ما هو حكم التحكيم الأجنبي

ما هو حكم التحكيم الأجنبي

لحكم التحكيم الأجنبي أهمية كبيرة في إزالة المشاحنات وقطع الخصومات وفض المنازعات، بحيث أن التحكيم الأجنبي قد أثبت جدواه وظهر أثره ومعناه، حتى أصبح واقعًا جديرًا بالاحترام ونظامًا متبعًا في كافة دول العالم. وبيان المقصود بحكم التحكيم بشكل عام وحكم التحكيم الأجنبي بشكل خاص قد لاقى اهتمام كثير من الباحثين، وتعرض لكثير من الاختلاف بين من بحث في هذا الموضوع، ما يستلزم منا أن نحدد المقصود منه، ونوضح حدود هذا المصطلح بشكل عام، حتى نفك اللبس والاختلاط، بالإضافة لبيان مدى سلطة القضاء الاردني في الرقابة على حكم التحكيم الأجنبي.

ماهية حكم التحكيم الأجنبي

تعريف حكم التحكيم :

سنتعرض في مقالنا لبيان تعريف حكم التحكيم، ثم تحديد المقصود بحكم التحكيم الأجنبي.

تعريف حكم التحكيم :

على الرغم من اهتمام معظم الأنظمة القانونية المعاصرة والمعاهدات والاتفاقيات الدولية بنظام التحكيم وتنظيمه، وإقراره في الكثير من أنظمتها القانونية، بيد أنه يلاحظ أن أغلبها لم تحدد المقصود بُحكم التحكيم ولم تتطرق لتعريف محدد له، وإن كان هذا هو الطبيعي فليس من شأن التشريعات القانونية والدولية القيام بذلك، فيُعتبر هذا من شان الفقه، إلا أن اتفاقيه نيويورك لسنة 1958 في المادة (1/2) بشأن الاعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية تضمنت نصًا للمقصود بحكم التحكيم، حيث جاء فيه :

” يُقصد بأحكام التحكيم ليس فقط الأحكام الصادرة من محكمين معينين للفصل في حالات محددة، بل أيضًا الأحكام الصادرة من هيئات تحكيم دائمة يحتكم إليها الأطراف”. وهذا التعريف لا يُمكن اعتباره كاملًا، فالجدير بالملاحظة أن هذه الاتفاقية قد وسعت نطاق الأحكام والقرارات التحكيمية.

وفي ظل عدم وجود تعريف قانوني لحكم التحكيم، سواء في التشريعات الوطنية للدول، أو في الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي اهتمت بتنظيم كافة الأمور المتعلقة بالتحكيم، فقد كان للفقه مهمة التصدي لتعريف الحكم التحكيمي، وقد انقسمت الآراء الفقهية في هذا الصدد إلى اتجاهين، أحدهما موسع لحكم التحكيم والآخر مضيق لحكم التحكيم.

الاتجاه الأول : التعريف الموسع لحكم التحكيم

يرى الأستاذ  (  جال أرد) الذي يتزعم أصحاب هذا الاتجاه بتوسيع نطاق حكم الحكم التحكيمي فهو يشمل الأحكام التي تفصل في أحد عناصر المنازعة بشكل جزئي، ولا يقتصر على الأحكام التي تفصل في المنازعة على نحو كلي. وقد عرف (جال أرد) الحكم التحكيمي بأنه :

” القرار الصادر من المحكم الذي يفصل بشكل قطعي، على نحو كلي أو جزئي في المنازعة المعروضة عليه سواء تعلق هذا القرار بموضوع المنازعة ذاتها أم بالاختصاص أم بمسألة تفصل بالإجراءات، أدت بالمحكم إلى الحكم بإنهاء الخصومة “.

وهذا الاتجاه يرى أن القرارات التي تصدر عن المحكم لا تتحول إلى حكم تحكيمي إلا إذا وافق الأطراف على مشروع الحكم التحكيمي، أو بناء على قبولهم الصريح للحكم التحكيمي، وفي حال تحقق هذا القبول فإن المنازعة تُعرض على محكمة تحكيمية من الدرجة الثانية تصدر حكم نهائي لا يُمكن أن يكون محلًا للطعن فيه بالبطلان.

ويرى أنصار هذا الاتجاه أن حُكم المحكم يجب أن يكون مكتوبًا، ويخضع لنفس الشكل المقرر للأحكام القضائية من بيانات وكتابة وتوقيع أغلبية المحكمين وذلك وفقًا للفقرة الأولى من المادة (43) من قانون التحكيم المصري. وهو إجراء يقوم به المحكم من خلال الخصومة أو في نهايتها، ليس بهدف الإعلان عن إرادة الأطراف، ولكن للإعلان عن أرادته هو، ومن ثم فهذا الحكم كعمل إجرائي يخضع للإجراءات المنصوص عليها في قانون التحكيم.

