تنازع القوانين المكاني والزماني وشروطه
تنازع القوانين هو مجموعة القواعد التي توضع بواسطة المشرع بكل دولة من أجل إسناد علاقة قانونية ذات عنصر أجنبي إلى أكثر القوانين ملائمة له. وسنبين هنا ما هو تعريف تنازع القوانين، والتنازع المكاني ،والزماني، وشروطهما.
ومهمة الإسناد تنتهي بمجرد بدء مهمة القانون المسند له الاختصاص ولهذا تسمى في بعض الأحيان بقواعد الإسناد وعرفت بتنازع القوانين كونها تفض التنازع.
ومن أهمية تنازع القوانين أنها جاءت بهدف إيجاد حلول لمواضيع إسناد تطبيق القانون لدولة ما بعد تشعب علاقات الأشخاص الذين ينتمون لأكثر من دولة، ولأن القوانين المعمول بها في تلك الدولة تكون مختلفة بتفاصيلها في غالب الأحيان، وذلك هو ما خلق مصطلح التنازع بين القوانين.
جدول المحتويات
التنازع المكاني والتنازع الزماني :
وسوف نتناول في مقالنا، تعريف تنازع القوانين، وتعريف بالتنازع المكاني والتنازع الزماني، وأخيرًا شروط تنازع القوانين.
تعريف تنازع القوانين :
كلما اتصلت الحالة القانونية بعنصر أجنبي بمعنى اتصالها بأكثر من قانون واحد، فعلى سبيل المثال إن ثار نزاع بصحة زواج أردنيين مقيمين في مصر كان للحالة القانونية اتصال بالقانون الأردني بوصفة قانون جنسية الزوجين وبالقانون المصري باعتباره قانون جنسيتهما.
وذلك لا يعني بالطبع أن تناحرًا وتشاحنًا قد نشأ يسن الدولة الأردنية والدولة المصرية بسبب هذه الحالة القانونية، وإنما يقصد بقيام التنازع أن هنالك تعارضًا في الحلول التي يقدمها كل من القانون الأردني والقانون المصري.
وفي مثل هذه الحالة يتصل كل من قانون الدولتين بالنزاع بظرف خاص ويبدو لنا أن كلًأ منهما قابل للتطبيق وله سنده، ويتم فض هذه الحالة بإعمال قواعد معينة تسمى بقواعد تنازع القوانين أو الإسناد، ووظيفة هذه القواعد هي تحديد القانون المختص، أو تحديد الاختصاص التشريعي بواسطة ترجيح ظرف من ظروف العلاقة يكون هو أكثر ملائمة للحالة القانونية.
حماية المصالح الخاصة بما يكفل تحقيق العدالة،
والاعتبار الغالب الذي يعتد به المشرع الوطني عند اختياره لظرف الإسناد هو حماية المصالح الخاصة بما يكفل تحقيق العدالة، وبما يحقق حاجات المعاملات الدولية دون المساس بمصالح الدولة السياسية.
وبناء على ما سبق يُمكن تعريف تنازع القوانين بأنه : اختيار القانون الأنسب والعادل لفض الحالة المعروضة أمام القاضي والمشوبة بعنصر أجنبي حتى ولو كان هذا القانون المقترح لفض النزاع غير قانون القاضي.
وفسح المجال للقانون الأجنبي بدلًا من القانون الوطني في هذه الحالة سيكون بناء على رغبة المشرع الوطني، حين رجح القانون الأجنبي باعتباره أكثر ملائمة لحكم العلاقة القانونية، والتنازع إن كان هنالك تنازع لا يقوم إلا في ذهن المشرع الوطني على شكل موازنة ومفاضلة يجريها بين قوانين مختلفة.
التنازع المكاني والتنازع الزماني :
تنازع القوانين في المكان هو التنازع الذي يحدث بين قوانين دول مختلفة يطبق كل منها في حدود مكانية معنية، تمييزًا له عن صورة أخرى مقابلة يسمى فيه بتنازع القوانين في الزمان، وهو التنازع الذي ينشأ عن تعاقب القوانين ذات الموضوع الواحد في حدود دولة واحدة.
التنازع الزمني
والتنازع الزمني يحدث عندما يلجأ المشرع الوطني لإلغاء تشريع معين، وإحلال تشريع آخر محله يراه ملائمًا بحاجة المجتمع، والحد الفاصل الذي يبين نهاية تطبيق القانون القديم، وبدية تطبيق القانون الجديد هي ما يُطلق عليها (التنازع الزمني للقوانين) وبمعنى آخر فموضوع التنازع المكاني ليس هو تحديد مدى ولاية القانون في المكان، بل يجيء هذا التحديد كنتيجة لاحقة لتعيين القانون المختص، والتنازع الزمني للقوانين هو تحديد نطاق تطبيق القانون في الزمان.
قواعد تنازع القوانين
ويُطلق على قواعد تنازع القوانين اسم (قواعد الإسناد) وذلك لأن وظيفة قواعد تنازع القوانين من حيث المكان تنحصر في إسناد العلاقة القانونية المشوبة بعنصر أجنبي إلى أحد القوانين المتنازعة لحكمها.
