نظرية السبب في القانون الحديث
261 – ترتيب الموضوع : انتقلت نظرية السبب كما رأينا في القانون الفرنسي القديم إلى قانون نابليون ، فبسطها الفقهاء الفرنسيون على النحو الذي رأيناه عند دوما وبوتييه . وهذه هي النظرية التقليدية في السبب . ولما كانت هذه النظرية عقيمة مجدبة ، إذ هي مشبعة بالفكرة الرومانية الضيقة كما قدمنا ، فقد انتصب لها خصوم اشداء فندوها وزعزعوا الثقة بها وكادوا أن يقضوا على فكرة السبب كركن من أركان اللاتلزام . واثارت هذه الخصومة لنظرية السبب التقليدية فقهاء آخرين قاموا ينتصرون لفكرة السبب في ذاتها ، سواء في صورتها التقليدية أو في صورة أخرى لها معدلة . ولكن القضاء في فرنسا كان بمعزل عن هذه الخصومات الفقهية ، وأخذ من جانبه يعود إلى النظرية الكنسية المخصبة وهي النظرية التي تفسر السبب بالباعث فتجعل للسبب معنى منتجاً فعالا . ومن ثم قامت النظرية الحديثة في السبب على أنقاض النظرية التقليدية ، قامت في أول أمرها على أكتاف القضاء فهو الذي عبد لها الطريق كما رينا ، ثم تبع القه القضاء في ذلك . وقد تلقى القانون المدني الجديد النظرية وهي في مرحلة متقدمة من مراحل تطورها ، فاستكمل حلقات التطور بفصل نظرية السبب عن نظرية الغلط فصلا تاماً وكانا من قبل يتلاقيان في منطقة مشتركة .
فنحن نتكلم : ( أولاً ) في النظرية التقليدية . ( ثانياً ) في النظرية الحديثة . ( ثالثاً ) في نظرية السبب بعد انتقالها إلى القانون المدني الجديد .
المطلب الأول
النظرية التقليدية في السبب
262 – النصوص في القانون المدني الفرنسي وفي القانون المدني المصري القديم : تلقى قانون نابليون نظرية السبب كما بسطها دوما ، وانتقلت منه إلى الفقه الفرنسي . وبقى الفقهاء الفرنسيون يقررون هذه النظرية التقليدية طوال القرن التاسع عشر ( [1] ) . وسنرى ونحن نبسط ما قرروه إنهم لم يبتعدوا عما قرره دوما وبوتييه مما سبق بيانه .
وقد دخلت النظرية التقليدية في نصوص قانون نابليون على النحو الآتي :
نصت المادة 1131 من هذا القانون على أن الالتزام لا ينتج أي اثر إذا لم يكن مبنياً على سبب ( sans cause ) . أو كان مبنياً على سبب غير صحيح ( fausse cause ) ، أو على سبب غير مشروع ( cause illicite ) .
ونصت المادة 1132 على أن الاتفاق يكون صحيحاً ولو لم يذكر سببه .
ونصت المادة 1133 على أن السبب يكون غير مشروع إذا حرمه القانون ، أو إذا كان مخالفاً للآداب أو للنظام العام .
وقد نقل القانون المدني المصري القديم عن قانون نابليون هذه النصوص بعد أن أوجزها في نص واحد على الوجه الآتي :
نصت المادتان 94 / 148 من القانون المدني المصري القديم على أنه ” يشترط لصحة التعهدات والعقود أن تكون مبنية على سبب صحيح جائز قانوناً ” . والأصل الفرنسي لهذا النص العربي أدق ، فهو يقضي بأن ” الالتزام لا يوجد إلا إذا كان له سبب محقق مشروع ( [2] ) ” ، فجعل السبب شرطاً في وجود الالتزام لا في صحته فحسب .
ونتناول الآن النظرية التقليدية . فنتكلم أولاً في معنى السبب في هذه النظرية وفي الشروط التي يجب توافرها فيه . ثن نستعرض بعد ذلك الحجج التي تقدم بها خطوء السبب في تقيده ، والحجج التي تقدم بها أنصاره في تأييده .
1 – معنى السبب في النظرية التقليدية والشروط الواجب توافرها فيه
ا – تحديد معنى السبب في النظرية التقليدية
263 – السبب الإنشائي والسبب الدافع والسبب القصدي : تميز النظرية التقليدية بين السبب الإنشائي ( cause efficiente ) والسبب الدافع ( cause impulsive ) والسبب القصدي ( cause finale ) ( [3] ) .
فالسبب الإنشائي هو مصدر الالتزام . وقد عرفنا أن مصادر الالتزام هي العقد والعمل غير المشروع والإثراء بلا سبب والقانون . والسبب بهذا المعنى لا يعنينا هنا ، ويجب أن نستبعده .
والسبب الدافع هو الباعث الذي دفع الملتزم إلى أن يرتب في ذمته الالتزام . فمن يشتري منزلا قد يكون الدافع له على الشراء والالتزام بدفع الثمن هو أن يستغل المنزل ، أو أن يخصصه لسكناه ، أو أن يجعل منه محلا لعمله ، أو أن يديره للعهارة ، أو أن يجعل منه نادياً للمقارمة ، ألخ ألخ . ونرى من ذلك أن الباعث يجمع الخصائص الثلاث الآتية : ( 1 ) هو شيء خارجي عن العقد ( extrinseque ) ، فلا يذكر في الاتفاق ضرورة ، ولا يستخلص حتما من الالتزام . ( 2 ) هو شيء ذاتي للملتزم ( subjectif ) ، إذ يرجع إلى نواياه وما يتأثر به من دوافع . ( 3 ) هو شيء متغير ( variable ) ، لا في كل نوع من العقود فحسب ، بل في كل عقد علىحدة ، فالباعث للمشتري في عقد غير الباعث للمشتري في عقد آخر . ولما كان الباعث لا يمكن ضبطه على وجه التحديد ، فإن النظرية التقليدية تذهب إلى أنه لا تأثير له في وجود العقد ولا في قيام الالتزام . فمهما كان هذا الباعث شريفاً أو غير شريف ، متفقاً مع النظام العام أو مخالفاً له ، فإن العقد صحيح والالتزام قائم .
والسبب القصدي – وهو السبب الذي تقف عنده النظرية التقليدية واذ اطلقت كلمة السبب عنته بهذه الكلمة – يعرف عادة بأنه هو الغاية المباشرة ( fin directe ) أو الغرض المباشر ( but immediate ) الذي يقصد الملتزم الوصول إليه من وراء التزامه . فيختلف السبب عن الباعث في أن السبب هو أول نتيجة يصل إليها الملتزم ( causa proxima ) ، أما الباعث فغاية غير مباشرة ( causa remota ) تتحقق بعد أن يتحقق السبب ، و لا يصل إليها الملتزم مباشرة من وراء الالتزام .
264 – السبب في الطوائف المختلفة للعقود : وتستعرض النظرية التقليدية الطوائف المختلفة للعقود لتحدد السبب – ويفهم دائماً بمعنى السبب القصدي – في كل طائفة منها ، على النحو الذي جرى عليه دوما وبوتييه .
ففي العقود الملزمة للجانبين سبب التزام كل من المتعاقدين هو التزام الآخر . مثل ذلك عقد البيع ، يلتزم البائع فيه بنقل ملكية المبيع ، وسبب هذا الالتزام – أي الغرض المباشر الذي قصد البائع أن يحققه من وراء التزامه بنقل ملكية المبيع – هو التزام المشتري بدفع الثمن . ويلتزم المشتري بدفع الثمن ، وسبب هذا الالتزام – أي الغرض المباشر الذي قصد المشتري أن يحققه من وراء التزامه بدفع الثمن – هو التزام البائع بنقل ملكية المبيع . وقل مثل ذلك في العقود الأخرى الملزمة للجانبين ، كالمقايضة والإيجار وعقد المقاولة وعقد العمل .
وفي العقود الملزمة لجانب واحد ، إذا كان العقد عينياً ، قرضاً كان أو عارية أو وديعة أو رهن حيازة ( [4] ) ، يكون سبب الالتزام المتعاقد الملتزم هو تسلمه الشيء محل التعاقد . فالمقترض يلتزم برد القرض لأنه تسلمه ، وهذا هو الغرض المباشر الذي قصد إلى تحقيقه من وراء التزامه .
وإذا كان العقد الملزم لجانب واحد عقداً رضائياً ، كالوعد بالبيع ، فالظاهر أن سبب الالتزام هو إتمام العقد النهائي ، وهو الغرض المباشر الذي قصد إلى تحقيقه ، وهو بعد سبب محتمل قد يتحقق وقد لا يتحقق ( [5] ) .
وفي عقود التبرع السبب في التزام المتبرع هو نية التبرع ذاتها . فالمتبرع يقصد من وراء التزامه غرضاً مباشراً هو إسداء يمد للموهوب له ، وهذا هو السبب في تبرعه .
265 – خصائص السبب : ويتبين مما تقدم أن خصائص السبب في النظرية التقليدية هي عكس خصائص الباعث . فالسبب شيء داخلي في العقد ( intrinseque ) يستخلص حتما من نوع العقد ومن طبيعة الالتزام ذاته . وهو شيء موضوعي ( objectif ) لا تؤثر فيه نوايا الملتزم . وهو غير متغير ( invariable ) ، فيبقى واحداً في نوع واحد من العقود ، ولا يتغير بتغير البواعث والدوافع .
وهذه الخصائص الثلاث هي عين الخصائص التي رأيناها لصيقة بالسبب في الفكرة الرومانية القديمة .