ومحكمة استئناف باريس قد تعرضت لتحديد المقصود في حكم التحكيم بتاريخ 5/3/1994 فقالت : يُقصد بحكم التحكيم أعمال المحكمين التي تفصل بشكل حاسم أو نهائي كليًا أو جزئيًا في النزاع المعروض عليهم، سواء أكان هذا الحكم في الموضوع أو الاختصاص، أو في مسألة إجرائية تؤدي بهم إلى أنهاء الخصومة.

وهذا التعريف للحكم التحكيمي وجه إليه عديد الانتقادات من جانب أن وصف الابتدائية أو النهائية أمرًا لا يجوز لأن هذه الأوصاف لا تدخل في جوهر تعريف الحكم أو في مضمونه، ومن جانب آخر أن هذا التعريف قد خلط بين جوهر الحكم وأوصافه وآثاره معًا، وهذا خلط غير مقبول، لأنه يدخل في تعريف الحكم بعضًا من أوصافه، ووصف الحكم بأنه قطعي أ غير قطعي ينبى على أسس معينة، ويهدف لتحقيق غايات خاصة وله معايير معينة، وذلك كله لا يدخل في تحديد جوهر الحكم.

الاتجاه الثاني : التعريف المضيق لحكم التحكيم

يرى أصحاب هذا الاتجاه ويؤيدهم جانب من الفقه السويسري أن أحكام التحكيم لا يُمكن اعتبارها حُكمًا تحكيميًا إلا إذا أنهت بشكل جزئي أو كلي منازعة التحكيم، وبالتالي فالقرارات التي تصدر عن محكمة التحكيم – ويتضمن ذلك القرارات المتصلة بموضوع المنازعة – والتي لا تفصل في طلب محدد لا تُعتبر أحكامًا تحكيمية إلا في حال أنهت منازعة التحكيم سواء بشكل كلي أو جزئي.

ووفقًا لهذا الاتجاه فكافة القرارات التي تفصل في المسائل المتصلة بالموضوع كصحة العقد الأصلي، لا يُمكن اعتبارها أحكامًا تحكيمية، بل أحكامًا تحضيرية، ومن ثم من غير الممكن أن يُطعن على هذه الأحكام بالبطلان بشكل مستقل عن الحكم التحكيمي الذي سوف يصدر بناء على الطلبات المقدمة من الأطراف.

فحكم التحكيم الذي يفصل بتقرير مسؤولية أحد الأطراف أو في صحة العقد فهو حكم تحكيمي حقيقي وإن لم يفصل في المنازعة كلها وإنما في جزء منها، بيد أن القرارات التي تصدر عن محكمة التحكيم في غير خصومة لا يُمكن اعتبارها أحكامًا تحكيمية، وذلك كالقرارات التي تصدر عن محكمة التحكيم فيما يتعلق بتحديد زمان ومكان انعقاد المحكمة أو تأجيلها مثل سماع الشهود أو ندب الخبراء، وجميعها قرارات تنفذ بها المحكمة ولايتها.

وهناك من يرى ضرورة التمييز بين الأحكام التي تتعلق بموضوعات، والأوامر والتوجيهات الإجرائية التي تتعلق بسير إجراءات التحكيم، والتي تساعد في استمرار عملية التحكيم، فهي تتعامل مع مسائل كتجهيز الوثائق، وعقد الجلسات، وتناول الأدلة المكتوبة، وهذه الأوامر ليس لها وضع أحكام التحكيم، ومن ثم فإن حكم التحكيم يتعين أن يكون قاصرًا على الأحكام التي تصدرها محكمة التحكيم، والتي تفصل بشكل نهائي في القضايا التي تتناولها.

وبالمقارنة نجد أن الأخذ بالاتجاه الأوسع لتعريف التحكيم هو الأكثر وجاهة وقوة، وذلك بالنظر إلى أن اختيار الأطراف للتحكيم كوسيلة لحسم النزاع كان بغرض الوصول إلى حلول ملائمة لهذا النزاع دون أي خصومة، وترجيح المعنى الموسع للحكم التحكيمي والأخذ به هو احترام لهذا الغرض أو الهدف.

 ومما سبق يُمكن تعريف حكم التحكيم بأنه : كافة الأحكام التي تصدر عن هيئة تصدر وتفصل بشكل نهائي في المنازعة المعروضة عليها، وذلك بغض النظر أكانت الأحكام الصادرة في المنازعة أحكام كلية أم أحكام جزئية أو تعلقت بموضوع النزاع ذاتها أو بمسألة تتعلق بالإجراءات، أدت بالمحكم إلى الحكم بإنهاء الخصومة.

