عقد البيع بالمرابحة
عقد البيع بالمرابحة يُعتبر من بيوعات الأمانة التي تُؤسس على ثقة المشتري بالبائع واطمئنانه بالسعر الذي عرضه عليه هذا البائع، فعقد البيع بالمرابحة هو البيع بمثل الثمن الأول مع زيادة ربح.
ويُؤسس هذا العقد على الثقة والأمانة والصدق التي يتحلى بها البائع والتي اطمئن المشتري إليها، فلجأ إلى التعاقد معه. وهذا العقد يُقسم إلى قسمين، القسم الأول المرابحة العادية، والقسم الثاني هي المرابحة للآمر بالشراء.
وقد قررت محكمة التمييز الأردنية بصفتها الحقوقية مبدئا هامًا في الحكم رقم 1221 لسنة 1989 : ” لا يعتبر عقد بيع المرابحة مخالف للقانون أو النظام العام في التشريع الاردني ويتفق والقانون ” .
ويُعد البيع بالمرابحة من أهم العقود المعاصرة للتمويل في المصارف الإسلامية والتي نشأت بديلًا عن المعاملات الربوية السائدة لدى البنوك التقليدية.
تعريف عقد البيع بالمرابحة :
نجد أن تعريفه عند فقهاء المذاهب الإسلامية وإن تغيرت ألفاظها إلا أن مضمونها واحد فلا تخرج عن معنى واحد وهو أن بيع المرابحة يقوم على أساس معرفة الثمن الأول للمشتري وبناء الثمن عليه مع ربح محدد يتفق عليه الطرفان.
والمادة (480) من القانون المدني الأردني نصت في فقرتها رقم (1) على أنه ” يجوز البيع بطريق المرابحة أو الوضعية أو التولية إذا كان رأس البيع معلومًا حين العقد وكان مقدار الربح في المرابحة ومقدار الخسارة في الوضعية محددًا “.
أساس عقد البيع بالمرابحة :
يُعتبر عقد البيع بالمرابحة من بيوعات الأمانة التي يكون اعتمادها على الثقة والصدق والأمانة في إبلاغ البائع المشتري بالثمن الحقيقي للشيء المبيع، وإن أي إخلال في هذه المصداقية يُعتبر إخلالا بالثقة التي أعطاها المشتري للبائع والتي على أساسها قامت عملية البيع.
فحماية الثقة يدعم نزاهة المعاملات التي تُعد غاية أساسية في القانون الخاص تمنع اقتران الإرادة بالعيوب التي من شأنها أن تضر بتلك النزاهة وبالتالي الثقة بين المتعاقدين.
أما المعنى الاصطلاحي للثقة فهو أيمان بحسن نية الغير وصدقه واستقامته ووفائه كما في الثقة المتبادلة بين المتعاقدين أو بشخص ثالث، أو هي الأيمان والاعتقاد بأهلية شخص واختصاصه وصفته المهنية كالمحامي، والوثوق بالغير يأتي بالاطمئنان نحوه أو إيكاله عملًا معينًا، منها الثقة بالحكومة، وذلك لكونها مؤهلة في نظر ممثلي الشعب على أداء مهامها فإذا أخلت به فستحجب الثقة عنها.
والثقة أحيانًا تأتي بمعنى الضمان أي في استحصال حق، وقد تأتي بمعنى الاعتقاد والأيمان بالطرف الآخر، وقد تأتي كذلك بمعنى الائتمان المرتبط بمنح الأجل للمدين بالوفاء بدينه، وقد تأتي أيضًا بمعنى الاتكال، أي الاتكال على شخص لأداء عمل معين، وقد تأتي الثقة بمعنى الاعتماد لهذا سميت بعض العقود التجارية بمصطلح الاعتماد كالاعتماد المستندي والاعتماد للسحب على المكشوف.
وحسن النية يعني الصدق والإخلاص والاستقامة وعدم الغش والنزاهة، وحسن النية هو الاعتقاد بمراعاة الشروط اللازمة لسلامة علاقة قانونية معينة أو إنه إرادة مطاوعة القانون، والثقة بالمعاني السابق عرضها هي ثقة خاصة بشخص نحو شخص آخر، أما الثقة العامة فهي تلك الثقة التي يصنعها المجتمع في مختلف المظاهر الضرورية لاستقرار المعاملات والروابط الاجتماعية.
والجدير بالذكر أن وجود الثقة هو أمر غير متصل فقط بالأقوال التي تصدر من الأشخاص، بل أيضًا بالمظاهر التي يتصلون بها فيما بينهم أو يعبرون بها عن رأيهم أو التزامهم أو ولائهم ويتسع مجال الثقة أيضًا ليشمل العلاقات والأشكال الخارجية التي تستخدمها الدولة أو السلطات العامة للتعبير عن سيادتها أو التزاماه الخاص أو سلطاتها على الأشخاص والأشياء.
