عليه مجلس النواب . وحذفت منه لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ عبارة ” غير مصاب بجنون أو عته ” كما حذفتها من المادة السابقة . وأصبح رقم المادة 112 . ووافق مجلس الشيوخ على المادة كما عدلتها اللجنة ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 117 – ص 119 ) .

 ( [9] ) يؤكد هذا النص ما ورد في الفقرة الثانية من المادة 701 من القانون المدني الجديد ، وهي تنص على ما يأتي : ” وبعد من أعمال الإدارة الإيجار إذا لم تزد مدته على ثلاث سنوات وأعمال الحفظ والصيانة واستيفاء الحقوق ووفاء الديون . ويدخل فيها أيضاً كل عمل من أعمال التصرف تقتضيه الإدارة كبيع المحصول وبيع البضاعة أو المنقول الذي يسرع إليه التلف وشراء ما يستلزمه الشيء محل الوكالة من أدوات لحفظه ولاستغلاله ” . ويلاحظ أن نص قانون المحاكم الحسبية قد أورد قيوداً على الحق في الإيجار والحق في استيفاء الحقوق ووفاء الديون .

 ( [10] ) وقد قضت المادة 4 من قانون المحاكم الحسبية بما يأتي : ” على المأذون له بالإدارة أن يقدم حسابا سنويا يؤخذ عند النظر فيه رأي الولي أو الوصي ، وللمحكمة أن تأمر بإيداع المتوفر من دخله إحدى خزائن الحكومة أو أحد المصارف ، ولا يجوز له سحب شيء منه إلا بإذن منها ” . وقضت المادة بما يأتي : ” إذا قصر المأذون له بالإدارة في تنفيذ ما قصت به المادة السابقة أو أساء التصرف في إدارته أو قامت أسباب تدعو إلى احتمال وقوع ضرر له ، جاز للمحكمة من تلقاء نفسها ، أو بناء على طلب النيابة العمومية أو أحد ذوى الشأن ، أن تحد من الإذن المعطي للقاصر أو تسلبه إياه بعد دعوته لسماع أقواله ” .

 ( [11] ) وقد نصت المادة الأولى من قانون المحاكم الحسبية على أن ” القاصر هو من لم يبلغ سن الرشد وهي إحدى وعشرون سنة كاملة ” . وتحسب السن بالتقويم الميلادي . ويجب أن تكمل إحدى وعشرون سنة ، فلا يكون الشخص كامل الأهلية إلا عقب انقضاء آخر فترة من هذه المدة .

 ( [12] ) أو لأنه لا يؤمن على أمواله ( أنظر المادة 21 من قانون المحاكم الحسبية ) .

 ( [13] ) وقد قضت المادة 13 من قانون المحاكم الحسبية بأن ” تنتهي الولاية ببلوغ القاصر إحدى وعشرين سنة ما لم تحكم المحكمة قبل بلوغه هذه السن باستمرار الولاية لسبب من أسباب الحجر ، إلا إذا بلغها معتوهاً أو مجنوناً فإن الولاية تستمر عليه ولو لم يصدر حكم بذلك من المحكمة ” . وقضت المادة 30 بأن تنتهي مهمة الوصي ” ببلوغ القاصر إحدى وعشرين سنة إلا إذا قررت المحكمة قبل بلوغ هذه السن استمرار الوصاية أو ما لم يبلغها معتوهاً أو مجنوناً فتستمر الوصاية عليه ولو لم تقرر المحكمة استمرار الوصاية “

منشور في مقال أقوى محامي الأردن

الأهلية في القانون المدني

الأهلية

144 – القانون القديم والقانون الجديد : اقتصر القانون القديم في الأهلية على الإحالة إلى قانون الأحوال الشخصية بعد أن ميز بين الأهلية المقيدة والأهلية المطلقة ( م 129 – 130 / 189 – 190 قديم ) ، ثم ذلك أن الجزاء مع نقص الأهلية هو أبطال العقد ( م 131 – 132 / 191 – 192 قديم ) .

أما القانون الجديد فقد عرض لأحكام الأهلية في شيء من التفصيل ، فاشتركت نصوصه مع نصوص قانون المحاكم الحسبية ( قانون رقم 99 لسنة 1947 الصادر في 13 يوليه سنة 1947 ) في كثير من الأحكام التي تطبق على جميع المصريين ، مسلمين أو غير مسلمين ، وهذا شطر من قانون الأحوال الشخصية تم توحيده للمصريين كافة . أما الأجانب فتطبق عليهم قوانين الجنسيات التي ينتمون إليها لأن الأهلية تعتبر من الأحوال الشخصية ( م 11 جديد ) ( [1] ) .

ونبحث في ايجاز النظرية العامة في الأهلية ، ثم ننتقل إلى الأحكام التي وردت عنها في القانون الجديد .

1 – النظرية العامة في الأهلية

145 – أهلية الوجوب : يميز الفقهاء بين أهلية الوجوب ( capacite de jouissance ) وأهلية الأداء ( capacite d’exercice ) .

ويعرف علماء أصول الفقه الإسلامي أهلية الوجوب بأنها صلاحية الإنسان لوجوب الحقوق المشروعة له وعليه . وأهلية الوجوب بهذا التعريف هي في الواقع الشخص ذاته منظوراً إليه من الناحية القانونية . فالشخص ، سواء كان شخصاً طبيعاً أو شخصاً اعتبارياً ، إنما ينظر إليه القانون من ناحية أنه صالح لأن تكون له حقوق وعليه واجبات . فكل إنسان – بعد أن أبطال الرق – شخص قانوني تتوافر فيه أهلية الوجوب . وتثبت له هذه الأهلية من وقت ميلاده ، بل وقبل ذلك من بعض الوجوه عندما يكون جنيناً ، إلى وقت موته ، بل وبعد ذلك إلى حين تصفية تركته وسداد ديونه . وكذلك الشخص الاعتباري شخص قانوني تتوافر فيه أهلية الوجوب ، لأن الشخصية الاعتبارية ليست في الواقع إلا القابلية لامتلاك الحقوق وتحمل الواجبات .

فإذا انعدمت أهلية الوجوب انعدمت الشخصية معها ، وذلك كالجنين يولد ميتاً ، وكالميت بعد سداد ديونه ، وكجماعة من الناس ليست له شخصية معنوية ، وكالشركة بعد أن تصفى ، وكالرقيق في القوانين التي كانت تبيح الرق ، وكمن يحكم عليه بالموت المدني في القوانين التي كانت تبيح ذلك ، وكالراهب في قوانين بعض الطوائف الدينية ( [2] ) .

146 – أهلية الأداء : وأهلية الأداء هي صلاحية الشخص لاستعمال الحق . ويقع أن تتوافر للشخص أهلية الوجوب دون أهلية الأداء ، فيكون مستمتعاً بالحق ، وهذه هي أهلية الوجوب ، دون أن يستطيع استعماله بنفسه ، وهذه هي أهلية الأداء . ويتبين من ذلك أنه يمكن فصل أهلية الوجوب عن أهلية الأداء فصلا تاماً . والذي يعنينا هنا هو أهلية الأداء ، فإذا أطلقنا الأهلية كانت هي المقصودة .

ويمكن تقسيم العقود من حيث الأهلية إلى أقسام أربعة : 1 – عقود اغتناء ، وهي عقود يغتني من يباشرها دون أن يدفع عوضاً لذلك كالهبة بالنسبة إلى الموهوب له . 2 – عقود إدارة ، وهي عقود ترد على الشيء لاستغلاله كالايجار بالنسبة إلى المؤجر . 3 – عقود تصرف ، وترد على الشيء للتصرف فيه بعوض كالبيع بالنسبة إلى كل من البائع والمشتري . 4 – عقود تبرع ، وترد على الشيء للتصرف فيه بغير عوض كالهبة بالنسبة إلى الواهب .

فمن توافرت فيه الأهلية كاملة كان صالحاً لمباشرة هذه الأقسام الأربعة من العقود . ومن كان ناقص الأهلية فهو لا يصلح إلا لمباشرة بعض هذه الأقسام ، كالصبي المميز يصلح لمباشرة عقود الاغتناء وعقود الإدارة ، ولا يصلح وحده لمباشرة عقود التصرف ، ولا يصلح أصلاً لمباشرة عقود التبرع . وقد تكون الأهلية معدومة كما هي حال الصبي غير المميز ، فهو لا يصلح لمباشرة أي قسم من هذه الأقسام الأربعة .

147 – تحميص الأهلية بتمييزها عن غيرها مما يلتبس بها : الأهلية مناطها التمييز ، لأن الإرادة لا تصدر إلا عن تمييز فمن كان كامل التمييز كان كامل الأهلية ، ومن نقص تمييزه كانت أهليته ناقصة ، ومن انعدم تمييزه انعدمت أهليته .

ويجب التفريق بين الأهلية والولاية على المال . فالأهلية هي ما عرفنا . أما الولاية على المال فهي نفاذ الأعمال القانونية على مال الغير . مثل ذلك الولي والوصي والقيم والوكيل عن الغائب ، كل هؤلاء لهم الأولية على مال الصغير والمحجور والغائب ، فلا يقال إن الولي له أهلية التصرف في مال الصغير ، بل يقال إن له ولاية التصرف في هذا المال . فالولاية صلاحية بالنسبة إلى مال الغير ، أما الأهلية فصلاحية بالنسبة إلى مال الشخص نفسه .

كذلك يجب التفريق بين عدم الأهلية وعدم قابلية المال للتصرف . فالقاصر غير أهل للتصرف في ماله ، ويرجع ذلك لنقص في التمييز عنده . أما من وقف ماله فلا يستطيع التصرف فيما وقفه ، لا لنقص في الأهلية عنده راجع إلى نقص في التمييز ، بل لعدم قابلية المال الموقوف ذاته للتصرف .

ويجب التفريق أخيراً بين عدم الأهلية والمنع من التصرف . فقد يمنع شخص من التصرف لمصلحة مشروعة ، ولا يرجع ذلك لنقص في التمييز عند الشخص الممنوع كما في نقص الأهلية ، ولا لعدم قابلية المال للتصرف . مثل ذلك منع الشخص من أن يبيع ماله في مرض الموت إلا في حدود معينة ، وقد روعيت في ذلك مصلحة الورثة ، ومنع الزوجة في بعض الشرائع من التصرف إلا بإذن زوجها ، وقد روعيت في ذلك مصلحة الشركة المالية ما بين الزوجين ورئيسها الزوج . فإذا زال المانع صح التصرف ، كما إذا اجازت الورثة في الحالة الأولى أو انفصمت عرى الزوجية في الحالة الثانية . ويلاحظ أن المنع من التصرف يلحق الشخص ، أما عدم القابلية للتصرف فيلحق المال ( [3] ) .

148 – الأصل في الشخص أن يكون ذا أهلية : والمفروض في الشخص أن يكون كامل الأهلية ما لم يسلب القانون أهليته أو يحد منها . وهذا ما قضت به المادة 109 إذ نصت على أن ” كل شخص أهل للتعاقد ما لم تسلب أهليته أو يحد منها بحكم القانون ( [4] ) ” .

فعبء إثبات عدم الأهلية يقع على من يدعيه ( [5] ) . فإذا نجح في إثبات عدم أهليته كان له أن يبطل العقد الذي صدر منه . ولا يجوز للطرف الآخر أن يحتج بأنه كان يعتقد أنا لمتعاقد معه ذو أهلية ( [6] ) . أما إذا لجأ ناقص الأهلية إلى طرق احتيالية ليخفي نقص الهليته ، فمع أن له أن يطلب إبطال العقد لنقص الأهلية ، إلا أنه يكون مسئولا عن التعويض للغش الذي صدر منه . وهذا ما تقضي به المادة 119 إذ تنص على أنه ” يجوز لناقص الأهلية أن يطلب أبطال العقد ، وهذا مع عدم الإخلال بالزامه بالتعويض إذا لجأ إلى طرق احتيالية ليخفى نقص أهليته ( [7] ) ” . ولا يكفى لتطبيق هذا النص أن يقتصر ناقص الأهلية على التأكيد بأنه كاملها ، بل يجب أن يستعين ، وهو يؤكد كمال أهليته ، بطرق احتيالية كأن يقدم شهادة ميلاد مزورة ليثبت أنه بلغ سن الرشد . وهذا الذي قضى به النص الصريح في القانون الجديد كان القضاء المصري يعمل به في ظل القانون القديم تطبيقاً للقواعد العامة ( [8] ) .

149 – أحكام الأهلية من النظام العام : وأحكام الأهلية من النظام العام ، فلا يجوز أن يعطي شخص أهلية غير متوافرة عنده ، ولا أن يوسع عليه فيما نقص عنده منها . كما لا يجوز الحرمان من أهلية موجودة أو الانتقاص منها . وكل اتفاق على شيء من ذلك يكون باطلا . وإلى تشير المادة 48 من القانون الجديد إذ تنص على أنه ” ليس لأحد النزول عن أهليته ولا التعديل في أحكامها ” .


 ( [1] ) وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في نظرة عامة في الأهلية ما يأتي : ” اكتفى في أهلية التعاقد بالنص على اعتبار الشخص أهلاً للتعاقد ما لم يقرر القانون عدم أهليته ، وعلى القواعد الموضوعية الأساسية لا سيما ما تعلق منها بتحديد ما يكون لانعدام الأهلية أو نقصها من اثر في صحة الرضاء . أما التفصيلات فموضعها القوانين الخاصة بذلك . ولم ير محل للإبقاء على نص المادة 129 / 189 من التقنين الحالي لأنها تتناول تحديد دلالة الأهلية المطلقة والأهلية المقيدة ، وهي مسألة من مسائل التنظيم الموضوعية . أما المادة 130 / 190 من التقنين الحالي ، وهي الخاصة بتعيين القانون الواجب تطبيقه في مسائل الأهلية ، والمادتان 131 – 132 / 191 – 192 الخاصتان بالرجوع على القاصر بمقتضى قواعد الإثراء بلا سبب ، فقد حلت في المشروع مكانها الطبيعي ، فوضعت الأولى بين قواعد تتنازع القوانين في النصوص التمهيدي ، والمادتان الأخريان وردتا في سياق قواعد البطلان ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 109 ) .

 ( [2] ) هذا وقد صدر حكمان متناقضان من محكمة استئناف مصر الوطنية ، أحدهما يعترف بالقوانين المسيحية في الرهبنة ويطبقها على إنها عادة لها قوة القانون ( 25 مارس سنة 1931 المحاماة 12 رقم 364 ص 744 ) ، والحكم الثاني يقضي بعكس ما قضى به الحكم الأول ، فيعتبر قوانين الرهبنة قوانين دينية محضة لا يعترف بها القانون ، وهي مخالفة لقوانين الأهلية التي تعتبر من النظام العام ، وأن مجرد الرهبنة لا ينقل مال الراهب إلى الدير بل لا بلد من اتخاذ الطريق القانونية لذلك كأن توهب للدير أو توقف عليه ( 9 ابريل سنة 1931 المحاماة 12 رقم 365 ص 746 ) .