والتفرقة بين التنازع الزمني والتنازع المكاني تظهر جلية في حال اقترن عنصر الزمان بعنصر المكان، كما في حالة التنازع الناشئ عن تعاقب قواعد تنازع القوانين في المكان أو قواعد الإسناد في تشريع معين، وكما في حالة التنازع الناشئ عن انتقال ظرف الإسناد وهو ما يسمى بالتنازع المتحرك.
ففي حال قضت قاعدة الإسناد بأن مركز المال يخضع لقانون موقعه، فإنه يترتب على انتقال المنقول من إقليم إلى إقليم آخر تنازعًا بين قانون الموقع القديم وقانون الموقع الجديد، وفي حال نص الشارع مثلًا على أن حالة الشخص وأهليته تخضع لقانون جنسيته، فإنه يترتب على تغيير الشخص لجنسيته تنازع بين قانون جنسيته القديم، وقانون جنسيته الجديد.
الفرق بين التنازع الزماني والمكاني
والجدير بالذكر أنه قد ثار خلاف بين شراح القانون فيما يتعلق بهذا التنازع، ولكن من الواضح أن فيصل التفرقة بين التنازع المكاني والتنازع الزمني هو وحدة السيادة التي تصدر عنها القوانين المتنازعة، أو تعدد السيادات التي تصدر عنها تلك القوانين، وبعبارة أكثر وضوحًا، يكون التنازع مكانيًا إذا قام بين قانونين أو قوانين تصدر عن عدة سيادات، أو عن مشرعين مختلفين، ولو كانت هذه القوانين متعاقبة، ويكون التنازع زمنيًا إذا نشأ بين قانونين صادرين عن سيادة، واحدة، ومشروع، واحد.
فكلما كان التنازع مكانيًا فإن حله يكون بإعمال قواعد الإسناد التي يضعها المشرع الوطني، وإلى مصادر القانون الدولي الخاص الأخرى عند افتقاد النص، لتعيين القانون الواجب التطبيق، لتعيين القانون الواجب التطبيق، ويفض التنازع بإسناد العلاقة القانونية إليه ليحكمها. وكلما كان التنازع زمنيًا يتم حله وفق الأصول الخاصة بتنازع القوانين في الزمان.
أحوال التنازع
ومما سبق يتضح أن كل حالة من أحوال التنازع تمر العلاقة القانونية بمرحلتين :
المرحلة الأولى : تعيين القانون الواجب التطبيق أي إسناد العلاقة القانونية لقانون.
المرحلة الثانية : تطبيق هذا القانون على العلاقة ذات العنصر الأجنبي.
وكل دولة تضع لنفسه ما تراه ملائمًا من قواعد إسناد، ويُلاحظ اليوم ظهور قواعد موضوعية تقدم حلولًا مباشرة للقواعد القانونية المتضمنة عنصرًا أجنبيًا، وتظهر مثل هذه القواعد إما بمقتضى قرارات قضائية، أو بمقتضى اتفاقيات دولية.
شروط تنازع القوانين:
لقيام تنازع القوانين في القانون الدولي الخاص فلابد من توافر عدة شروط، سنتطرق إليها فيما يلي :
وجود عنصر أجنبي في العلاقة القانونية :
لقيام تنازع القوانين الدولي فلابد من وجود عصر أجنبي يشوب العلاقة القانونية بسبب اختلاف محل انعقادها، أو مكان وجود المال، أو بسبب اختلاف جنسية أطرافها، وتنازع وتزاحم قوانين أكثر من دولة واحدة على حكمها.
فعندما تكون العلاقة القانونية بها عنصر أجنبي ترى كل دولة من هذه الدول التي اتصلت بها هذه العلاقة أن لها مصلحة في تطبيق قانونها عليها، كزواج يتم بين أردني وسورية في مصر، فإذا حصل تنازع في هذه العلاقة القانونية يُعتبر ذا عنصر أجنبي بسبب اختلاف جنسية أطرافها، ومكان انعقادها، مما يجعل القوانين الأردني، والسوري، والمصري، تتنازع في حُكم هذا النزاع.
أن يكون التنازع بين قوانين دولة ذات سيادة :
التنازع في القوانين في نطاق القانون الدولي الخاص لا يقوم إلا بين دول ذات سيادة، كالتنازع بين القانون (المدني المصري والمدني الأردني). ومثال ذلك أن يتعاقد أردني في عمان مع آخر في القاهرة بالمراسلة، أو بالتليفون أو بالفاكس، فهل يحكم العقد القانون المدني الأردني أم القانون المدني المصري ؟
وعلاقات القانون الدولي الخاص كما هو واضح ولو أنها تتعلق بالسيادة بطريقة غير مباشرة إلا أنها تتعلق أولًا وقبل كل شيء بالأفراد.