فالثقة تُعد هي جوهر يستضيء الأمانة التي يجب أن يتواجد بعقد البيع بالمرابحة على اعتبار أنه من مبايعات الأمانة، فيحتكم المشتري إلى ضمير البائع حال شرائه للمبيع عن طريق إعلامه بالثمن الأول أو رأس المال مع الزيادة الحاصل للمبيع وكافة الظروف والملابسات التي تحيط بالثمن الأول، فالثقة تُعتبر عنصر رئيسي بالمجالات القانونية والمالية والاقتصادية والمالية ، وكذلك في مجال العلاقات العائلية والودية أو الفكرية التي يقيمها الأفراد فيما بينهم، وانعدام هذه الثقة أمر يُعرض الحياة بصفة عامة إلى الصعوبات، أو يُمكن أن ينجم عنها صراعات فردية أو اجتماعية متواصلة.
فالصدق في هذا العقد هو من أجل حماية مصلحة الطرف الضعيف، والصدق نقيض الكذب، والصدق مطابقة القول للضمير والمخبر عنه ومتى انعدم شرط من ذلك لم يكن صدقًا تامًا.
ويُعتبر مبدأ استقرار المعاملات هو الأساس الحديث لإقرار عقد البيع بالمرابحة باعتباره من بيوعات الأمانة التي تقوم على الصدق والأمانة في إخبار البائع المشتري بالثمن الحقيقي للمبيع، وذلك بهدف الحصول على المنافع المتبادلة.
وتبادل السلع يحتاج لتوفير وتأمين الثقة المشروعة للمتعامل حتى يثق بالمراكز القانونية وبالنظام القانوني الذي ينظم معاملاته ويحكم منازعاته وذلك بإلحاق اليقين والثبات في المراكز القانونية وبالتالي خلق الأمن والاستقرار لكي يشعر المتعامل الفرد بالطمأنينة والراحة.
ويوجد علاقة بين عقد البيع بالمرابحة ومبدأ استقرار المعاملات، فغالب الناس ليسوا من أصحاب الخبرة في مجال تعاملات السوق اليومية، لذلك يجب أن يأخذوا حذرهم من الوقوع في شباك المتصيدين لهم بهدف استغلالهم والتغرير بهم، والمشرع يقف هنا أمام حالة عامة قوامها حماية الأغلبية التي لا تعلم من الأقلية التي تعلم، ومبدأ استقرار المعاملات مرتبط بالثقة العامة فمتى توافرت الثقة أدى ذلك إلى استقرار المعاملات ومن ثم تضمن تقدم وارتقاء المجتمع في كافة المجالات، فالثقة هي التي تؤدي إلى استقرار عقود الأمانة والتي من بينها عقد البيع بالمرابحة.
أقسام عقد البيع بالمرابحة :
يقسم عقد البيع بالمرابحة قسمين ستناولهم فيما يلي :
المرابحة العادية :
ويُطلق عليها الصورة العامة أو الأصلية أو تسمى أيضًا بالمرابحة الفقهية، وهي أن يشتري شخص ما سلعة بثمن ثم يقوم ببيعها لآخر بالثمن الأول مع زيادة ربح، فهو هنا يشتري لنفسه طلب مسبق ثم يقوم بعرضها للبيع مرابحة.
وتُعد المرابحة العادية صورة من صور عقد البيع، وتحديدًا من بيوعات الأمانة وهي البيوع التي تستند على الثقة بين المتبايعين، وتعتمد رأس المال كأساس للثمن، وقد استخدمت المصارف الإسلامية بيع المرابحة كأداة للتمويل لديها، لتقوم هذه الأداة الإسلامية المشروعة وفيما بعد وبشكل رئيسي مقام نظام التمويل بالفائدة لدى البنوك التقليدية.
وتتكون المرابحة العادية من طرفين هما البائع والمشتري، إذ يمتهن فيها البائع التجارة فيشتري السلع بغير الحاجة للاعتماد على شرائها ثم يعرضها بعد ذلك للبيع بربح وثمن يتفق عليه.
عقد البيع بالمرابحة للأمر بالشراء :
ويُقصد به أن يطلب أحد المتعاقدين من المتعاقد الآخر أن يشتري سلعة معينة مسماة وموصوفة ثم يعده بشرائها منه وتربيحه فيها، فيقوم المأمور إذا تم الاتفاق المبدئي بشراء السلعة المطلوبة وذلك وفق مواصفاتها ثم يقوم بعرضها على طالبها بتكلفتها على الأمور وزيادة ربح مسمى وهو ما اتفق عليه منذ البداية، وفي حال قبل الآمر بالشراء هذا العرض انعقد البيع مرابحة بين الطرفين، وبيع الأمر بالشراء ثلاثي الأطراف إذ يوجد فيه ثلاثة متعاقدين الأول هو الأمر بالشراء والثاني هو المصرف الإسلامي والثالث البائع وأن بيع المرابحة للأمر بالشراء يتكون من :
أولًا : وعد بالشراء من الزبون للمصرف ووعد بالبيع من المصرف للزبون وهذه العملية يُطلق عليها مواعدة.
ثانيًا : يقوم المصرف بشراء السلعة من البائع ويوقع على عقد بيع المصرف والبائع.
ثالثًا : عقد بيع بين الأمر بالشراء والمصرف الإسلامي بعد تملك المصرف للسلعة الموصوفة وذلك بناء على طلب من الزبون.