ثم صدر حكم من محكمة النقض يقضي بأن الرهبنة نظام جار عند بعض الطوائف المسيحية في صر ، وقد اعترفت به الحكومة المصرية إذ اختصت الرهبان ببعض المزايا فأعفتهم من الخدمة العسكرية ومن الرسوم الجمركية ، والقانون المادة 14 من الأمر العالي الصادر في 14 مايو سنة 1883 بترتيب واختصاصات المجلس المحلى لطائفة الاقباط الارثوذكس قد صرح بأن للرهبنة نظاماً خاصاً يجب احترامه والعمل على نفاذ الأحكام المقررة له . ومن هذه الأحكام أن كل ما يقتنيه الراهب بعد انخراطه في سلك الرهبنة يعتبر ملكا للبيعة التي كرس حياته لخدمتها . ويترتب على ذلك أن الأموال التي تؤول للرهبان عن طريق وظائفهم أو بسببها تصبح ملكاً للبيعة . فالحكم المطعون فيه إذ عد المطران مالكاً لما اشتراه وقت أن كان شاغلاً منصبه الديني لمجرد أن العقود صادرة له شخصياً لا بصفته نائباً عن الكنيسة قد أخطأ في عدم الأخذ بالقواعد الكنسية المحددة للعلاقة المالية بين الرهبان والكنيسة حالة كونها قانون الطرفين ( نقض مدني 24 مايو سنة 1942 مجموعة عمر 3 رقم 155 ص 431 ) .

والظاهر من هذه الأحكام أنه يجب التمييز بين : ( أولاً ) مايملكه الراهب قبل دخولهف ي الرهينة – وكذلك ما يملكه حتى بعد دخوله الرهينة عن ميراث أو وصية – فهذا يبقى ملكاً خاصاً له يورث عنه لأن شخصية الراهب لا تنعدم بدخوله سلك الرهبنة فإن ذلك مخالف للنظام العام . ( ثانياً ) ما يملكه بعد دخوله في سلك الرهبنة عن غير طريق الميراث أو الوصية ، فهذا يكون ملكا للكنيسة ، لا لأن شخصيته اعدمت ، بل لأنه يعتبر ، طبقاً لقوانين الكنيسة التي تطبق هنا لعدم مخالفتها للنظام العام ، نائباً عن الكنيسة في تملكه هذه الأموال . ويؤيد هذا التمييز ما ورد في كتاب القوانين لابن العسال ( طبعة سنة 1927 ص 315 ) : ” ليكن معروفاً ما للأسقف إن كان له شيء ، وليكن معروفاً ما للبيعة ، لكي ما يكون له سلطان على ما كان له ليطيع فيه ربه ما أحب ويورثه لمن أراد . . فأما ما اقتناه بعد الأسقفية فهو للبيعة ، ليس له أن يوصي في شيء منه إلا ما صار إليه من ميراث من والدين أو إخوة أو أعمام ” .

 ( [3] ) وسنرى أن الغائب إذا أقيم له وكيل ، والمحكوم عليه بعقوبة جنائية إذا نصب له قيم ، ومن تقررت له المساعدة القضائية إذا عين له مساعد ، فإن ذلك لا يرجع إلى انعدام الأهلية في هؤلاء . أما ما يقال عادة من أهلية الشخص للالتزام بالعمل غير المشروع أو بالإثراء دون سبب فليس تعبيراً دقيقاً . لأن الأصل أن يلتزم الشخص متى وجد مصدر الالتزام . فإن كان هذا المصدر هو العقد ( أو العمل القانوني بوجه عام ) فمن شروطه الأهلية ، ومناطها التمييز كما قدمناه . وإن كان المصدر هو العمل غير المشروع فلا بد من خطأ ، ومن شروط الخطأ التمييز ، فالتمييز ركن في الخطأ ، وقد لا يكون مطلوباً في بعض الأحوال فيسأل غير المميز عن عمله الضار . أما الالتزام بالإثراء دون سبب فيبقى على الأصل ، ولا يشترط فيه التمييز و لكن أصبح من المألوف التحدث عن الأهلية في هذه المواضع ، وقد جارينا هذا المألوف في بعض الأحيان .

 ( [4] ) تاريخ النص : ورد هذا النص في المادة 163 من المشروع التمهيدي على الوجه الآتي : ” يكون أهلاً للتعاقد كل من لا يقرر القانون عدم أهليته ” . ولما عرض النص على لجنة المراجعة عدلته كما يأتي : ” كل شخص أهل للتعاقد ما لم يقرر القانون سلب أهليته أو الحد منها ” ، وقدم في المشروع النهائي تحت رقم 112 . ووافق مجلس النواب على المادة دون تعديل . وفي لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ اعترض على عبارة ” فلم يقرر القانون سلب أهليته أو الحد منها ” لأن القانون لا يسلب الأهلية ، فقد يكون الشخص مجنواً لم يحجز عليه بعد ويكون مع ذلك أهلاً للتعاقد ، فعدلت اللجنة النص على الوجه الآتي : ” كل شخص أهل للتعاقد مال م تسلب أهليته اوي حد منها بحكم القانون ” ، وأصبح رقم المادة 109 . ووافق مجلس الشيوخ على المادة كما عدلتها اللجنة ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 109 – ص 112 ) .

 ( [5] ) وقد قضت محكمة الاستئناف الوطنية بأن الأصل في الرجل الرشد وفقد الأهلية عارض ، ولذلك تعتبر العقود الصادرة من البالغ رشيداً صحيحة نافذة إلا إذا اثبت مدعى الخلاف طروء عارض فقد الأهلية على ذلك المتعاقد قبل العقد ( 18 يوليه سنة 1891 الحقوق 6 ص 191 – 21 يوليه سنة 1891 الحقوق 7 ص 225 ) – أنظر أيضاً في هذا المعنى محكمة الاستئناف المختلطة في 28 يونية سنة 1916 م 28 ص 446 ، وفي 28 مارس سنة 1918 م 30 ص 316 .

 ( [6] ) وقد قضت محكمة الاستئناف الوطنية بأنه يجب على من يتعاقد مع الغير أن يتحرى عن أهلية من تعاقد معه حتى يتأكد من صحة التعاقد ، وإلا فعليه أين تحمل تبعة تقصيره وإهماله . فلا يجوز لمن اشترى عقاراً من شخص قرر المجلس الحسبي استمرار الوصاية عليه بعد بلوغه سن الثماني عشرة سنة أن يتمسك بصحة عقد البيع ارتكاناً على أن ذلك القرار لم ينشر بالجريدة الرسمية ( 15 فبراير سنة 1921 المجموعة الرسمية 22 رقم 62 . وانظر أيضاً محكمة بني سويف الابتدائية في 8 فبراير سنة 1928 المحاماة 9 ص 524 ) .

 ( [7] ) تاريخ النص : ورد هذا النص في المادة 165 من المشروع التمهيدي على الوجه الآتي : ” لا يجوز للقاصر التمسك بنقص أهليته لإبطال العقد إذا كان قد لجأ إلى طرق احتيالية ليخفى قصره ، أما إذا اقتصر على أن يقرر أنه بلغ سن الرشد فإن ذلك لا يمنعه من التمسك بالبطلان ” . وفي لجنة المراجعة لوحظ أن المشروع بعد حذف المادة 162 يكون غفلا من نص يجيز لناقص الأهلية أبطال العقد ، فينبغي أن يثبت هذا الحكم في صدر هذه المادة ، وبعد المناقشة وافقت اللجنة على أن تعدل المادة على الوجه الآتي : ” يجوز لناقص الأهلية أن يطلب أبطال العقد ، ومع ذلك لا يجوز للقاصر التمسك بنقص أهليته لإبطال العقد إذا كان قد لجأ إلى طرق احتيالية ليخفي قصره ” . وأصبح رقم المادة 123 في المشروع النهائي . ووافق مجلس النواب على المادة دون تعديل . ورأت لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ أن تستعيض عن عبارة ” ومع ذلك لا يجوز للقاصر التمسك بنقص أهليته الخ ” بعبارة ” وهذا مع عدم الإخلال بالزامه بالتعويض إذا لجأ إلى طرق احتيالية لاخفاء نقص أهليته ” . فالمسالة تتعلق بتقرير الجزاء على التجاء القاصر ( وغيره من ناقصي الأهلية ) إلى طرق احتيالية لإخفاء نقص أهليته ، ولم تر اللجنة أن يكون الجزاء حرمان القاصر من حق طلب الإبطال وإنما آثرت أن تجري القواعد العامة المتعلقة بالمسئولية التقصيرية وجعلت الجزاء قاصراً على الحكم بالتعويض . وأصبح رقم المادة 119 . ووافق مجلس الشيوخ على المادة كما عدلتها اللجنة ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 133 – ص 138 ) .

 ( [8] ) أنظر محكمة الاستئناف المختلطة في 30 ديسمبر 1913 م 26 ص 117 – وقد قضت محكمة النقض بأنه إذا رفع المشتري دعوى على البائع يطالبه فيها بتعويضه عما لحقه من الضرر بسبب عدم إتمام الصفقة التي تعاقد معه عليها ودفع له جزءاً من ثمنها ، مدعيا أن البائع دلس عليه بأن أوهمه بأنه تام الأهلية في حين أنه كان محجوراً عليه ، فرفضت المحكمة الدعوى على أساس ما استبانته من ظروفها ووقائعها من أن كل ما وقع من البائع هو أنه تظاهر للمشتري أنه كامل الأهلية وهذا لا يعدو أن يكون مجرد كذب لا يستوجب مساءلة مقترفة شخصياً ، فلا شأن لمحكمة النقض معها في ذلك مادامت الوقائع الثابتة في الدعوى مؤدية فعلا إليه ( نقض جنائي 4 مايو سنة 1945 المحاماة 27 رقم 149 ص 348 . وانظر أيضاً في هذا المعنى نقض مدني في 4 مايو سنة 1944 مجموعة عمر 4 رقم 128 ص 352 ) .

منشور في مقال أقوى محامي الأردن

العربون

العربون

140 – العربون ودلالته في القوانين الأجنبية : يتفق أحياناً أن يدفع أحد المتعاقدين للأخر عند إبرام العقد مبلغاً من المال – يكون عادة من النقد – يسمى العربون . وأكثر ما يكون ذلك في عقد البيع وفي عقد الإيجار ، فيدفع المشتري للبائع أو المستأجر للمؤجر جزءاً من الثمن أو من الأجرة . ويكون غرض المتعاقدين من ذلك إما حفظ الحق لكل منهما في العدول عن العقد بأن يدفع من يريد العدول قدر هذا العربون للطرف الآخر ، وإما تأكيد العقد والبت فيه عن طريق البدء في تنفذه بدفع العربون .

وقد انقسمت القوانين الأجنبية بين هاتين الدلالتين المتعارضتين . فالقوانين اللاتينية بوجه عام تأخذ بدلالة العدول ( [1] ) ، أما القوانين الحرمانية فتأخذ بدلالة البت ( [2] ) . وغنى عن البيان أن كلتا الدلالتين قابلة لإثبات العكس ، فإذا تبين من اتفاق المتعاقدين أو من الظروف أن المقصود من العربون هو غير ما يؤخذ من دلالته المفروضة وجب الوقوف عند ما أراده المتعاقدان .

141 – العربون في القانون المدني القديم : لم يرد نص عن هذه المسألة في القانون المدني القديم ، فكان القضاء المصري يتردد بين الدلالتين ( [3] ) . وكان في ذلك يأخذ بنية المتعاقدين ( [4] ) . ويفسر هذه النية عند غموضها في ظل العرف الجاري . والظاهر أن العرف في مصر يميزيين البيع والإيجار . ففي البيع تكون دلالة العربون في العقد الابتدائي جواز العدول وفي العقد النهائي التأكيد والبت ( [5] ) . أما في الإيجار فالعربون دليل على التأكيد والبت لا على جواز العدول ، ويعتبر تعجيلا لجزء من الأجرة تنفيذاً للعقد .

142 – العربون في القانون المدني الجديد : اخذ القانون المدني الجديد ، حسما للخلاف والتردد ، بدلالة جواز العدول . ومن هنا كان العقد المقترن بعربون مرحلة غير باتة في التعاقد النهائي ، إذ يجوز العدول عنه .

وقد نصت المادة 103 من القانون الجديد على ما يأتي :

1 – دفع العربون وقت إبرام العقد يفيد أن لكل من المتعاقدين الحق في العدول عنه ، إلا إذا قضي الاتفاق بغير ذلك .

 2 – فإذا عدل من دفع العربون وقت ، فقده . وإذا عدل من قبضه ، رد ضعفه . هذا ولو لم يترتب على العدول أي ضرر ( [6] ) ” .

ويتبين من هذا النص أنه إذا دفع عربون وقت إبرام العقد ، ولم يتفق المتعاقدان صراحة أو ضمناً على أنه إنما دفع لتأكيد البتات في التعاقد ، كان دفعه دليلا على أن المتعاقدين ارادا أن يكون لكل منهما الحق في العدول عن العقد ، يستوى في ذلك البيع والإيجار وأي عقد آخر . فإذا لم يعدل أحد منهما عن العقد في خلال المدة التي يجوز له فيها العدول ، أصبح العقد باتاً ، واعتبر العربون تنفيذاً جزئياً له ، ووجب استكمال التنفيذ . أما إذا عدل أحد المتعاقدين عنه في المدة التي يجوز له فيها ذلك ، وجب على من عدل أن يدفع للطرف الآخر قدر العربون جزاء العدول . فإذا كان هو الذي دفع العربون فإنه يفقده ، ويصبح العربون حقاً لمن قبضه . أما إذا كان الطرف الذي عدل هو الذي قبض العربون ، فإنه يرده ويرد مثله ، أي يرد ضعفيه ( [7] ) ، للطرف الآخر ، حتى يكون بذلك قد دفع قيمة العربون جزاء عدوله عن العقد . ويلاحظ أن النص يرتب التزاماً بدفع قيمة العربون في ذمة الطرف الذي عدل عن العقد ، لا تعويضاً عن الضرر الذي أصاب الطرف الآخر من جراء العدول ، فإن الالتزام موجود حتى لو لم يترتب على العدول أي ضرر كما هو صريح النص ، بل تفسيراً لنية المتعاقدين ، فقد فرض المشرع أن المتعاقدين أرادا إثبات حق العدول لكل منهما في نظير الالتزام بدفع قدر العربون فجعلا العربون مقابلا لحق العدول . وفي هذا يختلف العربون عن الشرط الجزائي ، فإن هذا الشرط تقدير اتفق عليه المتعاقدان لقيمة التعويض عن الضرر الذي ينشأ عن الإخلال بالعقد ، ومن ثم جاز للقاضي تخفيض هذا التقدير إذا كان مبالغاً فيه إلى درجة كبيرة ، بل جاز له إلا يحكم به أصلاً إذا لم يلحق الدائن أي ضرر . وسيأتي بيان ذلك عند الكلام في الشرط الجزائي ( [8] ) .