266 – قيام السبب من وقت تكوين العقد إلى حين تنفيذه : وتحرص النظرية التقليدية على أن تقرر أن قيام السبب واجب من وقت تكوين العقد إلى حين تنفيذه . فإذا قام السبب عند تكوين العقد ، ثم انقطع قبل التنفيذ ، سقط الالتزام . وتظهر أهمية هذا الحكم في العقود الملزمة للجانبين . فإن هذه العقود تتميز بأمور ثلاثة : ( 1 ) إذا لم يقم أحد المتعاقدين بتنفيذ التزامه جاز للمتعاقد الآخر أن يمتنع عن تنفيذ ما ترتب في ذمته من التزام ، وهذا هو الدفع بعدم التنفيذ . ( 2 ) إذا لم يقم أحد المتعاقدين بتنفيذ التزامه جاز للمتعاقدين الآخر أن يطلب فسخ العقد ، وهذه هي نظرية الفسخ . ( 3 ) إذا استحال على أحد المتعاقدين تنفيذ التزامه لقوة قاهرة تحمل هو تبعة هذه الاستحالة وسقط التزام المتعاقد الآخر ، وهذه هي نظرية تحمل التبعة . وسنعرض لهذه النظريات بالتفصيل في مواضعها . ويكفي أن نشير هنا إلى أن أصحاب النظرية التقليدية يبنون هذه النظريات الثلاث على فكرة السبب ووجوب بقائه قائماً إلى أن يتم تنفيذ العقد . فإذا لم يقم أحد المتعاقدين بتنفيذ التزامه ، أو استحال عليه هذا التنفيذ لقوة قاهرة ، فإن التزام المتعاقد الآخر ينقطع سببه ، ومن ثم يستطيع هذا المتعاقد أن يمتنع عن تنفيذ التزامه ، أو أن يطلب فسخ العقد ، أو أن يجعل المتعاقد الذي استحال تنفيذ التزامه يحمل تبعة هذه الاستحالة بعد سقوط الالتزام الذي انقطع سببه ( [6] ) .
ب – الشروط الواجب توافرها في السبب
267 – شروط ثلاثة : يخلص من النصوص التي أوردناها في القانون المدني الفرنسي وفي القانون المدني المصري القديم أن السبب يجب أن تتوافر فيه شروط ثلاثة : ( 1 ) أن يكون موجوداً . ( 2 ) وأن يكون صحيحاً . ( 3 ) وأن يكون مشروعاً .
268 – وجود السبب : تقول النظرية التقليدية إن كل التزام يجب أن يكون له سبب . ووجود السبب ليس في الواقع شرطاً يجب توافره في شيء ، بل هو الشيء ذاته . وإنما يثار وجود السبب حتى يتقرر أن كل التزام لا يكون له سبب يكون التزاماً غير قائم .
ويغلب في السبب غير الموجود أن يكون سبباً موهوماً وقع غلط في وجوده ، فظن المتعاقدان أن موجود وهو غير موجود . ولكن السبب الموهوم لا يدخل في دائرة هذا الشرط الأول ، بل يدخل في دائرة الشرط الثاني كما سنرى . أما هنا فالمراد بالسبب غير الموجود أن يكون المتعاقدان على بينة من أنه غير موجود ، أي غير واهمين في وجوده . ويصح التساؤل إذن كيف يقدم المتعاقدان على التعاقد لسبب غير موجود وهما عالمان بذلك ؟ تجيب النظرية التقليدية أن هذا يمكن أن يتحقق عند التعاقد وبعد التعاقد .
فهو يتحقق عند التعاقد في فروض مختلفة نذكر منها فرضين : ( 1 ) قد يكره أحد المتعاقدين على إمضاء إقرار بمديونيته وهو غير مدين ، أي لسبب لا وجود له ، كقرض لم يتم ، فيكون كل من المتعاقدين على بينة من أن سبب المديونية غير موجود . وفي هذه الحالة يكون العقد الذي يقر فيه المتعاقد المكره بمديونيته باطلا لانعدام السبب ، ولا يكفي أن يقال أنه قابل للإبطال لما وقع فيه من إكراه ، بل قد لا يكون هناك إكراه ويصدر الإقرار بالمديونية قبل تسلم القرض ، ثم يثبت المقر أنه لم يتسلم القرض أصلاً ، فيكون الإقرار في هذه الحالة باطلا لانعدام السبب . ويستقيم الفرض حتى لو اعتبر الإقرار إرادة منفردة لا عقداً ، فإذن السبب ركن في كل التزام إرادي ولو لم يكن الزاماً عقدياً . ( 2 ) يكون السبب غير موجود ، دون أن يكون هناك وهم أو إكراه ، فيما يسمى بسند المجاملة ( effet de complaisance ) . وصورته أن يلتزم شخص نحو آخر التزاماً صورياً ، فيمضي سنداً لمصلحته ، ويقصد من ذلك أن يعطي الدائن الصوري سنداً يحصل على قيمته من طريق تحويله ، حتى إذا حل ميعاد دفع السند قام الدائن الصوري بتوريد قيمته إلى المدين ، فيدفعها هذا لحامل السند . وبذلك يستطيع الدائن الصوري أن يحصل على ما هو في حاجة إليه من النقود إلى أجل معلوم ، لا من مدينه بالذات ، بل بفضل إمضاء هذا المدين على سند المجاملة . ولا يحتج بانعدام السبب على حامل السند إذا كان حسن النية ، ولكن في العلاقة ما بين المدين ودائنه الصوري يستطيع الأول أن يتمسك ببطلان السند لانعدام السبب ( [7] ) .
ويتحقق انعدام السبب بنوع خاص بعد التعاقد . ويقع ذلك في العقود الملزمة للجانبين إذا لم يقم أحد المتعاقدين بتنفيذ التزامه أو استحال عليه هذا التنفيذ لقوة قاهرة ، فإن سبب التزام المتعاقد الآخر يصبح غير موجود بعد أن كان موجوداً عند التعاقد ، وانعدام السبب بعد وجوده في هذه الأحوال هو الذي يبرر نظرية الدفع بعدم التنفيذ ونظرية الفسخ ونظرية تحمل التبعة على ما بينا .
269 – صحة السبب : ويجب أيضاً أن يكون السبب صحيحاً . فالسبب غير الصحيح ( fausse cause ) لا يصلح أن يقوم عليه التزام ، ويرجع عدم صحة السبب إلى أحد أمرين : ( 1 ) إما لأن السبب الظاهر – وهو السبب غير الصحيح – هو سبب موهوم أو مغلوط ( cause erronee ) ( 2 ) وإما لأن السبب الظاهر هو سبب صوري ( cause simulee ) .
والأمثلة على السبب الموهوم كثيرة : وارث يتخارج مع شخص يعتقد أنه وارث معه وهو ليس بوارث ، فيعطيه مبلغاً من النقود حتى يتخلى عن نصيبه في الميراث ، فهذا التخارج باطل لأن سببه موهوم . وارث يمضي إقرارا بدين على التركة ويتبين أن الدائن كان قد استوفى الدين من المورث ، فهذا الإقرار باطل لأن سببه موهوم . وارث يتعهد لموصى له بعين في التركة أن يعطيه مبلغاً من المال في نظير نزوله عن الوصية ، ويتبين بعد ذلك أن الوصية باطلة أو أن الموصى قد عدل عنها ، فتعهد الوارث باطل لأن سببه موهوم . مدين يتفق مع دائنه على تجديد الدين ، فيتبين أن الدين القديم باطل أو أن الدائن قد استوفاه ، فالتجديد باطل لأن سببه موهوم .
بقى السبب الصوري ، والعقد الذي يقوم على سبب صوري لا يكون باطلا لصورية السبب ، فإن الصورية في ذاتها ليست سبباً في البطلان . ولكن إذا اثبت المدين صورية السبب ، فعلى الدائن أن يثبت السبب الحقيقي . ويكون الالتزام قائماً أو غير قائم تبعاً لهذا السبب الحقيقي . فإن كان هذا السبب موهوماً سقط الالتزام لأن السبب الحقيقي موهوم لا لأن السبب الظاهر صوري . وإن كان السبب الحقيقي غير مشروع ، وقد أخفى تحت ستار سبب مشروع كما هو الغالب ، سقط الالتزام أيضاً ، لا لصورية السبب الظاهر ، بل لعدم مشروعية السبب الحقيقي . أما إذا كان السبب الحقيقي مشروعاً غير موهوم ، فإن الالتزام يقوم بالرغم من صورية السبب الظاهر ( [8] ) .
270 – مشروعية السبب : ويجب أخيراً أن يكون السبب مشروعاً . والسبب المشروع هو الذي لا يحرمه القانون ولا يكون مخالفاً للنظام العام ولا للآداب ( [9] ) . وقد بينا معنى المخالفة للقانون أو للنظام العام أو للآداب عند الكلام في المحل غير المشروع . ونبين هنا أن مشروعية السبب ، عند أصحاب النظرية التقليدية ، شرط متميز عن مشروعية المحل ، فقد يكون المحل مشروعاً والسبب غير مشروع . ويتحقق ذلك في فروض مختلفة ، نذكر منها لفروض الثلاثة الآتية :
( أولاً ) إذا تعهد شخص لآخر بارتكاب جريمة في مقابل مبلغ من النقود يأخذه منه ، فإن التزام الشخص الآخر بدفع النقود محله مشروع ، ولكن سببه – وهو التزام الشخص الأول بارتكاب الجريمة – غير مشروع . فلا يقوم هذا الالتزام ، لا لعدم مشروعية المحل ، بل لعدم مشروعية السبب .