وقواعد تنازع القوانين لا تُطبق على التنازع بين قانون دولة، وقانون جماعة لا تكون دولة طبقًا لأحكام القانون الدولي العام، وذلك سواء أكانت جماعة تعيش على إقليم، أم أمة لم تكتمل بعد عناصر تكوين الدولة لديها.
وقد قضت المحاكم المختلطة في مصر، بأنه طالما مصر لم تعترف بحكومة روسيا السوفيتية فإن القانون الروسي القديم يكون هو القانون الواجب التطبيق في قسمة تركة روسي توفي في مصر.
أن يكون التنازع بين قوانين خاصة :
يتعين أن يكون تنازع القوانين الدولي بين القوانين الخاصة مثل ( القانون التجاري، وقانون الأحوال الشخصية، والقانون المدني) وذلك لأن القانون الخاص لا يهتم إلا بالحياة القانونية الخاصة الدولية للأفراد على أساس أن الهدف الأصلي والمباشر للقوانين الخاصة هو حماية الحقوق الخاصة للأفراد، وإن كان في تحقيق هذه المصالح الخاصة مصلحة عامة بصورة غير مباشرة، وذلك بخلاف القوانين العامة التي تهدف في الأصل إلى تحقيق المصلحة العامة للمجتمع.
ومن ثم لا يقبل التنازع بين القوانين العامة لأنها تكون مرتبطة بالمصلحة العامة مباشرة وكذلك بسيادة الدولة التي أصدرتها، مثل (القانون المالي، والقانون الجنائي، والقانون الدستوري، والقانون الإداري) بحيث تستند هذه القوانين إلى مبدأ التطبيق الإقليمي المُطلق انطلاقًا من فكرة سيادة الدولة.
أن يتسامح المشرع الوطني ويقبل تطبيق قانون دولة أخرى في إقليمه على العلاقات المشوبة بعنصر أجنبي:
وذلك لأنه في حال تمسك المشرع الوطني بالإقليمية المُطلقة أو بالشخصية المطلقة في تطبيق قانونه الوطني في كافة ومختلف الحالات لا يحصل عندئذ أي تنازع قوانين، ويكون قانون القاضي هو الواجب تطبيقه لعدم قبوله منازعه أي قانون أجنبي في حكم العلاقة القانونية.
وجود اختلاف بين أحكام القوانين المتنازعة :
يتعين وجود اختلاف في القوانين حتى يوجد تنازع، ولكن هذا الاختلاف ينبغي ألا يبلغ درجة التعارض في الأسس التي تقوم عليها أنظمة القوانين المتنازعة، وإلا ترتب على ذلك تنافر بين فهم كل دولة للمفاهيم القانية للدول الأخرى، مما يؤدي إلى عدم وجود تسامح في قبول تطبيق القانون الأجنبي المتضمن لأفكار تختلف اختلافًا جوهريًا عن الأسس والمبادئ التي تقوم عليها قوانينها.
وأفضل مثال على ذلك ما نجده من أن قواعد تنازع القوانين في الدول الأوروبية، مع أنها توجب الأخذ بقانون الجنسية في الأحوال الشخصية إلا أن المحاكم هناك لا تستجيب لمسلم إذا أراد أن يعقد عقد نكاح للمرة الثانية، أو الثالثة، أو الرابعة، حسب ما يجيزه قانونه الشخصي المبني على الشريعة الإسلامية، وذلك بسبب أن تعدد الزوجات ممنوع ومخالف للنظام العام في قوانين تلك الدول، ومن ثم نجد أن اختلاف جوهري كهذا يؤدي إلى النفور من القواعد الأجنبية، ورفضها مع كونها واجبة التطبيق حسب قواعد تنازع القوانين.
مبدأ لمحكمة التمييز في التنازع الزماني
استقر الاجتهاد على أن كل قانون يحكم الوقائع التي تمت في ظله لأن الأصل في مبدأ تنازع القوانين هو عدم رجعية القانون أي عدم سريان القانون الجديد على الوقائع التي حدثت قبل نفاذه ما لم يرد نص صريح يتضمن سريان القانون الجديد على الوقائع السابقة لنفاذه وحيث أن كفالة الشركة المدعية للمدينين في الكمبيالة قد وقعت في ظل القانون رقم 1 لسنة 1989 وقبل سريان قانون الشركات رقم 22 لسنة 1997 فإن قانون الشركات رقم 1 لسنة 1989 هو الذي يحكم فصل النزاع في هذه الدعوى ولا محل للمجادلة في ذلك وحيث أن محكمة الاستئناف طبقت أحكام القانون رقم 22 لسنة 1997 على وقائع النزاع وفصلت الدعوى على هدي أحكام المواد 60 و 61 من ذات القانون ولم تقم بتطبيق القانون رقم 1 لسنة 1989 الواجب التطبيق الذي عالجه النزاع محل الدعوى بالمادة 60/ب منه فيكون إصرارها واقعاً في غير محله في الحدود المشار إليها وليس للأسباب الواردة بقرار الهيئة العادية لمحكمة التمييز.