أما إذا اتفق المتعاقدان صراحة أو ضمناً على أن دفع العربون إنما كان لتأكيد العقد لا لإثبات حق العدول ، وجبت مراعاة ما اتفقا عليه . فلا يجوز لأحد منهما العدول عن العقد ، ولكل منهما مطالبة الآخر بتنفيذه . ويعتبر العربون تنفيذا جزئياً يجب استكماله . وتجري على العقد الذي أبرم القواعد العامة التي تجري على سائر العقود من جواز المطالبة بالتنفيذ العيني أو بالتعويض أو بالفسخ . وإذا فسخ العقد وترتب على الفسخ تعويض ، فليس من الضروري أن يقدر التعويض بقدر العربون ، فقد يكون أكثر أو أقل بحسب جسامة الضرر .


 ( [1] ) أنظر مثلا المادة 1599 من القانون الفرنسي والمادة 1217 من القانون الإيطالي القديم . ومع ذلك أنظر المادة 170 من المشروع الفرنسي الإيطالي .

 ( [2] ) أنظر المادة 336 من القانون الألماني والمادة 158 من قانون الالتزامات السويسري والمادة 74 من القانون البولوني .

 ( [3] ) قضت محكمة الاستئناف المختلطة بان اشتراط العربو لا يدل على جواز العدول بل على إثبات حق الفسخ مع تحديد التعويض الواجب عند التخلف عن الوفاء ( 27 مارس سنة 1902 م 14 ص 242 – 17 ابريل سنة 1902 م 14 ص 254 ) ، على أن المشتري الذي يفقد العربون بسبب التخلف عن تنفيذ العقد لا يحق له إقامة الدليل على أن البائع لم يصبه ضرر من جراء ذلك على نقيض ما يجري بشأن الشرط الجزائي ( 16 نوفمبر سنة 1915 م 28 ص 22 – أول فبراير سنة 1922 م 34 ص 142 ) ، وقضت كذلك بأن العربون قد يدل على الثبات ( 3 ديسمبر سنة 1935 م 48 ص 45 ) .

وفى دعاوى أخرى قضت المحاكم المصرية بأن العربون في حالة الشك يدل على جواز العدول ( محكمة استئناف مصر الوطنية في 31 أكتوبر سنة 1939 المحاماة 21 رقم 26 ص 35 – القضاء المستعجل في 28 مارس سنة 1940 المحاماة 21 رقم 62 ص 111 – محكمة الاستئناف المختلطة في 31 مارس سنة 1948 م 60 ص 64 ) .

وقضت محكمة الاستئناف المختلطة بأنه إذا كان العربون دليل العدول لوقت معين ، فلا يجوز العدول عبد انقضاء هذا الوقت . أما إذا لم يعين وقت لجواز العدول فيجوز العدول إلى وقت التنفيذ . وبأنه لا تجوز اساءة استعمال الحق في العدول ، فالبائع الذي أظهر نيته في أن يمضي في العقد دون استعمال حقه في العدول وأخذ يقوم بالاجراءات اللازمة لاتمام العقد حتى اوشك على إنمائها ثم عدل بعد ذلك فجأة لا يقتصر على خسارة العربون بل يجب أيضاً أن يدفع تعويضا لإساءته استعمال حقه في العدول ( 5 ابريل سنة 1938 م 50 ص 215 ) .

 ( [4] ) وقد قضت محكمة النقض بان العربون هو ما يقدمه أحد العاقدين إلى الآخر عند إنشاء العقد ، وقد يريد المتعاقدان بالاتفاق عليه أن يجعلا عقدهما مبرما بينهما على وجه نهائي ، وقد يريدان أن يجعلا لكل منهما الحق في امضاء العقد أو نقضه ، ونية العاقدين هي وحدها التي يجب التعويل عليها في إعطاء العربون حكمه القانوني . وعلى ذلك إذا استخلص الحكم من نصوص العقد أن نية عاقديه انعقدت على تمامه ، وأن المبلغ الذي وصف فيه بأنه عربون ما هو في الواقع إلا قيمة التعويض الذي اتفقا على استحقاقه عند الفسخ المسبب عن تقصير أحد المتعاقدين في الوفاء بما التزم به ، وكان ما استظهرته محكمة الموضوع من نية المتعاقدين على هذا النحو تفسيراً للعقد تحتمله عباراته ، فذلك يدخل في سلطتها التقديرية التي لا تخضع فيها لرقابة محكمة النقض ( نقض مدني في 21 مارس سنة 1946 مجموعة عمر 5 رقم 52 ص 132 ) . وقضت محكمة الاستئناف المختلطة بأن دلالة العربون ، وقد تكون لتأكيد العقد لا لجواز العدول عنه ، تترك لتفسير نية المتعاقدين ( 25 مايو سنة 1947 م 59 ص 157 ) .

 ( [5] ) وقد قضت محكمة استئناف مصر بأنه إذا دفع العربون وقت تحرير العقد الابتدائي كان هذا دليلا على جواز العدول ، أما إذا دفع عند تحرير العقد النهائي فلا يجوز العدول ( 21 فبراير سنة 1924 المجموعة الرسمية 26 رقم 39 ) – وقضت محكمة الاستئناف المختلطة بأن العربون في العقد الابتدائي دليل على جواز العدول ، وفي العقد النهائي دليل على الثبات : 17 ديسمبر سنة 1919 م 32 ص 74 ( عقد ابتدائي ) – 30 أكتوبر سنة 1916 م 29 ص 22 – 7 فبراير سنة 1917 م 26 ص 204 – 11 ابريل سنة 1917 م 29 ص 352 – 4 نوفمبر سنة 1925 م 38 ص 11 ( عقد نهائي ) – 5 ابريل 1938 م 50 ص 215 ( وهو الحكم التي سبقت الإشارة إليه ) – محكمة الإسكندرية الكلية المختلطة في 15 ابريل سنة 1944 م 56 ص 103 ) .

 ( [6] ) تاريخ النص : ورد هذا النص في المادة 152 من المشروع التمهيدي على الوجه الآتي : ” 1 – يكون العربون المدفوع وقت إبرام العقد دليلا على أن العقد أصبح باتاً لا على أنه يجوز العدول عنه ، إلا إذا قضى الاتفاق أو العرف بغير ذلك 2 – فإذا امتنع أحد المتعاقدين عن تنفيذ العقد ، فللمتعاقد الآخر أن يختار بين التنفيذ والفسخ . وله في حالة الفسخ أن يحتفظ بالعربون الذي قبضه أو أن يطالب بضعف العربون الذي دفعه ، حتى لو لم يلحق به الفسخ أي ضرر . هذا مع عدم الإخلال بحقه في استكمال التعويض إن اقتضى الأمر ذلك . 3 – ويسري حكم هذه المادة أياً كانت الألفاظ التي عبر بها المتعاقدان علن العربون ” . ولما تلى النص في لجنة المراجعة أقرته اللجنة في المشروع النهائي تحت رقم 105 بعد إبدال نص الفقرة الأولى بالنص الآتي : ” 1 – دفع العربون وقت إبرام العقد يفيد أن العقد يفيد أن العقد بات لا يجوز العدول عنه إلا إذا قضى الاتفاق أو العرف بغير ذلك ” . ووافق مجلس النواب على المادة دون تعديل . وفي لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ نوقشت المادة تفصيلا ، ورأت اللجنة أن تأخذ بحكم يخالف ما قررته ، وقالت في تقريرها ما يأتي : ” رأت اللجنة أن تأخذ بحكم يخالف ما قررته المادة تمشيا مع العرف ، فعدلت الفقرة الأولى باستبدال عبارة ” لكل من المتعاقدين الحق في العدول عنه ” ، بعبارة ” العقوبات لا يجوز العدول عنه ” ، وحذف عبارة ” أو العرف ” لزوال وجه الحاجة إليها بعد التعديل ، واستعاضت عن الفقرة الثانية بالنص الآتي : ” فإذا عدل من دفع العربون فقده ، وإذا عدل من قبضه رد ضعفه ، ولو لم يترتب على العدول ضرر ” . وقد صدرت اللجنة في هذه الإضافة عن وجوب التمشي مع العرف ، ولم تر محلا للابقاء على الفقرة الثالثة فحذفتها تاركة أمر تفسير نية المتعاقدين لتقدير القاضي . وأصبح النص كالآتي : ” 1 – دفع العربون وقت إبرام العقد يفيد أن لكل من المتعاقدين الحق في العدول عنه إلا إذا قضى الاتفاق بغير ذلك . 2 – فإذا عدل من دفع العربون فقده ، وإذا عدل من قبضه رد ضعفه . هذا ولو لم يترتب على العدول أي ضرر ” . وأصبح رقم المادة 103 . ووافق مجلس الشيوخ على المادة كما أقرتها لجنته ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 80 – ص 89 – وراجع المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في ص 81 – ص 84 ) .

هذا وقد تضمن المشروع التمهيدي نصين اخرين ، هما المادتان 153 و 154 من هذا المشروع . فنصت المادة 153 على ما يأتي :

 ” 1 – إذا نفذ الالتزام الذي من أجله دفع العربون خصم العربون من قيمة هذا الالتزام ، فإذا استحال الخصم استرد العربون من دفعه . 2 – ويتيعن كذلك رد العربون إذا استحال تنفيذ العقد لظروف لا يكون أحد من المتعقادين مسئولا عنها ، أو إذا فسخ العقد بخطأ من المتعاقدين أو باتفاق بينهما ” . وقد حذف هذا النص في لجنة المراجعة لامكان الاستغناء عنه اكتفاء بتطبيق القواعد العامة . ونصت المادة 154 على ما يأتي : ” إذا اتفق المتعاقدان على أن العربون دليل على جواز العدول عن العقد ، كان لكل منهما حق العدول ، فإن عدل من دفع العربون وجب عليه تركه ، وإن عدل من قبضه رد ضعفه ” وقد حذفت لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ هذا النص بناء على تعديل المادة 103 من القانون على الوجه السابق الذكر . ( أنظر في كل ذلك مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 80 – ص 82 في الهامش ) .

 ( [7] ) الصحيح لغة ” ضعفية ” لا ” ضعفه ” كما ورد في نص القانون . فالضعف هو المثل ، والمثلان ضعفان لا ضعف واحد . وضعف الشيء مثله في المقدار أو مثله وزيادة غير محصورة . وقد اختار القانون الجديد أن يقول الضعف وهو يريد الضعفين ، مؤثراً ذلك الخطأ المشهور على هذا الصواب المهجور ، حتى يتجنب اللبس في صدد نصوص تشريعية الخطأ في تطبيقها يؤدي إلى نتائج عملية خطيرة .

 ( [8] ) أنظر المواد 223 – 225 من القانون الجديد . ويختلف العربون عن الشرط الجزائي أيضاً في التكييف القانوني .

فالعربون الذي يدفع في مقابل العدول عن العقد يمكن تكييفه بأنه البدل في التزام بدلى . ويكون المدين ملتزماً أصلاً بالالتزام الوارد في العقد ودائناً بالحق الذي يقابل هذا الالتزام ، ولكن تبرأ ذمته من الالتزام ويسقط الحق المقابل إذا هو أدى العربون ( م 278 ) . ومؤدى اذلك أن العدول في حالة دفع العربون لا يكون عن العقد في جملته ، بل عن الالتزام الأصلي والحق المقابل له ، والعربون بدل مستحق بالعقد ، فدفعه إنما هو تنفيذ للعقد في أحد شرطيه وهو البدل ، لا عدول عنه في جملته .

أما الشرط الجزائي فكالتعويض تماماً ، بل هو تعويض مقدر اتفق عليه المتعاقدان مقدماً . فالتكييف القانونين للششرط الجزائي هو ذات التكييف القانونين للتعويض . ولا يجوز القول بأن التعويض بدل في االتزام بدلى ، لأن المدين لا يملك أن يؤديه بدلا من تنفيذ الالتزام الأصلي تنفيذاً عينياً إذا كان هذا التنفيذ ممكناً وطالب به الدائن . ولا هو أحد المحلين في التزام تخييري ، فالمدين لا يخير بينه وبين التنفيذ العيني إذا أراد الدائن هذا التنفيذ وكان ممكنناً ، ولا خيار للدائن كذلك بين المحلين إذا تقدم المدين بالتنفيذ العيني .

منشور في مقال أقوى محامي الأردن

الوعد بالتعاقد

الوعد بالتعاقد

132 – الصور العملية للوعد بالتعاقد وللاتفاق الابتدائي : الوعد بالتعاقد كثير الوقوع في الحياة العملية : يتوقع شخص حاجته في المستقبل إلى ارض بجوار مصنعه أو منزله ، أو هو الآن في حاجة إليها ولكن لا يستطيع شراءها فوراً ، فيكتفي بالتعاقد مع صاحب هذه الأرض على أن يتعهد هذا ببيع الأرض له إذا أبدى رغبته في الشراء في مدة معينة ، فيتقيد صاحب الأرض بالعقد دون أن يتقيد به الطرف الآخر . يقوم المستأجر بإصلاحات هامة في العين المؤجرة ، ويحصل قبل قيامه بهذه الإصلاحات من المالك على وعد ببيع العين له إذا رغب شراءها في خلال مدة الإيجار حتى ينتفع بهذه الإصلاحات انتفاعاً كاملاً . يعد المالك من تسلم الشيء بشرط مذاقه أن يبيعه إياه إذا هو أعلن رغبته في الشراء في مدة معينة ، وهذا ما يسمى ببيع المذاق ( م 422 ) . يؤجر المالك العين ويشترط على المستأجر أن يشتريها إذا هو أبدى رغبته في البيع في خلال مدة الإيجار ، وهذا هو الوعد بالشراء يقابل الوعد بالبيع في الصور المتقدمة . يفتح مصرف حساباً جارياً لعميل قبل أن يقرضه شيئاً ، فيكون هذا وعداً من المصرف بالإقراض عندما يريد العميل أن يقترض . ويلاحظ في كل هذه الصور – الوعد بالبيع والوعد بالشراء والوعد بالإقراض – أن العقد ملزم لجانب واحد هو الواعد ، أما الموعود له فلم يلتزم بشيء .