( ثانياً ) كذلك إذا تعهد شخص لآخر بعدم ارتكاب جريمة في مقابل مبلغ من النقود ، فإن التزام كل من المتعاقدين محله مشروع . فقد تعهد الأول بعدم ارتكاب الجريمة ، وتعهد الثاني بدفع مبلغ من النقود ، وكلا المحلين مشروع . ولكن سبب التزام الأول بالامتناع عن ارتكاب الجريمة هو التزام الثاني بدفع النقود ، وهذا سبب غير مشروع . وسبب التزام الثاني بدفع النقود هو التزام الأول بالامتناع هو ارتكاب الجريمة ، وهذا أيضاً سبب غير مشروع . ومن ذلك نرى أن كلا من الالتزامين لا يقوم لعدم مشروعية السبب ، وهذا بالرغم من أن محل كل منهما مشروع . وكذلك الأمر في كل عقد يلتزم فيه شخص باجازة آخر ليحمله على الالتزام بما يجب عليه دون إجازة ، كالمودع يجيز المودع عنده حتى يرد الوديعة ، وكالمسروق منه يجيز السارق حتى يرد المسروق ، وكالمخطوف وله يجيز الخاطف حتى يرد الولد ، وكمن يخشى أذى دون حق من شخص يجيز هذا الشخص حتى يكف عنه أذاه .
( ثالثاً ) عقد الوساطة في الزواج ( courtage matrimonial ) هو أيضاً عقد سببه غير مشروع ، على أي ، وإن كان المحل مشروعاً . فإذا التزم شخص أن يدفع أجراً لوسيط يبحث له عن زوج يرضاه ، فإن كثيراً من الفقهاء ( [10] ) يقولون إن العقد غير مشروع لأنه يجعل الزواج ضرباً من التجارة . إلا أن محكمة النقض الفرنسية ميزت بين فرضين . فإذا اشترط الوسيط الأجر تم الزواج أو لم يتم ، كان هذا أجراً على العمل لا جائزة على النجاح ، فيكون العقد مشروعاً . أما إذا اشترط الأجر على إلا يأخذه إلا إذا تم الزواج ، فهذا هو الاتفاق الباطل ، لأن الوسيط في هذه الحالة قد يحمل على ركوب طرق من الغش والخديعة حتى يتم زواجاً قد لا يكون في مصلحة الزوجين أن يتم ، ولا مصلحة فيه إلا للوسيط يحصل على أجره الموعود ( [11] ) . والقضاء في مصر غير مستقر ، فقد قضت إحدى المحاكم الوطنية ( [12] ) ببطلان العقد ، لا سيما في بلد كمصر حيث يسهل على ” الخاطبة ” أن تخدع الزوج ، في أمر زوجته بسبب انعزال المرأة عن الرجل ( [13] ) . وقضت محكمة الاستئناف المختلطة ( [14] ) بصحة العقد إذ أن الغرض الذي يرمى إليه مشروع ، فهو ييسر أمر الزواج ، وإذا وقع غش من الوسيط أمكن الرجوع عليه بالطرق القانونية . ونحن نؤثر الأخذ برأي محكمة النقض الفرنسية ، فيكون العقد صحيحاً إذا أخذ الوسيط أجراً على عمله تم الزواج أو لم يتم ، ويكون باطلا إذا لم يأخذ الأجر إلا إذا تم الزواج . فإذا أخذ بهذا الرأي كان الاتفاق مع الوسيط على إعطائه أجراً إذا نجحت وساطته اتفاقاً غير مشروع . وعدم المشروعية هنا يرجع إلى السبب لا إلى المحل ، فإن التزام كل من الفريقين محله مشروع ، أحدهما يلتزم بإعطاء الأجر والثاني يلتزم بالعثور على زوج صالح ، ولكن سبب كل من الالتزامين غير مشروع ، لأنه مما يخالف الآداب والنظام العام أن يلتزم الوسيط بتزويج الطرف الآخر في مقابل اجر ، وأن يلتزم الطرف الآخر بإعطاء الوسيط أجراً في مقابل هذا الزواج .
2 – خصوم السبب وأنصاره .
ا – خصوم السبب
271 – الهجوم على النظرية التقليدية : منذ أن استقرت النظرية التقليدية ، منقولة عن دوما وبوتييه على النحو الذي بسطناه ، بقيت مبعثاً لقلق الفقهاء ، يرون فيها ضيق الأفق وقصور المدى وعقم الإنتاج . وأول من جاهر من الفقهاء بذلك كان الفقيه البلجيكي إرنست ( Ernst ) وكان أستاذاً في جامعة ليبج ، كتب مقالا في سنة 1826 في مجلة ( Bibliotheque du jurisconsulte et do publiciste ) ( [15] ) يبين فيه أن السبب في النظرية التقليدية ليس ركنا متميزاً ، فهو يختلط إما بالمحل في العقود الملزمة للجانبين ، وإما بالرضاء في عقود التبرع ، ويستخلص من ذلك أن السبب لا ضرورة له ، وتغني عنه أركان الالتزام الأخرى . ثم هاجم النظرية بعد ذلك لوران ( Laurent ) ( [16] ) وكورنيل ( cornil ) ( [17] ) ، وهما أيضاً فقيهان بلجيكيان . وتابعهما عدد من الفقهاء الفرنسيين ، هاجموا النرظية مهاجمة عنيفة في رسائلهم ( [18] ) .
ولكن الحملة على نظرية السبب لفتت النظر بنوع خاص عندما انحاز بلانيول إلى خصوم السب ( [19] ) ، ورد الأستاذان بودري وبارد صدرى هذه الحملة ( [20] ) . وكذلك فعل دابان ( Babin ) ( [21] ) ووالتون ( [22] ) .
ونقف عند نقد بلانيول لنظرية السبب التقليدية ، ففيه خلاصة واضحة للحملات التي قام بها خصوم السبب ، وكان هو المعول الفعال في هدمها .
272 – نقد بلانيول لنظرية السبب التقليدية : يقول بلانيول إن نظرية السبب التقليدية نظرية غير صحيحة ، ثم هي غير ذات فائدة .
أما أنها غير صحيحة ، فذلك يظهر إذا استعرضنا السبب في فروضه الثلاثة : العقد الملزم للجانبين والعقد العيني وعقد التبرع . ففي العقد الملزم للجانبين لا يجوز القول ، كما تزعم النظرية التقليدية ، إن سبب أحد الالتزامين المتقابلين هو الالتزام الآخر ، فإن هذا استحالة منطقية ، ذلك أن الالتزامين يولدان في وقت واحد من مصدر واحد هو العقد ، فلا يمكن أن يكون أحدهما سبباً للآخر . لأن السبب يتقدم المسبب ، وهما قد نشأ معاً كما رأينا . وفي العقد العيني يقولون إن سبب الالتزام هو تسليم العين ، ولكن التسليم ليس إلا المصدر الذي كون العقد فأنشأ الالتزام ، فيختلط هنا السبب بالمصدر ويصبحان شيئاً واحداً . وفي عقد التبرع يقولون إن سبب الالتزام هو نية التبرع ، وهذا قول خال من المعنى ، وإلا فأية قيمة لنية التبرع في ذاتها إذا لم تقرن بالعوامل التي دفعت إليها !
وأما أن النظرية غير ذات فائدة ، فلأننا نستطيع الاستغناء عنها بشيء آخر . ففي العقود الملزمة للجانبين يكفي أن نقول إن الالتزامين المتقابلين مرتبطان أحدهما بالاخر بحيث يتوقف مصير كل منهما على مصير الثاني ، وتغني فكرة الارتباط في هذه العقود عن فكرة السبب . وفي العقود العينية وعقود التبرع انعدام السبب بالمعنى المفهوم من النظرية التقليدية هو انعدام التسليم في العقد العيني وانعدام نية التبرع في الهبة ، وهذا معناه انعدام العقد ذاته ، فلسنا إذن في حاجة إلى تعليل عدم قيام الالتزام بانعدام السبب مادام العقد ذاته غير موجود .
ب – أنصار السبب
273 – الدفاع عن فكرة السبب : أما أنصار السبب فكثيرون . منهم من يدافع عن النظرية التقليدية بعد تحويرها ، وعلى رأس هؤلاء كابيتان في كتابه المعروف ” السبب في الالتزامات ” ( [23] ) . ومنهم من يدافع عن فكرة السبب في ذاتها ، ولكنه يهجر في الدفاع عنها النظرية التقليدية إلى النظرية الحديثة التي وضع القضاء أسسها على ما سنرى .
ونبسط هنا دفاع كابيتان عن النظرية التقليدية ، ثم نشير في ايجاز إلى بعض الفقهاء الذين هجروا النظرية التقليدية إلى النظرية الحديثة .
274 – دفاع كابيتان عن نظرية السبب التقليدية : يمكن القول إن كابيتان هو عميد أنصار النظرية التقليدية للسبب . ولكنه هو في صدد الدفاع عنها قد حورها تحويراً جوهرياً في بعض نواحيها .
فعند كابيتان أن السبب في العقد الملزم للجانبين ليس هو الالتزام المقابل ذاته ، بل هو تنفيذ هذا الالتزام ( [24] ) . ويقول ، رداً على ما أخذه بلانيول على النظرية التقليدية من أن الالتزام الواحد لا يمكن أن يكون سبباً ومسبباً ، إن تنفيذ الالتزام هو السبب فلا يجوز الاعتراض بعد ذلك بأن الالتزام هو السبب والمسبب . ثم يضيف إلى ذلك أنه حتى لو فرض طبقاً للنظرية التقليدية أن سبب الالتزام هو الالتزام المقابل ذاته ، فلا يصح أن يقال مع ذلك إن الشيء الواحد يعتبر سبباً ومسبباً ، إلا إذا فهم السبب بمعنى ” السبب الإنشائي ” ، فعند ذلك يستحيل منطقياً أن يكون الشيء منشئاً لشيء آخر وناشئاً عنه في أن واحد . ولكن السبب هنا معناه ” السبب القصدي ” أي الغرض المباشر الذي قصد إليه الملتزم من وراء التزامه ، ويسهل مع هذا المعنى أن نفهم أن الغرض الذي قصد إليه أحد المتعاقدين من وراء التزامه هو التزام المتعاقد الآخر بالذات ، فكل من المتعاقدين قد التزم حتى يلتزم الآخر ، ولا يكون في هذا خروج على المنطق .
