الإعسار والإفلاس والفرق بينهما
تُبنى التعاملات التجارية على الثقة بين المتعاملين، بيد أن الثقة تتطلب وسائل وقواعد قانونية تقويها وتحافظ عليها، وفيما يتعلق بالمعاملات المدنية فمن أهم الوسائل والنظم الداعمة للائتمان هو نظام الإعسار.
ونظرًا للظروف الاقتصادية والصحية التي يمر بها العالم حاليًا والتي أثرت بشكل مباشر على المملكة الأردنية الهاشمية وعصفت باقتصادها وأضعفت فرص الاستثمار، فقد كان لذلك عظيم الأثر في زيادة عدد الدائنين أفرادًا وشركات، ودليل ذلك ارتفاع عدد القضايا المنظورة أمام القضاء الأردني والتي تتعلق بالإعسار المالي للمدين.
أولًا: مفهوم الإعسار
ثانيًا: الفرق بين الإعسار والإفلاس
ثالثًا: أهداف قانون الإعسار الأساسية
أولًا: مفهوم الإعسار
يُعتبر نظام الإعسار هو نظام خاص بالمدينيين من غير التجار، ففي حال كانت الديون المستحقة الأداء أكبر من قيمة أموال المدين، فإن هذا المدين يكون في حالة إعسار.
ويُعرف الإعسار بأنه حالة قانونية من خلالها يتم فرض الحجز على أصول المدين الذي تتجاوز قيمة ديونه قيمة أصوله، وهذا الحجز يُنفذ بموجب حكم صادر عن المحكمة المختصة. ويصدر هذا الحكم بناء على الالتماس المُقدم من الدائن أو المدين.[1]
ونجد أنه تحت عنوان :” الحجز على المدين المفلس” قد نظم القانون المدني الأردني نظام الإعسار في (المواد من 375 إلى 386)، وجاء نص (المادة 375) من القانون المدني الأردني على أن : ” يجوز الحجز على المدين إذا زادت ديونه الحالة على ماله “.
كما جاء في القانون المدني المصري في (مادته 249) على أنه : ” يجوز أن يشهر إعسار المدين إذا كانت أمواله لا تكفي لسداد ديونه المستحقة الأداء”. وبناء على ذلك فإن العديد من القانونيين يرون فرقًا بين حالتين من الإعسار وهما الإعسار القانوني والإعسار الفعلي:
- الإعسار القانوني : حالة قانونية تنشأ عن زيادة ديون المدين المستحقة الأداء على حقوقه، ويجب شهرها بناء على حكم قضائي يجعل المدين في حالة إعسار.[2]
- الإعسار الفعلي : ارتفاع مستوى ديون المدين المدني المستحق دفعها وغير المستحق دفعها عن مستوى حقوقه أو تساويهما معًا في وقت معين بحيث يُعتبر المدين معسرًا بداية من هذا الوقت.[3]
وهناك نوعان من الإعسار بموجب قانون الإعسار الأردني الجديد، وهما الإعسار الفعلي والإعسار الوشيك، وقد عرفت (المادة 2) من قانون الإعسار الأردني الإعسار الوشيك بأنه : ” الحالة التي يتوقع فيها أن يفقد المدين القدرة المستقبلية على سداد ديونه عند استحقاقها خلال ستة أشهر رغم قدرته الحالية على سدادها”.
بيد أن الإعسار الفعلي يشير إلى الإعسار القانوني أو الإعسار بشكل عام، فهو يشير إلى وجود التزام أكبر قيمة من قيمة سائر الأصول المملوكة، أو قد يشير إلى توقف المدين عن سداد ديونه المستحقة بطريقة منتظمة.
ومن ثم يتضح لنا أن مفهوم الإعسار في ظل قانون الإعسار الجديد قد تميز عن مفهومه في القوانين الأخرى وكذلك في كتب الفقه، بحيث أنه يقتضي ألا يكون هناك سيولة مالية كافية لدى المدين تسمح له أن يسدد ديونه، ومن ثم يتوقف عن سداد ديونه
ثانيًا: الفرق بين الإعسار والإفلاس
بما أنه لم يتطرق للحديث عن الإفلاس بالتعريف فيما سبق لأنه ليس موضوع مقالنا، مما يوجب تعريفه قبل أن نفرق بينه وبين الإعسار. فهو نظام يتم تطبيقه على التجار ويهدف لتنظيم التنفيذ الجماعي على أموال التاجر المدين عندما يتوقف عن الوفاء بديونه في مواعيد استحقاقها، وذلك بواسطة قواعد تكفل للدائنين الحصول على حقوقهم في نطاق الأموال التي يملكها التاجر المفلس.