على أن هناك صوراً أخرى للوعد بالتعاقد يكون فهيا ملزما للجانبين : يريد شخصان التعاقد ولكنهما لا يستطيعان ذلك فوراً . يمنعهما من ذلك مثلا إجراءات لا بد منها في إبرام العقد النهائي كاستخراج مستندات ضرورية أو الحصول على إذن من المحكمة الشرعية أو المحكمة الحسبية أو نحو ذلك . أو يمنعهما ضرورة الكشف عن العقار لتبين ما عسى أن يثقله من الحقوق العينية . أو يمنعهما أن هناك مصروفات كثيرة يقتضيها إبرام العقد النهائي وشهره وهما لا يستطيعان الاضطلاع بها في الحال ( [1] ) . هذه بعض أمثلة من الموانع التي تحول دون إبرام العقد النهائي فوراً . ولكن المتعاقدين قد قرر قرارهما على إبرام العقد ، ويريدان التقيد به منذ الآن ، فيمضيان اتفاقاً ابتدائياً يعد كل منهما فيه الآخر بأن يمضي العقد النهائي في مدة تعين في الاتفاق . وهذا هو الاتفاق الابتدائي ، وهو وعد بالتعاقد ، ولكنه وعد ملزم للجانبين .

ولننظر الآن كيف ينعقد الوعد بالتعاقد ، في صورتيه الملزمة لجانب واحد والملزمة للجانبين ، وما الذي يترتب عليه من الآثار .

أ – كيف ينعقد الوعد بالتعاقد والاتفاق الابتدائي

133 – الوعد بالتعاقد والاتفاق الابتدائي ، عقد كامل لا مجرد إيجاب . ولكنه عقد تمهيدي لا عقد نهائي . وعلى هذين الأساسين ترتكز كل القواعد التي سنقررها في هذا الموضوع .

وأول ما يستخلص من ذلك أن الوعد بالتعاقد ، وكذلك الاتفاق الابتدائي ، وسط بين الإيجاب والتعاقد النهائي . وبيان هذا أن الواعد بالتعاقد – بالبيع مثلا – يلتزم بأن يبيع الشيء الموعود ببيعه إذا أبدى الطرف الآخر رغبته في الشراء . وهذا أكثر من إيجاب ، لأنه إيجاب قد اقترن به القبول فهو عقد كامل . ولكن كلا من الإيجاب والقبول لم ينصب إلا على مجرد الوعد بالبيع – أو على بيع تمهيدي في حالة الاتفاق الابتدائي – ولذلك يكون الوعد بالتعاقد ، وكذلك الاتفاق الابتدائي ، مرحلة دون التعاقد النهائي ، وهو خطوة نحوه .

134 – ما الذي يجب الاتفاق عليه في الوعد بالتعاقد والاتفاق الابتدائي : تنص الفقرة الأولى من المادة 101 من القانون المدني الجديد على أن ” الاتفاق الذي يعد بموجبه كلا المتعاقدين أو إحداهما بإبرام عقد معين في المستقبل لا ينعقد ، إلا إذا عينت جميع المسائل الجوهرية للعقد المراد إبرامه ، والمدة التي يجب إبرامه فيها ( [2] ) ” . وهذا الحكم نتيجة منطقية من أن كلا من الوعد بالتعاقد والاتفاق الابتدائي هو خطوة نحو التعاقد النهائي ، فوجب أن يكون السبيل مهيأ لإبرام العقد النهائي بمجرد ظهور رغبة الموعود له في الوعد بالتعاقد الملزم لجانب واحد ، أو بمجرد حلول الميعاد في الاتفاق الابتدائي الملزم للجانبين .

والمسائل الجوهرية للعقد المراد إبرامه هي أركان هذا العقد . فإن كان بيعاً وجب أن يتفق الطرفان على المبيع والثمن ( [3] ) . وإن كان شركة وجب أن يتفقا على المشروع المالي الذي تكونت من اجله الشركة وعلى حصة كل شريك . وإن كان مقايضة وجب أن يتفقا على الشيئين اللذين يقع فيهما التقايض؛ وهكذا . فإذا لم يتم الاتفاق على جميع هذه المسائل ، فإن الوعد بالتعاقد والاتفاق الابتدائي لا ينعقدان .

وتعيين المدة التي يجب في خلالها إبرام العقد الموعود به ضروري أيضاً لانعقاد الوعد بالتعاقد والاتفاق الابتدائي . وهذا التعيين قد يقع صراحة على مدة محددة أو قابلة للتحديد ، وقد يقع دلالة كما إذا كان العقد الموعود به لا يجدي تنفيذه بعد فوات وقت معين ، فهذا الوقت هو المدة التي يجب في خلالها إبرام هذا العقد . وإذا اتفق الطرفان على أن تكون المدة هي المدة المعقولة ، وكان في عناصر القضية ما ينهض لتحديد هذه المدة ، جاز الوعد بالتعاقد والاتفاق الابتدائي لأن المدة هنا تكون قابلة للتحديد ، وإذا اختلف الطرفان على تديدها تكفل القاضي بذلك .

135 – الوعد بالتعاقد والاتفاق الابتدائي في العقود الشكلية : وإذا كان العقد الموعود به عقداً شكلياً ، كالهبة والرهن الرسمي والشركة ، فإن الشكل الذي يعتر ركناً فيه – ورقة رسمية أو ورقة مكتوبة – يعتبر أيضاً ركنا في الوعد بالتعاقد وفي الاتفاق الابتدائي . وهذا ما تقضي به صراحة الفقرة الثانية من المادة 101 ، فهي تنص على أنه ” إذا اشترط القانون لتمام العقد استيفاء شكل معين ، فهذا الشكل تجب مراعاته أيضا في الاتفاق الذي يتضمن الوعد بإبرام هذا العقد ( [4] ) ” .

فإذا لم يستوف الوعد بالتعاقد أو الاتفاق الابتدائي الشكل المطلوب وقع باطلا ( [5] ) . فالوعد بالرهن الرسمي إذا لم يفرغ في ورقة رسمية كان باطلا ، ولا يجوز إجبار الواعد على تنفيذ وعده تنفيذاً عينياً بأن يجبر على إبرام الرهن الرسمين لأن هذا يقتضي تدخلا شخصياً من الواعد لإتمام رسمية الرهن ، وإجباره على هذا التدخل الشخصي ممتنع . ولا يجوز كذلك أن يقوم الحكم على الواعد بالتنفيذ مقام الرهن الرسمي لأن الوعد بالرهن باطل كما قدمنا ، ولانه لو جاز ذلك لأمكن بطريق ملتو أن يصل الطرفان إلى إبرام رهن رسمي دون ورقة رسمية ، إذ يقتصران على وعد بالتعاقد غير رسمي يصلان به إلى حكم يقوم مقام الرهن الرسمي .

ولكن يجوز أن يؤدي الوعد بالرهن الرسمي غير المفرغ في ورقة رسمية إلى النتيجة الآتية : يعتبر عقداً غير معين ثم بإيجاب وقبول وفقاً لمبدأ سلطان الإرادة ، وتب التزاماً شخصياً في ذمة الواعد . ولما كان هذا الالتزام يتعذر تنفيذه معيبنا ، فلا يبقى إلا التعويض يحكم به على الواعد ، ويجوز أن يؤخذ به حق اختصاص فيؤدي عملا إلى نتيجة قريبة من الرهن الرسمي . كما يجوز الحكم بسقوط اجل القرض الذي كان يراد ضمانه بالرهن ، وأخذ حق اختصاص بمبلغ القرض ( [6] ) .

136 – شروط الانعقاد والصحة في العقد الموعود به ومتى تراعى في الوعد بالتعاقد والاتفاق الابتدائي : ولما كان الوعد هو خطوة نحو العقد النهائي ، فإن شروط هذا العقد من حيث الانعقاد والصحة قد تكون مطلوبة في عقد الوعد ذاته . ذلك أنه ، كما قدمنا ، لا يحول في الوعد دون الوصول إلى العقد النهائي إلا ظهور رغبة الموعود له إذا كان الوعد ملزماً لجانب واحد ، أو حلول الميعاد لإبرام العقد النهائي إذا كان الوعد ملزماً للجانبين ( أي اتفاقا ابتدائياً ) .

ويترتب على ذلك أن الوعد إذا كان ملزماً للجانبين ، فإن الأهلية المطلوبة لإبرام العقد النهائي في كل من الطرفين تكون مطلوبة أيضاً في الاتفاق الابتدائي . أما إذا كان الوعد ملزماً لجانب واحد ، فتقدر الأهلية بالنسبة إلى الواعد وقت الوعد ، فيجب أن يكون أهلاً للتعاقد النهائي في هذا الوقت حتى لو فقد الأهلية وقت التعاقد النهائي بأن حجر عليه مثلا ( [7] ) . وعيوب الإرادة بالنسبة إلى الواعد تقدر وقت الوعد أيضاً لأنه لا يصدر منه رضاء بعد ذلك إذ أن التعاقد النهائي يتم بمجرد ظهور رغبة الموعود له . أما اهلاية الموعود له فتقدر وقت التعاقد النهائي لا وقت الوعد ، فيصح أن يكون قاصراً وقت الوعد بشرط أن تتوافر فيه الأهلية وقت ظهور رغبته ، ذلك لأنه ل يلتزم بشيء وقت الوعد وإنما يلتزم عند التعاقد النهائي . على أنه يجب أن تتوافر فيه أهلية التعاقد – أي التمييز – وقت الوعد لأن الوعد عقد كامل كما قدمنا وهو أحد طرفيه . أما عيوب الإرادة فتقدر بالنسبة إليه وقت الوعد ووقت التعاقد النهائي معاً ، إذ أنه يصدر منه رضاء في كل من هذين الوقتين ، فيجب أن يكون رضاؤه في كل منهما صحيحاً .

وسواء كان الوعد ملزماً لجانب واحد أو ملزماً للجانبين فإن مشروعية المحل والسبب يكفي توافرها وقت التعاقد النهائي ، حتى إذا لم تكن متوافرة وقت الوعد .

4 – الآثار التي تترتب على الوعد بالتعاقد والاتفاق الابتدائي

137 – مرحلتان يفصلهما حلول الميعاد أو ظهور الرغبة : إذا انعقد الوعد صحيحاً على النحو الذي قدمناه ، فإن الأثر الذي يترتب عليه يجب أن نميز فيه بين مرحلتين . فإذا كان الوعد ملزماً للجانبين ( اتفاقاً ابتدائياً ) فإن حلول الميعاد المضروب لإبرام العقد النهائي هو الذي يفصل ما بين هاتين المرحلتين . أما إذا كان الوعد ملزماً لجانب واحد فإن الذي يفصل بينهما هو ظهور رغبة الموعود له في التعاقد النهائي .

138 – قبل حلول الميعاد أو ظهور الرغبة : ففي المرحلة التي تسبق حلول الميعاد أو ظهور الرغبة لا يكسب الوعد إلا حقوقاً شخصية ولا يرتب إلا التزامات ، حتى لو كان التعاقد النهائي من شأنها أن ينقل حقاً عينياً كما في البيع .

يتبين ذلك في الاتفاق الابتدائي ( الوعد الملزم للجانبين ) ، فإن كلا من الطرفين يكون ملزما ًن في المرحلة التي تسبق حلول الميعاد المضروب لإبرام العقد النهائي ، بإبرام هذا العقد عند حلول الميعاد ، وهذا التزام بعمل . ويتبين ذلك أيضاً في الوعد الملزم لجانب واحد ، فإن الواعد وحده يترتب في ذمته التزام شخصي أن يقوم بوعده عند ظهور رغبة الموعود له ، وهذا أيضاً هو التزام بعمل ، أما الموعود له فلا يلتزم بشيء .

فإذا كان العقد النهائي المراد إبرامه هو عقد بيع ، وتم اتفاق ابتدائي ملزم للجانبين على عقده ، أو تم وعد ملزم لجانب واحد ، فإن الموعود له بالبيع في الحالتين لا يكسب في هذه المرحلة إلا حقاً شخصياً في ذمة الواعد ، ولا تنتقل إليه ملكية الشيء الموعود ببيعه . ويترتب على ذلك أمران لا يخلوان من أهمية عملية :

 ( أولاً ) يبقى الواعد مالكاً للشيء . فله أن يتصرف فيه إلى وقت التعاقد النهائي ، ويسرى تصرف الواعد في حق الموعود له متى توافرت الشروط المتعلقة بالشهر بالنسبة إلى العقار . فإذا باع العين وسجل البيع ، فليس للموعود له إلا الرجوع بتعويض على الواعد .

 ( ثانياً ) إذا هلك الشيء قضاء وقدراً تحمل الواعد تبعة هلاكه ، لا لأنه لم يسلمه إلى المتعاقد الآخر فحسب كما في العقد النهائي ، بل أيضاً لأنه لا يزال المالك . ولكنه لا يكون مسئولا عن الضمان نحو الموعود له إذ المفروض أن الشيء قد هلك قضاء وقدراً ( [8] ) .

139 – بعد حلول الميعاد أو ظهور الرغبة : أما المرحلة الثانية فتحل . في الاتفاق الابتدائي الملزم للجانبين ، بحلول الميعاد المحدد لإبرام العقد النهائي . فإذا حل هذا الميعاد التزم كل من الطرفين بإجراء العقد النهائي ، وجاز إجباره على التنفيذ عيناً على النحو الذي سنبينه فيما يلي . ومتى وقع التعاقد النهائي التزم كل من المتعاقدين بأحكامه ( [9] ) .,

وتحل المرحلة الثانية في الوعد الملزم لجانب واحد بظهور رغبة الموعود له في إبرام العقد الموعود به وذلك في خلال المدة المتفق عليها . فإذا لم تظهر هذه الرغبة قبل انقضاء المدة سقط الوعد بالتعاقد . أما إذا ظهرت ، صراحة أو ضمناً كأن تصرف الموعود له في الشيء الموعود ببيعه إياه . فإن التعاقد النهائي يتم بمجرد ظهور هذه الرغبة ولا حاجة لرضاء جديد من الواعد ( [10] ) ويعتبر التعاقد النهائي قد تم وقت ظهور الرغبة لا من وقت الوعد .

وإذا اقتضى إبرام العقد النهائي تدخلا شخصياً من الواعد ، في حالتي الوعد الملزم للجانبين والوعد الملزم لجانب واحد ، كما إذا كان هذا العقد بيعاً واقعاً على عقار ولزم التصديق على إمضاء البائع تمهيداً للتسجيل ، فامتنع البائع عن ذلك ، جاز استصدار حكم ضده ، وقام الحكم متى حاز قوة الشيء المقضي مقام عقد البيع ، فإذا سجل انتقلت ملكية العقار إلى المشتري . ويستثنى من هذه القاعدة العقد الشكلي إذا لم يكن الوعد به قد استوفى الشكل المطلوب ، فقد قدمنا أن الحكم فيه لا يقوم مقام العقد ، بل يقتصر القاضي على الحكم بالتعويض . أما إذا كان الوعد بعقد شكلي قد استوفى الشكل الواجب ، فإن الحكم في هذه الحالة يقوم مقام العقد . وهذه الأحكام نص عليها القانون المدني الجديد صراحة في المادة 102 ، فهي تقضي بأنه ” إذا وعد شخص بإبرام عقد ثم نكل وقاضاه المتعاقد الآخر طالبا تنفيذ الوعد ، وكانت الشروط اللازمة لتمام العقد وبخاصة ما يتعلق منها بالشكل متوافرة ، قام الحكم متي حاز قوة الشيء المقضي به مقام العقد ( [11] ) ” .