أما الالتزام الذي ينشأ من عقد عيني فسببه هو تسليم الشيء كما تقرر النظرية التقليدية . وهذا صحيح في نظر كابيتان في عقود عينية ثلاثة هي القرض والعارية ورهن الحيازة . فإن هذه العقود إذا كانت عينية من حيث الصياغة ، فهي من حيث طبيعتها عقود رضائية ملزمة للجانبين . فالمقرض والمقترض مثلا يتفقان على القرض ، ويتم العقد بالاتفاق ، فيلتزم المقرض بتسليم القرض كما يلتزم المقترض برد مثله . ومن هنا نرى أن التسليم ، إذا رجعنا إلى طبيعة العقد ، ليس هو حتما السبب المنشيء للالتزام ، بل هو الغرض الذي يسعى إليه المقترض من وراء التزامه برد الشيء . فلا يختلط في هذه العقود الثلاثة ” السبب الإنشائي ” و ” السبب القصدي ” كما يزعم خصوم نظرية السبب زولا يبقى من العقود العينية إلا الوديعة . وهنا يسلم كابيتان أن الوديعة بطبيعتها عقد عيني ملزم لجانب واحد إذا كانت بغير اجر ، ويرى أن سبب التزام المودع عنده ليس هو تسليم الشيء ، إذ يختلط بذلك السبب الإنشائي بالسبب القصدي ، بل هو رغبة المودع عنده ، وقد قبل أن يحفظ الشيء دون مقابل ، في أن يسدي جميلا للمودع . أما إذا كانت الوديعة باجر فقد أصبحت عقداً ملزماً للجانبين ، وصار سبب كل التزام هو تنفيذ الالتزام الآخر ( [25] ) .
أما في عقود التبرع ، فسبب الالتزام هو نية التبرع ذاتها ( animus donandi ) كما تقرر النظرية التقليدية . ولا تختلط هذه النية بالرضاء كما يقول خصوم السبب . فإن إرادة الواهب يمكن تحليلها على عنصرين : العنصر الأول هو إرادته أن يلتزم ، وهذا هو الرضاء . والعنصر الثاني هو إرادته أن يكون هذا الالتزام دون مقابل على سبيل التبرع ، وهذا هو السبب يتميز عن الرضاء كما نرى . والدليل على ذلك أن العنصر الأول ، وهو الرضاء بالالتزام ، قد يثبت وجوده دون أن يثبت وجود السبب وهو نية التبرع ، كما إذا كتب شخص سنداً بدين في ذمته لآخر ، ثم استطاع أن يثبت أن هذا الدين لا وجود له ، فإنه يبقى بعد ذلك أن يثبت الدائن نية التبرع في جانب المدين حتى يستوفى منه قيمة السند . فهذا مثل نرى فيه رضاء المدين بالالتزام ثابتاً دون أن تكون نية التبرع عنده ثابتة . وعلى أن كابيتان لا يقف عند نية التبرع بل يجاوزها إلى الباعث الدافع فيجعله هو السبب في حالتين : ( 1 ) التبرع إذا اقترن بشرط يتبين أنه هو الذي دفع المتبرع إلى تبرعه ، كما إذا وهب شخص مالا لجمعية خيرية واشترط على الجمعية أن تنشيء بهذا المال مستشفى أو ملجأ ، فإن سبب الهبة في هذه الحالة لا يكون نية التبرع بل هو القيام بالشرط الذي اقترن به التبرع . ( 2 ) الوصية حيث لا توجد إلا إرادة واحدة هي إرادة الموصى ، فلا يجوز الوقوف فيها عند نية التبرع ، بل إن الباعث الذي دفع الموصى إلى تبرعه هو الذي يجب اعتباره سبباً للوصية ، وفي هاتين الحالتين يسلم كابيتان باختلاط الباعث بالسبب .
ومن ذلك نرى أن كابيتان أدخل تحويراً في النظرية التقليدية ، حيث يجعل الباعث يختلط بالسبب في الحالتين المتقدمتين ، وحيث يحدد السبب في العقد الملزم للجانبين بأنه هو تنفيذ الالتزام لا وجوده ، وحيث يحدد السبب في عقد الوديعة غير المأجورة بأنه نية التبرع عند حافظ الوديعة . ولكنه مع ذلك يحتفظ بجوهر النظرية التقليدية ، فيستبقى التمييز بين السبب والباعث ولا يخلط بينهما إلا في فروض نادرة ( [26] ) ، ويجعل المعيار في تحديد السبب موضوعياً لا ذاتياً ، فيكون السبب عنده شيئاً داخلا في العقد لا منفصلا عنه ، وهو واحد لا يتغير في أي نوع من العقود .
275 – أنصار السبب الذين هجروا النظرية التقليدية إلى النظرية الحديثة : وإلى جانب كابيتان قام فقهاء يدافعون عن فكرة السبب ، وينادون بوجوب الاحتفاظ بها ، ويخالفون بذلك بلانيول وغيره من خصوم السبب الذين يقولون بوجوب حذف هذه الفكرة من القانون .
ولكن هؤلاء الفقهاء الذين ينتصرون للسبب ، ومن أبرزهم جوسران وريبير وديموج وبنكاز ، لا يدافعون عن السبب كما هو مبسوط في النظرية التقليدية ، بل يتوسعون فيه ويخلطونه بالباعث ، ويهجرون النظرية التقليدية إلى النظرية الحديثة التي وضع أساسها القضاء الفرنسي ، والتي نتولى الآن بسطها .
المطلب الثاني
النظرية الحديثة في السبب
276 – وجوب التوسع في تحديد السبب : لم يرض القضاء ، وهو الذي يواجه الحياة العملية ، عن النظرية التقليدية في السبب . فهي نظرية ضيقة عقيمة لا غناء فيها . وسار في طريق غير طريق الفقه التقليدي ، وتوسع في تحديد السبب ، فجعله هو الباعث الدافع إلى التعاقد . وقد عاد القضاء بذلك عن غير قصد إلى نظرية السبب عند الكنسيين ، لأنها هي النظرية التي تنتج في العمل . وما لبث الفقه الحديث أن انضم إلى القضاء في نظريته الجديدة ، إذ أدرك مدى ما فيها من خصوبة ومرونة . ولم يكن بد من أن تقترن الإرادة بالباعث الذي يحركها – وهذا هو التصرف المسبب وهو الأصل والقاعدة – أو أن تتجرد عن هذا الباعث . وهذا هو التصرف المجرد ولا يرد إلا على سبيل الاستثناء .
فنحن نتكلم إذن في مسائل ثلاث : ( 1 ) استبعاد النظرية التقليدية . ( 2 ) الأخذ بالنظرية الحديثة وهي تقوم على الباعث الدافع إلى التعاقد . ( 3 ) التصرف المجرد ( acte abstrait ) .
1 – استبعاد النظرية التقليدية
277 – العيب الجوهري في النظرية التقليدية : رأينا أن الصياغة الرومانية الشكلية هي التي ساهمت كثيراً في تكييف نظرية السبب التي نقلها دوما عن الفقهاء المدنيين فأصبحت هي النظرية التقليدية . والعيب الجوهري في هذه النظرية ليس في إنها غير صحيحة . فهي ، حتى لو كانت صحيحة ، عقيمة على كل حال . وهي لا تضيف شيئاً إلى الثروة القانونية ، إذ هي تحدد السبب في أنواع العقود المختلفة تحديداً آلياً . وتتطلب فيه شروطاً ثلاثة . ونستعرض هذه الشروط مطبقة على السبب في صوره المختلفة ، لنثبت أن السبب بهذا المعنى التقليدي الضيق يمكن الاستغناء عنه دون عناء .
278 – كيف نستغني عن السبب الموجود : تحرص النظرية التقليدية على أن تشترط وجود السبب ، وتستخلص من ذلك أن السبب إذا لم يكن موجوداً فإن الالتزام لا يقوم . وتأتي لذلك بمثلين : مثل من أكره على إمضاء التزام ليس له سبب ، ومثل من امضى سند مجاملة عن بينة واختيار .
فإذا اكره شخص على إمضاء سند لسبب لا وجود له ، كقرض لم يتم ، فإن العقد يكون باطلا . ولا يكفي هنا استظهار الإكراه ، فإنه يقتصر على جعل العقد قابلا للإبطال بينما العقد باطل كما قدمنا . ولكن على أي أساس يقوم بطلان العقد ؟ تقول النظرية التقليدية إن الأساس هو انعدام السبب ، إذ الالتزام بالمديونية سببه القرض والقرض لم يتم . على أنه من اليسير أن نصل إلى النتيجة ذاتها عن طريق غير طريق السبب . ذلك إننا إذا اعتبرنا السند تصرفاً صادراً عن إرادة منفردة ، فهو التزام بدفع مبلغ واجب بعقد القرض ، ولما كان هذا المبلغ لا وجود له لأن القرض لم يتم ، فمحل الالتزام معدوم ، ويسقط الالتزام لا لانعدام السبب بل لانعدام المحل . وإذا اعتبرنا السند هو عقد القرض ذاته ، فالتزام المقترض لا يقوم هنا أيضاً لأنه لم يتسلم مبلغ القرض ، ولا بد من أن يتسلم المقترض مبلغ القرض حتى يلتزم برده ، إما لأن القرض عقد عيني لم يتم بالتسليم ، وإما لأن القرض عقد رضائي ( وفقاً للقانون الجديد ) لم يقم فيه المقرض بتنفيذ التزامه ( [27] ) . وفي الحالين يسقط التزام من أمضى السند ، لا لانعدام السبب ، بل لعدم انعقاد القرض أو لعدم تنفيذ الالتزام المقابل .