المقصود بحكم التحكيم الأجنبي :

تحديد وبيان الصفة الأجنبية لحكم التحكيم أهمية كبيرة، وذلك لما يترتب على التمييز بين حكم التحكيم الوطني وحكم التحكيم الأجنبي اختلاف في القواعد القانونية المطبقة على كل منهما فإذا اشتمل التحكيم على عنصر أجنبي أو أكثر، فنكون أمام احتمال تطبيق قانون أو قوانين أجنبيه، أما التحكيم الوطني فيستتبع تطبيق القانون الوطني.

والجدير بالذكر أن التشريع والفقه قد استندا على معيارين يتم على أساسهما إكساء قرار التحكيم بالصبغة الأجنبية، وهذين المعيارين هما :

المعيار الجغرافي :

وفيه يتم الاستناد إلى مكان صدور الحكم التحكيمي، فيتم ربط حكم التحكيم بالدولة التي صدر قرار التحكيم على إقليمها، فقرار التحكيم يُعتبر هو مركز الثقل في مجمل عملية التحكيم، ولكن يثور تساؤل عما هو الوضع القانوني في حال تعدد الدول التي يُعقد فيها التحكيم ؟

في تلك الحالة فإنه تُعتبر الدولة التي انعقدت فيها هيئة التحكيم بصفة رئيسية، وخصوصًا الدولة التي أصدرت فيها هيئة التحكيم قرارها، هي الدولة التي يتم ربط حكم التحكيم بها.

والمشرع الأردني قد أخذ بهذا المعيار في تحديد الحكم الأجنبي، حينما نص في المادة الثانية من قانون تنفيذ الأحكام الأجنبية الأردني رقم (8) لسنة (1952) على أنه :

” تعني عبارة الحكم الأجنبي الواردة في هذا القانون كل حكم صدر من محكمة خارج المملكة الأردنية الهاشمية … ويشمل قرار المحكمين في إجراءات التحكيم إذا كان ذلك القرار قد أصبح بحكم القانون المعمول به في البلد الذي جرى فيه التحكيم قابلًا للتنفيذ كقرار صدر من المحكمة في البلد المذكور “.

بيد أن التشريع المصري لم ينص بشكل صريح على الأخذ بهذا المعيار وإنما نص في المادة (299) من قانون المرافعات المصري لسنة (1968) على أنه : ” تسري أحكام المواد السابقة المتعلقة بتنفيذ الأحكام القضائية الأجنبية على أحكام المحكمين الصادر في بلد أجنبي “.

وبمفهوم المخالفة فإنه يكون استثناءا من نص المادة سالفة الذكر قرارات التحكيم الصادرة في مصر، فتعتبر قرارات التحكيم وطنية.

واتفاقية نيويورك المتعلقة بالاعتراف بتنفيذ قرارات المحكمين الأجنبية لسنة (1958) أخذت كذلك بهذا المعيار، بحيث أنها قد نصت في المادة رقم (1) منها على أن : ” تطبق الاتفاقية الحالية للاعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين الصادرة في إقليم دولة غير التي يطلب إليها الاعتراف وتنفيذ هذه الأحكام على إقليمها “.

ونجد  أن اتفاقية الرياض للتعاون القضائي العربي لسنة (1983) فيما يتعلق بتحديد صفة قرار التحكيم قد تبنت معيار مكان صدور القرار، وينجلي هذا الأمر من نص المادة (25) في الفقرة (أ) منها حيث نصت على الآتي : ” يُقصد بالحكم في معرض تطبيق هذا الباب كل قرارًا أيًا كانت تسميته يصدر بناء على إجراءات قضائية أو ولائية من محاكم أو أية جهة لدى أحد الأطراف المتعاقدة “.

المعيار القانوني :

وهذا المعيار مؤداه أن حكم التحكيم يكتسب جنسية الدولة التي تم تطبيق قانونها الإجرائي على التحكيم، فحكم التحكيم يُعتبر أجنبيًا إذا تم داخل إقليم الدولة وذلك لخضوعه إجرائيا لقانون دولة أخرى، وحكم التحكيم يكون وطنيًا حتى وإن صدر في الخارج وذلك إذا تم وفقًا للقانون الوطني.

ومن خلال هذا المعيار يُمكن للأفراد أن يتحكموا في الصفة الأجنبية أو الوطنية وذلك بشكل غير مباشر، وذلك من خلال اختيار مكان إجراء التحكيم، لأنه في تلك الحالة سيتم تطبيق القانون الإجرائي الخاص بهذا المكان على إجراءات التحكيم.