 ( [1] ) ويقع كثيراً في بعض هذه الصور أن المتعاقدين يقصدان أن يكون العقد المبرم عقداً نهائياً ، ويسميانه مع ذلك عقداً ابتدائياً . والعبرة في ذلك بنية المتعاقدين ( أنظر المشروع في لجنة المراجعة : مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 77 ) .

 ( [2] ) تاريخ النص : وردت المادة 101 بفقرتيها في المشروع التمهيدي ( م 150 ) على الوجه الآتي : ” الاتفاق الذي يعد بموجبه المتعاقدان أو أحدهما بإبرام عقد معين في المستقبل لا يكون صحيحاً إلا إذا حددت المسائل الأساسية للعقد المراد إبرامه والمدة التي يجب أن يتم فهيا العقد . 2 – إذا اشترط القانون لصحة العقد استيفاء شكل معين ، فهذا الشكل تجب مراعاته أيضاً في الاتفاق الابتدائي الذي يتضمن وعداً بإبرام هذا العقد ” . ولما عوض النص على لجنة المراجعة عدلته على الوجه الآتي : ” 1 – الاتفاق الابتدائي الذي يعد بموجبه كلا المتعاقدين أو احدهما بإبرام عقد معين في المستقبل لا ينعقد إلا إذا عينت جميع المسائل الجوهرية للعقد المراد إبرامه والمدة التي يجب إبرامه فيها . 2 – وإذا اشترط القانون لتمام العقد استيفاء شكل معين فهذا الشكل تجب مراعاته أيضاً في الاتفاق الذي يتضمن الوعد بإبرام هذا العقد ” . وأصبح رقم المادة 103 في المشروع النهائي . ووافق مجلس النواب على النص دون تعديل . وفي لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ استفهم عما هو مقصود بالشكل المعين ، فأجيب أن المقصود بالشكل هي الرسمية في عرف الفقه والقضاء ، فمثلا عقد الهبة لا يتم إلا إذا كتب في ورقة رسمية طبقا للأوضاع المقررة ، فالوعد بالهبة لا يتم هو أيضاً إلا إذا كتب في ورقة رسمية ، وهذا هو مدلول الفقرة الثانية من المادة 013 . ( ملاحظة من المؤلف : الشكلية أوسع من الرسمية ، فعقد الشركة في القانون الجديد يجب أن يكون مكتوباً ( م 507 ) وليس من الضروري أن يكون مكتوباً في ورقة رسمية ، فهو عقد شكلي دون أن يكون عقداً رسمياً ، ويترتب علىذ لك أن الوعد بالشركة يجب أن يكون مكتوباً كعقد الشركة ذاته ) . واعترض أمام لجنة القانون المدني على كلمته ” ابتدائي ” الواردة في النص ، إذ هي قد تحدث لبسا ، لأن العمل قد جرى على اعتبار العقود الابتدائية عقوداً نهائية ، فوافقت اللجنة على حذف هذه الكلمة دفعاً للبس . ثم وافقت اللجنة ووافق مجلس الشيوخ على النص تحت رقم 101 ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 72 – ص 76 ) . وانظر المادة 2 من قانون الالتزامات السويسري والمادة 62 من قانون الالتزامات البولوني .

 ( [3] ) وقد قضت محكمة النقض بأن الثمن ركن من أركان البيع التي يجب التثبت من توافرها قبل الحكم بانعقاده ، وما يجريه قاضي الموضوع من هذا التثبت – في دعوى صحة التعاقد – يجب عليه أن يورده في أسباب حكمه ليقوم هذا الايراد شاهداً على أنه لم يغفل أمر هذا الركن من أركان العقد المتنازع فيه ، وليمكن به محكمة النقض من أن تأخذ بحقها في الاشراف على مراعاة أحكام القانون ، فإذا كان الحكم الصادر بثبوت حصول البيع بين طرفيه وبالترخيص بتسجيل الحكم ليقوم مقام العقد في نقل الملكية مجهلا فيه ركن الثمن المقول بأن البيع تم على أساسه ، فإنه يكون مشوباً بقصور أسبابه ، متعيناً نقضه ( نقض مدني في 28 فبراير سنة 1946 مجموعة عمر 5 رقم 42 ص 113 ) .

 ( [4] ) أنظر هامش فقرة 134 في تاريخ هذا النص .

 ( [5] ) ويلاحظ أن العقد إذا كان رضائياً ، فإن الوعد بهذا العقد يكون رضائياً مثله ، حتى لو اشترط المتعاقدان عند الوعد بالتعاقد أن يكون العقد النهائي مكتوباً في ورقة رسمية . ذلك أن الرسمية المطلوبة في العقد النهائي قد اشترطها المتعاقدان ولم يشترطها القانون ، فالعقد الموعود به هو في أصله عقد رضائي لا عقد شكلي .

 ( [6] ) وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : ” يتناول النص حكم الوعد بالتعاقد سواء فيما يتعلق بالعقود الملزمة للجانبين والعقود المزمة لجانب واحد . ويشترط لصحة مثل هذا الاتفاق التمهيدي تحديد المسائل الأساسية في التعاقد والمدة التي يتم فهيا . أما فيما يتعلق بالشكل فلا يشترط وضع خاص – على نقيض التقنين البولوني فهو يشترط الكتابة إطلاقا في المادة 62 فقرة 2 – إلا إذا كان القانون يعلق صحة العقد المقصود إبرامه على وجوب استيفاء شكل معين ، ففي هذه الحالة ينسحب الحكم الخاص باشتراط الشكل على الاتفاق التمهيدي نفسه . ويوجه هذا النظر أن إغفال هذا الاحتياط يعين على الافلات من قيود الشكل الذي يفرضه القانون ، مادام أن الوعد قد يؤدي إلى اتمام التعاقد المراد عقده فيما إذا حكم القضاء بذلك . ويكفي لبلوغ هذه الغاية أن يعدل المتعاقدان عن إبرام العقد الذي يرغب في الافلات من القيود الخاصة بشكله ، ويعمدا إلى عقد اتفاق تمهيدي أو وعد باتمام هذا العقد لا يستوفي فيه الشكل المفروض ، ثم يتصدرا حكما يقرر إتمام التعاقد بينهما ، وبذلك يتاح لهما أن يصلا من طريق غير مباشر إلى عدم مراعاة القيود المتقدم ذكرها . ومع ذلك فالوعد بإبرام عقد رسمي لا يكون خلواً من أي اثر قانوني إذا لم يستوف ركن الرسمية . فإذا صح أن مثل هذا الوعد لا يؤدي إلى اتمام التعاقد المقصود فعلا ، فهو بذاته تعاقد كامل يرتب التزامات شخصية ، طبقا لمبدأ سلطان الإرادة . وهو بهذه المثابة قد ينتهي عند المطالبة بالتنفيذ إلى اتمام عقد الرهن أو على الأقل إلى قيام دعوى بالتعويض ، بل والى سقوط اجل القرض الذي يراد ترتيب الرهن لضمان الوفاء به ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 73 – ص 75 ) .

وهذا وينتفق الدكتور أبو عافية في رسالته ( التصرف القانوني المجرد نسخة فرنسية ص 60 وما بعدها ) القانون الجديد في أنه جعل الوعد بالعقد الشكلي – إذا لم يفرغ في الشكل المطلوب – باطلا . وهو يرى وجوب التمييز في هذا الصدد بين ما إذا كان الشكل قد فرضه القانون لمصلحة العاقدين فيكون الوعد في هذه الحالة باطلا ، أو فرض لمصلحة الغير حماية لهم من الغش وإبرازاً لإرادة المتعاقدين فيكون الوعد في هذه الحالة صحيحاً ( أنظر في هذا المعنى قانون الالتزامات السويسري م 22 فقرة 2 ) . ويستند في ذلك إلى أن القانون هو الذي فرض الشكل وهو الذي يعين جزاءه ، فينبغي أن يكون هذا الجزاء مرناً يتلاءم مع الظروف في كل حالة ما دام الشكل أمراً خارجاً عن الإرادة ولا يغني عنها .

ونحن نسلم مع الدكتور أبو عافية بأن الشكل في القانون الحديث وظيفته خارجية لا داخلية ، وانه لا يغني عن وجود الإرادة . وعلى هذا الأساس يكون الشكل من صنع القانون ، وهو الذي يعين له الجزاء الكافي في حالة الاخلال به . فقد يجعل العقد الذي لم يستوف الشكل المطلوب باطلا لا ترد عليه الإجازة ، وقد يسمح ؟؟ كما في الهبة الباطلة شكلا ( م 489 جديد ) ، وقد يجعل الشكل من المرونة بحيث يقبل أن يستكمل ، وان يحتج به في فرض دون فرض كما في شركات التضامن والتوصية . بل إن هذا هو أيضاً شأن الشكل ذي الوظيفة الداخلية – كما كان الأمر في القانون الروماني – إذ القانون استقل هنا كذلك بصنع الشكل ، وأمعن في ذلك إلى حد أن استغنى به عن الإرادة .

فإذا رأى المشرع أن يجعل الوعد بالعقد الشكلي شكلياً مثله ، وأن يرتب على الإخلال بهذا الشكل بطلان الوعد – دون تفرقة بين ما إذا كان الشكل لمصلحة المتعاقدين أو لمصلحة الغير وهي تفرقة تدق في كثير من الأحيان – فله ذلك . وهو لا يخل في هذا بسلطان الإرادة ما دام قد ميز الوعد بالعقد وارتفع به عن محض اتفاق ملزم إلى جعله سبيلا للوصول إلى العقد الكامل عن طريق حكم قضائي . إذ لا يجوز في طبيعة الأشياء أن الوعد بعقد شكلي يؤدي مباشرة إلى هذا العقد الشكلى ما لم يكن الوعد ذاته مفرغاً في الشكل المطلوب ، وإلا جاز دائماً التحايل على الشكل .

ولكن لا يجوز للمشرع ، من ناحية مبدأ سلطان الإرادة ، أن ينكر على أي وعد قوته الملزمة حتى لو لم يفرغ في الشكل المطلوب ، لا باعتبار أنه وعد بعقد معين ، بل على أساس أنه اتفاق غير مسمى ، وهو ملزم على كل حال . وإنما يجب على المشرع أن ينكر على هذا الاتفاق أن يؤدي مباشرة إلى العقد الشكلي الكامل ما لم يكن مفرغاً في الشكل المطلوب . وهذا هو ما قررته المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي ، وهو ما انتقده الدكتور أبو عافية في رسالته دون نظر إلى الاعتبارات التي قدمناها .

 ( [7] ) ويشترط طبعاً ألا يقع أي تعديل فيما التزم به الواعد وقت الوعد ( أنظر في هذا المعنى ديموج 2 فقرة 521 – بلانيول وريبير وإسمان 1 فقرة 145 ) .

 ( [8] ) وكهلاك الشيء نزع ملكيته ، يتحمل الواعد تبعته ، ولكن لا يكون مسئولا عن الضمان . وقد قضت محكمة النقض بأنه لا يجوز بحال أن يحسب على الوعد نزع ملكية بعض العين للمنفعة العامة ، لأن نزع ملكية المبيع يجري عليه حكم هلاكه ، وهذا يكون حتما على المالك ، وبحكم اللزوم العقلي لا يضمن عنه الواعد بالبيع ( نقض مدني في 13 يناير سنة 1938 مجموعة عمر 2 رقم 84 ص 240 ) .

 ( [9] ) وإذا اختلف العقد النهائي عن الاتفاق الابتدائي فالعبرة بالعقد النهائي فهو الذي تم عليه الاتفاق نهائياً . وقد قضت محكمة النقض ، تطبيقاً لهذه القاعدة ، بأنه إذا كان الحكمف يما حصله من وقائع الدعوى لتحديد التزامات كل من طرفي التعاقد توطئه لمعرفة المقصر منهما قد رجع إلى عقد البيع الابتدائي دون العق النهائي الذي اختلفت شروطه عن العقد الابتدائي وبه استقرت العلاقة بين الطرفين ، فإنه يكون قد خالف القانون بعدم أخذه بهذه العقد الذي يكون هو قانون المتعاقدين ( نقض مدني في 23 مارس سنة 1944 مجموعة عمر 4 رقم 114 ص 302 ) .

 ( [10] ) ­وقد قضت محكمة النقض بأنه إذا اتفق الطرفان على أن لأحدهما الخيار في مدة معينة في أن يشتري العين ، فإن صاحب الخيار لا يتحلل من التضمينات إلا عند عدم قبول التعاقد في الفترة المحددة للاختيار . أما إذا قبل التعاقد فإنه يصبح مسئولا عن تنفيذه وملزماً بالتضمينات في حالة عدم التنفيذ ( نقض مدني في 14 مايو سنة 1952 مجموعة عمر 3 رقم 154 ص 430 ) .

 ( [11] ) ‏تاريخ النص : ورد هذا النص في المادة 151 من المشروع التمهيدي على الوجه الآتي : ” إذا وعد شخص بإبرام عقد وامتنع عن تنفيذ وعده ، جاز للمحكم أن تحدد له أجلاً للتنفيذ إن طلب المتعاقد الآخر ذلك ، وكانت الشروط اللازمة لصحة العقد ، وبخاصة ما يتعلق منها بالشكل ، متوافرة . فإذا لم يتم إبرام العقد في الأجل المحدد ، يقوم الحكم ، متى حاز قوة الشيء المحكوم فيه ، مقام العقد ” . ولما تلى النص في لجنة المراجعة لوحظ أن هذه المادة لا تعرض للحالة التي يوجد فيها عقد يسمى خطأ بالعقد الابتدائي وهو في الواقع عقد نهائي ، لأن هذه الحالة منصوص عليها في المادة 287 من المشروع التمهيدي ( تقابل المادة 210 من القانون الجديد ) ، وإنما يعرض النص لحالة ما إذا وجد عقد ابتدائي بالمعنى الصحيح يتلوه عقد نهائي ، لاسيما إذا كان العقد من العقود الشكلية كالرهن الرسمي ، فمتى وجد وعد برهن رسمي مثلا ، وكان هذا الوعد قد استوفى الشروط الشكلية ، جاز إذا لم ينفذ الواعد وعده أن يجبر على ذلك ، ويقوم الحكم مقام العقد النهائي . وهذا الحكم ليس مقطوعاً به في القانون الحالي فوجب النص حتى يزول كل شك . فأثير اعتراض على تحديد أجل التنفيذ ، واستقر الرأي بعد المناقشة على حذف هذا الشرط ، وأصبحت المادة في نصها النهائي كما يأتي : ” إذا وعد شخص بإبرام عقد ثم نكل ، وقاضاه المتعاقد الآخر طالباً تنفيذ الوعد ، وكانت الشروط اللازمة لصحة العقد وبخاصة ما يتعلق منها بالشكل متوافرة ، قام المحكم ، متى حاز قوة الشيء المقضي به ، مقام العقد ” . وأصبح رقم المادة 104 في المشروع النهائي . ووافق مجلس النواب على المادة دون تعديل . وفي لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ استبدلت عبارة ” لتمام العقد ” بعبارة ” لصحة العقد ، وأصبح رقم المادة 102 . ووافق مجلس الشيوخ على المادة كما أقرتها اللجنة ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 77 – ص 79 ) – أنظر أيضاً المادة 62 الفقرة الثالثة من القانون البولوني .