أما إذا أمضى شخص سند مجاملة لدائن صوري ، فإن قواعد الصورية هنا تكفي وتغنينا عن نظرية السبب . فالسند الصوري . والدين لا وجود له فيما بين الطرفين . أما بالنسبة إلى الغير ( حامل السند ) فيؤخذ بالعقد الظاهر .
على إننا إذا تركنا هذه الأمثلة التفصيلية جانباً ، وأستعرضنا طوائف العقود المختلفة ، زدنا يقيناً أن السبب بالمعنى التقليدي يسهل الاستغناء عنه .
فالالتزام في العقد الملزم للجانبين سببه ، كما تقوم النظرية التقليدية ، الالتزام المقابل . ولكن ما أيسر علينا أن نستبدل بفكرة السبب هذه فكرة الارتباط التي قال بها بلانيول . بل لعل فكرة الارتباط من الناحية الفنية أدق من فكرة السبب . ذلك أن انعدام السبب جزاؤه البطلان كما هو معروف ، فإذا انعدام السبب عند تكوين العقد أو بعد تكوينه كان من الواجب أن يكون الجزاء واحداً في الحالتين . ولكننا نرى أن العقد يبطل في الحالة الأولى ويفسخ في الحالة الثانية ، وفي هذا التفريق عيب فني واضح . أما فكرة الارتباط فأكثر مرونة من فكرة السبب . وهي تسمح بان نقول بالبطلان إذا انعدم أحد الالتزامين المتقابلين عند تكوين العقد ، إذ منطق الارتباط يقضي بأن العقد لا يوجد . وتسمح فكرة الارتباط في الوقت ذاته أن نقول إن نقول إن العقد ينقضي بعد وجوده – أن يفسخ – إذا انقطع أحد الالتزامين المتقابلين بعد أن واجد .
أما في العقود العينية وفي التبرعات فالنظرية التقليدية أقل تماسكاً . إذ تقول هذه النظرية إن العقد العيني سببه التسليم ، فإذا لم يتم التسليم لم يقم الالتزام لانعدام سببه . ومن السهل هنا أن يقال إن الالتزام لا يقوم ، لا لانعدام السبب ، بل لعدم انعقاد العقد العيني . وتقول النظرية التقليدية إن السبب في التبرعات هو نية التبرع ، فإذا لم تكن هذه النية موجودة لم يقم التزام المتبرع لانعدام السبب . ولكن متى ثبت أن المتبرع قد رضى أن يتبرع ، فرضاؤه يتضمن حتمانية التبرع . فإذا تبين أن هذه النية منعدمة ، فذلك لا يكون إلا لأن الرضاء بالتبرع منعدم ، وتكون الهبة باطلة في هذه الحالة لانعدام الرضاء لا لانعدام السبب .
279 – كيف تستغنى عن السبب الصحيح : ومن السهل أيضاً أن تستغني عن السبب الصحيح كما استغنينا عن السبب الموجود . فالسبب غير الصحيح ، كما رأينا ، إما سبب موهوم أو سبب صوري .
وإذا استعرضنا أمثلة السبب الموهوم ، وجدنا أنه يمكن الاستغناء فيها جميعاً عن نظرية السبب بنظرية المحل . فالشخص غير الوارث الذي يتخارج مع وارث يتعامل في حق معدوم . وهذا هو حال دائن التركة الذي يحصل على إقرار بالدين بعد أن استوفاه ، وحال الموصي له الذي يتعامل في الموصى به إذا كانت الوصية باطلة أو كان الموصى قد عدل عنها ، وحال الدائن الذي يجدد ديناً قديماً بعد أن يستوفيه .
أما السبب الصوري فقد رأينا أنه لا يبطل العقد إلا إذا كان يخفي سبباً موهوماً أو سبباً غير مشروع . وقد فرغنا من السبب الموهوم ، فننتقل الآن إلى السبب غير المشروع .
280 – كيف تستغني عن نظرية السبب المشروع : ومن السهل أن نستغنى عن السبب المشروع في العقود الملزمة للجانبين بفكرة الارتباط التي قدمناها . فمن يتعهد بارتكاب جريمة في مقابل مبلغ من النقود لا يقوم التزامه لعدم مشروعية المحل ، وكذلك لا يقوم الالتزام المقابل لا لعدم مشروعية سببه بل لارتباطه بالتزام غير مشروع . ومن يتعهد بعدم ارتكاب جريمة في مقابل مبلغ من النقود لا يقوم التزامه لاستحالة المحل ، إذ هو لا يستطيع إنشاء التزام قد وجد بحكم القانون قبل هذا الإنشاء ، وكذلك لا يقوم الالتزام المقابل لا لعدم مشروعية سببه بل لارتباطه بالتزام مستحيل . والتوسيط الذي يتعهد بالنجاح في العثور على زوج صالح في مقابل مبلغ من النقود قد تعهد بأمر غير مشروع لا يتفق مع الآداب ، وكذلك لا يقوم الالتزام المقابل لا لعدم مشروعية سببه بل لارتباطه بالتزام غير مشروع .
أما في العقود العينية والتبرعات ، فإن اشتراط مشروعية السبب غير مفهوم . فالسبب في العقود العينية هو التسليم ، ولا يتصور أن يكون التسليم غير مشروع إلا إذا وقع على محل غير مشروع ، وعند ذلك لا ينعقد العقد لعدم مشروعية المحل لا لعدم مشروعية السبب . والسبب في التبرعات هو نية التبرع ، وكيف يتصور أن يتكون نية التبرع في ذاتها غير مشروعة ! إن وجه الاستحالة في ذلك هو الذي يفسر أن بعض أنصار النظرية التقليدية ، ومنهم كابيتان ، يجنحون إلى اعتبار السبب في التبرعات هو الباعث الدافع إلى التبرع . بل إن القانون الروماني ذاته يعتد بالباعث في الوصايا وبعض الهبات كما أسلفنا .
281 – وجوب استبعاد النظرية التقليدية في أية صورة من صورها : ويتبين مما قدمناه ، أن النظرية التقليدية في السبب نظرية عقيمة . وهي نظرية يمكن استبعادها دون أية خسارة تلحق القانون ، إذ يسهل تخريج جميع النتائج التي يراد أن تترتب عليها وذلك بالرجوع إلى أساس قانونين آخر لا علاقة له بالسبب .
ويستوى في ذلك أن تكون النظرية التقليدية كما هي على أصلها ، أو أن تكون محورة على النحو الذي يقول به كابيتان . وهناك من الفقهاء من يستبقى النظرية التقليدية ، ويقصرها على السبب في الالتزام ، ويضع إلى جانبها نظرية القضاء ، ويجعلها في العقد لا في الالتزام ، وبذلك تمكن المقابلة بين السبب في الالتزام والباعث في العقد ( [28] ) . فهذه صور ثلاث للنظريات التقليدية .
وفي أية صورة من هذه الصور الثلاث لا نرى للنظرية التقليدية نفعاً يخول لها حق البقاء ، إذ يمكن الاستغناء عنها كما رأينا أياً كان الثقوب الذي تلبسه . وما هي إلا اثر من آثار الصياغة الرومانية القديمة ، وقد زالت مقتضيات هذه الصياغة ، فوجب أن تزول معها . ووجب في الوقت الذي تنبذ فيه النظرية التقليدية ألا تنبذ فكرة السبب في ذاتها ، على أن تكون هي الفكرة الخصبة المنتجة التي تقوم على الباعث الدافع إلى التعاقد ، وهي النظرية التي قال بها القضاء الفرنسي . وننتقل الآن إليها .
2 – الأخذ بالنظرية الحديثة آلتي تقوم على الباعث الدافع إلى التعاقد
282 – السبب هو الباعث الدافع إلى التعاقد : لم تستطع النظرية التقليدية أن تواجه الحياة العملية ولم يستطع القضاء وهو الذي يعيش في غمار العمل أن ينتفع بها . لذلك لم يلبث القضاء الفرنسي أن خرج عليها خروجاً صريحاً ، فكسر الحواجز التي إقامتها هذه النظرية ما بين السبب والباعث ، وخلط بينهما خلطاً تاماً ، لا في التبرعات فحسب ، بل فيها وفي سائر العقود . وقد اكسب القضاء نظرية السبب بهذا المنهج مرونة لم تكن لها ، وأصبحت النظرية في يده منتجة نافعة لا غنى عنها ( [29] ) .
فالسبب في نظر القضاء هو الباعث الدافع الموجه ( mobile impulsive et determinant ) للملتزم في أن يلتزم . وما دامت الإرادة قد أصبحت حرة طليقة في أن تنشيء ما تشاء من الالتزامات ، وما دامت الإرادة لا بد لها من باعث يدفعها ، فلا أقل من أن يشترط القانون أن يكون هذا الباعث مشروعاً ، وأن يكون الغرض الذي ترمي الإرادة إلى تحقيقه غرضاً لا يحرمه القانون ولا يتعارض مع النظام العام ولا يتنافى مع الآداب . وبواعث الإرادة كثيرة متنوعة ، منها الدافع وغير الدافع ، ومنها الرئيسي وغير الرئيسي ، فالباعث الدافع الرئيسي هو الذي يعتد به ، ومتى أمكن الكشف عنه وجب الوقوف عنده ، إذ يكون هو السبب . بهذا المنطق الصحيح شق القضاء طريقه إلى النظرية الحديثة ( [30] ) ، وساير الفقه الحديث القضاء في هذا الطريق ( [31] ) .