وقد كفل نظام الإعسار حماية للمدين وأيضًا لدائني المدين، ونشير إلى أن الإفلاس التجاري والإعسار المدني يتفقان في أمرين: أنهما نظامين الغرض منهما إجبار المدين على سداد ديونه، كما أنهما يهدفان لتوزيع أموال المدين على الدائنين بعد تصفيتها.
ويمكن أن نفرق بين الإفلاس والإعسار فيما يلي:
- من غير الجائز شهر إعسار المدين إلا بموجب طلب من أحد الدائنين أو من المدين المفلس، بيد أنه يجوز للمحكمة أن تشهر إفلاس التاجر من تلقاء نفسها أو من النيابة العامة، أو من أحد الدائنين، أو من المدين نفسه.
- يؤثر الإفلاس على حقوق المدين السياسية والمهنية، وقد يقيد حريته الشخصية، بيد أن شهر الإعسار لا يؤثر على حقوق المدين السياسية والمهنية وكذلك حريته الشخصية.
- لم يجز نظام الإعسار صلحًا بموجب إقرار لأغلبية الدائنين يلتزم الجميع بأحكامه، بيد أن نظام الإفلاس أجاز إنهاء التفليسة بمثل هذا الصلح.
- الإعسار يخضع للقانون المدني أما الإفلاس فيخضع للقانون التجاري، والإعسار حالة خاصة تتعلق بالمدين غير التاجر وهي التي تكون فيها حقوق المدين أقل من ديونه المستحقة الأداء، أما الإفلاس فهو حالة متعلقة بالمدين التاجر الذي لم يقم بدفع ديونه.
- للمحكمة سلطة تقديرية في شهر إعسار المدين، فيحق للمحكمة في الإعسار أن ترفض شهر إعسار المدين حتى وإن كانت شروطه متوفرة في حال رأت المحكمة أن الظروف تبيح ذلك، بيد أن الإفلاس لا يشهر إلا بناء على حُكم قضائي تقوم المحكمة المختصة بإصداره في حال توفرت شروطه.
- في حالة الإعسار فإنه من حيث المبدأ تحل الديون الآجلة بيد أن للمحكمة من خلال بعض التشريعات سلطة تقديرية في الإبقاء على الآجال أو مدها، بينما في الإفلاس تحل الديون الآجلة وجوبًا فور صدور الحكم بإشهار إفلاس التاجر.
- في حال صدور حكم الإعسار فإن ذلك لا يوقف سريان فوائد الديون، بينما يترتب على صدور حكم الإفلاس وقف سريان فوائد الديون.
- يجوز للمدين في الإعسار – في حال حصل على إذن من المحكمة – أن يتصرف في ماله ولو دون استئذان الدائنين، بيد أنه يُشترط أن يكون التصرف بثمن المثل، وقام المشتري بإيداع الثمن بصندوق المحكمة، أما في الإفلاس فبمجرد أن يصدر حُكم الإفلاس فإن يد المدين التاجر تُغل عن التصرف بأمواله والتحكم فيها بقوة القانون.
إن الإفلاس نظام قانوني يتم تطبيقه تحديدًا على التجار في حالتين، الأولى عندما يتوقف التاجر عن دفع الديون التجارية المترتبة عليه، حيث إن التوقف عن الدفع هو بمثابة عجز عن الوفاء بالديون المترتبة، والثانية هي عندما لا يدعم التاجر ثقة الآخرين المالية به إلا بوسائل يظهر فعلًا أنها وسائل غير مشروعة، وبالتالي يُعتبر التاجر في هاتين الحالتين مفلسًا[4]. وهذا التاجر يخضع لنظام خاص يقوم على تصفيه كافة أمواله بشكل جماعي، ومن ثم توزيع ثمن تلك الأموال على الدائنين وفقًا لقسمة الغرماء.
وثمة فارق آخر بين الإعسار والإفلاس يتمثل فيما يلي: الإعسار هو عجز المدين الكامل عن أداء أو الوفاء بديونه لدى الآخرين، بينما يتحقق الإفلاس في حال تُيقن أن التاجر المدين توقف عن دفع الديون التجارية التي تقع على كاهله، حتى وإن كانت ديونه مستحقة الدفع أقل من أمواله، مما يترتب عليه الإفلاس، ولكن في حال إن لم يتوقف عن الدفع وأستمر في عملية الدفع وكان معسرًا، ففي تلك الحالة لا يُعد مفلسًا.