منشور في مقال أقوى محامي الأردن

قوانين أردنية  مهمة :

قانون التنفيذ الأردني وفق أحدث التعديلات

قانون العقوبات الأردني مع كامل التعديلات 

قانون التنفيذ الأردني مع التعديلات

 قانون المخدرات والمؤثرات العقلية

القانون المدني الأردني

قانون أصول المحاكمات الجزائية

قانون الملكية العقارية الأردني

قانون الجرائم الإلكترونية

قانون محاكم الصلح

جدول رسوم المحاكم

قانون العمل الأردني

قانون البينات الأردني

قانون أصول المحاكمات المدنية

 

 

مواضيع قانونية مهمة :

شروط براءة الاختراع في القانون الأردني

شروط براءة الاختراع في القانون الأردني

جريمة النصب في القانون المغربي

الذم والقدح والتحقير والتشهير

انعدام الأهلية ونقصها 

صفة التاجر مفهومها وشروطها

جريمة إساءة الأمانة

أحدث نموذج عقد إيجار

عقد البيع أركانه وآثاره

 

 

 

التعاقد بالمراسلة أو فيما بين الغائبين

التعاقد بالمراسلة أو فيما بين الغائبين

120 – تحديد الموضوع : فرضنا فيما قدمناه أن التعاقد يتم بين حاضرين ، سواء تم التعاقد بينهما مباشرة أو تم بوساطة نائب عن أي منهما . ولكن يحدث كثيراً أن يتم التعاقد بين غائبين لا يجمعهما مجلس واحد ، ويتم ذلك بالمرسالة ، بأية طريقة من طرقها المختلفة : البريد أو البرق أو رسول خاص لا يكون نائباً أو غير ذلك ( [1] ) .

وليس الذي يميز ما بين الفرضين في حقيقة الأمر هو أن يجمع المتعاقدين مجلس العقد أو إلا يجتمعا في مجلس واحد ، بل إن المميز هو أن تفصل فترة من الزمن بين صدور القبول وعلم الموجب به . ففي التعاقد ما بين حاضرين تمنحي هذه الفترة من الزمن ، ويعلم الموجب بالقبول في الوقت الذي يصدر فيه . أما في التعاقد ما بين غائبين فإن القبول يصدر ثم تمضي فترة من الزمن هي المدة اللازمة لوصول القبول إلى علم الموجب ، ومن ثم يختلف وقت صدور القبول عن وقت العلم به .

والذي يؤكد ما تقدم أننا نستطيع أن نتصور تعاقداً ما بين غائبين لا يفصل زمن فيه ما بين صدور القبول والعلم به ، كالتعاقد بالتلفون ، وعندئذ تنطبق قواعد التعاقد ما بين حاضرين على ما سنرى . ونستطيع أن نتصور تعاقداً ما بين حاضرين يفصل زمن فيه ما بين صدور القبول والعلم به ، وعندئذ تنطبق قواعد التعاقد ما بني غائبين ، ويكفى لتحقق ذلك أن نتصور أن امتلعاقدين افترقا بعد صدور الإيجاب المزم وقبل صدور القبول ثم صدر القبول بعد ذلك وأتى من صدر منه القبول بنفسه يبلغ الموجب قبوله ( [2] ) .

فالعبرة ليست إذن باتحاد المجلس أو اختلافه ، بل بتخلل فترة من الزمن بين صدور القبول والعلم به ( [3] ) .

121 – ماذا يترتب على هذا التحديد – زمان العقد ومكانه : ومتى وضعنا المسألة على النحو الذي قدمناه تبين في الحال ماذا يترتب على هذا الوضع : فما دام أن هناك فترة من الزمن تفصل ما بين صدور القبول والعلم به ، وجب التساؤل متى إذن يتم العقد ؟ أوقت صدور القبول أما وقت العلم به ظ فإذا تعين الوقت الذي يتم فيه العقد تعين أيضاً المكان الذي يتم فيه : يتم في المكان الذي يوجد فيه الموجب إذا قلنا إن العقد لا يتم إلا إذا علم الموجب بالقبول ، ويتم في المكان الذي يوجد فيه من صدر منه القبول إذا قلنا إن العقد يتم بمجرد صدور القبول .

فرمان العقد هو الذي حدد مكان ، وهذا هو الأصل . وقد يختلف مكان العقد عن زمانه في بعض الفروض ، أهمها التعاقد بالتلفون . ففيه لا يفصل زمن ما بين صدور القبول والعلم به كما رأينا . فهو من ناحية الزمان بمثابة تعاقد ما بين حاضرين . أما من ناحية المكان فالمتعاقدان في جهتين مختلفتين ، فتجري في تعيينه قواعد التعاقد ما بين غائبين ( [4] ) .

وعلينا الآن أن نبحث متى يتم العقد ما بين غائبين وفي أي مكان . ونستعرض في ذلك الفقه والقوانين الأجنبية ، ثم ننتقل إلى أحكام القانون المصري .

أ – الفقه والقوانين الأجنبية

122 – مذاهب أربعة في الفقه : الفقه في البلاد التي ليس فيها تشريع يعين الزمان والمكان اللذين يتم فيهما العقد – كما في فرنسا وفي مصر في ظل القانون القديم – منقسم متشعب الرأي ، وذلك بالرغم من أهمية تعيين زمان العقد ومكانه على ما سنرى .

وذلك أن خاصية التعاقد بالمرسالة فيما بين غائبين هي كما قدمنا الفترة من الزمن التي تفصل ما بين صدور القبول والعلم به ( [5] ) . فإذا قلنا أن العبرة في تمام العقد هي بتلاقي الإرادتين نو فإن العقد يتم وقت صدور القبول ، ففي هذا الوقت كان الإيجاب قائماً وصدر القبول متلافياً معه . وإذا قلنا بل العبرة بالوقت الذي يعلم فيه المتعاقدان معاً بهذا التلاقي ، فإن صدور القبول لا يكفي ، بل يجب أن يعلم الموجب بالقبول وهو باق على إيجابه .

والحق أن التعاقد إذا تم بين غائبين تعذر العثور على وقت يعلم فيه المتعاقدان معاً بتلاقي الإرادتين . فلا يكفي أن يعلم الموجب بصدور القبول ، بل يجب أيضاً أن يعلم القابل بهذا العلم ، وهكذا . وهذا هو الدور ، وهو ممتنع . بل إن تلاقي الإرادتين في التعاقد ما بين غائبين لا يمكن الجزم به . فقد يعدل الموجب عن إيجابه ولا يصل هذا العدول إلى علم الموجب إلا بعد وصول القبول إلى علمه . وفي الحالتين يتم العقد ، وفي الحالتين لا تتلاق الإرادتان ( [6] ) .

فليس يعنيه إذن في التعاقد ما بين الغائبين أن يعلم المتعاقدان معاً بتلاقي الإرادتين ، بل ولا بأن تتلاقى الإرادتان فعلا ، فإن هذا وذاك قد يتعذر تحققه كما قدمنا . ولا يبقى أمامنا – وقد صدر القبول في وقت متقدم على الوقت الذي علم فيه الموجب بهذا القبول – إلا أن نختار بين الوقتين ح وقت صدور القبول وقت العلم به .

فإذا نحن وقفنا عند صدور القبول ، فعلينا أن نختار بين الوقت الذي أعلن فيه القابل قبوله – وهذا هو مذهب إعلان القبول ( systeme de declaration ) – والوقت الذي يخرج فيه هذا القبول من يده في طريقه إلى الموجب إذ هو لا يملك استرداده بعد ذلك – وهذا هو مذهب تصدير القبول ( systeme d’expedition ) .

وإذا نحن جاوزنا صدور القبول إلى العلم به ، فعلينا أيضاً أن نختار بين الوقت الذي يصل فيه القبول إلى الموجب فنفرض علمه – به – وهذا هو مذهب تسلم القبول ( systeme de reception ) – والوقت الذي يعلم فيه الموجب فعلا بالقبول – وهذا هو مذهب العلم بالقبول ( systeme d’information ) .

هذه هي مذاهب أربعة ، لكل مذهب منها أنصار يقولون به .

123 – مذهب إعلان القبول : أما أنصار مذهب إعلان القبول فيقولون أن نظريتهم هي المنطبقة على القواعد العامة ، فالعقد توافق إرادتين ومتى أعلن الطرف الآخر قبوله للإيجاب المعروض عليه فقد توافقت الإرادتان وتم العقد . هذا إلى أن المذهب يتفق مع مقتضيات الحياة التجارية من وجوب السرعة في التعامل .

ويؤخذ على هذا المذهب خروجه على القواعد العامة من ناحيتين . فليس من الضروري أن تكون الإرادتان متوافقتين بإعلان القبول ، إذ يجوز أن يعدل الموجب ولا يصل عدوله إلى القابل إلا بعد صدور القبول . كذلك ليس من الصحيح أن القبول ينتج أثره بمجرد صدوره . فالقبول إرادة ، والإرادة لا تنتج أثرها إلا من وقت العلم بها .

124 – مذهب تصدير القبول : وأنصار هذا المذهب يتفقون في الواقع مع أنصار المذهب الأول ، فهم يكتفون بإعلان القبول ، ولكنهم يشترطون أن يكون هذا الإعلان نهائيا لا رجوع فيه . ولا يكون ذلك إلا إذا كان من صدر منه القبول قد بعث فعلا بقبوله إلى الموجب بحيث لا يملك أن يسترده ، بأن ألقاه في صندوق البريد أو سلمه لعامل البرق فبعث به أو أبلغه لرسول انطلق ليخبر به الموجب .

ويؤخذ على هذا المذهب أنه إذا كان إعلان القبول كافياً لتمام العقد ، فليس من القانون ولا من المنطق أن يزيده التصدير أية قيمة قانونية . على أن القبول المصدر يمكن استرداده كما تقضي بذلك لوائح البريد في كثير من البلاد ، والكتاب في البريد ملك للمرسل حتى يتسلمه المرسل إليه .

125 – مذهب تسليم القبول : وأنصار هذا المذهب يرون أن القبول لا يكون نهائياً بتصديره إذ يمكن استرداده وهو في الطريق ، وهو لا يكون نهائياً لا يسترد إلا إذا وصل إلى الموجب . ففي هذا الوقت يتم العقد ، سواء علم الموجب أو لم يعلم . على أن وصول القبول إلى الموجب قرينة على علم هذا به .

ومن ذلك نرى أن مذهب تسليم القبول يتذبذب بين مذهبي التصدير والعلم . فهو بين أن يكون قد اخذ بمذهب التصدير مستأنياً إذ لا يرى التصدير باتاً حتى يصل القبول إلى الموجب ، وبين أن يكون قد اخذ بمذهب العلم متعجلا إذ يجعل وصول القبول قرينة على هذا العلم .

والمذهب من حيث أنه صورة معدلة لمذهب التصدير لا يزيد في قيمته عن هذا ، فإن وصول القبول إلى الموجب دون علمه به لا يزيد إعلان القبول شيئاً من الناحية القانونية . وإذا قيل أن الكتاب يصبح ملكاً للمرسل إليه ، فإن المقصود من هذا هو الملكية المادية ، أما الملكية المعنوية فتبقى للمرسل .

أما إذا أريد بالتسلم أن يكون قرينة على العلم ، فإن كانت القرينة قاطعة اعوزها النص ، وإن كانت غير قاطعة فقد المذهب استقلاله واختلط بمذهب العلم بالقبول ، وهو المذهب الرابع الذي نتولى الآن بحثه .

126 – مذهب العلم بالقبول : والواقع أن المذهبين الرئيسيين هما مذهب إعلان القبول ومذهب العلم بالقبول ، وما عداهما فمتفرع عنهما ، ويرد إليهما . ولمذهب العلم بالقبول أنصار كثيرون . وهم لا يكتفون من القبول بإعلانه ، بل يشترطون علم الموجب به ، شأن كل إرادة يراد بها أن تنشيء أثراً قانونياً ، فهي لا يترتب عليها هذا الأثر إلا إذا علم بها من هي موجهة إليه . وهم يتخذون من وصول القبول قرينة على علم الموجب ، ولكنها قرينة قضائية يؤخذ بها أو لا يؤخذ ، وهي على كل حال تقبل إثبات العكس .

127 – النتائج التي تترتب على الأخذ بمذهب دون آخر : ونقارن الآن بين المذهبين الرئيسيين ، مذهب الإعلان ومذهب العلم ، في النتائج التي تترتب على الأخذ بمذهب منهما دون الآخر ، فيتبين الفرق بينهما فيما يأتي :

1 – إذا عدل الموجب عن إيجابه ووصل العدول إلى العلم القابل بعد إعلان القبول وقبل علم الموجب به ، فإن العقد يتم وفقاً لمذهب الإعلان ، ولا يتم وفقاً لمذهب العلم . كذلك من صدر منه القبول لو عدل عن قبوله وصول العدول إلى الموجب غير متأخر عن وصول القبول ، فإن العقد يتم وفقاً لمذهب الإعلان ، ولا يتم وفقاً لمذهب العلم .

2 – إذا كان العقد بيعاً واقعاً على منقول معين بالذات ، فإن ملكيته تنتقل إلى المشتري من وقت تمام العقد ، وتكون الثمار للمشتري من ذك الوقت أي من وقت العلم بالقبول إذا أخذنا بمذهب العلم ، أو من وقت إعلان القبول إذا أخذنا بمذهب الإعلان . وكعقد البيع أي عقد آخر ناقل للملكية .

3 – هناك مواعيد تسري من وقت تمام العقد كمواعيد التقادم بالنسبة إلى الالتزامات المنجزة التي تنشأ من العقد . فتسري هذه المواعيد من وقت العلم بالقبول وفقاً لنظرية العلم ، ومن وقت إعلان القبول وفقاً لنظرية الإعلان .

4 – في الدعوى البوليصية لا يستطيع الدائن الطعن في عقد صدر من مدينه إضراراً بحقه إلا إذا كان هذا العقد متأخراً في التاريخ عن الحق الثابت له في ذمة المدين . فلو أن هذا الحق قد ثبت في ذمة المدين في الفترة ما بين إعلان القبول والعلم به في العقد الذي يريد الدائن الطعن فيه ، فإنه يجوز للدائن الطعن في العقد وفقاً لنظرية العليم ، ولا يجوز له ذلك وفقاً لنظرية الإعلان .