وها نحن رجعنا ، بفضل ما عند القضاء من إحساس عملي ، إلى نظرية الفقهاء الكنسيين في السبب . وهي النظرية الخصبة المنتجة التي انحرف عنها دوما إلى النظرية التقليدية ، فكان هذا الانحراف سبباً في كل ما أحاط نظرية السبب من اضطراب وما أصابها من عقم طوال القرون الماضية ( [32] ) .
283 – مرونة الباعث وكيف ينضبط : والباعث بالتحديد الذي أسلفناه أكثر مرونة من السبب في النظرية التقليدية . ويكفي أن نعود إلى خصائص السبب ، نضعها إلى جانب خصائص الباعث ، لنرى النقيض إلى جانب النقيض . فقد قدمنا أن السبب معياره موضوعي وهو داخل في العقد لا يتغير في النوع الواحد من العقود ، أما الباعث فمعياره ذاتي وهو خارج عن العقد ويتغير من عقد إلى عقد بتغير المتعاقدين وما يدفعهم من البواعث . وما دام الباعث على هذا القدر من الذاتية والانفصال والتغير ، كان من الواجب أن ينظر كيف ينضبط ، حتى لا يكون مثاراً للتزعزع والقلقلة في التعامل .
ولا يجوز بداهة أن يعتد بالباعث الذي دفع أحد المتعاقدين إلى التعاقد إذا كان هذا الباعث مجهولا من المتعاقد الآخر ، وإلا استطاع أي متعاقد أن يتخلص من التزاماته بدعوى أن الباعث له على التعاقد – وهو أمر مستكن في خفايا الضمير – من شأنه أن يجعل العقد باطلا . فلا بد إذن من صلة وثيقة تربط كلا من المتعاقدين بالباعث ، ولا بد من ضابط يرجع إليه في ذلك . وقد رأينا مثل هذا في الغلط .
فما هو هذا الضابط ؟ أيكفي أن يكون الباعث معلوماً من الطرف الآخر ؟ أو يجب أن يكون متفقاً عليه بين المتعاقدين ؟ أو يصح التوسط بين هذين الحدين ، فيشترط أن يكون الطرف الآخر مساهما في الباعث الذي دفع الطرف الأول إلى التعاقد ، دون أن يصل إلى حد الاتفاق معه عليه ، ودون أن يقف عند حد مجرد العلم به ؟
ونأتي بمثل يوضح هذه المراتب المتدرجة . شخص يقترض نقوداً من آخر ليقامر بها . فالمقرض قد يجهل الغرض الذي أخذ المقترض النقود من اجله ، وفي هذه الحالة لا يعتد بالباعث الذي دفع المقترض إلى التعاقد ( [33] ) . وقد يكون المقرض صديقاً للمقترض ، عالماً بغرضه ، دون أن يقصد بالاقراض تمكين المقترض من الماقمرة ، وهذه هي مرتبة العلم . وقد يكون المقرض مرابياً يستثمر ماله في اقراض المقامرين ، فيكون قد قصد إلى تمكين المقترض من الماقمرة ، وهذه هي مرتبة المساهمة . وقد يكون المقرض هو الشخص الآخر الذي يقامر المقترض معه . فيتفقان على القرض للاستمرار في المقارمة ، وهذه هي مرتبة الاتفاق . فاية مرتبة من هذه المراتب الثلاث يتطلبها القانون حتى يعتد بالباعث ؟
رأينا كابيتان يقول بوجوب الوصول إلى مرتبة الاتفاق ، فلا يعتد بالباعث إلا إذا كان متفقاً عليه بين المتعاقدين ، والاتفاق وحده في نظر كابيتان هو الذي يدخل الباعث في دائرة التعاقد ( dans le champ contractual ) ( [34] ) . ولا شك في أن الفقيه الفرنسي الكبير قد اقترب بهذا القول من النظرية الحديثة في السبب ، ولكن دون أن يدخل في نطاقها ، فإن احداً من أنصار النظرية الحديثة لا يشترط وجوب الاتفاق على الباعث فيما بين المتعاقدين . وإنما هم منقسمون بين مرتبة العلم ومرتبة المساهمة .
أما القضاء الفرنسي فيكتفي بمرتبة العلم ، ويعتد بالباعث الذي دفع المتعاقد إلى التعاقد ، ما دام المتعاقد الآخر يعلم أو يستطيع أن يعلم بهذا الباعث ، كما هي الحال في الغلط . وسنرى بعد قليل تطبيقات مختلفة للقضاء الفرنسي تدور كلها في هذا النطاق .
والفقه يميز بين المعاوضات والتبرعات ، فيتطلب في الأولى مرتبة أعلى . ولكن الفقهاء يختلفون في تحديد هذه المرتبة .
فيذهب جويران إلى أنه يكفي أن يكون الباعث في المعاوضات معلوماً من المتعاقد الآخر ، حتى يكون في هذا وقاية للتعامل من أن يتزعزع . أما في التبرعات فإن الإرادة التي نقف عندها هي إرادة المتبرع وحده ، فهي الإرادة التي تسيطر على التصرف ، سواء في ذلك أن يتم التبرع بتقابل إرادتين كالهبة أو بإرادة واحدة كالوصية . وهو لذلك يعتد بالباعث الذي دفع المتبرع إلى تبرعه ، سواء كان معلوماً من الطرف الآخر أو كان مجهولا منه ( [35] ) .
ويذهب بواجيزان ( Bois – Juzan ) إلى وجوب الوصول إلى مرتبة المساهمة في المعاوضات والاكتفاء بمرتبة العلم في التبرعات . ذلك أن المعاوضات تختلف عن التبرعات في أن الأولى بذل فيها كل من المتعاوضين شيئاً من عنده ، فإرادة كل منهما تقوم بدور أساسي في تكوين العقد . ومن ثم وجب أن تساهم كل إرادة من هاتين الإرادتين في الباعث الذي دفع إلى التعاقد مساهمة ايجابية ، وأن تتعاون الارادتان معاً في تحقيق الغرض غير المشروع . أما في التبرعات فإرادة المتبرع وحدها هي الأساسية ، إذ المتبرع وحده هو الذي بذل . ومن ثم جاز الاقتصار على هذه المرتبة السلبية وهي مرتبة العلم ، فهي كافية لاستقرار التعامل ( [36] ) .
وإذا كان الذي يعنينا في انضباط معيار الباعث هو استقرار التعامل ، فالقضاء الفرنسي على حق فيما ذهب إليه من الاكتفاء بمرتبة العلم ، سواء كان التصرف تبرعاً أو معاوضة .
284 – تطبيقات مقتبسة من القضاء الفرنسي : نستعرض القضاء الفرنسي بعض تطبيقات للسبب مفهوماً بمعنى الباعث الذي دفع إلى التعاقد ، مرجئين القضاء المصري إلى حين الكلام في نظرية السبب في القانون المدني الجديد . ونتبع في هذا الاستعراض التقسيم الثلاثي المعروف للتصرفات إلى عقود ملزمة للجانبين وعقود عينية وتبرعات .
ففي العقود الملزمة للجانبين ، كثيراً ما يبطل القضاء في فرنسا عقوداً يكون الباعث إلى التعاقد فيها غير مشروع ، وإن كان السبب ، بالمعنى الذي تقول به النظرية التقليدية ، مشروعاً في هذه العقود . فالبيع أو الإيجار ، إذا وقع أي منهما على منزل يريد المشتري أو المستأجر إدارته للعهارة ، وكان البائع أو المؤجر عالماً بقصد المشتري أو المستأجر ، يكون باطلا طبقاً لأحكام القضاء الفرنسي . وقد أراد بعض الفقهاء التمييز بين فرضين : ( 19 منزل معد للعهارة يباع أو يؤجر بعد اعداده ، فيعتبر متجراً ( fonds de commerce ) لا مجرد مكان ، وفي هذه الحالة يكون البيع أو الإيجار باطلا لعدم مشروعية السبب وعدم مشروعية المحل معاً . ( 2 ) ومنزل يباع أو يؤجر قبل أن يعد للعهارة ، باعتبار أنه مكان لا متجر منه ولو كان قصد المشتري أو المستأجر أن يديره للعهارة ، وفي هذه الحالة لا يكون العقد باطلا طبقاً للنظرية التقليدية التي تميز بين السبب والباعث ( [37] ) . ولكن القضاء الفرنسي لمي أخذ بهذا التمييز ، فهو يبطل العقد في الفرضين ، جاعلا السبب هو الباعث ، جرياً على النظرية التي يأخذ بها ( [38] ) . ويفعل القضاء الفرنسي ذلك أيضاً في الإمكان الآتي تدار للمقارمة ، فبيع أو إيجار مبنى يراد به أن يكون مكاناً للمقامرة باطل ( [39] ) .
وفي العقود العينية ، يبطل القضاء الفرنسي قرضاً يكون قصد المقترض منه أن يتمكن من المقامرة ويكون المقرض عالماً بهذا القصد ، سواء كان مشتركا معه في المقارمة أو لم يكن ، وسواء كان يفيد منهذه المقارمة أو لم يكن يفيد ( [40] ) . ويبطل القرض أيضاً إذا كان الغرض منه أن يتمكن المقترض من الحصول علىمنزل يديره للعهارة ( [41] ) . أو أن يستبقى صلات غير شريفة تربطه بخليلة له ( [42] ) . وكالقرض رهن الحيازة ( [43] ) .
أما في التبرعات فقد كان القضاء الفرنسي اشد إمعاناً في جعل الباعث هو السبب . ولم يقف عند نية التبرع ، بل اعتد بالباعث على التبرع ، ونقب عن العوامل النفسية التي دفعت المتبرع إلى التجرد عن ماله دون مقابل ، أكان يريد الخير في ذاته ، أم يريد مصلحة خاصة مشروعة ، أم يرمى إلى غرض غير مشروع . فإذا تبين أن الباعث الذي دفع إلى التبرع غير شريف أو غير مشروع أبطل التبرع . والتطبيقات على هذا المبدأ كثيرة متنوعة نذكر أهمها : ( أولاً ) التبرع لولد غير شرعي : يقضي بالقانون المدني الفرنسي بان يكون نصيب الولد غير الشرعي في مال أبويه ، تبرعاً أو ميراثاً ، محصوراً في حدود ضيقة . فإذا زاد التبرع على الحد المفروض كان الإنقاص إلى هذا الحد واجباً .