سلطة القضاء الاردني في الرقابة على حكم التحكيم الأجنبي

وفي هذا جاء في كتاب التحكيم في المنازعات الوطنية والتجارية الدولية للدكتور فتحي والي على الصفحتين (501 و502) منه:-

سواء تم إنهاء إجراءات التحكيم بأمر من رئيس المحكمة أو بقرار من هيئة التحكيم فإنه يترتب على صدور الأمر أو القرار بإنهاء الإجراءات انتهاء خصومة التحكيم ويزول ما يكون قد ترتب على تقديم طلب التحكيم من آثار قانونية سواء كانت آثار موضوعية أو آثار إجرائية ولهذا فإن التقادم يعتبر كأنه لم ينقطع والفوائد كأنها لم تجرِ وتنتهي مهمة هيئة التحكيم ويعود الخصوم إلى الحال التي كانوا عليها قبل بدء خصومة التحكيم وإذا صدر أمر أو قرار بإنهاء إجراءات التحكيم فإن هذا الإنهاء لا يؤدي إلى سقوط الحق الموضوعي ولا الحق في الدعوى ولا يمنع أياً من الأطراف من الاتجاه مرة أخرى إلى التحكيم سواء كان التحكيم السابق قد نشأ استناداً إلى شرط تحكيم أو مشارطة تحكيم فاتفاق التحكيم شرطاً أو مشارطة لا يفقد فاعليته لمجرد أن خصومة التحكيم قد انتهت دون إصدار حكم في موضوع النزاع وذلك مع ملاحظة أنه لا يجوز الالتجاء مرة أخرى إلى هيئة التحكيم نفسها التي سبق لها نظر الدعوى وانتهت أمامها الإجراءات إذ تكون غير صالحة لنظرها.

وعليه وحيث البطلان شاب أحد الإجراءات التي سبقت صدور الحكم المزعوم التي بني عليها أصبح بدوره باطلاً لأن ما بني على باطل فهو باطل.

ثالثاً: إن الحكم المزعوم يخالف النظام العام وفقاً لأحكام المادة (49/ب):إضافة إلى عدم إصدار حكم التحكيم قبل اختتام الإجراءات فإن هيئة التحكيم قد أخلت بأحكام المادة (42) من قانون التحكيم وذلك بعدم تسليم المستدعي نسخة عن الحكم خلال المدة الآمرة إذ إن قانون التحكيم ألزم الهيئة بوجوب تسليم الخصوم صورة عن حكم التحكيم خلال مدة ثلاثين يوماً التي تلي صدور الحكم ويترتب على مخالفة القواعد الآمرة بطلان حكم التحكيم لمخالفته لقواعد النظام العام وقد استقر الفقه على تعريف النظام العام بأنه مجموعة القواعد والنصوص القانونية الآمرة التي لا يجوز الاتفاق على مخالفتها وفي هذا جاء في كتاب التحكيم في القوانين العربية للدكتور حمزة حداد على الصفحة (386) منه.

وبوجه عام فإن كل قاعدة قانونية متبعة في الدولة على أنها آمرة بما يمس أحد هذه الأسس ولا يجوز بالتالي الاتفاق على خلافها من النظام العام ونستدل على هذه القاعدة من التشريع ذاته الذي قد ينص صراحة على عدم جواز الاتفاق على خلافها أو من طريقة صياغة النص التشريعي.

كما جاء على الصفحة(451) من المرجع ذاته:

” تعتبر مخالفة النظام العام سبباً يعيب الحكم مما يؤدي إلى إبطاله يمكن القول بأن صلاحيات المحكمة بل من واجباتها أن تقضي ببطلان حكم التحكيم إذا كان مخالفاً للنظام العام من تلقاء نفسها دون حاجة لطلب من أحد طرفي الخصومة” هذا من جانب.

ومن جانب آخر فإن تسليم المستدعى ضدها صورة عن الحكم دون معاملة الطرف الآخر بالمثل (المستدعي) يشكل إخلالاً بمبدأ المساواة بين الأطراف وحياد واستقلال الهيئة وبالتالي مخالفة قاعدة آمرة كفلها الدستور الأردني ولا أدل من ذلك قيام المستدعى ضدها بتقديم طلب تنفيذ حكم تحكيم وإرفاق صورة الحكم كبينة لها دون أن يكون للمستدعي علم بوجود الحكم أو تسلمه.

Photo by EKATERINA BOLOVTSOVA on Pexels.com

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s