5 – العقود التي صدرت من تاجر شهر افلاسه يتوقف نصيبها من الصحة والبطلان علىمعرفة وقت تمامها . ويختلف حظ هذه العقود بحسب ما إذا كانت قد تمت قبل المدة المشتبه فيها أو في أثناء هذه المدة أو بعد التوقف عن الدفع أو بعد شهر الافلاس . فتهم إذن معرفة وقت تمام العقد في مثل هذه الفروض ، فقد يعلن القبول في مرحلة من هذه المراحل ويحصل العلم به في مرحلة أخرى ، فيختلف الحكم على العقد باختلاف المذهب الذي يؤخذ به .

6 – تقضي قواعد القانون الدولي الخاص بأن القانون الذي يخضع له العقد هو القانون الذي أراده المتعاقدان وفقاً لنظرية سلطان الإرادة . ويكون هذا القانون عادة هو قانون الجهلة التي تم فيها العقد ( lex loci contractu ) . فإذا تم عقد بين شخصين ، وكان من صدر منه الإيجاب موجوداً في مصر وعلم بالقبول فيها ، ومن صدر منه القبول كان موجوداً في فرنسا وقت صدور القبول ، فإن العقد يخضع للقانون المصري إذا أخذنا بمذهب العلم ، ويخضع للقانون الفرنسي إذا أخذنا بمذهب الإعلان . والأخذ بأي المذهبين في تحديد المكان يحدد الزمان كذلك .

7 – قد يكون ارتكاب جريمة في بضع الفروض متوفقاً على تمام عقد مدني ، كجريمة التبديد فإنها تتم بتمام عقد البيع الذي يتصرف بموجبه المبدد في الأشياء التي كان مؤتمناً عليها . فيهم أن نعرف في أي مكان تم عقد البيع ، فإن هذا المكان هو الجهة التي وقعت فيه الجريمة ، ومحكمة هذه الجهة هي المحكمة المختصة بالنظر في التبديد . فإذا فرض أن المبدد وقت أن باع كان في بلد غير البلد الذي كان فيه المشتري ، فإن المحكمة المختصة تكون محكمة هذا البلد أو ذلك تبعاً للمذهب الذي يؤخذ به . وهذا المذهب هو الذي يعين أيضاً وقت تمام العقد .

128 – القوانين الأجنبية : وتأخذ بعض التقنينات الأجنبية الحديثة بمذهب العلم بالقبول . اخذ مبه التقنين الألماني ( م 130 ) ، والمشروع الفرنسي الإيطالي ( م 2 فقرة أولى ) ، والتقنين التجاري الإيطالي ( م 36 ) ، والتقنين الإسباني ( م 262 فقرة ثانية ) .

ويأخذ تقنين الالتزامات السويسري بمذهب تصدير القبول ( م 10 ) . ويأخذ التقنين المدني السوري الجديد بمذهب إعلان القبول ، فقد نصت المادة 98 من هذا التقنين على أنه ” يعتبر التعاقد ما بين الغائبين قد تم في المكان وفي الزمان اللذين يعلم فيهما الموجب بالقبول ، ما لم يوجد اتفاق أو نص قانوني يقضي بغير ذلك ” . ونجد هنا أحد الفروق القليلة بين القانونين السوري والمصري ( [7] ) .

أما في فرنسا حيث لا يوجد نص تشريعي ، فالقضاء منقسم بين مذهبي إعلان القبول والعلم بالقبول . وتقضي محكمة النقض الفرنسية بأن تحديد وقت تمام العقد ومكانه مسألة يرجع فهيا إلى نية المتعاقدين ، وهي مسألة موضوعية لا رقابة لمحكمة النقض عليها ( [8] ) .

ب – أحكام القانون المصري

129 – القانون القديم : لم يشتمل القانون القديم على نص تشريعي في هذا الموضوع . فانقسم القضاء فيه ، سواء في ذلك القضاء الوطني أو القضاء المختلط .

أما القضاء الوطني فكان يميل إلى الأخذ بمذهب العلم بالقبول في المسائل المدنية على الأقل ( [9] ) .

وانقسم القضاء المختلط بين مذهبي العلم والإعلان ( [10] ) .

وبقى الفقه في مصر حائراً حيرة القضاء . ولكنه اتجه أخيراً إلى الأخذ بمذهب العلم بالقبول ( [11] ) .

130 – القانون الجديد : أما القانون الجديد فقد حسم هذا الخلاف الطويل بنصوص تشريعية واضحة ، اخذ فيها بمذهب العلم بالقبول . فهو قد وضع المبدأ الأساسي في تعيين الوقت الذي ينتج فيه التعبير عن الإرادة أثره ، فنص في المادة 91 على أنه ” ينتج التعبير عن الإرادة أثره في الوقت الذي يتصل فيه بعلم من وجه إليه ، ويعتبر وصول التعبير قرينة على العلم به ، ما لم يقم الدليل على عكس ذلك ” . وقد مر الكلام في هذا النص . ثم طبق هذا المبدأ في نص خاص بالتعاقد فيما بين الغائبين . فقضت المادة 97 بما يأتي :

 ” 1 – يعتبر التعاقد ما بين الغائبين قد تم في المكان وفي الزمان اللذين يعلم فيهما الموجب بالقبول ، ما لم يوجد اتفاق أو نص قانوني يقضي بغير ذلك .

  1. ويفترض أن الموجب قد علم بالقبول في المكان وفي الزمان اللذان وصل إليه فيهما هذا القبول ( [12] ) ” .

ويتبين من هذا النص أن القانون الجديد ترك تعيين المكان والزمان اللذين يتم فيهما العقد فيما بين الغائبين إلى اتفاق المتعاقدين . وتحديد ما إذا كان المتعاقدان قد اتفقا على شيء في هذا الصدد وما هو الشيء الذي اتفقا عليه يعتبر من المسائل الموضوعية ، فلا رقابة فيه لمحكمة النقض .

أما إذا لم يتفق المتعاقدان على شيء ولم يوجد نص قانوني خاص ، فيعتبر العقد قد تم في المكان والزمان اللذين يعلم فيهما الموجب بالقبول . وهذا هو مذهب العلم بالقبول اخذ به القانون الجديد في صراحة ووضوح . وهو في هذا لم يزد على أن طبق المبدأ الأساسي الذي سبقت الإشارة إليه من أن الإرادة لا تنتج أثرها إلا في الوقت الذي تتصل فيه بعلم من وجهت إليه ، أي بعلم الموجب . ومن اجل ذلك يجب تفسير الفقرة الثانية من المادة 97 على أن الحكم الذي اوردته ليس إلا تطبيقاً لهذا المبدأ . فيكون وصول القبول قرينة على العلم به . وهي قرينة قانونية لأنها وردت في نص قانوني ، ولكنها قرينة غير قاطعة ، فيجوز إثبات العكس . وإذا كان النص لم يصرح بجواز إثبات العكس ، فإن هذا فمهوم من الرجوع إلى المبدأ الأساسي الذي ورد في العبارة الأخيرة من المادة 91 ، وهي تقضي بأن وصول التعبير عن الإرادة يعتبر ” قرينة على العلم به ما لم يقم الدليل على عكس ذلك ” – وقد رأينا أن الفقرة الثانية من المادة 97 ليست إلا تطبيقا لهذا المبدأ الأساسي ، فينبغي أن تفسر على مقتضاه .

وقد تقضى النصوص القانونية في حالات خاصة ، كما قدمنا ، بتعيين المكان والزمان اللذين يتم فيهام العقد على غير الوجه المتقدم ، فتتبع هذه النصوص ، مثل ذلك ما ورد في المادة 599 من تجدد الإيجار تجداً ضمنياً ببقاء المستأجر في العين المؤجرة بعد انتهاء الإيجار بعلم المؤجر ودون اعتراض منه ، فيتم التجديد ببقاء المستأجر في العين دون حاجة أن يعلم بأن المؤجر لا يعترض على هذا البقاء ( [13] ) .


 ( [1] ) والتعاقد فيما بين الغائبين ممكن في أكثر العقود . ولا تستثني إلا عقود خاصة تستلزم بعض القوانين فيها حضور المتعاقدين بنفسيهما في مجلس واحد وقت التعاقد ، فلا يجوز فيها حتى التعاقد بطريق النيابة ، كما يقضي القانون الفرنسي بذلك في الزواج ( acte de marriage ) وفي عقد الزوجية المالي ( Contrat de marriage ) وفي عقد التبني ( adoption ) .

 ( [2] ) ولو قبل شخص إيجاباً صدر من أصم وهما في مجلس واحد ، فلم يسمع الموجب القبول ، فكتبه له الطرف الآخر ، فإن معرفة الوقت الذي تم فيه العقد ، هل هو وقت صدور القبول أو وقت كتابة القبول للموجب وتمكن هذا من قراءته ، تتبع فيه قواعد التعاقد ما بين غائبين ( أنظر في هذا الفرض إيموس وأرمانجون : اسئلة في القانونين المدني والتجاري المصريين سنة 1904 ص 39 رقم 57 ) .

 ( [3] ) ولا يعتبر تعاقداً بين غائبين تبادل مكاتبات تسجل اتفاقاً ثم بين حاضرين شفوياً قبل هذا التبادل ، فإن هذه المكاتبات ليست إلا وسيلة لإثبات عقد سبق إبرامه بين الطرفين وهما حاضران معاً مجلس العقد ( استئناف مختلط في 11 ابريل سنة 1934 م 46 ص 240 ) . كذلك لا يعتبر تعاقداً بين غائبين إبرام عقد بين أحد الطرفين ووكيل الآخر إذا كان كل منهما حاضرا مجلس العقد ، فحضور الوكيل مجلس العقد يغني عن حضور الأصيل ( استئناف مختلط في 23 ديسمبر سنة 1936 م 49 ص 43 ) .

 ( [4] ) وقد اشتمل المشروع التمهيدي على نص في هذا الموضوع ، فنصت المادة 140 من هذا المشروع على أنه ” يعتبر التعاقد بالتلفون أو بأية طريقة مماثلة كأنه تم بين حاضرين فيما يتعلق بالزمان ، وبين غائبين فيما يتعلق بالمكان ” . ولكن لجنة المراجعة قررت حذف هذا النص لوضوح حكمه . وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في صدد هذا النص ما يأتي : ” لا يثير التعاقد بالتلفون ، أو بأية وسيلة مماثلة ، صعوبة إلا فيما يتعلق بتعيين مكان انعقاد العقد . فشأنه من هذه الناحية شأن التعاقد بين الغائبين الذين تفرقهم شقة المكان . ولذلك تسري عليه أحكام المادة السابقة الخاصة بتعيين مكان التعاقد بين الغائبين ، ويعتبر التعاقد بالتلفون قد تم في مكان الموجب إذ فيه يحصل العلم بالقبول ، ما لم يتفق على خلاف ذلك . أما فيما يتعلق بزمان انعقاد العقد ، فالتعاقد بالتلفون لا يفترق عن التعاقد بين الحاضرين ، لأن الفارق الزمني نبي إعلان القبول وبين علم الموجب به معدوم أو هو في حكم المعدوم . فليس للتفرقة بين وقت إعلان القبول ووقت العلم به أية أهمية عملية ، لأنهما شيء واحد . وتفريعاً على ذلك يعتبر التعاقد بالتلفون تاماً في الوقت الذي يعلن فيه من وجه إليه الإيجاب قبوله ، وهذا الوقت بذاته هو الذي يعلم فيه الموجب بالقبول . ويترتب على إعطاء التعاقد بالتلفون حكم التعاقد ما بين الحاضرين فيما يتعلق بزمان انعقاد العقد أو الإيجاب إذا وجه دون تحديد ميعاد لقبوله ، ولم يصدر القبول فور الوقت ، تحلل الموجب من إيجابه . وهذه هي القاعدة المقررة في الفقرة الأولى من المادة 131 من المشروع بشان الإيجاب الصادر من شخص إلى آخر بطريق التلفون أو بأي طريق مماثل ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 52 – ص 53 في الهامش ) .

 ( [5] ) وهناك أمر آخر يقع في التعاقد بالمراسلة ، هو أن تبلغ أحد المتعاقدين إرادة الآخر على غير حقيقته . فكثيرا ما يقع في المراسلات البرقية خطأ في تقل ما يريد المرسل تبيعه للمرسل إليه ، فيعتمد هذا على ما بلغه خطأ . مثل ذلك أن يظن المشتري أن البائع يعرض عليه البيع بثمن هو دون الثمن الذي يرضى به ، ويكون هذا نتيجة لوقوع خطأ في البرقية التي ارسلها البائع للمشتري . فإذا قبل المشتري التعاقد ، فهل يتم العقد ظ العقد لا يتم إذا اخذنا بالإرادة الباطنة ، وهذا ما يذهب إليه القضاء في مصر ( محكمة الاستئناف الوطنية في 21 اكتوبر سنة 1913 الشرائع 1 ص 288 – محكمة الاستئناف المختلطة في 2 ديسمبر سنة 1903 م 16 ص 15 – وفي 11 يناير سنة 1905 م 17 ص 72 – وفي 29 ديمسبر سنة 1910 م 33 ص 97 – وفي 12 مايو سنة 1926 م 38 ص 401 ) . ويتم العقد إذا أخذنا بالإرادة الظاهرة ، ولكن يرجع المتعاقد الذي أصابه ضرر بالتعويض على المسئول عن الخطأ الذي وقع . وسنعود إلى هذه المسألة عند الكلام في الغلط الذي يقع في نقل الإرادة ( أنظر المادة 172 من المشروع التمهيدي وسيأتي ذكرها ) .

 ( [6] ) وقد قيل إن الوقوف عند وقت صدور القبول في التعاقد ما بين الغائبين يلقى الموجب في حيرة فهو لا يعلم متى تم العقد . ولكن هذا القول مردود با ، الوقوف عند وقت العلم بالقبول هو أيضاً من شأنه أن يوقع القابل في حيرة إذ هو لا يدري متى وصل القبول إلى علم الموجب فلا يعلم متى تم العقد . ونرى من ذلك أن يختار وقت صدور القبول من شأنها ألا يطمئن الموجب ، واختيار وقت العلم بالقبول من شأنه ألا يطمئن القابل . فلا ميزة لقول على آخر من حيث اطمئنان المتعاقدين .

 ( [7] ) وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للقانون السوري الجديد في هذا الصدد ما يأتي : ” واشتمل القسم الأول من المشروع على الالتزامات ، فبين في الباب الأول من الكتاب الأول قواعدها بوجه عام وعدد مصادرها وفصل أحكام العقد وأركانه وآثاره وانحلاله ، وهي قواعد أخذت بجملتها من القانون المصري ، فيما عدا العقود بالمرسالة ، فقد أخذت من قانون الموجبات والعقود اللبناني ، فأصبح العقد بالمراسلة يتم بمجرد إعلان القبول وفي مكان الإعلان ، وذلك لكثرة المعاملات الجارية بين سورية ولبنان بحيث تقضي المصلحة بتوحيد النصوص التشريعية في هذا الموضوع بين البلدين لئلا يقع تنازع بين قانونيهما يؤدي إلى الإضرار بحقوق ذوى العلاقة ” ( المذكرة الإيضاحية للقانون المدني السوري ص 11 ) .