أما إذا كانت البنوة غير الشرعية ليست ثابتة قانوناً ، فالتبرع جائز ولو زاد على الحد ، ما دام لم يثبت أن التبرع قد كان لولد غير شرعي . ولكن القضاء الفرنسي يبطل التبرع إذا ظهر أن الباعث للمتبرع على تبرعه هي علاقة بنوة غير شرعية ، فيجعل الباعث هو السبب ، ولا يكتفي بإنقاص التبرع إلى الحد الجائز ، بل يبطله جميعه ( [44] ) . ( ثانياً ) تبرع الخليل لخليلته : ويبطل القضاء الفرنسي تبرع الخليل لخليته إذا ثبت أن الباعث على هذا التبرع قد كان لإيجاد هذه العلاقة غير الشريفة أو لاستبقائها أو لإعادتها ( [45] ) . أما إذا كان الباعث على التبرع إنما هو تعويض الخليلة عما أصابها من الضرر بسبب هذه المعاشرة غير الشرعية بعد أن انقطعت ، فالباعث يكون مشروعاً والتبرع يكون صحيحاً ، بل هو في الواقع يعتبر وفاء الالتزام طبيعي ( [46] ) . وقد سبق بيان ذلك عند الكلام في محل الالتزام المخالف للآداب . ( ثالثاً ) تبرع الزوج لزوجته حتى يحملها على أن تنفصل عنه انفصالا ودياً : انفصال الزوجة عن زوجها ( separation des corps ) في القانون الفرنسي لا يكون إلا بعد إتباع إجراءات خاصة ، نص عليها هذا القانون ، أو يكون بالطلاق . وفيما عدا هاتين الحالتين فالاتفاق ما بين الزوجين على أن ينفصل أحدهما عن الآخر ( separation de fait ) دون إتباع الإجراءات المرسومة لذلك يكون غير مشروع . فإذا تبرع الزوج لزوجته حتى يحملها على الرضاء بهذا الانفصال الودي يكون سبب تبرعه ، أو الباعث عليه ، غير مشروع ، ويبطل التبرع ( [47] ) . ( رابعاً ) التبرع المقرون بشرط : إذا اقترن التبرع بشرط غير مشروع ، بطل الشرط ، وبقى التبرع ، وهذا ما تنص عليه المادة 900 من القانون المدني الفرنسي . إلا أن القضاء الفرنسي قد من هذا الحكم بفضل نظريته في السبب . فقد ميز في الشرط الذي يقترن به التبرع بين شرط دافع وشرط غير دافع ، فالثاني وحده هو الذي يطبق عليه نص المادة 900 ويبطل إذا كان غير مشروع مع بقاء التبرع قائماً . أما الشرط الدافع إلى التبرع ، أي الباعث على هذا التبرع ، فقد اعتبره القضاء سبباً لالتزام المتبرع ، ويترتب على ذلك أنه إذا كان غير مشروع ، فإن التبرع جميعه يكون باطلا ، ولا يقتصر الأمر على بطلان الشرط ( [48] ) .
( [1] ) أنظر بسطاً وافياً للنظرية التقليدية للسبب في ديمولومب 24 ص 329 وما بعدها .
( [2] ) وهذا هو الأصل الفرنسي : ‘ L’obligation n’existe que si elle a une eause certaine et licite’ .
( [3] ) وقد رأينا أصل هذا التمييز فيما نقله المحشون والبارتوليون عن الفلسفة اليونانية من التمييز بين السبب ( causa proxima , finalis ) والباعث ( causa remote, impulsive ) ( أنظر آنفاً فقرة 256 ) ، وفي التمييز الذي قال به بوتييه بين السبب بمعنى مصدر الالتزام والسبب بمعنى الغرض الذي يقصد إليه الملتزم ( أنظر آنفاً فقرة 260 في الهامش ) .
( [4] ) وهذا في غير القانون المصري الجديد الذي ألغى العقود العينية كما رأينا ، ولم يبق منها إلا هبة المنقول . ثم هذا بفرض أن العقود العينية ملزمة لجانب واحد كما يذهب إلى ذلك جمهور الفقهاء .
( [5] ) كابيتان في السبب فقرة 28 .
( [6] ) ويلاحظ أن القانون الروماني كان يأبى أن يدفع فكرة السبب في عقد البيع إلى حد أن يتطلب بقاء السبب بعد تكوين العقد ، بل كان يقف بفكرة السبب عند تكوين العقد ، دون أن يجاوز مرحلة التكوين إلى مرحلة التنفيذ . فلم يكن يسلم بأية نظرية من هذه النظريات الثلاث : الدفع بعدم التنفيذ والفسخ وتحمل المدين تبعة استحالة التزامه ( أنظر آنفاً فقرة 352 ) . فالنظرية التقليدية في السبب متقدمة في هذه الناحية على القانون الروماني .
( [7] ) ويتحقق انعدام السبب ، دون وهم أو إكراه ، في عقد احتمالي يسمى ” كرة الثلج ” ( boule de neige ) ( أنظر في ذلك نظرية العقد للمؤلف ص 551 هامش رقم 3 ) كما قد يتحقق في سائر العقود الاحتمالية – وهي عقود السبب فيها هو احتمال المكسب والخسارة في كل من الجانبين – فإذا انعدم هذا الاحتمال في جانب انعدم سبب الالتزام ، وقد يكون ذلك عن بينة وفي غير إكراه .
( [8] ) أنظر في هذا المعنى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 227 ) .
( [9] ) محكمة مصر الكلية الوطنية في 5 يونية سنة 1901 الحقوق 16 ص 179 . محكمة الاستئناف المختلطة في 27 يناير سنة 1909 م 21 ص 136 – وفي 8 ديسمبر سنة 1920 م 33 ص 59 – وفي 24 فبراير سنة 1921 م 34 ص 83 – و في 12 يناير سنة 1922 ص 34 ص 119 .
( [10] ) اوبرى ورو 4 ص 553 – لارو مبيير م 1132 فقرة 11 – ديمولومب 24 فقرة 335 – لوران 16 فقرة 150 – بفنوار ص 541 .
( [11] ) نقض فرنسي في أول مايو سنة 1855 داللوز 1855 – 1 – 147 .
( [12] ) محكمة عابدين الجزئية في 17 مارس سنة 1915 المجموعة الرسمية 16 رقم 56 – وانظر أيضاً محكمة مصر المختلطة في 8 ديسمبر سنة 1919 جازيت 11 رقم 99 .
( [13] ) ويؤيد هذا الرأي والتون ( جزء أول ص 285 – ص 288 ) والدكتور محمد صالح بك ( الالتزامات ص 254 ) .
( [14] ) 24 فبراير سنة 1921 م 34 ص 85 – وانظر أيضاً محكمة مصر المختلطة في 23 يناير سنة 1922 جازيت 12 رقم 161 ص 90 .
( [15] ) سنة 1826 ص 250 – ص 264 .
( [16] ) جزء 16 فقرة 111 .
( [17] ) في رسالة عنوانها : ” بمناسبة تنقيح القانون المدني ، السبب في العقود ” بروكسل سنة 1890 :
‘ A propos de la revision du Code Civil – De la Cause dans les conventions’ . Bruxelles 1890 .
( [18] ) نذكر منهم أرتير ( Artur ) في السبب في القانون الروماني والقانون الفرنسي باريس سنة 1878 – تامبال ( Timbal ) في السبب في العقود والالتزامات تولوز سنة 1882 – سيفريادس ( Seferiades ) بحث انتقادي في نظرية السبب باريس سنة 1897 – أنظر أيضاً هيك الجزآن السادس والسابع .
( [19] ) الجزء الثاني فقرة 1037 – فقرة 1039 .
( [20] ) الجزء الأول فقرة 321 – فقرة 327 .
( [21] ) ” نظرية السبب ” بروكسل سنة 1919 .
( [22] ) ويقول الأستاذ والتون إن نظرية السبب التقليدية مثار للنقد الشديد ، ويتوقع أن التقنين المدني عند تنقيحه يستبعد فكرة السبب كركرن في الالتزام ، ويسير في ذلك على نهج التقنينين الألماني والسويسر ( والتون 1 ص 59 – ص 60 ) .
( [23] ) أنظر أيضاً علماء الفقه التقليدي كأوبري ورو وديمولومب وبيدان وبفنوار . وانظر بريسو في رسالة من بوردو سنة 1879 ، وكولان في رسالة من باريس سنة 1895 ويوناسكو في السبب سنة 1923 .
( [24] ) ويبني كابيتان على أن السبب هو تنفيذ الالتزام لا وجوده ارتباط مصير كل من الالتزامين المتقابلين بمصير الالتزام الآخر . ويرتب على هذا الارتباط نظريات الفسخ والدفع بعدم التنفيذ وتحمل التبعة ، فهذه النظريات جميعاً لا يمكن أن تقوم إلا على أساس أن السبب هو تنفيذ الالتزام لا وجوده .
ويحدد كابيتان السبب في العقد الملزم للجانبين إذا كان احتمالياً بوجود الاحتمال ذاته في العقد ( السبب فقرة 18 ص 40 ) ، وفي العقد الملزم للجانبين الذي يتوخى فيه جميع المتعاقدين غرضاً مشتركا ، كالجمعيات والشركات ، بالغرض المشترك الذي قصد المتعاقدون تحقيقه ( السبب فقرة 19 ) .