أيضًا، يؤدي الإفلاس إلى وقف جميع الإجراءات والدعاوي الفردية والعمل على تصفية جميع أمواله بشكل جماعي وتوزيع ثمنها على الدائنين وفقًا لقسمة الغرماء، بينما في الإعسار يحصل العكس، حيث يجوز لكل دائن أن يرفع دعوى تجاه المعسر لاستيفاء حقه، حتى لو كان ذلك على حساب الدائنين الآخرين.[5]
ثالثًا: أهداف قانون الإعسار الأساسية
يعمل قانون الإعسار لمصلحة الاقتصاد الوطني، وذلك بمنع تصفية المشاريع القابلة للاستثمار مما يساهم في الحفاظ على قيمة اقتصادية كبيرة، وبالتالي ويؤثر إيجابًا على الاقتصاد الشامل للبلاد.
ويُعد قانون الإعسار من القوانين بالغة الأهمية ومطلب اقتصادي كونه يعالج الكثير من القضايا المالية التي تمس التاجر المدين بحيث يضمن عدم وصوله لمرحلة الإفلاس قدر الإمكان، مما ينعكس بصورة إيجابية على الوضع الاقتصادي كما وجاء القانون استجابة لمتطلبات القطاع الاقتصادي من خلال إيجاد نظام تشريعي لمعالجة إعسار المدين سواء كان شخصًا اعتباريًا أو طبيعيًا وتشجيعه على تصويب أوضاعه المالية وتمكينه من الخروج من حالة التعثر التي تعرض لها.[6]
ويُمكن أن نلخص أهداف قانون الإعسار الأساسية فيما يلي:
1_ حماية موجودات الإعسار
من أهداف قانون الإعسار حماية موجودات الشخص المدين المعسر التي تخضع لإجراءات الإعسار وذلك حتى لا تتناقص قيمتها بسبب يعود للإجراءات التي تم اتخاذها من قبل أطراف الإعسار، وإدارة إجراءات الإعسار بشكل عادل ومنظم، دون أي إجراءات أحادية يتخذها الدائن أو المدين، فإجراءات الإعسار وفق قانون الإعسار تعتبر إجراءات جماعية تحمي مصالح كافة الأطراف.
2_ حماية الدائن
يضع الدائنون في حسبناهم دومًا تصور فشل المدين في السداد، ولذلك فهم يسعون دومًا للحصول على حق ضمان بغرض حماية مصالحهم في البيئة الاستثمارية، ما يستتبع تحفيز الاستثمار ويعود بالنمو والاستقرار على البيئة الاجتماعية والاقتصادية.
3_ حماية المدين المعسر
يتيح نظام الإعسار الفرصة للشركات المتعثرة أن تتفادى الإفلاس والتصفية، وذلك بأن أعطاها فرصة لتصويب أوضاعها في ظل ظروف اقتصادية قاسية شهدها ولازال يشهدها العالم نتيجة أزمة فيرس كورونا المستجد، أو أن تقوم الشركة بإنهاء نشاطها أو الخروج من السوق، وما ينطبق على ما يتيحه قانون الإعسار للشركات يسري على الأفراد أيضًا.
إعداد : حسام عبد العاطي
[1] ياسين محمد الجبوري، الوجيز: شرح القانون المدني الأردني، الجزء الثاني، الأحكام المنظمة للالتزام، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان. الطبعة الأولى، ص 366.
[2] عبد الرازق السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني، نظرية الالتزام بوجه عام، جزء 2، المجلد الثاني، آثار الالتزام، ط2، ص 1029، 1210
[3] مرقس سليمان، الوافي في توضيح القانون المدني، الجزء الثاني، الالتزام، المجلد 4، أحكام الالتزام، دار الفكر العربي للنشر والتوزيع، القاهرة، الطبعة الثانية، ص 398
[4] طارق عبد الرؤوف رزق، قانون التجارة الكويتي رقم (68) لسنة 1980 وتعديلاته، دار مؤسسة الكتب، الكويت، الطبعة الأولى، ص 83.
[5] حسني المصري، الوجيز في الإفلاس، ص 3
[6] منار إبراهيم أحمد، قانون الإعسار الأردني الجديد وأفول نظام الإفلاس، ص 21 و 22.