 ( [8] ) محكمة النقض الفرنسية في 16 يونية سنة 1913 داللوز 1914 – 1 – 229 – و في 29 يناير سنة 1913 داللوز 1923 – 1 – 176 . وهذان الحكمان يتعلقان بزمان العقد . وهناك حكمان آخران يتعلقان بمكان العقد : 6 أغسطس سنة 1867 داللوز 68 – 1 – 35 – وفي أول ديسمبر سنة 1875 داللوز 77 – 1 450 .

 ( [9] ) وقد قضت محكمة الاستئناف الوطنية بأن العقد لا يتم ، خصوصاً في المواد المدنية ، طالما أن قبول الشخص الذي عرض عليه الإيجاب لم يصل لعلم العارض ( 26 مارس سنة 1912 المجموعة الرسمية 13 ص 183 ) . وانظر أيضاً في هذا المعنى محكمة استئناف مصر في أول فبراير سنة 1950 المحاماة 30 رقم 461 ص 1030 . ولكن هناك حكما قضى بأن التعاقد بالمراسلة يعتبر حاصلا من وقت وضع كتاب القبول في صندوق البريد ( دمياط الجزئية في 21 ابريل سنة 1915 الشرائع 2 ص 251 ) ، فهو قد اخذ بمذهب تصدير القبول .

 ( [10] ) فهناك أحكام قضت بأن العقد لا يتم إلا إذا علم الموجب بالقبول ، وقبل هذا العلم يجوز للموجب أن يرجع في غيجابه كما يجوز لمن صدر منه القبول أن يعدل عن قبوله ( محكمة الاستئناف المختلطة في 30 يناير سنة 1896 م 8 ص 101 – وفي ) فبراير سنة 1922 م 34 ص 157 – وفي 4 ابريل سنة 1933 م 45 ص 226 – محكمة الإسكندرية الجزئية المختلطة في 21 فبراير سنة 1922 جازيت 12 ص 35 – محكمة الإسكندرية التجارية المختلطة في 19 فبراير سنة 1923 جازيت 14 ص 34 – وفي 3 مارس سنة 1924 جازيت 15 ص 26 – وفي 3 يونية سنة 1944 م 56 ص 180 ) . وهناك أحكام أخرى قضت بأن العقد يتم بإعلان القبول ( محكمة الاستئناف المختلطة في 2 ديسمبر سنة 1915 م 28 ص 43 – وفي 13 يناير سنة 1926 م 38 ص 179 – وفي 9 فبراير سنة 1927 م 39 ص 227 – محكمة الإسكندرية الجزئية المختلطة في 5 مارس سنة 1928 جازيت 19 ص 256 – وفي 28 سبتمبر سنة 1941 المحاماة 22 رقم 59 ص 150 ) . وهناك طائفة ثالثة من الأحكام تأخذ بمذهب تصدير القبول ( استئناف مختلط في 6 مايو سنة 1925 م 37 ص 401 – وفي 24 فبراير 1943 م 55 ص 64 – وفي 5 ابريل سنة 1949 م 61 ص 91 ) .

 ( [11] ) من ذلك ما جاء بنظرية العقد للمؤلف : ” يشعر المستعرض لحلول المتقدمة بشيء من الحيرة إذا أراد أن يختار منها حلا يرتضيه ، وذلك لتعدد هذه الحلول وذهاب كل منها إلى وجهة من النظر تختلف عن الأخرى ، وانقسام الفقه والقضاء في مصر وفي فرنسا ، وتباين التشريعات الحديثة والقوانين المختلفة في هذا الموضوع . ولكن المتأمل في المسألة لا يسعه إلا أن يماشي محكمة النقض الفرنسية في رأيها من أن الأمر يرجع قبل كل شيء إلى نية المتعاقدين . بل هو يرجع في الواقع إلى إرادة الموجب ، فهو الذي أنشأ العقد ابتداء بإيجابه ورسم حدوده ، وليس القبول إلا موافقة تامة للإيجاب . فالموجب إذن هو الذي يبين متى يريد أن يتم العقد وان يتم . أما لتاشريعات التي وردت فيها نصوص تتعرض للمسالة ، فلا نظنها موفقة في ذلك . والنص التشريعي الصالح في نظرنا هو الذي يقضي باتباع إرادة الموجب ، فإذا غمضت هذه الإرادة ولم يمكن الاهتداء إليها بوضوح فهنا نلجأ إلى الافتراض . وآمن فرض في تفسير إرادة الموجب أن يفرض ما هو في صالحه ، والأصلح ألا يتم العقد إلا عند علمه بالقبول . فنحن نأخذ إذن بنظرية العلم بالقبول . ولكن لا نأخذ بها اعتباطاً ، ولا للأسباب التي تذكر عادة في تأييدها ، بل نأخذ بها لأنها تتفرع عن المبدأ الأساسي الذي قررناه من أن العبرة بإرادة الموجب ، فإذا لم تتبين له إرادة فرضنا ما هو في مصلحته . فإذا كان لنا أن نقترح إدخال تعديل في التشريع المصري في هذا الصدد ، فنحن نرى أن يضاف إلى القانون المصري نص في هذا المعنى يقضي بأنه لمعرفة الوقت والمكان اللذين يتم فيهما لاعقد بالمراسلة يرجع إلى نية المتعاقدين ، وهذه تحددها إرادة الموجب . فإذا لم يمكن الاهتداء إلى معرفة هذه الإرادة فيفرض أن الموجب قد أراد أن يتم العقد عند علمه بالقبول . مثل هذا النص يضع قرينة قانونية تفسر بمقتضاها إرادة الموجب الغامذة . ولا بأس من إضافة قرينة قانونية أخرى يفرض بمقتضاها أن الموجب قد علم بالقبول بمجرد استلامه له ، وإن كان له أن يثبت عكس ذلك . فخلاصة الرأي الذي نذهب إليه هو الأخذ بإرادة الموجب الصريحة أو الضمنية ، وإلا فإرادة الموجب المفروضة ، وهذه الإرادة المفروضة هي التي تتفق مع نظرية العلم بالقبول ، على أن يكون استلام القبول قرينة قابلة لإثبات العكس على حصول العلم ” ( نظرية العقد للمؤلف فقرة 304 – فقرة 305 ) .

أنظر أيضاً في الفقه المصري الذي أخذ بمذهب العلم بالقبول الدكتور حلمي بهجت بدوي ص 111 – ص 112 والدكتور احمد حشمت أبو ستيت ص 89 .

 ( [12] ) تاريخ النص : ورد هذا النص في المادة 139 من المشروع التمهيدي على الوجه الوارد في القانون الجديد مع اختلاف لفظي طفيف . ووافقت عليه لجنة المراجعة بتعديل لفظي ، وأصبح رقم المادة 99 في المشروع النهائي . ووافق عليه مجلس النواب زووافقت عليه لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ ومجلس الشيوخ تحت رقم 97 ومع إدخال تعديلات لفظية طفيفة . ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 52 – ص 55 ) . وانظر أيضاً المادة 2 فقرة أولى من المشروع الفرنسي الإيطالي .

 ( [13] ) وقد ورد في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : ” تتضمن التشريعات المختلفة أحكاماً جد متباينة بشأن تعيين زمان التعاقد بالمراسلة ومكانه . وقد اختار المشروع مذهب العلم بالقبول ، ولم يجعل من الرد بالقبول ( المراد هو وصول القبول ) سوى لاينة بسيطة ( المراد قرينة قابلة لإثبات العكس ) على حصول العلم به . وبديهي أن هذا الحكم قر يسري حيث تنصرف نية المتعاقدين إلى مخالفته صراحة أو ضمنا ، أو حيث يقضي القانون بالعدول عنه إلى حكم آخر ، كما هي الحال بالنسبة للسكوت أو التنفيذ الاختياري ( وكان المشروع التمهيدي يشتمل على نص في التنفيذ الاختياري كما قدمنا ) اللذين ينزلهما القانون منزلة القبول . ولعل مذهب العلم هو أقرب المذاهب إلى رعاية مصلحة الموجب . ذلك أن الموجب هو الذي يبتدئ التعاقد ، فهو الذي يحدد مضمونه ويعين شروطه . فمن الطبيعي والحال هذه أن يتولى تحديد زمان العقد ومكانه . ومن العدل ، إذا لم يفعل ، أن تكون الإرادة المفروضة مطابقة لمصلحته عند عدم الاتفاق على ما يخالف ذلك . وبعد ، فمذهب العلم هو الذي يستقيم دون غيره مع المبدأ القاضي بأن التعبير عن الإرادة لا ينتج أثره إلا إذا وصل إلى من وجه إليه على نحو يتوفر معه امكان العلم بمضمونه – أنظر الفقرة الأولى من المادة 125 من المشروع – ومؤدى ذلك أن القبول بوصفه تعبيراً عن الإرادة لا يصبح نهائياً إلا في الوقت الذي يستطيع فيه الموجب أن يعلم به ، ولا يعتبر التعاقد تاماً إلا في هذا الوقت . ولم يستقر القضاء المصري على رأي معين في هذا الصدد . فقد اختارت محكمة الاستئناف الأهلية مذهب العلم ، وبوجه خاص في المسائل المدنية ( 26 مارس سنة 1912 المجموعة الرسمية 13 ص 183 ) . أما محكمة الاستئناف المختلطة فقضاؤها موزع بين مذهب العلم ( 30 يناير سنة 1896 م 8 ص 101 – ) فبراير سنة 1922 م 34 ص 157 – 4 أبريل سنة 1933 م 45 ص 226 ) . وبين مذهب الإعلان ( 13 يناير سنة 1926 م 38 ص 179 – ) فبراير سنة 1927 م 39 ص 227 ) . وليس ثمة شك في أن هذا المذهب الأخير هو أنسب المذاهي في المسائل التجارية . على أن مذهب الاصدار ( التصدير ) قد رددت صداه بعض أحكام القضاء المختلطة والقضاء الأهلي ( استئناف مختلط في 6 مايو سنة 1925 م 37 ص 401 – دمياط 21 ابريل سنة 1915 الشرائع 2 ص 251 ) . ولم تتح لمحكمة النقض حتى اليوم فرصة للفصل في هذه المسألة . وغنى عن البيان أن النص الذي اختاره المشروع يقضي على هذا الخلاف بأسره ” . ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 53 – ص 54 )

منشور في مقال أقوى محامي الأردن

القبول في عقود الجماعة وفي العقود النموذجية

القبول في عقود الجماعة وفي العقود النموذجية

119 – تضمن المشروع التمهيدي نصين ن احدهما خاص بعقود الجماعة ( contrats collectives ) ، والثاني بالعقود النموذجية ( contrats – type ) .

فكانت المادة 146 من المشروع التمهيدي تنص على أنه ” في عقود الجماعة يتم القبول برضاء الأغلبية ، وترتبط الأقلية بهذا القبول ” . ومثل عقود الجماعة عقد العمل الجماعي ( contrat collectif du travail ) ، وهو العقد الذي ينظم شروط العمل ما بين طائفة أصحاب الأعمال وطائفة العمال . ويتم الإيجاب والقبول فيه برضاء الأغلبية من كل من الطائفتين . وترتبط الأقلية بالعد . وهنا نرى أن كل فرد من الأقلية قد ارتبط بعقد لم يقبله ولم يكن طرفاً فيه ، وأصبح لا يستطيع الانحراف في عقد فردي عن نصوص العقد الجماعي . وفي هذا خروج بين على القواعد المدنية ، يعلله أن عقود الجماعة أقرب إلى القوانين منها إلى العقود ، وهي على كل حال تنشيء مراكز قانونية منظمة ( institutions ) .

وكانت المادة 147 من المشروع التمهيدي تنص على أنه ” إذا وضعت السلطة العامة أو أية هيئة نظامية أخرى نموذجاً لأحد العقود ، فإن من يبرم هذا العقد ويحيل على النموذج يتقيد بالشروط على الوردة فيه ” . والعقد النموذجي هو الذي تضعه سلطة عامة أو أية هيئة نظامية أخرى ، كعقود الإيجار النموذجية التي تضعها وزارة الأوقاف أو المجالس البلدية أو النقابات . ويقضى النص السالف الذكر بأن من يتعاقد محيلا في تعاقده على عقد نموذجي يتقيد بالشروط الواردة فيه ، لأن الإحالة عليه تفترض أن المتعاقد قط اطلع على ما ورد فيه من الشروط وارتضاها .

وقد حذف هذان النصان في المشروع النهائي ، حذف الأول لأن مكانه يحسن أن يكون في تشريع خاص ، وحذف الثاني لوضوح الحكم الوارد فيه ( [1] ) .


 ( [1] ) مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 67 – ص 68 في الهامش . وقد جاء في المذكرة الإيضاحية لهذين النصين في المشروع التمهيدي ما يأتي : ” لا يطرأ على القبول في عقود الجماعة مجرد عرض يغير من أوصافه ، بل يجاوز أمره ذلك فيصبح القبول معدوماً على وجه الإطلاق . والحق أن هذه العقود وهي من ابرز مظاهر النشاط الاقتصادي الحديث لا تنطوي على حقيقة التعاقد . وأظهر ما يكون هذا المعنى بالنسبة للأقلية التي ترتبط بقبول الأغلبية دون أن ترتضي ذلك . وقد بلغ من أمر الثغرة التي أصابت مبدأ سلطان الإرادة من جراء هذا الوضع أن أصبح اصطلاح ” الارتباطات النظامية ” أغلب على الالسنة في هذا المقام من اصطلاح ” عقود الجماعة ” . وقديما وعت قوانين التجارة في نظام الصلح في الافلاس صورة من صور هذه العقود . بيد أن صورة أخرى أعظم أهمية وابلغ أثراً قد أخذت بظهور عقد العمل الجماعي مكانها في الحياة الاقتصادية الحديثة تحت ضغط حركات العمال والنقابات . فقد يتفق أرباب العمل والعمال على قواعد خاصة بشروط العمل ، وبهذا يتكون عقد جماعة يرتبط به أولئك وهؤلاء جميعاً سواء فيهم من قبل أو من لم يقبل . ويترتب على ذلك بطلان كل حكم في عقود العمل الفردية يتعارض مع نصوص هذا العقد . ويجب التفريق بين عقود الجماعة والعقود النموذجية ، فللأخيرة حقيقة التعاقد . وإحالة الطرفين إلى النموذج التي تولت وضعه أو إقراره السلطات العامة أو الهيئات النظامية ( كالنقابات مثلا ) تفترض قبولهما للشروط الواردة فيه ” . ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 68 في الهامش ) .

منشور في مقال أقوى محامي الأردن