( [25] ) كابيتان في السبب فقرة 25 – ويستعرض كابيتان العقود الأخرى الملزمة لجانب واحد : فالوكالة بغير اجر سبب الالتزام فيها هو إسداء جميل للموكل كما في الوديعة بغير اجر – والوعد بالتعاقد سبب الالتزام فيه هو إتمام التعاقد النهائي – والالتزام بوفاء دين يختلف السبب فيه ، فهو تارة يكون فكرة التبرع ، وطوراً يكون فكرة التجديد ، وثالثة يكون تحويل التزام طبيعي إلى التزام مدني ( ويرى كابيتان أن الاعتراف بالالتزام الطبيعي ليس تجديداً له بل هو إنشاء لالتزام مدني السبب فيه هو الالتزام الطبيعي ) – والكفالة سبب التزام الكفيل فيها العلاقة بينه وبين المدين ، وكذلك الإنابة في الوفاء ، وقد يكون هذا السبب تبرعا ، وقد يكون وفاء لدين في ذمة الكفيل للمدين أو في ذمة المناب للمنيب ، أو قرضاً يعطيه الأول للثاني ( كابيتان في السبب فقرة 26 – فقرة 32 ) .
( [26] ) إلى جانب الحالتين اللتين رأينا كابيتان يخلط فيهما الباعث بالسبب توجد حالة ثالثة يعتد فيها كابيتان بالباعث أيضاً ، وذلك إذا أدخل المتعاقدان الباعث في دائرة التعاقد ( champ contractual ) ، وأصبح جزءاً من العقد متفقاً عليه . ويختلف كاسبيتان في هذا عن النظرية الحديثة ، فعنده لا تكفي للاعتداد بالباعث أن يكون معروفاً من المتعاقدين كما تقول النظرية الحديثة ، بل يجب أن يكون متفقاً عليه بينهما ( كابيتان في السبب ص 244 ) .
( [27] ) ويعتبر القرض في هذه الحالة عقداً ملزماً للجانبين ، يلتزم به المقرض أن يسلم للمقترض مبلغ القرض ، ويلتزم به المقرض أن يرد هذا المبلغ للمقرض . فهناك ارتباط ظاهر بين الالتزامين ، وسنرى أن فكرة الارتباط في العقود الملزمة للجانبين تغني عن فكرة السبب . فإذا لم ينفذ المقرض التزامه ، سقط التزام المقترض لما يوجد من ارتباط بين الالتزامين .
( [28] ) أنظر بلانيول وريبير وإسمان 1 فقرة 252 ص 350 – فيفورنو في العقد في المشروع الفرنسي الإيطالي وفي القانون المقارن فقرة 124 ص 432 – ص 433 – أنظر أيضاً أوبرى وروى 4 فقرة 345 هامش رقم 1 – ديمانت وكولميه دي سانتير 5 فقرة 46 .
( [29] ) أنظر في المقابلة ما بين جمود النظرية التقليدية ومرونة النظرية الحديثة إلى بنكاز ملحق بودري 2 فقرة 550 وفقرة 613 .
( [30] ) أنظر في تحليل القضاء إلى دابان في نظرية السبب فقرة 152 – فقرة 165 .
( [31] ) ديموج 2 فقرة 746 ص 543 – ليفي اولمان في مذكراته في الالتزامات في الريع الأول من القرن العشرين ص 320 وص 328 – ص 334 – بنكاز ملحق بودري جزء 2 فقرة 608 و 609 و 212 – جوسران 2 فقرة 148 .
( [32] ) وليست نظرية الباعث خصبة فحسب في نطاق القانون المدني والقانون الخاص بوجه عام ، بل هي أيضاً خصبة في نطاق القانون العام . . فنظرية التعسف في استعمال السلطة في القانون الإداري – وهي التي بنى على غرارها نظرية التعسف في استعمال الحق في القانون المدني – إنما هي تطبيق لفكرة الباعث . فإذا كان الباعث للموظف الذي صدر منه القرار الإداري غير مشروع ، كان القرار باطلا للتعسف في استعمال السلطة .
وكما جاز أن يقال بالتعسف في استعمال السلطة الإدارية تطبيقاً لفكرة الباعث ، إلا يجوز أن يقال بالتعسف في استعمال السلطة التشريعية تطبيقاً للفكرة ذاتها ؟ فلا يكون العيب في التشريع أن يكون مخالفاً للدستور فحسب ، كما يخالف القرار الإداري القانون ، بل يجوز ايضاً أن يكون التشريع منطوياً على تعسف إذا هو مثلا مس حقوقاً مكتسبة لا ينبغي أن تمس ، أو إذا كان تحت ستار أن ه قاعدة عامة مجردة لم يتناول في الواقع إلا حالة فردية ذاتية ؟ هذا أمر نكتفي بالإشارة إليه ، فليس هنا مكان البحث فيه .
( [33] ) ومع ذلك يعتد ريبير بالباعث حتى إذا انفرد به أحد المتعاقدين ولم يعلمه المتعاقد الآخر ، اغرقاً منه في فكرته المأثورة من وجوب اخضاع التعامل لقواعد الآداب ( القاعدة الأدبية في الاتلزامات فقرة 35 ص 65 ) .
( [34] ) أنظر آنفاً فقرة 274 في الهامش – وانظر كابيتان في السبب ص 244 .
( [35] ) أنظر جوسران في البواعث ( Les Mobiles ) فقرة 159 ص 201 وفقرة 160 ص 203 .
( [36] ) أنظر بواجيزان ( Bois – Juzan ) في السبب في القانون الفرنسي ص 573 – ص 580 .
( [37] ) لوران 25 فقرة 65 – بودري وفال 1 فقرة 157 .
( [38] ) أنظر كتاب الإيجار للمؤلف فقرة 113 ص 157 – وانظر أيضاً كابيتان في السبب فقرة 110 – ومن الأحكام الفرنسية التي قضت ببطلان عقد الإيجار إذا كان المستأجر قد قصد إدارة العين المؤجرة للعهارة : محكمة ليون الإستئنافية في 11 يولية سنة 1862 سيريه 63 – 2 – 165 – محكمة باريس الإستئنافية في 26 ديسمبر سنة 1899 جازيت دي باليه 1900 – 1 – 132 . وهناك أحكام قضت ببطلان عقد الاستخدام في محل يدار للعهارة : عمحكمة النقض الفرنسية في 11 نوفمبر سنة 1890 داللوز 91 – 1 – 484 . وأحكام قضت ببطلان عقد بيع مفروشات لمحل يدار للعهارة : محكمة السين التجارية في أول مايو سنة 1888 جازيت دي باليه 88 – 1 – 797 . وأحكام قضت ببطلان بيع مشروبات اشتراها مرشح في الانتخاب لتقديمها إلى الناخبين حتى يحملهم على انتخابه وكان بائع المشروبات يعرف قصد المشتري : محكمة تارب ( Tarbes ) الابتدائية في 14 مارس سنة 1899 داللوز 1904 – 2 – 201 .
( [39] ) محكمة بو الإستئنافية في 28 يونية سنة 1906 سيريه 1907 – 2 – 61 – متجر ) – محكمة نيس الابتدائية في 18 نوفمبر سنة 1909 جازيت دي تربيينو 1910 – 1 – 119 ( مجرد مكان ) .
( [40] ) نقض فرنسي في 4 يوليوة سنة 1892 داللوز 92 – 1 – 500 .
( [41] ) نقض فرنسي في أول ابريل سنة 1895 سيريه 96 – 1 – 289 .
( [42] ) نقض فرنسي في 17 ابريل سنة 1923 داللوز 1923 – 1 – 172 .
( [43] ) أنظر مذكرات الأستاذ ليفي أولمان في الالتزامات في الربع الأول من القرن العشرين ص 327 .
( [44] ) نقض فرنسي في 6 ديسمبر سنة 1876 داللوز 77 – 1 – 492 – وفي 29 يونيه سنة 1887 سيريه 87 – 1 – 358 .
( [45] ) نقض فرنسي في 8 يولية سنة 1925 سيريه 1927 – 1 – 294 – وفي 8 يونية سنة 1926 داللوز 1927 – 1 – 113 .
( [46] ) نقض فرنسي في 11 مارس سنة 1918 سيريه 1918 – 1 – 170 .
( [47] ) نقض فرنسي في 2 يناير سنة 1907 داللوز 1907 – 1 – 137 .
( [48] ) نقض فرنسي في 17 يولية سنة 1883 سيريه 84 – 1 – 305 – وفي 8 مايو سنة 1901 داللوز 1902 – 1 – 220 – وفي 23 يوليوة سنة 1913 داللوز 1915 – 1 – 49 – وفي 31 أكتوبر سنة 1922 داللوز 1922 – 1 – 239 .
منشور في مقال أقوى محامي الأردن
قوانين أردنية مهمة :
قانون التنفيذ الأردني وفق أحدث التعديلات
قانون العقوبات الأردني مع كامل التعديلات
قانون التنفيذ الأردني مع التعديلات
قانون المخدرات والمؤثرات العقلية
القانون المدني الأردني
قانون أصول المحاكمات الجزائية
قانون الملكية العقارية الأردني
قانون الجرائم الإلكترونية
قانون محاكم الصلح
جدول رسوم المحاكم
قانون العمل الأردني
قانون البينات الأردني
قانون أصول المحاكمات المدنية
مواضيع قانونية مهمة :
شروط براءة الاختراع في القانون الأردني
شروط براءة الاختراع في القانون الأردني
جريمة النصب في القانون المغربي
الذم والقدح والتحقير والتشهير
انعدام الأهلية ونقصها
صفة التاجر مفهومها وشروطها
جريمة إساءة الأمانة
أحدث نموذج عقد إيجار
عقد البيع أركانه وآثاره
